الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[لا يلحق بالقول في الحكاية ما في معناه]
قال ابن مالك: (ولا يلحق في الحكاية بالقول ما في معناه بل ينوى معه القول خلافا للكوفيين، وقد يضاف قول وقائل إلى الكلام المحكي وقد يغني القول في صلة وغيرها عن المحكيّ لظهوره، والعكس كثير، وإن تعلّق بالقول مفرد لا يؤدي معنى جملة ولا يراد به مجرّد اللّفظ حكي مقدّرا معه ما هو به جملة وكذا إن تعلّق بغير القول).
ــ
جوزوا الحكاية مع استيفاء الشروط كما عرفت فكيف جازت الحكاية، ومعنى أتقول: أتظن ولا شك أن إلغاء الظن متقدما غير جائز لكن لقائل أن يقول: إنما جازت الحكاية مراعاة لصورة القول فإن الجمل تحكى معه ولا يلزم من تضمينه معنى الظن وجوب الإعمال (1).
قال ناظر الجيش: تضمن هذا الكلام الإشارة إلى مسائل:
الأولى: أن ما كان في معنى القول لا يلحق به في أن يحكي ما بعده، والمراد بما في معنى القول: النداء والدعاء ونحوهما فإذا جاء بعد شيء منها مقول ففيه مذهبان:
أحدهما: أن يقدر قول يكون به المقول محكيّا، والآخر: أن يحكي المقول بما قبله إجراء له مجرى القول دون حاجة إلى تقدير وهو قول الكوفيين والأول قول البصريين (2) قال المصنف (3): وهو الصحيح لأن حذف القول استغناء عنه بالمقول مجمع عليه في غير محل النزاع كقوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ (4) أي فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم (5) فحذف القول لدلالة المعنى عليه (6) فحذفه في محل النزاع أولى لأنه مدلول عليه بدلالتين: معنوية ولفظية. وأيضا -
(1) ينظر الهمع: (1/ 158).
(2)
ينظر المقرب (1/ 293)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 289)، والهمع (1/ 156 - 157).
(3)
شرح التسهيل لابن مالك (1/ 96).
(4)
سورة آل عمران: 106.
(5)
ينظر الكشاف (1/ 134)، وإملاء ما من به الرحمن (1/ 145)، وروح المعاني للألوسي (1/ 569).
(6)
في معاني القرآن للفراء (1/ 228 - 229): وقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ يقال: «أما» لا بد لها من الفاء جوابا فأين هي؟ فيقال: أنها كانت مع قول مضمر فلما سقط القول سقطت الفاء معه والمعنى - والله اعلم - فأما الذين اسودت وجوههم فيقال: أكفرتم فسقطت الفاء مع «فيقال» والقول قد يضمر ومنه في كتاب الله شيء كثيرا. اه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بقاء المحكي وحذف القول نظير بقاء المفعول وحذف الفعل، وذلك في الكلام [2/ 217] كثير فلحق به النظير. وأيضا قد جاء بعد النداء وشبهه مما نحن بصدده القول مصرحا به؛ فدل ذلك على صحة التقدير عند عدم التصريح، فمن مواضع التقدير: قوله تعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا (1) وقوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (2) وقوله تعالى: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (3) وقوله تعالى:
وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ (4) ومنها قول الراجز أنشده الفراء:
1175 -
إني سأبدي لك مما أبدي
…
لي شجنان شجن في نجد
وشجن لي في بلاد الهند (5)
ومن مواضع التصريح: قوله تعالى: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ (6) وقوله تعالى: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي (7) وقوله تعالى: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي (8) انتهى (9) وكلام ابن عصفور في المقرب يوافق قول الكوفيين فإنه قال: الجملة لا تحكى إلا بعد القول أو فعل في معناه نحو قولك:
قرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * وأورد في هذا الفصل البيت المشهور وهو:
1176 -
تنادوا بالرّحيل غدا (10)
فلولا أن المصنف جعل تقدير القول مذهب البصريين لقلت: إن مذهبهم هو -
(1) سورة هود: 42.
(2)
سورة إبراهيم: 13.
(3)
سورة يونس: 22.
(4)
سورة الزخرف: 77.
(5)
لم يعلم قائله ولم يعزه الفراء لراجز معين بل اكتفى بقوله: أنشدني الكسائي. الرجز في معاني القرآن للفراء (1/ 80). وينظر التذييل (2/ 1084، 1085)، وشرح التسهيل للمصنف (80 / ب).
والشاهد قوله: (سأبدي
…
لي شجنان) حيث جعل جملة (لي شجنان) مقولة لقول محذوف تقديره «أقول» وقد جعل الكوفيون الجملة معمولة (لأبدي) لأنهم يلحقون بالقول ما في معناه.
(6)
سورة الأعراف: 48.
(7)
سورة هود: 45.
(8)
سورة مريم: 3، 4.
(9)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 97).
(10)
تقدم، وانظر المقرب (1/ 293).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذي ذكره ابن عصفور لأنه إنما يذكر مذهب البصريين ولا يعرج على قول الكوفيين.
قال الشيخ: ويظهر أن مذهب الكوفيين أرجح لأنه ليس فيه إضمار، قال: وأنت ترى مصبّ النداء على قوله: «اركب» ومصب «الوحي» على «لنهلكن» ومصبّ الدعاء على «لئن أنجيتنا» لا على غيرها فينبغي أن يعتقد فيها أن الجمل معمولة لها إذ هي محكية بها، قال: وأما حيث صرح بالقول بعد هذه الأفعال وشبهها فيضطر إذ ذاك إلى جعل الجملة محكية بالقول وينبغي أن يعتقد أن تلك الأفعال معمولاتها محذوفة وأن مصبها غير مصب القول لئلا يلزم من ذلك تكرار الفعل، قال: والذي يدل على عدم الإضمار أن «أن» التفسيرية جاءت بعد هذه الأفعال نحو قوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (1) ولو كان القول مضمرا لما جيء «بأن» التفسيرية لأنها لا تأتي بعد القول (2).
المسألة الثانية: أن القول الذي هو المصدر وقائلا الذي هو اسم فاعل قد يضافان إلى الكلام المحكي بهما فمثال الأول قول الشاعر:
1177 -
قول يا للرّجال ينهض منّا
…
مسرعين الكهول والشّبّانا (3)
ومثال الثاني قول الآخر:
1178 -
وأجبت قائل كيف أنت بصالح
…
حتّى مللت وملّني عوّادي (4)
ينشد بخفض صالح [2/ 217 مكرر] ورفعه في خفض فظاهر ومن رفع فعلى تقدير تقول: أنا صالح فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وهو أنا صالح ثم حذف صدر الجملة وبقى عجزها ولا شك أن إضافة قول إلى المحكي به من باب -
(1) سورة مريم: 11.
(2)
التذييل (2/ 1085 - 1086).
(3)
البيت من الخفيف مجهول القائل وهو في التذييل (2/ 1078)، والمغني (2/ 422)، وشرح شواهده (2/ 837)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 139).
والشاهد قوله: (قول يا للرجال ..) حيث أضاف لفظ القول إلى الكلام المحكي وهو (يا للرجال).
(4)
البيت من الكامل مجهول القائل وهو في التذييل (2/ 1088)، والعيني (4/ 503)، والمغني (2/ 422)، وشرح شواهده (2/ 837)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 139).
والشاهد قوله: (قائل كيف أنت) حيث أضاف اسم الفاعل من القول إلى الكلام المحكي وهو قوله (كيف أنت).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إضافة المصدر إلى معموله ولا شبهة في ذلك وكذا إضافة قائل إلى ما حكى به من باب إضافة اسم الفاعل إلى معموله أيضا ولكن لما لم يكن الواقع بعد قول وقائل معمولا صريحا احتاج أن ينبه على أن الإضافة إليه وإن لم يكن معمولا صريحا جائزة.
الثالثة: أن المحكي بالقول قد لا يذكر ويستغنى عنه بالقول إذا دل دليل على المحذوف وأن القول قد لا يذكر ويستغنى عنه بالمحكي لكن الأول في غاية القلة.
وأما الثاني فكثير كما أفهمت ذلك عبارة المصنف في متن الكتاب.
فمثال إغناء القول عن المحكي قول الشاعر:
1179 -
لنحن الألى قلتم فأنّى ملئتم
…
برؤيتنا قبل اهتمام بكم رعبا (1)
أراد نحن الذين قلتم تقاتلونهم فاستغنى بالقول وحذف المحكي لدلالة ما بعده عليه ولو فعل ذلك بغير صلة لجاز
كقولك: أنا قال زيد ولو رآني لغرّ يريد أنا قال زيد يغلبني ولو رآني لفر. ومن الاستغناء في الصلة بالقول عن المحكي قول الشاعر:
1180 -
لم يا عمرو لم تعد بالّذي قل
…
ت فتلقاه إذ خذلت نصيرا (2)
التقدير بالذي قلت أنا أعوذ به أو إنك تعوذ به (3).
ومثال الاستغناء بالمحكي عن القول قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ (4) وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ (5) أي قائلين سلام عليكم ومثله وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (6) أي يقولون ما نعبدهم، وهو كثير كما عرفت.
الرابعة: أنه إذا تعلق بالقول مفرد غير ما تقدمت الإشارة إليه ما حكمه؟ -
(1) البيت من الطويل مجهول القائل وهو في التذييل (2/ 1088)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 139)، والشاهد قوله:(لنحن الألى قلتم) حيث حذف المقول استغناء عنه بالقول لظهور المعنى.
(2)
البيت من بحر الخفيف وهو لقائل مجهول وهو في شرح التسهيل للمصنف (1/ 98)، والتذييل (2/ 1089). والشاهد قوله:(بالذي قلت فتلقاه) حيث استغنى بالقول عن المحكي.
(3)
ينظر في هذه المسألة شرح الكافية للرضي (2/ 289)، والمغني (2/ 415).
(4)
سورة آل عمران: 106.
(5)
سورة الرعد: 23، 24.
(6)
سورة الزمر: 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فنقول: قد تقدم التنبيه على أن المفرد ينصب بالقول وفروعه في موضعين:
أحدهما: إذا كان بمعنى جملة كقلت حديثا.
والثاني: إذا أريد به مجرد اللفظ كقلت لزيد عمرا بمعنى أطلعت عمرا على المسمى بزيد (1) فإن علق بالقول مفرد بخلاف ذينك فهو جزء جملة فإما أن ينصب بفعل مقدر وإما أن يرفع مبتدأ ويجعل الخبر محذوفا أو خبرا ويجعل المبتدأ محذوفا كقوله تعالى: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ * (2) فتقدير الأول: سلمنا سلاما، وتقدير الثاني:«عليكم سلام» أي تحيتكم سلام (3).
قال المصنف (4): ويجوز في العربية رفعهما ونصبهما ورفع الأول ونصب الثاني (5)، قال الشاعر:
1181 -
مررنا فقلنا إيه سلّم فسلّمت
…
كما اكتلّ بالبرق الغمام اللّوائح (6)
[2/ 218] وأشار المصنف بقوله: وكذا إن تعلق بغير القول إلى أنه لو تعلق المفرد الذي هو في التقدير بعض جملة بغير القول ونوي تمام الجملة لجيء به أيضا محكيّا -
(1) تقدم تفصيل القول في هاتين المسألتين.
(2)
سورة هود: 69، وسورة الذاريات:25.
(3)
ينظر المقتضب (4/ 11)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 289)، والبحر المحيط (8/ 138، 139)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 20 - 21)، والحجة في القراءات لابن خالويه (ص 189)، والكشاف (1/ 367)، واملاء ما من به الرحمن (2/ 41 - 42)، وتحبير التيسير (ص 122).
(4)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 99).
(5)
في معاني القرآن للفراء (2/ 21) وقرأ العامة قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ * نصب الأول ورفع الثاني ولو كانا جميعا رفعا ونصبا كان صوابا فمن رفع أضمر (عليكم) وإن لم يظهرها كما قال الشاعر:
فقلنا السّلام فاتّقت من أميرها
…
فما كان إلا ومؤها بالحواجب
والعرب تقول: التقينا فقلنا: سلام سلام وحجة أخرى في رفعه الآخر أن القوم سلموا فقال: حين أنكرهم: هو سلام إن شاء الله فمن أنتم لإنكاره إياهم وهو وجه حسن. اه.
(6)
البيت نسب في شرح شواهد الكشاف لذي الرمة. وهو من بحر الطويل وهو في التذييل (2/ 1089)، والبحر المحيط (5/ 241)، والكشاف (1/ 367)، وشرح شواهده (ص 29)، ومعاني القرآن للفراء (3/ 21)، واللسان (سلم) برواية:
فقلنا إيه سلم فسلمت
…
فما كان إلا ومؤها بالحواجب
والشاهد قوله: (فقلنا إيه سلم) حيث رفع (سلم) على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف.