الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس عشر باب الأحرف النّاصبة الاسم الرّافعة الخبر
[سردها - معانيها - عملها]
قال ابن مالك: (وهي «إنّ» للتّوكيد و «لكنّ» للاستدراك، و «كأنّ» للتّشبيه وللتّحقيق أيضا على رأي، و «ليت» للتّمنّي، و «لعلّ» للتّرجّي، والإشفاق والتّعليل والاستفهام. ولهنّ شبه بكان النّاقصة في لزوم المبتدأ والخبر
والاستغناء بهما، فعملت عملها معكوسا ليكونا معهنّ كمفعول قدّم وفاعل أخّر تنبيها على الفرعيّة، ولأنّ معانيها في الأخبار فكانت كالعمد والأسماء كالفضلات، فأعطيا إعرابيهما، ويجوز نصبهما بـ «ليت» عند الفرّاء وبالخمسة عند بعض أصحابه، وما استشهد به محمول على الحال أو على إضمار فعل وهو رأي الكسائيّ).
قال ناظر الجيش: قال المصنف (1): اعتبار الأصل يقتضي كون أحرف هذا الباب خمسة لا ستة كما يقول أكثر المصنفين، فإنهم يكملون الستة «بأنّ» المفتوحة ولا حاجة إلى ذلك فإنها فرع المكسورة، وسأبين ذلك إن شاء الله تعالى، ومتبوعي فيما اعتبرته سيبويه، فإنه قال (2): هذا باب الحروف الخمسة التي تعمل فيها بعدها كعمل الفعل فيما بعده. وكذا قال المبرد في المقتضب (3)، وابن السراج في الأصول (4) ولو قال: باب الأحرف؛ لكان أولى من قوله: باب الحرف. لأن أحرفا جمع قلة، وحروفا جمع كثرة، والموضع موضع قلة إلا أن كل واحد من جمعي القلة والكثرة قد يقع موقع الآخر، ومنه قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (5) وقد قيل: إن المسوغ لوقوع «قرء» موقع «أقراء» اختلاف عوايد النساء، وباعتبار -
(1) شرح التسهيل (2/ 5) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ بدوي المختون.
(2)
كتاب سيبويه (2/ 131).
(3)
في المقتضب (4/ 107)، «وإنّ وأنّ» مجازهما واحد فلذلك عددناهما حرفا واحدا.
(4)
يقول ابن السراج في الأصول (1/ 277): «الحروف التي تعمل عمل الفعل فترفع وتنصب خمسة أحرف وهي: إن ولكن وليت ولعل وكأنّ. اه.
(5)
سورة البقرة: 228.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النساء وباعتبار هذا يلزم حصول الكثرة (1) وكذلك قول سيبويه: يحمل على أنه ملحوظ فيه ما يعرض لإنّ من فتح همزتها ومن تخفيف نونها في الحالين وتخفيف نون «كأنّ» وما يستعمل في «لعل» من اللغات.
فإن قيل: إذا كان تفريع «أن» سببا لعدم الاعتداد بها؛ فينبغي أن لا يعتد «بكأنّ» فإن أصل «كأنّ» زيدا أسد: إنّ زيدا كالأسد، فالجواب: أن أصل «كأنّ» منسوخ لاستغناء الكاف عن متعلق به بخلاف «أن» فليس أصلها منسوخا بدلالة جواز العطف بعدها على معنى الابتداء كما يعطف عليه بعد المكسورة فاعتبرت فرعية «أن» لذلك دون «كأنّ» (2)، وقد قرنت كل واحد من هذه الأحرف بمعناه، فمعنى «إنّ» التوكيد، ولذلك أجيب بها القسم نحو: والله إنك لفطن، ومعنى «لكنّ» الاستدراك ولذلك لا تكون إلا بعد كلام نحو: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ (3)، و «كأن» للتشبيه المؤكد
نحو: كأن زيدا أسد؛ فإن أصله: إن زيدا كالأسد فقدمت الكاف وفتحت الهمزة وصار الحرفان حرفا واحدا مدلولا به على التشبيه والتوكيد (4). وزعم بعضهم أن «كأن» توكيد للتحقيق دون تشبيه (5)، واستشهد على [2/ 90] ذلك بقول الشاعر يرثي هشاما:
908 -
وأصبح بطن مكّة مقشعرّا
…
كأنّ الأرض ليس بها هشام (6)
-
(1) في الكشاف (1/ 93): «فإن قلت: لم جاء التمييز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء؟
قلت: يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية، ألا ترى إلى قوله بِأَنْفُسِهِنَّ وما هي إلا نفوس كثيرة. اه. وينظر إملاء ما من به الرحمن (1/ 95)، وروح المعاني للألوسي (1/ 427 - 428).
(2)
ينظر الهمع (1/ 132).
(3)
سورة الأنفال: 17.
(4)
ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 62)، والأشموني (1/ 217 - 272)، ونتائج الفكر للسهيلي (344)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 335)، والمغني (1/ 191).
(5)
هذا مذهب الكوفيين والزجاجي. وينظر الهمع (1/ 133) والتذييل (2/ 613)، والمغني (1/ 192).
(6)
البيت من الوافر وهو للحارث بن خالد بن العاص وهو في التذييل (2/ 613)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 418)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 6)، والاشتقاق (1/ 101)، وتعليق الفرائد (1068)، والكامل (313)، والأغاني (15/ 18)، والمغني (1/ 192)، وشرح شواهده (2/ 515)، والتصريح (1/ 212)، وحاشية يس (2/ 132)، والهمع (1/ 132)، والدرر (1/ 111)، والشواهد في النحو العربي (304)، واللسان (قثم) -.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واستشهد أيضا بقول الآخر:
909 -
كأنّني حين أمسي لا تكلّمني
…
ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا (1)
والصحيح أن «كأن» لا يفارقها التشبيه، ويخرج البيت الأول على أن هشاما وإن مات فهو باق ببقاء من يخلفه سائرا بسيرته، وأجود من هذا أن تجعل الكاف من «كأن» في هذا الموضع كاف التّعليل المرادفة للّام (2)، كأنه قال:
وأصبح بطن مكّة مقشعرّا
…
لأنّ الأرض ليس بها هشام (3)
وعلى هذا حمل قوله تعالى: وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (4) فقيل: معناه:
أعجب لأنه لا يفلح الكافرون (5)، وأكثر ما ترد الكاف بهذا المعنى مقرونة «بما» كقوله تعالى: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ (6)، ومنه ما حكى سيبويه من قول بعضهم:«كما أنه لا يعلم فيغفر الله له» (7)، وأما البيت الثاني فلا حجة فيه، لأن التشبيه فيه يتبين بأدنى تأمل وكون «ليت» للتمني و «لعل» للترجي ظاهر والفرق بينهما أن التمني يكون في الممكن وغير الممكن، والرجاء لا يكون إلا في الممكن وتكن «لعل» للإشفاق (8) كقوله تعالى: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ (9) ومنه قول الشاعر: -
- والشاهد قوله: (كأن الأرض ليس بها هشام) حيث أريد بكأن هنا التحقيق على رأي الكوفيين ومن تبعهم إذ المعنى عندهم: لأن الأرض ليس بها هشام قال صاحب التصريح: ولا حجة لهم لأنه محمول على التشبيه، فإن الأرض ليس بها هشام حقيقة بل هو فيها مدفون.
(1)
البيت من البسيط وهو لعمر بن أبي ربيعة وقيل ليزيد بن الحكم كما في الخزانة. (3/ 96) عرضا، والمغني (2/ 369)، وشرح شواهده (2/ 788)، والمحتسب (2/ 155)، والتذييل (2/ 613)، وابن يعيش (4/ 77)، وديوان عمر بن أبي ربيعة (312)، واللسان (عود).
والشاهد فيه: استعمال «كأن» مرادا بها التحقيق كما يرى الكوفيون.
(2)
ينظر المغني (1/ 192)، والهمع (1/ 133).
(3)
تقدم.
(4)
سورة القصص: 82.
(5)
ينظر معاني القرآن للفراء (2/ 312)، والكشاف (2/ 172).
(6)
سورة البقرة: 198.
(7)
الكتاب (3/ 140).
(8)
ينظر الكتاب (4/ 233)، والمغني (1/ 287)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 334)، والتصريح (1/ 213).
(9)
سورة الشعراء: 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
910 -
أتوني فقالوا: يا جميل تبدّلت
…
بثينة إبدالا فقلت لعلّها
وعلّ حبالا كنت أحكمت فتلها
…
أتيح لها واش رفيق فحلّها (1)
وتكون لعل أيضا للتعليل (2) كقوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (3) ومنه قول الشاعر:
911 -
وقلتم لنا كفّوا الحروب لعلّنا
…
نكفّ ووثقتم كلّ موثق
فلمّا كففنا الحرب كانت جهودكم
…
كلمح سراب في الملا متألّق (4)
قال الأخفش في المعاني: قوله تعالى: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ (5) نحو قول الرجل لصاحبه: افرغ عملك لعلنا نتغدى «والمعنى لنتغدى. ويقول الرجل: اعمل عملك تأخذ أجرك أي لتأخذه» (6). هذا نصه. وتكون «لعل» أيضا للاستفهام (7)، كقوله تعالى: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (8) وكقول النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الأنصار رضي الله تعالى عنهم وقد خرج إليه مستعجلا «لعلنا أعجلناك» (9). -
(1) البيتان من الطويل وهما لجميل بثينة وينظر فيهما شرح عمدة الحافظ (124)، والتذييل (2/ 622) والهمع (1/ 136)، والدرر (1/ 113)، وديوان جميل (ص 57) ط. بيروت والمطالع السعيدة (ص 222).
والشاهد قوله: لعلها في البيت الأول، وعل حبالا .. أتيح لها واش، في البيت الثاني حيث أفاد «لعل» فيهما معنى الإشفاق لأن ما بعدها مخوف محذور.
(2)
ينظر الصاحبي (267)، وأمالي الشجري (1/ 51)، والتصريح (1/ 213).
(3)
سورة طه: 44.
(4)
البيتان من الطويل لقائل مجهول. وهما في الأمالي الشجرية (1/ 51)، والتذييل (2/ 624)، والبحر المحيط (6/ 444).
ويروى أيضا «الفلا» مكان «الملا» كما في البحر المحيط.
والشاهد في قوله: (لعلنا نكف) حيث دلت (لعلّ) على التعليل أي لنكف.
(5)
سورة طه: 44.
(6)
معاني القرآن للأخفش (1/ 270).
(7)
ينظر الصاحبي (267)، والهمع (1/ 134)، وهو رأي الكوفيين.
(8)
سورة عبس: 3.
(9)
أخرجه البخاري في باب الوضوء (1/ 53)، وابن ماجه باب الطهارة (110)، ومسلم (1/ 345).
وقد روى هذا الحديث سعيد الخدري رضي الله عنه في شأن رجل بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الرجل ورأسه يقطر ماء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسبيل إعمال هذه الأحرف اختصاصها بمشابهة «كان» الناقصة في لزوم المبتدأ والخبر والاستغناء بهما (1):
فاللزوم مخرج لما يدخل عليها وعلى غيرها كألا وأما الاستفتاحيتين، والاستغناء بهما مخرج للو لا ولو ما
والامتناعيتين، ولإذا الفجائية فإنهن يشبهن «كان» في لزوم المبتدأ والخبر ويفارقنها بافتقار «لولا» و «لو ما» إلى الجواب وافتقار إذا إلى كلام سابق (2) وضمّ أكثر النحويين إلى المشابهة [2/ 91] من الوجه المذكور المشابهة بسكون الوسط وفتح الآخر (3)، والصحيح عدم اعتبار ذلك؛ إذ لو كان سكون الوسط معتبرا لم يعتد «بلكن» لأن وسطها متحرك ولو كان فتح الآخر معتبرا لزم إبطال عمل «إن» و «أنّ» و «كأنّ» عند التخفيف. وزاد الزجاجي في المشابهة المعتبرة: الاتصال بالضمائر المنصوبة (4) وهذا عجيب فإن الضمائر المنصوبة لم تتصل بهذه الأحرف إلا بعد استحقاق العمل فصح أن المعتبر من المشابهة ما اقتصرت على ذكره من لزوم المبتدأ والخبر والاستغناء بهما إلا أن هذه الأحرف لما كانت فروع «كان» في عمل الرفع والنصب قدم معهن عمل النصب على عمل الرفع تنبيها على الفرعية لأن الأصل تقديم الرفع (5).
ولم يحتج إلى ذلك في «ما» المحمولة على «ليس» لأن فرعيتها ثابتة بيّنة الثبوت بعدم اتفاق العرب على إعمالها وبطلان عملها عند نقض النفي بإلا أو تقديم الخبر أو وجود «إن» فاستغنت عن جعل عملها عكس عمل كان (6).
وقيل: لما كان معنى كل واحد من هذه الأحرف لا يتحقق حصوله إلا في الأخبار تنزلت منهن منزلة العمد من الأفعال فأعطيت إعراب الفاعل وهو الرفع، -
(1) ينظر الهمع (1/ 134)، وشرح الجمل الصغير لابن عصفور (60 خ) بدار الكتب، وفيه:«رفعت أحد الاسمين ونصبت الآخر لأنها - يعني إن وأخواتها - أشبهت من الأفعال ما يطلب الاسمين وما كان طالبا لاسمين من الأفعال يرفع أحدهما وينصب الآخر فلذلك رفعت هذه الحروف أحد الاسمين ونصبت الآخر» . اه. وينظر التصريح (1/ 211).
(2)
ينظر حاشية الصبان (1/ 270).
(3)
ينظر شرح الألفية لابن الناظم (62)، وشرح الجمل الكبرى لابن هشام (52).
(4)
الجمل للزجاجي (65)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 423) ط. العراق. وشرح الجمل الكبرى لابن هشام الأنصاري (ص 52).
(5)
ينظر الإنصاف (1/ 178 - 179)، والتصريح (1/ 211)، ووصف المباني (118 - 119).
(6)
ينظر حاشية الصبان (1/ 270).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونزلت الأسماء منزلة الفضلات فأعطيت إعراب المفعول وهو النصب (1).
وأجاز الفراء نصب الاسم والخبر معا «بليت» (2) ومن حجته على ذلك قول الشاعر.
912 -
ليت الشّباب هو الرّجيع إلى الفتى
…
والشّيب كان هو البديء الأول (3)
وأجاز بعض الكوفيين ذلك في كل واحد من الخمسة (4). ومن حجج صاحب هذا المذهب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ قعر جهنّم لسبعين خريفا» (5) ومن حججه قول الشاعر:
913 -
إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت ولتكن
…
خطاك خفافا إنّ حرّاسنا أسدا (6)
ومنه قول الراجز: -
(1) ينظر المقرب (1/ 106)، حيث إن هذا رأي ابن عصفور فيه.
(2)
في معاني القرآن (1/ 410): ويجوز النصب في «ليت» بالعماد والرفع لمن قال: ليتك قائما.
أنشدني الكسائي:
ليت الشباب هو الرجيع على الفتى
…
... البيت
ونصب في «ليت» على العماد ورفع في كان على الاسم. اه.
(3)
البيت من الكامل وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 9)، والكافية الشافية (1/ 516)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 410)، والتذييل (2/ 628)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 421).
والشاهد في البيت: هو نصب الجزأين «بليت» في قوله (ليت الشباب هو الرجيع)«فالشباب» اسمها «والرجيع» خبرها وهما منصوبان وأما هو فضمير فصل.
(4)
ذكر ابن عصفور أنه ممن ذهب إلى ذلك ابن سلام في طبقات الشعراء وزعم أنها لغة. شرح الجمل لابن عصفور (1/ 424) ط. العراق. وينظر في هذه المسألة أيضا نتائج الفكر (343)، والأشموني (1/ 269)، وحاشية الخضري (1/ 130).
(5)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان (ح 329) برواية «إن قعر جهنم لسبعون خريفا» واستشهد به ابن مالك في الكافية الشافية (1/ 518).
(6)
البيت من الطويل لعمر بن أبي ربيعة، وهو في الكافية الشافية (1/ 518)، والتذييل (2/ 489، 627)، وتعليق الفرائد (1077)، والخزانة (2/ 144) عرضا، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 421)، والمغني (1/ 37)، وشرح شواهده (1/ 122)، والأشموني (1/ 269)، وحاشية الخضري (1/ 130)، والهمع (1/ 134)، والدرر (1/ 111).
ويروى أيضا (حثاثا) مكان (خفافا) كما في إحدى روايتي التذييل.
والشاهد قوله: (إن حراسنا أسدا) حيث نصب «بإنّ» الاسم والخبر معا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
914 -
إنّ العجوز خبّة جروزا
…
تأكل كلّ ليلة قفيزا (1)
ومثله:
915 -
كأنّ أذنيه إذا تشوّفا
…
قادمة أو قلما محرّفا (2)
ولا حجة في شيء من ذلك لإمكان رده إلى ما أجمع على جوازه، أما البيت الأول فيحمل على تقدير «كان» والأصل: ليت الشباب كان الرجيع، فحذف «كان» وأبرز الضمير وبقى النصب بعده دليلا. ومثل هذا من الحذف ليس ببدع، وقد روي عن الكسائي أنه يوجه هذا التوجيه في كل موضع وقع فيه نصبان بعد شيء من هذه الأحرف (3) ويقوي ما ذهب إليه إظهار «كان» كثيرا بعد ليت وإنّ كقوله تعالى: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ (4) ويا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (5) وإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (6) وإِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (7) ووَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (8) وإِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (9) وإِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (10) فجاز إضمار «كان» [2/ 92] هنا لكثرة إظهارها، كما جاز ذلك -
(1) الرجز لم يعلم قائله وهو في نوادر أبي زيد (474)، ونتائج الفكر (343)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 425)، ط. العراق. ومقاييس اللغة (1/ 441)، والتذييل (2/ 627)، والهمع (1/ 134)، والدرر (1/ 112)، ويروى أيضا (تأكل في مقعدها قفيزا).
اللغة: خبة: بكسر الخاء وفتحها: خداعة. جروز: كثيرة الأكل.
والشاهد قوله (إن العجوز خبة جروزا) حيث نصبت «بإنّ» الجزأين.
(2)
الرجز قائله محمد بن ذؤيب العماني، وقيل أبو نخيلة الراجز. وهو في الكافية الشافية (1/ 517)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 425) طبعة. العراق. وشرح التسهيل للمرادي (1/ 421)، وتعليق الفرائد (218)، والخصائص (2/ 430)، والعقد الفريد (5/ 367)، والخزانة (4/ 92)، وسمط اللآلئ برواية (تخال أذنيه)، والموشح للمرزباني (298)، والمغني (1/ 193)، وشرح شواهده (2/ 515)، والتذييل (2/ 628)، والكامل (2/ 109)، والأشموني (1/ 270)، والهمع (1/ 134)، والدرر (1/ 112)، والمحكم، واللسان (حرف)، وديوان العماني (1/ 36).
والشاهد فيه نصب الجزأين «بكان» في قوله (كأن أذنيه
…
قادمة).
(3)
لمراجعة رأي الكسائي ينظر شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 128).
(4)
سورة النساء: 73.
(5)
سورة النبأ: 40.
(6)
سورة النساء: 29.
(7)
سورة النساء: 86.
(8)
سورة النساء: 127.
(9)
سورة مريم: 47.
(10)
سورة طه: 35.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «ما أنت وزيدا» و «كيف أنت وقصعة من ثريد» (1) ويحمل الحديث على أنّ القعر فيه مصدر قعرت الشيء إذا بلغت قعره وهو اسم «إنّ» و «لسبعين خريفا» ظرف مخبر به لأن الاسم مصدر ظروف الزمان يخبر بها عن المصادر كثيرا، ويقدر:
إنّ حراسنا أسدا، كأنّه قال: إن حراسنا يشبهون أسدا. أو كانوا، وأما قول الراجز فمحمول على أن «تأكل» خبر إنّ و «خبة جروزا» حالان من فاعل تأكل، ولا تكلف في هذا التوجيه. وأما قول الآخر فمحمول على أنّ «قادمة» فيه و «قلما» منصوبان بفعل مضمر والتقدير: كأنّ أذنيه إذا تشوفا تحلقان قادمة (2). وزعم أبو محمد بن السيد أن لغة بعض العرب نصب خبر إن وأخواتها (3). انتهى كلام المصنف (4). لكن لا بد من التعرض لذكر أمور:
الأول: كون هذه الأحرف رافعة الخبر هو مذهب البصريين وهو الحق وأما الكوفيون فيرون أن الخبر باق على رفعه قبل دخولها (5)، كما قالوا في «كان» إنها لا عمل لها في الاسم (6)، وقد استدل السهيلي على صحة قولهم، بأنه لو كان مرفوعا بهذه الأحرف لجاز أن يليها كما يلي كلّ عامل ما عمل فيه (7) ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال لأنّ التقديم فرع على التأخير، ولم يعط الحرف رتبة الفعل في القوة فيجوز فيه ما جاز في الفعل.
الثاني: أنّ المفتوحة للتوكيد كالمكسورة، واستشكل ذلك بعض النحاة قال:
لأنها إذا كانت للتأكيد كان معناها تحقيق الخبر وتأكيد النسبة، وإذا كانت سابكة كان في ذلك إبطال الخبر به إذ مع السبك ينتفي قبول الصدق والكذب (8).
وأجيب عن هذا بأن المفتوحة أصلها الكير والمؤكدة هي المكسورة ليس إلّا، لكن -
(1) سوف يأتي الحديث عن ذلك في باب المفعول معه إن شاء الله، وينظر الكتاب (1/ 299).
(2)
ينظر هذه التخريجات في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 425) ط. العراق. والهمع (1/ 134 - 135)، والمغني (1/ 37)، وحاشية الخضري (1/ 130)، وحاشية الصبان (1/ 269).
(3)
ينظر التذييل (2/ 627)، والهمع (1/ 134).
(4)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 10).
(5)
ينظر الإنصاف (1/ 176 - 185).
(6)
ينظر التصريح (1/ 184) والأشموني (1/ 226).
(7)
نتائج الفكر (343).
(8)
ينظر شرح الدماميني على المغني (1/ 86)، والهمع (1/ 132).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فتحها إنما كان لصيرورتها في تأويل المفرد المؤكد ثبوته وملخص هذا الجواب أنّ فتح «إنّ» عارض وأصلها الكسر فهي مراعى فيها معناها حين هي مكسورة وكونها فتحت لعارض لفظي لا يخرجها عن ذلك (1).
الثالث: معنى الاستدراك الذي وضعت له «لكنّ» أنك تنسب حكما لمحكوم عليه يخالف الحكم الذي للمحكوم عليه قبلها، ولذلك لا بد أن يتقدمها كلام ملفوظ به أو مقدر. هذا أصل معناها وقد تكون لتأكيد الأول وتحقيقه، فالأول نحو ما قام زيد لكنّ عمرا قاعد. كأنه لما قيل زيد توهم أن عمرا مثله لملابسة بينهما، فرفعت ذلك التوهم بالاستدراك. والثاني نحو: لو قام فلان لفعلت لكنه لم يقم، فأكدت ما دلت عليه «لو» وكأنها في المعنى مخرجة لما دخل في الأول توهما (2)، قال الله تعالى: وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ (3) ثم قال الله تعالى:
وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ (4) أي: ما أراكهم كثيرا ومذهب البصريين [2/ 93] أنها كلمة بسيطة ونقل عن الكوفيين أنها مركبة عندهم وأن الأصل «لكنّ أن» (5) ولا حاجة إلى الاشتغال بهذا إذ لا فائدة فيه.
الرابع: قد عرفت من كلام المصنف المتقدم أن «كأنّ» مركبة من كاف التشبيه وأنّ، وهذا مذهب الجمهور، وعليه الخليل وسيبويه (6)، وقيل: إنها حرف بسيط، واختاره الشيخ قال: لأنّ التركيب على خلاف (7) الأصل ويلزم على رأيه أنها لمطلق التنبيه، وقد تقدم من كلام المصنف أنها للتشبيه المؤكد وإنما يتأتى ذلك على القول بتركيبها فتعين الجزم به، وقد ذكر «لكأنّ» ثلاثة معان أخر: -
(1) ينظر التذييل (2/ 604)، والمطالع السعيدة (ص 226).
(2)
ينظر في هذه المسألة وحاشية الخضري (1/ 129)، ووصف المباني (278)، والهمع (1/ 132 - 133)، وابن الناظم (61)، والمغني (1/ 290 - 291).
(3)
،
(4)
سورة الأنفال: 43.
(5)
ينظر الإنصاف (1/ 209)، وإصلاح الخلل (166)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 465)، والمغني (1/ 291)، والتصريح (1/ 212)، والتذييل (2/ 609)، والهمع (1/ 133)، وشرح الجمل لابن باشاذ (1/ 120).
(6)
الكتاب (3/ 151).
(7)
التذييل (2/ 604، 611)، وينظر في هذه المسألة أيضا شرح الجمل لابن عصفور (1/ 449)، والأصول لابن السراج (1/ 278)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 120)، والكافي شرح الهادي للزنجاني (276).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحدها: التحقيق كما أشار إليه المصنف وقد عرفت أنه لم يرتضه وتقدم من كلامه تخريج ما استشهد به صاحب هذا القول على البيت الذي استشهد به على أن «كأنّ» فيه للتحقيق يمكن حمل «كأنّ» فيه على التشبيه حقيقة دون احتياج إلى التأويل الذي ذكره وذلك أن الشاعر كأنه لا يعترف بفقد هشام لأنه لا يرضى أن يحدث نفسه بفقده لكونه عزيزا عنده، فهو عنده في حكم الموجود، وإذا كان في حكم الموجود وجب عنده أن لا تقشعر الأرض، فلما اقشعرت قال: كأن الأرض ليس بها هشام، وهذا معنى صحيح وهو أمر يرجع إلى تجاهل العارف.
ثانيها: الشك وهو منسوب إلى الزجاجي والكوفيين (1)، وذكر ابن عصفور أنه مذهب ابن الطراوة (2) وذلك أنهم قالوا: إذا كان خبر «كأنّ» اسما جامدا كانت للتشبيه وإذا كان مشتقّا كانت للشك بمنزلة ظننت وتوهمت. قال ابن السيد إذا كان خبرها فعلا أو جملة أو صفة فهو للظن والحسبان (3) ومستند القائل بذلك أنك إذا قلت: كأنّ زيدا قائم فالقائم هو زيد والشيء لا يشبه بنفسه وأجابوا عن ذلك بأن الشيء قد يشبه في حال ما بنفسه في حال أخرى فتكون إذا قلت: كأنّ زيدا قائم مشبها لزيد غير قائم به قائما أو يكون ثم مضاف محذوف، التقدير كأنّ هيئة زيد هيئة قائم (4).
ثالثها: التقريب وهو مذهب بعض النحويين من الكوفيين وذلك نحو قولهم:
كأنّك بالشتاء مقبل وكأنك بالفرج آت. قالوا: لأن المعنى على تقريب إقبال الشتاء وتقريب إتيان الفرج، ولا يتصور التشبيه في الكلام (5). ومن ذلك قول الحسن البصري (6):«كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل» لأن المعنى على تقريب زوال الدنيا وتقريب وجود الآخرة.
والمحققون على أن «كأنّ» للتشبيه فيما ذكر (7)، ولكن اختلف القول في تخريجه: -
(1) ينظر التذييل (2/ 614)، والهمع (133).
(2)
شرح الجمل لابن عصفور (1/ 448) طبعة. العراق.
(3)
ينظر مقدمة الحلل لابن السيد (ص 35). تحقيق د/ مصطفى إمام، والمغني (1/ 192)، والتذييل (2/ 614)، والهمع (1/ 133).
(4)
ينظر حاشية الأمير (1/ 163).
(5)
ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 448) طبعة. العراق.
(6)
هو أبو سعيد بن الحسن بن أبي الحسن البصري، من سادات التابعين جمع من كل العلوم والفنون، توفي سنة (110 هـ) وفيات الأعيان (1/ 128، 129).
(7)
ينظر الأشباه والنظائر (3/ 163)، (4/ 63).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقيل: الكاف في كأنك بالشتاء: فقيل حرف خطاب والباء في بالشتاء زائدة واسم «كأن» «الشتاء» والخبر مقبل، والتقدير: كأنّ الشتاء مقبل وكذا القول في كأنك بالفرج آت، التقدير: كأن الفرج آت [2/ 94] وكذا: كأنك بالدنيا لم تكن، التقدير كأن الدنيا لم تكن وكأن الآخرة لم تزل والضمير في تكن وتزل عائد على اسم «كأنّ» (1) وهذا تخريج الفارسي وقيل إن ثم مضافا محذوفا، والتقدير: كأن زمانك بالشتاء مقبل وكأن زمانك بالفرج آت. ولما لم يتأت تقدير مضاف في كأنك بالدنيا لم تكن، خرج على أنّ الكاف اسم «كأنّ» ولم تكن خبر وفي «الدنيا» متعلق بالخبر التقدير: كأنك لم تكن بالدنيا أي في الدنيا، فالضمير في «تكن» عائد على المخاطب، وكأنك لم تزل بالآخرة أي في الآخرة (2). وقد رجح هذا التأويل على تأويل الفارسي لأن فيه دعوى حرفية الكاف للخطاب ودعوى زيادة الباء في «الشتاء» وفي «بالفرج» وفي «بالدنيا» (3).
وخرج الشيخ جمال الدين بن عمرون: كأنك بالدنيا تخريجا آخر، فقال: خبر «كأنّ» هو المجرور يعني بالدنيا وبالآخرة، قال: والجملة التي هي «لم تكن» «ولم تزل» في موضع الحال ثم قال: فإن قيل: إن «بالدنيا» لا يتم به الكلام والحال فضلة، فالجواب: إن من الفضلات ما لا يتم الكلام إلا به كقوله تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (4) فمعرضين حال من الضمير المخفوض ولا يستغنى الكلام عنها لأن الاستفهام في المعنى إنما هو عنها، ومما يبين ذلك قولهم: ما زلت بزيد حتى فعل، لا يتم الكلام بقولك بزيد، ويدل على صحة الحال قولك (كأنك بالشمس قد طلعت) ونحوه ما حكي عن بعضهم:(كأنا بالدنيا لم تكن)، قال: وعلى هذا يحمل قول الحريري: (كأني بك تنحط)(5)، ولا يخفى جودة هذا التخريج وحسنه، وليته تكلم على قولهم كأنك بالشتاء مقبل، وكأنك بالفرج آت فربما كان يذكر فيه ما يشفي الغليل. وقد نقل الشيخ عن الصفار وغيره في هذا الموضع ما يطول -
(1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 448 - 449) ط. العراق والأشباه والنظائر (4/ 64) وحاشية الصبان (1/ 272).
(2)
ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 449) ط. العراق.
(3)
ينظر الأشباه والنظائر (4/ 64).
(4)
سورة المدثر: 49.
(5)
ينظر التذييل (2/ 619)، والأشباه والنظائر (3/ 163)، (4/ 65 - 67).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إيراده وفيما أشرنا إليه غاية.
الخامس: ذكر المصنف من معاني «لعلّ» التعليل والاستفهام كما تقدم، قال: لم يذكر أصحابنا «للعلّ» هذين المعنيين، والمصنف تبع في كونها للتعليل الكسائي والأخفش (1) ثم ذكر الأدلة التي تقدم ذكرها، وقال: وهذا عند أصحابنا لعل
…
فيه للترجي قال: وأما الاستفهام فهو شيء قاله الكوفيون، وهي عند أصحابنا في قوله تعالى: لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (2) للترجي، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لعلّنا أعجلناك» (3) للإشفاق (4) انتهى. ولا يخفى بعد الترجي فيما ذكر وكون ما ذهب إليه المصنف هو الكسائي والأخفش وقول الكوفيين أيضا لا يلزم منه عدم الصحة.
السادس: ذكر المصنف في متن الكتاب العلة الموجبة لعمل هذه الأحرف هذا العمل الخاص ولا مزيد عليه في الحسن، غير أن المغاربة يوردون ذلك بطريقة أخرى ربما تشتمل على التنبيه على فائدة (5)، فأنا أورد ما ذكروه معتمدا كلام أبي الحسن ابن عصفور رحمه الله تعالى.
قال في ابتداء الكلام على هذا الباب: العمل أصل في الأفعال فرع في الأسماء والحروف بدليل أن الأفعال عاملة، وأما الأسماء فلا [2/ 95] يعمل منها إلا ما أشبه الأفعال، فدل ذلك على أن العمل بحق الأصالة إنما كان للأفعال فما وجد على هذا من الأسماء والحروف عاملا، فينبغي أن يسأل عن الموجب لعمله، وإنّ وأخواتها من الحروف العاملة فينبغي أن يسأل عن الموجب لعملها، والذي أوجب لها العمل عند محققي النحويين هو شبهها بالأفعال في الاختصاص وذلك أن هذه الحروف تختص بالأسماء ولا تدخل على غيرها كما أن الأفعال كذلك، وكل حرف يختص بما يدخل عليه ولا يكون كالجزء مما دخل عليه فإنه يعمل فيما يختص به اسم أو فعل، ألا ترى أن عوامل الأسماء كلها مختصة بها ولا تدخل على غيرها وكذلك عوامل الأفعال أيضا، وإنما تحرزت بقولي: ولم يكن كالجزء مما دخل عليه من «قد» والسين -
(1) ينظر الأشموني (1/ 271)، حيث ذكر أيضا عن المصنف.
(2)
سورة عبس: 3.
(3)
سبق تخريج هذا الحديث.
(4)
التذييل (2/ 624).
(5)
ينظر شرح الجمل الكبرى لابن هشام (51 - 52) وإصلاح الخلل (ص 163).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسوف «والألف واللام» وذلك أن قد والسين وسوف اختصت بالأفعال، إلا أنها صارت كالجزء من الفعل بدليل أنه لا يجوز الفصل بينها وبين الأفعال بشيء إلا «بقد» فإنه قد يجوز الفصل بينها وبين الفعل بالقسم نحو: قد والله قام زيد، وبدليل أنك تقول: لقد قام زيد، ولسوف يقوم زيد فتفصل بين لام التوكيد وبين الفعل، ولام التوكيد لا يجوز الفصل بينها وبين الفعل بشيء غير هذه الأشياء. فلولا أن هذه الأشياء تنزلت من الفعل منزلة الجزء لما جاز ذلك، وكذلك لام التعريف تنزلت من الاسم منزلة الجزء بدليل قولك: مررت بالرجل، فتفصل بها حرف الجر والمجرور، ولا يجوز الفصل بينهما بشيء، فلولا أنها مع الاسم كالشيء الواحد لما جاز ذلك.
ثم قال: فلو قيل: فإذا وجب لها العمل لما ذكر ثمّ، فلأي شيء كان عملها رفع أحد الاسمين ونصب الآخر وهلا كان الأمر بخلاف ذلك؟
فالجواب: أنها أشبهت من الأفعال ضرب فعملت عمله وأيضا فإنه لا يمكن فيها غير ذلك، وذلك أنه لا يخلو من أن ترفعهما أو تنصبهما أو تخفضهما أو ترفع أحدهما وتنصب الآخر أو ترفع أحدهما وتخفض الآخر، ولا يتصور أكثر من ذلك، فباطل أن ترفعهما لأن عاملا واحدا لا يوجد رافعا لاسمين دون تبعية، وباطل أن تنصبها أو تخفضهما لأنه لا يوجد عامل يعمل نصبا وخفضا (1) من غير أن يعمل مع ذلك رفعا، وكذلك أيضا يبطل أن تنصب أحدهما وتخفض الآخر، إذ لا بد من المرفوع، أو ترفع أحدهما وتخفض الآخر، إذ لا يكون خفض إلا بواسطة حرف فلم يبق إلا أن ترفع أحدهما وتنصب الآخر. فإن قيل: لم كان المنصوب الاسم والمرفوع الخبر؟
فالجواب: أنه لما وجب رفع أحدهما تشبيها بالعمدة ونصب الآخر تشبيها بالفضلة كان أشبهها بالعمدة الخبر لأن هذه الأحرف إنما دخلت لتوكيد الخبر أو تجنبه أو ترجيه أو التشبيه به فصارت الأسماء كأنها غير مقصودة، فلما رفع الخبر تشبيها بالعمدة نصبت الأسماء تشبيها بالفضلة (2).
السابع: ذكر الشيخ المذاهب في نصب الخبر بهذه (الحروف)(3) ثم قال: -
(1) ينظر وصف المباني للمالقي (118 - 119).
(2)
شرح الجمل لابن عصفور (1/ 422 - 424) ط. العراق، والمقرب (1/ 106).
(3)
في (ب)(الأحرف).