الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ مُعَاذٍ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، وَقِيلَ: مَكْحُولٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامُرَ عَنْ مُعَاذٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَمْ يَصِحَّ. الرَّابِعَةُ: أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ لَيْسَ مِمَّنْ يُقْبَلُ تَفَرُّدُهُ بِمِثْلِ هَذَا؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَا حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ الْقَوْلِ بِهِ فَبَاطِلٌ عَنْهُ لَا يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ، وَكُلُّ مَا حَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ فَمُسْتَنَدُهُ حِكَايَةُ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ أَوْ مَنْ تَلَقَّاهَا عَنْهُ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ الثَّانِي، فَإِسْنَادُهُ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ حَتَّى انْتَهَى أَمْرُهُ إلَى الْكَذَّابِ إِسْحَاقَ بْنِ نَجِيحٍ الْمَلْطِيِّ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ الثَّالِثُ؛ فَالْجَارُودُ بْنُ يَزِيدَ قَدْ ارْتَقَى مِنْ حَدِّ الضَّعْفِ إلَى حَدِّ التَّرْكِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْآثَارَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَا مُسْتَرَاحَ فِيهَا.
[فَصْلٌ الْقَوْلُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ جُمْلَةَ الطَّلَاقِ]
فَصْلٌ:
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ يَرْفَعُ جُمْلَةَ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَصِحَّ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا " فَمَا أَبْرَدَهَا مِنْ حُجَّةٍ؛ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمْ يَرْفَعْ حُكْمَ الطَّلَاقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ انْعِقَادِهِ مُنَجَّزًا، بَلْ انْعَقَدَ مُعَلَّقًا، كَقَوْلِهِ:" أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ " فَلَمْ يَشَأْ فُلَانٌ؛ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ رَفَعَ جُمْلَةَ الطَّلَاقِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ ": إنَّهُ مِنْ إنْشَاءِ حُكْمٍ فِي مَحَلٍّ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِالْمَشِيئَةِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ " فَأَبْرَدُ مِنْ الْحُجَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ فَإِنَّ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إزَالَةُ مِلْكٍ؛ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ كَالْإِبْرَاءِ " فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ مُطْلَقًا عِنْدَكُمْ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ مَشِيئَةَ اللَّهِ أَوْ غَيْرَهَا، فَلَوْ قَالَ:" أَبْرَأْتُك إنْ شَاءَ زَيْدٌ " لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ:" أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ " صَحَّ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى مَا لَا سَبِيلَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ " فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى مَا لَنَا سَبِيلٌ إلَى عِلْمِهِ؛ فَإِنَّهُ إذَا أَوْقَعَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلِمْنَا وُجُودَ الشَّرْطِ قَطْعًا، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ " إنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَهُ بِتَكَلُّمِ الْمُطَلِّقِ بِهِ " فَاَلَّذِي شَاءَهُ اللَّهُ إنَّمَا هُوَ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ، وَالطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ لَمْ يَشَأْهُ اللَّهُ؛ إذْ لَوْ شَاءَهُ لَوَقَعَ، وَلَا بُدَّ، فَمَا شَاءَهُ اللَّهُ لَا يُوجِبُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ، وَمَا يُوجِبُ وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ لَمْ يَشَأْهُ اللَّهُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ شَرْعًا وَقَدَرًا " فَنَعَمْ وَضَعَ تَعَالَى الْمُنَجَّزَ لِإِيقَاعِ الْمُنَجَّزِ، وَالْمُعَلَّقَ لِوُقُوعِهِ عِنْدَ وُقُوعِ مَا عُلِّقَ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " لَوْ لَمْ يَشَأْ الطَّلَاقَ لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُكَلَّفِ فِي التَّكَلُّمِ بِهِ " فَنَعَمْ شَاءَ الْمُعَلَّقَ، وَأَذِنَ فِيهِ، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلُكُمْ:" إنَّ هَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِالْفِعْلِ: أَنَا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ:" أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذَا التَّطْلِيقَ الَّذِي صَدَرَ مِنِّي " لَزِمَهُ الطَّلَاقُ قَطْعًا؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِيمَا إذَا أَرَادَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا " أَوْ أَطْلَقَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَلَا يَنْبَغِي النِّزَاعُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُظَنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ يُنَازِعُ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ:" إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُطَلِّقَك غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " إلَّا أَنْ يَسْتَرْوِحَ إلَى ذَلِكَ الْمَسْلَكِ الْوَخِيمِ أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْمُسْتَحِيلِ فَلَغَا التَّعْلِيقَ كَمَشِيئَةِ الْحَجَرِ وَالْمَيِّتِ.
وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْطِ لُغَةً وَشَرْعًا وَعُرْفًا، وَهُوَ اقْتِضَاؤُهُ لِلْوُقُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِ يُوسُفَ لِأَبِيهِ، وَإِخْوَتِهِ:{ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنْ عَادَ إلَى الْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى الدُّخُولِ الْمُقَيَّدِ بِهِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ حَالَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَهَا عِنْدَ تَلَقِّيهِ لَهُمْ، وَيَكُونُ دُخُولُهُمْ عَلَيْهِ فِي مَنْزِلِ اللِّقَاءِ فَقَالَ لَهُمْ حِينَئِذٍ {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] فَهَذَا مُحْتَمَلٌ.
وَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِهِمْ عَلَيْهِ فِي دَارِ مَمْلَكَتِهِ فَالْمَعْنَى اُدْخُلُوهَا دُخُولَ اسْتِيطَانٍ وَاسْتِقْرَارٍ آمَنِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّهُ لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ إسْلَامُهُ فِي الْحَالِ " فَنَعَمْ إذًا؛ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ تَنَجَّزَ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ الرِّدَّةَ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهَا تُنَجَّزُ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ تَكَلُّمَهُ بِالطَّلَاقِ، فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَحْقِيقٌ لِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَهُ " فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا شَاءَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ شَاءَ الْمُنَجَّزَ؟ ، وَلَمْ تَذْكُرُوا عَلَيْهِ دَلِيلًا.
وَقَوْلُكُمْ: " إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ اللَّهُ أَذِنَ فِي الطَّلَاقِ أَوْ أَبَاحَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا " فَمَا أَعْظَمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَأَبَيْنَهُ حَقِيقَةً وَلُغَةً،، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ عَنْ تَكَلُّفِ بَيَانِهِ؛ فَإِنَّ بَيَانَ الْوَاضِحَاتِ نَوْعٌ مِنْ الْعِيِّ، بَلْ نَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ شَاءَ تَلَفُّظِي بِهَذَا اللَّفْظِ؛ فَهَذَا يَقَعُ قَطْعًا.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ الْكَفَّارَةَ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَمْنَعُ عَقْدَهَا، وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْ الْكَفَّارَةُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَالِاسْتِثْنَاءُ أَوْلَى " فَمَا أَوْهَنَهَا مِنْ شُبْهَةٍ، وَهِيَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا شَيْءَ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ إذَا وَقَعَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ شَيْئًا، وَلَا يُمْكِنُ حِلُّهُمَا بِالْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ الْأَيْمَانِ فَإِنَّ حِلَّهَا بِالْكَفَّارَةِ مُمْكِنٌ، وَهَذَا تَشْرِيعٌ شَرَعَهُ شَارِعُ الْأَحْكَامِ هَكَذَا، فَلَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ؛ فَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَقْبَلُ الْكَفَّارَةَ كَمَا لَمْ تَقْبَلْهَا سَائِرُ الْعُقُودِ كَالْوَقْفِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْخُلْعِ، فَالْكَفَّارَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَيْمَانِ، وَهِيَ مِنْ أَحْكَامِهَا الَّتِي لَا تَكُونُ لِغَيْرِهَا، وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَيُشْرَعُ فِي أَعَمَّ مِنْ الْيَمِينِ كَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْخَبَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ: صلى الله عليه وسلم «وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» وَقَوْلِهِ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: «بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ» ، وَكَذَا الْخَبَرُ عَنْ الْحَالِ نَحْوَ " أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ "، وَلَا تَدْخُلُ الْكَفَّارَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّكْفِيرِ تَلَازُمٌ.
بَلْ تَكُونُ الْكَفَّارَةُ حَيْثُ لَا اسْتِثْنَاءَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ حَيْثُ لَا كَفَّارَةَ، وَالْكَفَّارَةُ شُرِعَتْ تَحِلَّةً لِلْيَمِينِ بَعْدَ عَقْدِهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ شُرِعَ لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ تَأْكِيدُ التَّوْحِيدِ، وَتَعْلِيقُ الْأُمُورِ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ؛ فَشُرِعَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُفَوِّضَ الْأَمْرَ الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ، وَحَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ؛ وَيَعْقِدُ نُطْقَهُ بِذَلِكَ، فَهَذَا شَيْءٌ، وَالْكَفَّارَةُ شَيْءٌ آخَرُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنْ كَانَ رَافِعًا فَهُوَ رَافِعٌ لِجُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَا يَرْتَفِعُ " فَهَذَا كَلَامٌ عَارٍ عَنْ التَّحْقِيقِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ بِأَدَاةِ إلَّا، وَأَخَوَاتِهَا الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا بَعْضُ الْمَذْكُورِ، وَيَبْقَى بَعْضُهُ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذَكَرْتُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ يَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ، ثُمَّ كَيْفَ يَقُولُ هَذَا الْقَائِلُ فِي قَوْلِهِ:" أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ الْيَوْمَ "، وَلَمْ يَشَأْ؟ فَمُوجِبُ دَلِيلِهِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ أَخْرَجَهُ بِأَدَاةِ إلَّا فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ " كَانَ رَفْعًا لِجُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، قِيلَ: هَذِهِ مَغْلَطَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هَاهُنَا لَيْسَ إخْرَاجُ جُمْلَةِ مَا تَنَاوَلَهُ الْمَذْكُورُ؛ لِيَلْزَمَ مَا ذَكَرْت، وَإِنَّمَا هُوَ تَقْيِيدٌ لِمُطْلَقِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِجُمْلَةٍ أُخْرَى مُخَصَّصَةٍ لِبَعْضِ أَحْوَالِهَا، أَيْ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ حَالَةٍ إلَّا حَالَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ حَالَةٌ لَا يَشَاءُ اللَّهُ فِيهَا الطَّلَاقَ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ طَلَاقٌ بَعْدَ هَذَا عَلِمْنَا بِعَدَمِ وُقُوعِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ الطَّلَاقَ؛ إذْ لَوْ شَاءَهُ لَوَقَعَ.
ثُمَّ يُنْتَقَضُ هَذَا بِقَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ " وَ " إلَّا أَنْ تَقُومِي " وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إذَا لَمْ يَشَأْهُ زَيْدٌ، وَإِذَا لَمْ تَقُمْ، وَسَمَّى هَذَا التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِثْنَاءً فِي لُغَةِ الشَّارِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17]{وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 18] أَيْ: لَمْ
يَقُولُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَمَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى؛ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ ثَنَيْتُ الشَّيْءَ، كَأَنَّ الْمُسْتَثْنِيَ بِإِلَّا قَدْ عَادَ عَلَى كَلَامِهِ فَثَنَى آخِرَهُ عَلَى أَوَّلِهِ بِإِخْرَاجِ مَا أَدْخَلَهُ أَوَّلًا فِي لَفْظِهِ، وَهَكَذَا التَّقَيُّدُ بِالشَّرْطِ سَوَاءٌ؛ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ قَدْ ثَنَى آخِرَ كَلَامِهِ عَلَى أَوَّلِهِ فَقَيَّدَ بِهِ مَا أَطْلَقَهُ أَوَّلًا، وَأَمَّا تَخْصِيصُ الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا، وَأَخَوَاتِهَا فَعُرْفٌ خَاصٌّ لِلنُّحَاةِ.
وَقَوْلُكُمْ: " إنْ كَانَ شَرْطًا، وَيُرَادُ بِهِ إنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ شَاءَ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَنْفُذُ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ بِمَشِيئَتِهِ لِسَبَبِهِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُطَلِّقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ عَلَّقَهُ بِمَا لَا سَبِيلَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ فَيَلْغُو التَّعْلِيقُ وَيَبْقَى أَصْلُ الطَّلَاقِ " فَهَذَا هُوَ أَكْبَرُ عُمْدَةِ الْمُوَقِّعِينَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ شَاءَ تَكَلُّمِي بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ شَاءَ طَلَاقَك بِهَذَا اللَّفْظِ طَلُقَتْ، وَلَكِنَّ الْمُسْتَثْنِيَ لَمْ يُرِدْ هَذَا، بَلْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى بَالِهِ، فَبَقِيَ الْقِسْمُ الْآخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْك فِيمَا يَأْتِي، فَهَذَا تَعْلِيقٌ صَحِيحٌ مَعْقُولٌ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ بِوُجُودِ سَبَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَا لَا يَخْرُجُ عَنْهُ كَائِنٌ، فَوَجَبَ نُفُوذُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ عَلِمَ اللَّهُ، أَوْ إنْ قَدَّرَ اللَّهُ، أَوْ سَمِعَ اللَّهُ - إلَى آخِرِهِ " فَمَا أَبْطَلَهَا مِنْ حُجَّةٍ، فَإِنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَبَطَلَ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْأَيْمَانِ لِمَا ذَكَرْتُمُوهُ بِعَيْنِهِ، وَلَا نَفَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُسْتَثْنِيَ لَمْ يَخْطُرْ هَذَا عَلَى بَالِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَفْوِيضَ الْأَمْرِ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَعْلِيقِهِ بِهِ، وَأَنَّهُ إنْ شَاءَهُ نَفَذَ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْهُ لَمْ يَقَعْ، وَلِذَلِكَ كَانَ مُسْتَثْنِيًا، أَيْ: وَإِنْ كُنْت قَدْ الْتَزَمْت الْيَمِينَ أَوْ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ فَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ بَعْدَ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَبَعًا لَهَا، فَإِنْ شَاءَهُ فَهُوَ تَعَالَى يُنْفِذُهُ بِمَا يُحْدِثُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَلَمْ يُرِدْ الْمُسْتَثْنِيَ إنْ كَانَ لِلَّهِ مَشِيئَةٌ أَوْ عِلْمٌ أَوْ سَمْعٌ أَوْ بَصَرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ ذَلِكَ بِبَالِهِ أَلْبَتَّةَ.
يُوَضِّحُهُ: أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَلَا سِيَّمَا بِأَدَاةِ " إنْ " الَّتِي لِلْجَائِزِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَلَوْ شَكَّ فِي هَذَا لَكَانَ ضَالًّا، بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ الْخَاصَّةِ، فَإِنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالطَّلَاقِ، وَأَنْ لَا تَتَعَلَّقَ بِهِ، وَهُوَ شَاكٌّ فِيهَا كَمَا يَشُكُّ الْعَبْدُ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ هَلْ شَاءَهُ أَمْ لَا؟ فَهَذَا هُوَ الْمَعْقُولُ الَّذِي فِي فِطَرِ الْحَالِفِينَ وَالْمُسْتَثْنِينَ، وَحَذْفُ مَفْعُولِ الْمَشِيئَةِ لَمْ يَكُنْ لِمَا ذَكَرْتُمْ، وَهُوَ عَدَمُ إرَادَةِ مَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَتَعَيُّنِ إرَادَتَهُ؛ إذْ الْمَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ.
كَمَا لَوْ قَالَ: " وَاَللَّهِ لَأُسَافِرَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ " أَيْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ سَفَرِي، وَلَيْسَ مُرَادُهُ إنْ كَانَ لِلَّهِ صِفَةٌ هِيَ الْمَشِيئَةُ؛ فَاَلَّذِي قَدَّرْتُمُوهُ مِنْ الْمَشِيئَةِ الْمُطْلَقَةِ هُوَ الَّذِي لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِ الْحَالِفِ وَالْمُطَلِّقِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ سَوَاءٌ هُوَ الْمَشِيئَةُ الْمُعَيَّنَةُ الْخَاصَّةُ.
وَقَوْلُكُمْ: " إنَّ الْمُسْتَثْنِيَ لَوْ سُئِلَ عَمَّا أَرَادَ لَمْ يُفْصِحْ بِالْمَشِيئَةِ الْخَاصَّةِ، بَلْ تَكَلَّمَ بِلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ التَّكَلُّمِ بِهَذَا اللَّفْظِ " كَلَامٌ غَيْرُ سَدِيدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا نَفَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي يَمِينٍ قَطُّ، وَلِهَذَا نَقُولُ: إنْ قَصَدَ التَّحْقِيقَ وَالتَّأْكِيدَ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ يُنَجَّزُ الطَّلَاقُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ " إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَابُهُ الْأَيْمَانُ " إنْ أَرَدْتُمْ بِهِ اخْتِصَاصَ الْأَيْمَانِ بِهِ فَلَمْ تَذْكُرُوا عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى» ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ؛ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ» فَحَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَكِنْ لَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ بِالْيَمِينِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23]{إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَيُشْرَعُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْخَبَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، كَقَوْلِهِ: غَدًا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ عَتَبَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَنْ أَشْيَاءَ " غَدًا أُخْبِرُكُمْ "، وَلَمْ يَقُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَاحْتَبَسَ الْوَحْيُ عَنْهُ شَهْرًا، ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ:{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23 - 24] أَيْ: إذَا نَسِيتَ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءَ عَقِيبَ كَلَامِك فَاذْكُرْهُ بِهِ إذَا ذَكَرْت، هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَرَاخِي، وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ عَبَّاسٍ قَطُّ، وَلَا مَنْ هُوَ دُونَهُ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ " أَوْ لِعَبْدِهِ: " أَنْتَ حُرٌّ " ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَنَةٍ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " إنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ، وَأَخْطَأَ مَنْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَلْبَتَّةَ، وَلَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَخْتَصُّ بِالْيَمِينِ لَا شَرْعًا، وَلَا عُرْفًا، وَلَا لُغَةً، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِكَوْنِ بَابِهِ الْأَيْمَانَ كَثْرَتَهُ فِيهَا؛ فَهَذَا لَا يَنْفِي دُخُولُهُ فِي غَيْرِهَا.
وَقَوْلُكُمْ: " إنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِخْبَارَاتِ، وَلَا فِي الْإِنْشَاءَاتِ، فَلَا يُقَالُ: قَامَ زَيْدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَا قُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ [وَلَا بِعْت إنْ شَاءَ اللَّهُ] فَكَذَا لَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَلَيْسَ هَذَا بِتَمْثِيلٍ صَحِيحٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمَاضِيَةَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَالشَّرْطُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِقْبَالِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: قُمْت أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَوْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ وُقُوعِهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَتَى بِغَيْرِ صِيغَةِ الشَّرْطِ، فَيَقُولُ: فَعَلْت كَذَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: غَدًا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ:" قُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَ " لَا تَقُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْكَلَامِ؛ إذْ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، فَأَيُّ مَعْنًى لِقَوْلِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لَك الْقِيَامَ فَقُمْ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْهُ فَلَا تَقُمْ؟ .
نَعَمْ لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ قُمْ أَوْ لَا تَقُمْ الْخَبَرَ، وَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الطَّلَبِ تَأْكِيدًا، أَيْ: تَقُومُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، صَحَّ ذَلِكَ، كَمَا إذَا قَالَ: