الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بقية مواضع فتح همزة إن]
قال ابن مالك: (وتفتح بعد «أما» بمعنى حقّا، وبعد حتّى غير الابتدائية وبعد «لا جرم» غالبا وقد تفتح عند الكوفيّين بعد قسم ما لم توجد اللام).
ــ
فيه ثلاث إن اعتبر قول ابن خروف [2/ 111] فيكون مجموع الصور باعتبار الكسر والفتح ثماني عشرة صورة.
ثم اعلم أن ابن عصفور صحح قول أبي علي الفارسي في هذه المسألة فقال:
والصحيح عندي أن ما ذهب إليه أبو علي مستقيم لا يتوجه عليه اعتراض لأنه يريد أن أول قولي إني أحمد الله .. قد ثبت واستقر منه قبل نطقه بهذا الكلام؛ فكأنه قال: ليس قولي الآن إني أحمد الله بأول حمد حمدته بل (أول قولي: إني أحمد الله) قد تقدم قبل هذا، فليس يريد بقوله:«إني أحمد الله» هذا اللفظ الذي تلفظ به الآن يريد جنس قوله للألفاظ التي يحمد بها لله تعالى (1).
قال ناظر الجيش: هذا الكلام يشتمل على أربع مسائل، منها ثلاث تفتح فيها «إنّ» ، وتكسر باعتبارين مختلفين، وهي الواقعة بعد «أما» ، وبعد «حتى» ، وبعد «لا جرم» (2)، وقد كان في غنية عن ذكرها اكتفاء بالضابط الذي ذكره في الفصل، ولكنه قصد الإرشاد والإيضاح والتنبيه على ما قد يغفل عنه، وأما الرابعة وهي الواقعة بعد قسم فالفتح فيها والكسر باعتبار واحد وكأنه إنما لم ينظمها مع المسائل التي هي: أول قولي وإذا الفجائية وفاء الجواب كما فعل في كتاب الخلاصة لأمرين: كون فتح «إنّ» فيها ليس مذهب البصريين، إنما هو مذهب الكوفيين وكونه إنما يجوز بقيد وهو أن لا توجد اللام في الجواب (3).
(1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 466 - 467) ط. العراق.
(2)
أي إن اعتبرنا «أما» مثلا استفتاحية كسرنا «إنّ» بعدها وإن اعتبرناها بمعنى «حقّا» فتحنا «أن» ، وكذلك «حتى» إن اعتبرت ابتدائية كسرت «إنّ» بعدها وإن اعتبرت جارة أو عاطفة فتحت «أن» بعدها وأما لا جرم فالفتح على اعتبارها فعلا ماضيا. والكسر على تنزيلها منزلة اليمين. ينظر في هذه المسألة شرح الجمل لابن عصفور (1/ 461) ط. العراق. وشرح الكافية للرضي (2/ 351)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 433)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 64)، وأوضح المسالك (1/ 90 - 91)، وإصلاح الخلل (178).
(3)
ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 341 - 432)، وأوضح المسالك (1/ 89 - 90)، وشرح عمدة الحافظ (ص 132)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 63).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم إني أورد الآن كلام المصنف ثم أتبعه بما يتعلق به من المباحث:
قال رحمه الله تعالى (1): روى سيبويه في نحو: «أما إنك ذاهب» الكسر على جعل «أما» حرف استفتاح بمنزلة «ألا» والفتح على جعل «أما» بمعنى حقّا (2)، وإذا وليت «إنّ» حقّا فتحت لأنها حينئذ مؤولة هي وصلتها بمصدر مبتدأ و «حقّا» مصدر واقع ظرفا مخبرا به، ومنه قول الشاعر (3):
958 -
أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا
…
فنيّتنا ونيّتهم فريق (4)
تقديره عند سيبويه أفي حق أن جيرتنا (5) استقلوا فأما المفتوح بعدها «أنّ» كذلك قلت: ويحتمل عندي أن يكونوا نصبوا «حقّا» نصب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بفعله و «أنّ» في موضع رفع بالفاعلية، كأنه قال: أحق حقّا أن جيرتنا استقلوا (6) وكون «أما» مع الفتح للاستفتاح أيضا وما بعدها مبتدأ خبره محذوف كأنه قال: أما معلوم أنك ذاهب (7) وقد يقع بين «أما» و «أنّ» يمين فيجوز أيضا الفتح على مرادفة «أما» «حقّا» ، والكسر على مرادفتها «ألا». ذكر ذلك سيبويه (8) وإذا وقعت بعد حتى كسرت إن كانت حرف ابتداء لامتناع تقدير مصدر في موضعها نحو قولك: مرض زيد حتى إنه لا يرجى، وإن كانت عاطفة أو جارة [2/ 112] لزم الفتح لصحة تقدير مصدر مكانها نحو قولك: عرفت أمورك حتى -
(1) شرح التسهيل (2/ 23).
(2)
الكتاب (3/ 122).
(3)
هو المفضل بن معشر النكري، وقيل رجل من عبد القيس، وفي الخزانة أنه العبدي، وذكر العيني أنه عامر بن أسحم الكندي، وفي شواهد المغني أن عامر بن أسحم هو نفسه المفضل.
(4)
البيت من البسيط وهو في الكتاب (3/ 136)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 23)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 432)، والتذييل (2 /
692)، وتعليق الفرائد (1103)، والأصمعيات (231)، وابن الناظم (1/ 64)، ومغني اللبيب (1/ 55)، وشرح شواهده (1/ 170)، وطبقات الشعراء (233)، والأشموني (1/ 278)، والهمع (2/ 71)، والدرر (2/ 87)، واللسان (فريق)، ويروى أيضا برواية: ألم تر أن جيرتنا استقلوا.
والشاهد قوله: (أحقّا أن جيرتنا) حيث فتحت «أنّ» بعد «حقّا» لأنها وما بعدها في تأويل مصدر مبتدأ.
(5)
ينظر الكتاب (3/ 351 - 136).
(6)
ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 351)، والمغني (1/ 55)، والتصريح (1/ 221)، وحاشية الصبان (1/ 278).
(7)
ينظر حاشية الصبان (1/ 278).
(8)
ينظر الكتاب (3/ 122).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنك فاضل، فلك أن تقدر موضع «أن» مصدرا منصوبا على أن تكون حتى عاطفة، ومجرورا على أن تكون جارة (1)، وإذا وقعت «إنّ» بعد «لا جرم» فالمشهور الفتح، وبه قرأ القراء. قال الفراء:«لا جرم» كلمة كثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة «حقّا» وبذلك فسرها المفسرون، وأصلها من «جرمت» أي كسبت. وتقول العرب: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت فتراها بمنزلة اليمين (2). قلت:
ولإجرائهم إياها مجرى اليمين حكي عن بعض العرب كسر «إنّ» بعدها (3).
وذكر ابن كيسان (4) في نحو: والله إنّ زيدا كريم بلا لام أن الكوفيين يفتحون ويكسرون، والفتح عندهم أكثر (5). قال الزجاجي في جمله: وقد أجاز بعض النحويين فتحها بعد اليمين واختاره بعضهم على الكسر، والكسر أجود وأكثر في كلام العرب والفتح جائز قياسا (6). كذا قال أبو القاسم، قلت: قد تقدم قوله:
والكسر أجود وأكثر في كلام العرب، وهذه العبارة تقتضي أن يكون الفتح مستعملا في كلامهم استعمالا أقل من استعمال الكسر (7) ثم أشار إلى أن الفتح جائز قياسا، وليس كما قال، فإنّ الفتح يتوقف على كون المحل مغنيا فيه المصدر عن العامل والمعمول، وجواب القسم ليس كذلك، والكسر يتوقف على كون المحل محل جملة لا يغني عنها مفرد وجواب القسم كذلك، فوجب لأن الواقعة فيه الكسر قياسا (8)، ولذلك أجمعت القراء على كسر إِنَّا جَعَلْناهُ (9) في أول الزخرف، وإِنَّا أَنْزَلْناهُ (10) في أول الدخان مع عدم اللام (11)، فإن ورد «أنّ» بالفتح -
(1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (64)، والتصريح (1/ 220)، وشرح الكافية للرضي (2/ 351) والمطالع السعيدة (ص 226).
(2)
معاني القرآن للفراء (2/ 8 - 9).
(3)
ينظر الهمع (1/ 137)، والأشموني (2/ 279).
(4)
سبقت ترجمته.
(5)
ينظر في هذه المسألة شرح عمدة الحافظ (132)، والتذييل (2/ 700)، وشرح الألفية لابن الناظم (63).
(6)
الجمل للزجاجي (ص 70) تحقيق ابن أبي شنب.
(7)
ينظر شرح عمدة الحافظ (132).
(8)
ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 341)، والأشموني (1/ 277).
(9)
سورة الزخرف: 3.
(10)
سورة الدخان: 3.
(11)
ينظر الكشاف (2/ 345، 358)، وإملاء ما منّ به الرحمن (2/ 229).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في جواب قسم حكم بشذوذه وحمل على إرادة «على» (1)، وعلى ذلك يحمل قول الراجز (2):
959 -
لتقعدنّ مقعد القصيّ
…
منّي ذي القاذورة المقليّ
أو تحلفي بربّك العليّ
…
أنّي أبو ذيّالك الصّبيّ (3)
في رواية من رواه بالفتح كأنه قال: أو تحلفي على أني أبو ذيالك الصبي.
انتهى (4). ويتعلق بكلامه تنبيهات:
منها: أن عبارة الكتاب تعطي أن «أما» بمعنى «حقّا» . قال الشيخ: والذي شرح به أصحابنا كلام سيبويه هو أنك إذا كسرت «إنّ» «فأما» استفتاح «كألا» ، أو فتحت فالهمزة للاستفهام، و «ما» بمنزلة «حق» ، وذلك أن «ما» عامة فتجعلها بمنزلة شيء، ذلك الشيء حق. فكأنك قلت: أحقّا أنك ذاهب. وانتصابه على الظرف (5). ثم بحث مع المصنف منازعا له فيما ادعاه من أنّ «حقّا» من قول الشاعر:
960 -
أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا (6)
يحتمل أن يكون قد نصب المصدر ومن أن «أما» يجوز أن تكون مع فتح «أنّ» للاستفتاح، فقال: ما ذهب إليه المصنف من جواز انتصاب حقّا نصب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بفعله، وما بعده رفع على الفاعلية، لا يجوز لأنه ليس من المصادر التي يجوز نصبها على إضمار فعل لأن ذلك إنما يكون [2/ 113] إذا أريد به -
(1) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 341)، وابن الناظم (64).
(2)
هو رؤبة بن العجاج، وقيل إنه لرجل من العرب قدم من سفره فوجد امرأته قد ولدت له غلاما فأنكره وأنشد هذا الرجز.
(3)
الرجز في شرح التسهيل للمصنف (2/ 25)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 434)، والجمل للزجاجي (70)، وشرح عمدة الحافظ (133)، والتذييل (2/ 701)، وابن الناظم (64)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 340)، وشرح الألفية للمكودي (58)، والحلل في شرح أبيات الجمل (336)، وأوضح المسالك (1/ 89)، وملحقات ديوان رؤبة (188).
والشاهد قوله (أني أبو ذيالك
…
) حيث يجوز في «إن» الكسر لأنه جواب قسم، والفتح على تأويل «أنّ» بمصدر معمول لفعل القسم بإسقاط الخافض أي على «أني» .
(4)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 25).
(5)
التذييل (2/ 692).
(6)
تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأمر وما أشبهه أو الاستفهام، وتكون نكرة ولا تكون معرفة وقد قالوا: آلحق أنك ذاهب (1)، فوجب أن يكون «حقّا» منصوبا على الظرف وما بعده مبتدأ (2)، ويكون ظرفا مجازيّا بمنزلة كيف لأن معناها في أي حالة قال: والدليل على أن نصبه نصب الظرف قول الشاعر:
961 -
أفي حقّ مواساتي أخاكم
…
بمالي ثمّ يظلمني السّريس (3)
ولا يجوز أن يكون منصوبا على إسقاط حرف الجر والعامل فيه «كائن» والتقدير: أكائن فيما يحق هذا؛ لأن المعنى لا يعمل مضمرا، ولهذا أبطلوا أن يكون مثلهم من قوله:
962 -
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم
…
إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر (4)
حالا على أن العامل فيه الخبر المحذوف كأنه قال في الوجود: وإنما تعمل مضمرا مظهرا لفعل، ثم قال: ويجوز أن يقال: «أحقّ أنك ذاهب» بالرفع وهو جيد قوي، وهو الوجه؛ لأنه ليس فيه جعل ما ليس بظرف ظرفا وارتفاعه على أنه الخبر و «أنّ» مع معمولها في موضع المبتدأ ثم قال: وأما تجويز المصنف أن تكون «أما» للاستفتاح مع فتح «أنّ» وأن يقدر خبر محذوف فشيء خالف فيه النحويون (5)، ويبطله أنه لو كان على ما ذهب إليه لصرحت العرب بهذا الخبر الذي قدره في موضع «ما» مع «أنّ» .. انتهى (6). -
(1) ينظر الكتاب (3/ 134).
(2)
ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 461) ط. العراق. حيث أعرب هذا المثال بمثل ما أعربه أبو حيان.
(3)
البيت من الوافر وهو لأبي زبيد الطائي، وهو في التذييل (2/ 694)، والخزانة (4/ 309)، والتصريح (1/ 221)، وشرح الكافية للرضي (2/ 351)، والحماسة (983)، وديوانه (ص 101)، واللسان (سرس).
والشاهد قوله: (أفي حق مواساتي ..) حيث جرت كلمة «حق» بفي كما تجر الظروف، فدل ذلك على أنها إذا نصبت كانت ظرفا.
(4)
البيت من بحر البسيط وهو للفرزدق (1/ 223).
ويستشهد به على إبطال العرب مثلهم حالا لحذف عامله والبيت في الكتاب (1/ 60)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 363)، والأشموني (1/ 248).
(5)
لمراجعة آراء النحويين في المسألة ينظر المغني (1/ 55)، وحاشية الصبان (1/ 278).
(6)
التذييل (2/ 692 - 695).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولك أن تجيب عن المصنف فتقول: أما قول الشيخ: إن «حقّا» لا يجوز نصبه على أنه مصدر بدل من اللفظ بالفعل فممنوع وقوله: إنما يكون ذلك إذا أريد به الأمر أو الاستفهام منقوض بقولهم: افعل وكرامة ومسرة (1)، فإن هذا خبر محض، فإن قال: هذا موقوف على السماع. قيل: وكذا قوله:
963 -
أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا (2)
موقوف على السماع (3) ثم إن قوله: إنّ ذلك لا يكون في المصدر المعرفة لا يتوجه فإن المصنف لم يدع ذلك في كلمة هي معرفة ولا يلزم من دعوى المصنف ذلك في «أحقّا أنك ذاهب» أن يدعيه في «آلحق أنك ذاهب» ، على أن ما ذكره الشيخ من أن ذلك لا يكون في المعرفة منقوض بقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (4) في قراءة من نصب (5)، نعم النصب في المعرفة أقل منه في النكرة كما أن الرفع في النكرة أقل منه في المعرفة. نص على هذه المسألة ابن أبي الربيع في شرح الإيضاح (6)، وأما إبطاله أن «أما» لا تكون للاستفتاح مع «أن» المفتوحة على أنها وما بعدها في موضع المبتدأ، ويكون الخبر محذوفا بأنه لو كان كذلك لصرحت العرب بهذا الخبر في موضع «ما» فغير ظاهر ولا يلزم من كون العرب لم تصرح به عدم جواز تقديره، -
(1) في الكتاب (1/ 318): «هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر في غير الدعاء» ، ومن ذلك قولك: حمدا وشكرا لا كفرا وعجبا، وافعل ذلك وكرامة ومسرة
…
وإنما اختزل الفعل ههنا لأنهم جعلوا هذا بدلا من اللفظ بالفعل. اه. وينظر الارتشاف (ص 980).
(2)
تقدم.
(3)
يؤيد ما ذكره ناظر الجيش هنا، ورد به على أبي حيان، وهو أن هذا البيت موقوف على السماع قول سيبويه بعد أن ذكر هذا البيت وما أشبهه من الأبيات التي نصبت فيها كلمة «حق» فكل هذه البيوت سمعناها من أهل الثقة هكذا. اه. الكتاب (3/ 137).
(4)
سورة الفاتحة: 2.
(5)
في مختصر شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه (ص 1)«الحمد لله: الحسن البصري ورؤبة. الحمد لله: إبراهيم بن أبي عبلة، الحمد لله عن بعض العرب هو رؤبة بن العجاج» . اه.
وقد رد الزجاج هذه القراءة أي قراءة النصب حيث قال: وقد روي عن قوم من العرب الحمد لله والحمد لله وهذه لغة من لا يلتفت إليه ولا يتشاغل بالرواية عنه. اه.، معاني القرآن للزجاج (1/ 7) وينظر في هذه القراءة أيضا معاني القرآن للفراء (1/ 3)، والكشاف (1/ 6).
(6)
ينظر التذييل (2/ 693 - 695) ولمراجعة هذه المسألة ينظر الأصول لابن السراج (1/ 337).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكم للعرب من مقدر لا يلفظ به.
ومنها: أنهم قالوا: والله إنك ذاهب بفتح «إنّ» وكسرها، فقال ابن هشام [2/ 114]: إذا كسرت جعلتها جواب القسم (1) وأما إذا فتحت، فقدره سيبويه:
أعلم والله أنك ذاهب (2)، وقدره الفراء وأبو العباس وجماعة: أحلف بالله على أنك ذاهب، أي على ذهابك (3)، وقالت العرب أيضا:«شد ما أنك ذاهب» و «عزّ ما أنك منطلق (4)» ، فقال الصفار: الكسر هنا لا يجوز لأن شدّ وعزّ فعلان، وما بعدهما في موضع الفاعل، و «ما» زائدة، والمعنى: عز ذهابك أي قلّ وشقّ وشدّ وكذلك أي شق، لأن الشيء إذا شدّ فقد شقّ ويجوز أن يكون «ما» تمييزا. وضمن «شدّ» معنى المدح وأنك ذاهب خبر مبتدأ كأنه يريد أنّ المبتدأ المحذوف الذي هذا خبره هو المخصوص بالمدح. قال: ويظهر من الخليل أن شدّ ما بمنزلة «حقّا» (5) ركب الفعل مع الحرف وانتصب ظرفا، والمعنى عزيزا ذهابك، وشديدا أي فيما يشقّ (6).
ومنها: أن «جرم» كلمة اختلف فيها، فقال سيبويه: قال الله تعالى:
لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ (7) عملت لأنها فعل، ومعناها: لقد حق أن لهم النار، ولقد استحق أن لهم النار. وزعم الخليل أن «جرم» إنما تكون جوابا لما قبلها من الكلام يقول الرجل: كان كذا وكذا وفعلوه كذا وكذا، فتقول: لا جرم أنهم سيندمون أو سيكون كذا وكذا (8). انتهى كلام سيبويه. قال الشيخ: «فإن» بعد جرم في موضع الفاعل بها، والوقف على «لا» عند سيبويه، ولا يجوز أن توصل «بجرم» لأنها ليست لنفي جرم. وذهب الفراء إلى أن جرم بمعنى كسب (9). قال:
وركبت «لا» مع «جرم» وصارت بمنزلة «لا بدّ» و «لا محالة» والتركيب يحدث -
(1) ينظر أوضح المسالك (1/ 89 - 90).
(2)
الكتاب (3/ 122).
(3)
ينظر المقتضب (4/ 107)، والهمع (1/ 137).
(4)
ينظر الكتاب (3/ 139)، والأصول لابن السراج (1/ 33).
(5)
ينظر الكتاب (3/ 139)، حيث ذكر سيبويه أنه سأل الخليل عن: شدّ ما أنك ذاهب وعزّ ما أنك ذاهب فقال: هذا بمنزلة حقّا أنك ذاهب. اه.
(6)
ينظر قول الصفار في التذييل (2/ 696).
(7)
سورة النحل: 62.
(8)
الكتاب (3/ 138).
(9)
معاني القرآن للفراء (2/ 8 - 9)، وينظر شرح الكافية للرضي (2/ 351).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
معه أمر لم يكن. ولا يقف على «لا» لأنها جزء مما بعدها، قال الفراء: وجرم بمعنى كسب، معروف في اللغة، ولم يثبت أن جرم بمعنى، «حقّ». قال: وتفسير المفسرين لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ (1) حقّا أن لهم النار لا يثبت أنّ جرم بمعنى حق (2) لأنهم فسروا المعنى (3)، ونقل الشيخ كلام المصنف على «لا جرم» الذي تقدم إيراده، ثم قال: ولقلة تصفحه - يعني المصنف - كلام سيبويه جهل مذهب سيبويه في «لا جرم» وكلام الخليل فيها، ولم يبين موضع «أنّ» بعد «لا جرم» وقد ذكرنا أنها في موضع رفع بالفاعلية على مذهب سيبويه (4) وأما على مذهب الفراء فيظهر أن التقدير عنده: لا جرم من كذا كما تقول: لا بد أنك ذاهب أي من أنك ذاهب (5).
انتهى.
وذكر أبو البقاء (6) في «لا جرم» أربعة أقوال: -
أحدها: أنّ «لا» ردّ لكلام ماض، أي ليس الأمر كما زعموا. «وجرم» فعل، وفاعله مضمر فيه، وأَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ (7) في موضع نصب، والتقدير: كسبهم قولهم خسرانهم في الآخرة.
الثاني: أنّ «لا جرم» كلمتان ركبتا وصار معناهما «حقّا» و «أنّ» في موضع رفع بأنه فاعل الحق؛ أي حق خسرانهم.
الثالث: أن المعنى لا محالة خسرانهم فيكون في موضع رفع أيضا وقيل: في موضع [2/ 115] نصب أو جر،
والتقدير: لا محالة في خسرانهم.
الرابع: أن المعنى لا منع من أنهم خسروا، فهو الإعراب كالذي قبله (8). انتهى.
ويحتاج هذان القولان الآخران إلى تحرير؛ وقد علم من كلامه وإن وافق المنقول عن سيبويه أن «جرم» كلمة منفصلة عن «لا» وأنها فعل (9)، أنه خالفه في أن جعل الفاعل مضمرا، ولم يجعله «أنهم» مع ما بعده. -
(1) سورة النحل: 62.
(2)
معاني القرآن (2/ 8 - 9).
(3)
التذييل (2/ 697).
(4)
ينظر الكتاب (3/ 138)، وشرح الكافية للرضي (2/ 351).
(5)
التذييل (2/ 700).
(6)
سبقت ترجمته.
(7)
سورة هود: 22.
(8)
إملاء ما من به الرحمن (2/ 36).
(9)
ينظر الكتاب (3/ 138).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: أنك قد عرفت من كلام المصنف أنّ ابن كيسان ذكر أن الكوفيين يفتحون أنّ ويكسرون في نحو: «والله إن زيدا كريم» بلا لام، وأن الفتح عندهم أكثر، وعرفت أيضا ما ذكره المصنف عن الزجاجي وأنه بعد ذكره ذلك رد إجازة الفتح معلّلا ذلك بأن الفتح يتوقف على كون المحل مغنيا فيه المصدر عن العامل والمعمول وأنّ جواب القسم كذلك إلى آخر كلامه وأنه خرج ما استدل به من أجاز ذلك على إرادة «على» ولا شك أن الذي ذكره هو الحق. والعجب ممن يتوهم خلاف ذلك، وقد اضطرب النحاة في هذه المسألة بالنسبة إلى الفتح والكسر، وقد ذكر ابن عصفور فيها أربعة مذاهب، ولكنه أطلق القول في وقوع «إن» بعد القسم، ولم يقيد هذا الحكم بعدم اللام في الجواب كما فعل المصنف (1). وتبعه الشيخ أيضا في عدم التقييد المذكور (2)، ولا بد منه فإن الإمام بدر الدين ولد المصنف نقل الاتفاق على الكسر عند وجود اللام (3)، فتعين الفتح بعدمها كما فعل المصنف. والمذاهب التي ذكروها هي: -
وجوب الفتح، وهو مذهب الفراء، وجواز الكسر والفتح مع اختيار الفتح، وهو مذهب الكسائي، وجوازهما
واختيار الكسر.
ووجوب الكسر، وهو مذهب البصريين (4)، وهو المذهب المتصور من جهة القياس، وبه ورد السماع حتى قال ابن خروف: لم يسمع فتحها بعد اليمين، ولا وجه له في القياس (5). انتهى. -
(1) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 460) ط. العراق: «واختلف فيها إذا وقعت بعد القسم نحو:
والله إن زيدا قائم، فمنهم من لم يجز إلا الفتح، ومنهم من أجاز الفتح والكسر واختار الفتح، ومنهم من أجازهما واختار الكسر، ومنهم من لم يجز إلا الكسر وهو الصحيح». اه.
من هذا يتبين لنا أنّ ابن عصفور لم يقيد هذا الحكم بعدم اللام في الجواب كما ذكر الشارح.
(2)
ينظر التذييل (2/ 700).
(3)
في شرح الألفية لابن الناظم (63) «ومنها: أن تقع بعد قسم وليس مع أحد معموليها اللام كقولك: (حلفت أنك ذاهب) بالكسر على جعلها جوابا للقسم، وبالفتح على جعلها مفعولا بإسقاط الخافض، والكسر هو الوجه ولا يجيز البصريون غيره. اه.
(4)
لمراجعة هذه المذاهب ينظر شرح عمدة الحافظ (132)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 63)، وشرح الكافية للرضي (2/ 349)، والهمع (1/ 37).
(5)
ينظر قول ابن خروف في شرح الألفية للمرادي (1/ 342).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والذي أوجب الاختلاق والخبط في هذه المسألة هو أنه سمع من لسان العرب:
حلفت أنّ زيدا قائم بالفتح والكسر، فغلط سماع «ذلك» من أجاز الوجهين في نحو: والله إن زيدا قائم، فجوز مع إضمار فعل القسم، وأجاز مع إظهاره وهو غلط؛ فإن الفعل إذا أضمر تعين إرادة القسم لأن العرب لا يضمرون الفعل ويريدون الإخبار عن القسم، بل إذا أضمرت كان الكلام قسما حتما (1)، وأما إذا أظهر الفعل فجائز أن يراد القسم، وحينئذ يجب كسر «إنّ» الواقعة جوابا له، وجائز أن يراد الإخبار عن قسم سابق، وحينئذ يجب فتح «أنّ» لأنها مع ما بعدها متعلق الفعل الظاهر.
واعلم أن الشيخ ذكر أن المصنف أهمل مسألتين: -
الأولى: وقوع «إنّ» بعد «مذ ومنذ» . قالوا: فالنحويون متفقون على فتح «أن» بعدهما (2)، نحو: ما رأيته مذ أن الله خلقه. واختلفوا في جواز الكسر، فمنهم من صرح بإجازته وهو مذهب الأخفش (3). ومنهم من من سكت عن إجازة الكسر، وامتناعه كسيبويه وابن السراج (4).
الثانية: وقوعها بعد «أما» إذا جاء بعدها [2/ 116] ظرف أو مجرور نحو: أما في الدار فإن زيدا قائم، والكسر على تقدير: فزيد قائم ويتعلق المجرور بما في «أما» من معنى الفعل، والفتح بتقدير: فقيامك، والمجرور في موضع الخبر. لكنه قال:
ويمكن اندراج هذه المسألة تحت قوله: وفاء الجواب، فلا يكون المصنف أغفلها (5).
انتهى.
وقد اعترف الشيخ في هذه المسألة بأنها داخلة في كلام المصنف، وأما المسألة الأولى فإذا كان اتفاق النحويين على فتح «أنّ» بعد الكلمتين المذكورتين كان ذلك كافيا في الجواب عن المصنف. ولا يلزم التعرض إلى ذكر الكسر على رأي من يجيزه لأن إجازة ذلك إن ثبتت مرجوحة لا معمول عليها على القول بها ولا أعرف -
(1) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 342).
(2)
ينظر الإيضاح للفارسي (131 - 132)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 242).
(3)
ينظر الهمع (1/ 138).
(4)
ينظر أصول النحو لابن السراج (1/ 326 - 327)، والكتاب (3/ 122)، والهمع (1/ 138).
(5)
التذييل (2/ 701).