الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم الجملة بعد التعليق وأدواته]
قال ابن مالك: (والجملة بعد المعلّق في موضع نصب بإسقاط حرف الجرّ إن تعدّى به وفي موضع مفعوله إن تعدّى إلى واحد وسادّة مسدّ مفعوليه إن تعدّى إلى اثنين، وبدل من المتوسّط بينه وبينها إن تعدّى إلى واحد وفي موضع الثّاني إن تعدّى إلى اثنين ووجد الأول).
قال ناظر الجيش: قد عرف أن التعليق غير مختص بالأفعال المتعدية إلى مفعولين وإنما هو مختص بالأفعال القلبية سواء أكان الفعل لازما أم متعديا إلى واحد أم إلى اثنين وعرف أيضا أن الفعل المعلق يتعدى إلى ما علق عنه تعدية معنوية لا لفظية فهو يؤثر في المحل لا في اللفظ.
وإذا كان كذلك فلا شك أن الفعل المعلق ثلاثة أقسام: متعد بحرف جر، ومتعد بنفسه إلى واحد، ومتعدّ بنفسه إلى اثنين: فالجملة بعد الأول في موضع نصب بإسقاط حرف الجر نحو قوله تعالى: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً (1) ومنه فكرت أهذا صحيح أم لا، أي فكرت (2) في، وأما المحذوف في الآيات الشريفة فإما «في» [2/ 208] إن جعلت النظر بمعنى التفكر وإما «إلى» إن جعلته بمعنى البصر والجملة بعد الثاني في موضع مفعوله نحو عرفت أيهم زيد، ونحو أما ترى أي برق ها هنا لأن ترى في هذا المثال بصرية على الأصح (3) والجملة بعد الثالث سادة مسد المفعولين وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (4).
واعلم أنه قد تقدم ذكر المسألة التي يجوز فيها الإعمال والتعليق: وهي عرفت أو علمت زيدا أبو من هو: فأما من هو: فأما إذا حصل التعليق فإعراب الجملة واضح لأنها تكون خبرا عن الاسم الذي علق عنه الفعل وأما إذا لم يعلق ونصب الاسم الأول فإن كان الفعل متعديا إلى واحد فالجملة بدل منه نحو (5): عرفت زيدا أبو من هو وإلى هذا أشار المصنف بقوله: وبدل من المتوسط بينه وبينها إن تعدى إلى واحد -
(1) سورة الكهف: 19.
(2)
ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 320 - 321)، والمقرب (1/ 120)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 284)، والهمع (1/ 155).
(3)
ينظر الكتاب (1/ 236).
(4)
سورة طه: 71.
(5)
في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 322) ط. العراق «فإن قيل: من أي أقسام البدل هذا؟
فالجواب: أنه من باب بدل الشيء من الشيء». اه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن كان متعديا إلى اثنين فالجملة في موضع المفعول الثاني نحو: علمت زيدا أبو من هو وإلى هذا أشار المصنف بقوله: وفي موضع المفعول الثاني إن تعدى إلى اثنين ووجد الأول.
ثم ها هنا بحثان:
الأول:
في الجملة الواقعة بعد الاسم المنصوب في نحو: «عرفت زيدا أبو من هو» قولان آخران للنحويين:
أحدهما: أنها في موضع الحال، وإلى ذلك ذهب المبرد وابن خروف (1) ورد بأنها لو كانت حالا لساغ دخول الواو عليها ودخول الواو عليها يغير المعنى وشأن واو الحال أن المعنى الذي كانت الجملة تعطيه قبل دخولها لا يتغير بعد دخولها وليس معنى:«عرفت زيدا وأبو من هو» كمعنى: عرفت زيدا أبو من هو (2).
القول الثاني: أنها في موضع مفعول ثان وأن «عرفت» ضمن معنى علمت فتعدت إلى مفعولين كما ضمنت نبئت وأنبئت وأخبرت معنى أعلمت فتعدت تعديتها وهو رأي أبي علي حكاه عنه ابن جني (3).
قال ابن عصفور: وذلك فاسد لأن التضمين لبس بقياس فلا يقال به ما وجدت عنه مندوحة (4). وقد جعلها المصنف بدلا من الاسم الذي قبلها وهذا هو القول الثالث وهو مذهب السيرافي (5) ومختار أبي الحسن بن عصفور، وقال في شرح الجمل: فإن قيل: من أي أقسام البدل هو؟ فالجواب أنه بدل الشيء من الشيء فإن قيل:
فزيد ليس بالجملة التي هي أبو من هو؟ فالجواب أن ذلك على حذف المضاف تقديره: عرفت قصة زيد أبو من هو، والقصة هي الجملة (6) انتهى.
وقد جعله ابن الضائع بدل اشتمال، كقولك: عرفت أخاك خبره ونازع ابن عصفور -
(1) ينظر الهمع: (1/ 156).
(2)
ذكر ابن عصفور هذا الرد في كتابه شرح الجمل (1/ 321 - 322).
(3)
ينظر التذييل (2/ 1040 - 1041)، والهمع (1/ 156).
(4)
شرح الجمل لابن عصفور (1/ 322) ط العراق.
(5)
ينظر الهمع (1/ 155).
(6)
شرح الجمل لابن عصفور (1/ 322).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيما [2/ 209] ادعاه (1) والذي قاله ابن عصفور أظهر مما قاله ابن الضائع. وقد اختار الشيخ قول أبي علي وهو أن الجملة في موضع المفعول الثاني لعرفت على أنها ضمنت معنى علمت، قال: والدليل على ذلك: جواز رفع الاسم بعد عرفت وانعقاد جملة من مبتدأ وخبر بعد عرفت فتكون إذ ذاك معلقة عنه لأنه مستفهم عنه في المعنى فتقول:
عرفت زيد أبو من هو كما كان ذلك في علمت زيد أبو من هو، قال: فزيد مبتدأ، «وأبو من هو» جملة في موضع الخبر فإذا انتصب كان على هذا المعنى من أن أصله مبتدأ وخبر وكان المنصوب مفعولا أول والجملة في موضع المفعول الثاني كما كان خبرا حين ارتفع الاسم الأول (2) انتهى ولا يبعد ما قاله عن الصواب.
البحث الثاني:
اعلم أن ابن عصفور بعد أن ذكر حكم الجملة المعلق عنها الفعل وأنها في موضع مفعول بعد إسقاط حرف الجر في نحو: فكرت أبو من زيد وفي موضع مفعول الفعل في نحو: عرفت أبو من زيد وفي موضع المفعولين في نحو: علمت أبو أيهم زيد وأنها في موضع الثاني في نحو: علمت زيدا أبو من هو وأنها بدل من الاسم الذي قبلها في نحو: عرفت زيدا أبو من هو - قال: وقد قيل إن الفعل في جميع ما ذكر من قبيل ما يتعدى إلى مفعولين إما بحق الأصل وإما بالتضمين وهو الصحيح عندي (3). انتهى.
هذا كلامه في المقرب وقد خالف قوله بالتضمين هنا ما ذكره في شرح الجمل وهو الذي ذكرناه عنه اتفاقا. وحاصل ما ذكره في المقرب أن الفعل المعلق لا يكون إلا متعديا إلى مفعولين فإما بحق الأصل نحو علمت وإما
بالتضمين كما في فكرت أبو من زيد وانظر أبو من زيد وعرفت أبو من زيد فجميعها تتعدى إلى اثنين لتضمنها معنى علمت، والعلة في ذلك: أن الفعل المعلق تسلط على معنى الجملة وإذا كان كذلك وجب أن يتعدى إلى مفعولين كما أن علمت وأخواتها متسلطة على الجملة من جهة المعنى (4) وقال سيبويه: «وإن شئت قلت: قد علمت زيد أبو من هو كما تقول ذلك فيما لا يتعدى إلى مفعول وذلك قولهم: اذهب فانظر زيد أبو من هو -
(1) ينظر التذييل (2/ 1041)، والهمع (1/ 155).
(2)
التذييل لأبي حيان (2/ 1041).
(3)
المقرب (1/ 121).
(4)
ينظر المقرب (1/ 120 - 121).