الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَقَّ أَوْ كَذَبَ فِيهِ فَقَدْ حَادَّ اللَّهَ فِي شَرْعِهِ وَدِينِهِ، وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ سُنَّتَهُ أَنْ يَمْحَقَ عَلَيْهِ بَرَكَةَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، كَمَا أَجْرَى عَادَتَهُ سُبْحَانَهُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا كَتَمَا وَكَذَبَا أَنْ يَمْحَقَ بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا، وَمَنْ الْتَزَمَ الصِّدْقَ وَالْبَيَانَ مِنْهُمْ فِي مَرْتَبَتِهِ بُورِكَ لَهُ فِي عِلْمِهِ وَوَقْتِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ عَلِيمًا، فَبِالْكِتْمَانِ يَعْزِلُ الْحَقَّ عَنْ سُلْطَانِهِ، وَبِالْكَذِبِ يَقْلِبُهُ عَنْ وَجْهِهِ، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَجَزَاءُ أَحَدِهِمْ أَنْ يَعْزِلَهُ اللَّهُ عَنْ سُلْطَانِ الْمَهَابَةِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ الَّذِي يُلْبِسُهُ أَهْلَ الصِّدْقِ وَالْبَيَانِ، وَيُلْبِسُهُ ثَوْبَ الْهَوَانِ وَالْمَقْتِ وَالْخِزْيِ بَيْنَ عِبَادِهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَازَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ الْكَاذِبِينَ الْكَاتِمِينَ بِطَمْسِ الْوُجُوهِ وَرَدِّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا كَمَا طَمَسُوا وَجْهَ الْحَقِّ وَقَلَبُوهُ عَنْ وَجْهِهِ جَزَاءً وِفَاقًا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] .
[مِنْ أَدَبِ الْمُفْتِي أَلَّا يَنْسِبَ الْحُكْمَ إلَى اللَّهِ إلَّا بِنَصٍّ]
[مِنْ أَدَبِ الْمُفْتِي أَلَّا يَنْسِبَ الْحُكْمَ إلَى اللَّهِ إلَّا بِنَصٍّ] الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ:
(لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِأَنَّهُ أَحَلَّ كَذَا أَوْ حَرَّمَهُ أَوْ أَوْجَبَهُ أَوْ كَرِهَهُ إلَّا لِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ كَذَلِكَ مِمَّا نَصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَى إبَاحَتِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ أَوْ إيجَابِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ) .
(وَأَمَّا مَا وَجَدَهُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي تَلَقَّاهُ عَمَّنْ قَلَّدَهُ دِينَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِهِ) ، وَيَغُرَّ النَّاسَ بِذَلِكَ، وَلَا عِلْمَ لَهُ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ: لِيَحْذَرْ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ: أَحَلَّ اللَّهُ كَذَا، أَوْ حَرَّمَ اللَّهُ كَذَا، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْت، لَمْ أُحِلَّ كَذَا، وَلَمْ أُحَرِّمْهُ.
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَإِذَا حَاصَرْت حِصْنًا فَسَأَلُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك» .
وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ يَقُولُ: حَضَرْت مَجْلِسًا فِيهِ الْقُضَاةُ وَغَيْرُهُمْ، فَجَرَتْ حُكُومَةٌ حَكَمَ فِيهَا أَحَدُهُمْ بِقَوْلِ زُفَرَ، فَقُلْت لَهُ: مَا هَذِهِ الْحُكُومَةُ؟ فَقَالَ: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، فَقُلْت لَهُ: صَارَ قَوْلُ زُفَرَ هُوَ حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ وَأَلْزَمَ بِهِ الْأُمَّةَ؟ ، قُلْ: هَذَا حُكْمُ زُفَرَ، وَلَا تَقُلْ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، أَوْ نَحْوُ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ.
[حَالُ الْمُفْتِي مَعَ الْمُسْتَفْتِي]
[حَالُ الْمُفْتِي مَعَ الْمُسْتَفْتِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ] الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:
الْمُفْتِي إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُ السَّائِلِ فِيهَا مَعْرِفَةَ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَيْسَ إلَّا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ مَعْرِفَةَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الَّذِي شَهَرَ