الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[زيادة الباء في الخبر المنفي]
قال ابن مالك: (وتزاد الباء كثيرا في الخبر المنفي بليس وما أختها، وقد تزاد بعد نفي فعل ناسخ للابتداء، وبعد «أو لم يروا أنّ» وشبهه وبعد لا التّبرئة وهل وما المكفوفة بإن والتّميمية خلافا لأبي علي والزّمخشري، وربّما زيدت في الحال المنفية وخبر إنّ ولكنّ).
ــ
وقول امرئ القيس:
837 -
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه
…
بمدرك أطراف الخطوب ولا آل (1)
وشواهد ذلك شائعة ذائعة». انتهى (2).
وقد تقدم ما نقله عن الشلوبين من أن مراد القائلين: «أنّ ليس لانتفاء الصّفة في الحال» إذا لم تكن مخصوصة بزمان دون زمان ونفي بليس فإنه يحمل نفيها على الحال وإذا كان كذلك فلا مخالفة بين المصنف وغيره من النحويين القائلين بذلك لأنهم يجيبون عما استدل به المصنف بأن القرائن صرفت ليس وما عن أن يراد بنفيهما الحال وهم إنما يريدون الحالية إذا لم تكن قرينة تصرف إلى غير الحال.
قال ناظر الجيش: ذكر أن الباء تزاد في الأخبار المنفية لفظا أو معنى في مواضع وفي الحال المنفية:
فأما زيادتها في الأخبار المنفية: فقد يكون كثيرا وقد يكون قليلا وقد يكون نادرا، -
(1) البيت من بحر الطويل قائله امرؤ القيس من قصيدة مشهورة بعد المعلقة، وبيت الشاهد آخر أبياتها، ديوانه (ص 40).
والبيت من الحكم ومعناه، من قول الآخر:
تموت مع المرء حاجاته
…
وتبقى له حاجة ما بقي
ومعنى ما دامت حشاشة نفسه: أي ما بقيت فيه حياة، ولا آل: أي غير مقصر في الطلب.
وشاهده: كالذي قبله.
وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 382)، وفي التذييل والتكميل (4/ 307)، وليس في معجم الشواهد.
(2)
شرح التسهيل (1/ 382).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما زيادتها في الحال المنفية فنادر.
فأما الكثير من الأخبار: فخبر ليس وما فمثال ذلك في ليس قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ (1). ومثاله في قوله تعالى: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (2).
قال المصنف: «وقلت في الخبر المنفي ولم أقل في خبر ليس ليعلم أن الخبر [2/ 70] الموجب بعد ليس وغيرها لا تدخله الباء» . انتهى (3).
وأما القليل ففي مواضع، منها: خبر فعل ناسخ منفي، كقول الشاعر:
838 -
وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن
…
بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (4)
ومثله قول الآخر:
839 -
دعاني أخي والخيل بيني وبينه
…
فلمّا دعاني لم يجدني بقعدد (5)
-
(1) سورة الزمر: 36.
(2)
سورة هود: 123.
(3)
شرح التسهيل (1/ 382).
(4)
البيت من بحر الطويل للشنفرى الأزدي وهو من القصيدة المشهورة عند النقاد بلامية العرب والتي مطلعها:
أقيموا بني أمّي صدور مطيّكم
…
فإنّي إلى قوم سواكم لأميل
انظرها في كتاب (موسوعة الشعر العربي ص 57).
والشاعر يفتخر بقناعته وعفته يقول: إنه حين يجتمع مع جماعة على أكل لم يكن السابق إليه لأنه لا يسبق إلا النهم الحريص.
والشاهد فيه: زيادة الباء في خبر مضارع كان المنفية حملا على زيادتها في ليس وما.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 382)، وفي التذييل والتكميل (4/ 308) وفي معجم الشواهد (ص 279).
(5)
البيت من بحر الطويل من قصيدة مشهورة لدريد بن الصمة وهي من أجود القصائد في الرثاء يرثي فيها أخاه عبد الله، وكان قد خرج بقومه ومعه أخوه دريد فوقعت بينهم وبين عدوهم معركة قتل فيها عبد الله فرثاه أخوه بهذه القصيدة، ومطلعها:
أرثّ جديد الحبل من أمّ معبد
…
بعافية أم أخلفت كلّ موعد
ارجع إليها إن شئت في موسوعة الشعر العربي (ص 595).
والقعدد: بضمتين وبفتحتين وبضم وفتح: وهو الجبان اللئيم القاعد عن المكارم والفضل وهو الخامل أيضا.
والشاهد في البيت قوله: لم يجدني بقعدد حيث زاد الباء في خبر الفعل الناسخ وهو المفعول الثاني لوجد التي من أخوات ظن.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 383) وفي التذييل والتكميل (4/ 308) وفي معجم الشواهد (ص 111).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: خبر إن المسبوقة بأو لم يروا: كقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ (1).
وهذا من إجراء الشيء في معناه لأن معنى: أو لم يروا الله أو ليس الله.
ومنها: خبر لا التبرئة، ومنه قول العرب: لا خير بخير بعده النّار، إذا لم تجعل الباء بمعنى في.
ومنها: خبر المبتدأ الواقع بعد هل، كقول الشاعر:
840 -
يقول إذا اقللول عليها وأقردت
…
ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم (2)
والخبر هنا معنى لا لفظا.
ومنها: خبر المبتدأ الواقع بعد ما المكفوفة بإن، كقول الشاعر:
841 -
لعمرك ما إن أبو مالك
…
بواه ولا بضعيف قواه (3)
ومنها خبر المبتدأ الواقع بعد ما التميمية: كقول الفرزدق:
842 -
لعمرك ما معن بتارك حقّه
…
ولا منسئ معن ولا متيسّر (4)
-
(1) سورة الأحقاف: 33.
(2)
البيت من بحر الطويل وقد سبق الاستشهاد به في أول باب المبتدأ.
وشاهده هنا: زيادة الباء في خبر المبتدأ الداخلة عليه هل الاستفهامية التي في معنى النفي.
(3)
البيت من بحر المتقارب، وهو للمتنخل الهذلي مالك بن عوير من قصيدة يرثي بها أباه يقول في آخرها:
أبو مالك قاصر فقره
…
على نفسه ومشيع غناه
انظر ديوان الهذليين القسم الثاني (ص 29) والشعر والشعراء (2/ 660) وقد وجدته أيضا في ديوان ذي الأصبع العدواني برواية أخرى تقارب هذا البيت، ديوان ذي الأصبع (ص 102) والشاعر في البيت يحلف أن أباه كان سيدا قويّا شجاعا.
وشاهده: زيادة الباء في خبر المبتدأ الواقع بعد ما المكفوفة بإن.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 383)، وفي التذييل والتكميل (4/ 311)، وفي معجم الشواهد (ص 413).
(4)
البيت من بحر الطويل وهو للفرزدق في الهجاء.
اللغة: معن: رجل بالبادية كان يبيع بالنسيئة وكان يضرب به المثل في شدة التقاضي (انظر حديثا عنه وشعرا له في الأمالي لأبي علي القالي 3/ 82) - المنسئ: الذي يؤخر المدين بدينه، المتيسر: الذي يتساهل مع مدينه. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وزعم أبو علي أن دخول الباء على الخبر بعدها مخصوص بلغة أهل الحجاز (1).
وتبعه في ذلك الزمخشري (2)، قال المصنف: «والأمر بخلاف ما زعماه لوجوه (3).
أحدها: أن أشعار بني تميم تتضمن الباء كثيرا بعد ما كقول الفرزدق المتقدم.
الثاني: أن الباء إنما دخلت على الخبر بعد ما لكونه منفيّا لا لكونه خبرا منصوبا، ولذلك دخلت على خبر لم أكن، وامتنع دخولها على خبر كنت وإذا ثبت كون المسوغ لدخولها النفي فلا فرق بين منفي منصوب المحل ومنفي مرفوع المحل.
الثالث: أن الباء المذكورة قد ثبت دخولها بعد بطلان العمل بإن وبعد هل كقوله: بواه ولا بضعيف قواه وقوله: «ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم» .
وإنما دخلت على الخبر بعد هل لشبه هل بحرف نفي فلأن تدخل بعد ما التميمية أحق وأولى لأن شبه ما بها (4) أكمل من شبه هل بما.
[2/ 71] وقد حكى الفراء (5) أن أهل نجد كثيرا ما يجرون الخبر بعد ما بالباء فإذا أسقطوا الباء رفعوا، فهذا دليل واضح على أن وجود الباء جارة للخبر بعد ما لا يلزم -
- المعنى: يهجو الشاعر معنا بأنه رجل شديد لا يترك حقه ولا يتساهل مع الذين يتعاملون معه ولا يمهل صاحب الدين وقتا في سداد دينه حتى يتيسر.
الشاهد فيه: زيادة الباء في خبر ما التميمية، وإنما كانت ما تميمية هنا لأن الشعر للفرزدق وهو تميمي، وفي البيت شاهد آخر سيأتي.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 383)، وفي التذييل والتكميل (4/ 322)، وفي معجم الشواهد (ص 153).
(1)
قال أبو علي الفارسي في الإيضاح له: باب ما: وممّا يجري مجرى ليس في رفعها الاسم الذي يكون مبتدأ ونصبها الخبر: «ما» في لغة أهل الحجاز. وذلك قولهم ما زيد ذاهبا وما عبد الله خارجا جعلها بمنزلة ليس لمشابهتها لها في نفي ما في الحال والدّخول على الابتداء والخبر، وقال الله تعالى:
ما هذا بَشَراً، وما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ، وقد دخلت على خبرها الباء كما دخلت على خبر ليس وذلك قولهم: ما زيد بذاهب وما بكر بخارج.
(الإيضاح ص 145، 146) تحقيق فرهود، و (المقتصد في شرح الإيضاح: 2/ 429) تحقيق المرجان.
(2)
قال الزمخشري: (المفصل: 82): ودخول الباء في الخبر نحو قولك ما زيد بمنطلق إنما يصحّ على لغة أهل الحجاز لأنك لا تقول زيد بمنطلق.
(3)
انظر شرح التسهيل (1/ 383) وما بعدها.
(4)
أي بليس.
(5)
انظر معاني القرآن للفراء (2/ 42).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منه كون الخبر منصوب المحل بل جائز أن يقال هو منصوب المحل وأن يقال هو مرفوع المحل وإن كان المتكلم حجازيّا فإن الحجازي قد يتكلم بلغة غيره وغيره قد يتكلم بلغته إلا أن الظاهر أن محل المجرور نصب إن كان المتكلم حجازيّا ورفع إن كان المتكلم تميميّا أو نجديّا.
فمن دخول اللغة الحجازية في التميمية كسر هاء الغائب بعد كسره أو ياء ساكنة وإدغام نحو: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ (1) ورفع الله من قوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ (2) لأن اللغة الحجازية: به وفيه بالضم (3) ولا يضار بالفلك وإلا الله بالنصب لأن الاستثناء منقطع، وإذا جاز للحجازي أن يتكلم باللغة التميمية جاز للتميمي أن يتكلم باللغة الحجازية بل التميمي أولى بذلك لوجهين (4):
أحدهما: أن الحجازية أفصح وانقياد غير الأفصح (5) لموافقة الأفصح أكثر وقوعا من العكس.
الثاني: أن معظم القرآن العزيز حجازي والتميمون متعبدون بتلاوته كما أنزل ولذلك لا يقرأ منهم: ما هذا بشر (6) بالرفع إلا من جهل كونه منزلا بالنصب.
وأما النادر ففي مكانين: خبر إن، كقول امرئ القيس:
843 -
فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها
…
فإنّك ممّا أحدثت بالمجرّب (7)
وخبر لكن كقول الشاعر: -
(1) سورة البقرة: 282.
(2)
سورة النمل: 65.
(3)
سبق من هذا التحقيق.
(4)
انظر شرح التسهيل (1/ 384).
(5)
في شرح التسهيل: وانقياد الأفصح وهو خطأ.
(6)
سورة يوسف: 31.
(7)
البيت من بحر الطويل وهو لامرئ القيس من قصيدة مشهورة له قالها في مناظرة مع علقمة الفحل وكانا قد حكما فيها أم جندب زوجة امرئ القيس - فلما حكمت لعلقمة طلقهما امرؤ القيس وتزوجها الآخر فسمي علقمة الفحل. والقصيدة في ديوانه (ص 42).
اللغة: تنأ: تبعد. حقبة: معناها في الأصل السنة وهنا الزمن. عنها: الضمير لأم جندب، المجرّب:
الخبير العالم بالأمور، وقوله: لا تلاقها: بدل من تنأ فهو مجزوم مثله.
ويستشهد بالبيت على زيادة الباء في خبر إن وذلك قليل. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
844 -
ولكنّ أجرا لو فعلت بهيّن
…
وهل ينكر المعروف في النّاس والأجر (1)
وأما زيادتها في الحال المنفية: فكقول الشاعر:
845 -
فما رجعت بخائبة ركاب
…
حكيم بن المسيّب منتهاها (2)
وكقول الآخر:
846 -
كائن دعيت إلى بأساء داهمة
…
فما انبعثت بمزؤود ولا وكل (3)
انتهى.
وأما قول المصنف: وشبهه، فمراده به شبه أو لم يروا، ولم يمثل له المصنف -
- والبيت في شرح التسهيل (1/ 385)، وفي التذييل والتكميل (3/ 178)، (4/ 314) وقد استشهد به أبو حيان أولا على تقدم معمول صلة
الموصول بالألف واللام وليس الموصول مجرورا بفي ومن هنا وجب تقدير متعلق محذوف أي فإنك مجرب مما أحدثت بالمجرب.
والبيت في معجم الشواهد (ص 53).
(1)
البيت من بحر الطويل وقائله مجهول وهو يدعو فيه إلى الخير وحب الناس.
وشاهده: زيادة الباء في خبر لكن وهو قليل نادر، وقالوا: لشبه لكن بالفعل.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 385)، وفي التذييل والتكميل (4/ 178)، وفي معجم الشواهد (ص 151).
(2)
البيت من بحر الوافر وهو في المدح منسوب للقحيف العقيلي، شاعر إسلامي توفى سنة (130 هـ).
اللغة: بخائبة: أي محرومة من طلبها، ركاب: الإبل التي يسار عليها، الواحده راحلة. وللمسيّب:
بفتح السين وتشديد الياء.
والمعنى: أن كل من يقصد حكيم بن المسيب لا يخيب.
والشاهد فيه قوله: فما رجعت بخائبة ركاب حيث زيدت الباء في الحال التي عاملها منفي.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 385)، وفي التذييل والتكميل (4/ 313)، وفي معجم الشواهد (ص 416).
(3)
البيت من بحر البسيط وهو في الفخر والشجاعة لشاعر مجهول.
يقول: كم دعيت إلى معركة قوية فكنت شجاعا غير عاجز.
اللغة: بأساء داهمة: الشديدة ويريد بها هنا الحرب العظيمة.
مزؤود: في اللسان: (زأد): زئد الرجل زؤدا فهو مزؤود أي مذعور إذا فزع: وكل: بفتح الكاف، الذي يكل أمره إلى غيره وهو أيضا البليد الجبان. (اللسان: وكل).
وشاهده قوله: فما انبعثت بمزؤود
…
إلخ حيث زيدت الباء في الحال التي عاملها منفي.
وفي هذا البيت والذي قبله تخريج لأبي حيان يمنع زيادة الباء وهو جعل الأسلوب من باب التجريد.
(انظر التذييل والتكميل: 4/ 314)، وما ذهب إليه ابن مالك أولى (انظر شرح التسهيل له: 1/ 385)، -