الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[اتحاد الفاعل والمفعول في الأفعال القلبية]
قال ابن مالك: (وتختصّ القلبيّة المتصرّفة ورأى الحلميّة والبصريّة بجواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متّصلين متّحدي المعنى وقد يعامل بذلك عدم وفقد، ويمنع الاتّحاد عموما إن أضمر الفاعل متّصلا مفسّرا بالمفعول).
ــ
ولا تقول: نظرت زيدا واذهب فسل زيدا أبو من هو وإنما المعنى اذهب فسل عن زيد، ولو قلت: اسأل زيدا على هذا الحد لم يجز» (1) انتهى.
قالوا: ويعني سيبويه أن ما أصله أن يتعدى إليه الفعل المعلق بحرف الجر لا يجوز أن يحذف الحرف وينصب ذلك الاسم على أنه مفعول لذلك الفعل فلا تقول:
فكرت زيدا أبو من هو لأن فكرت لا يصل بنفسه [2/ 210] إلى مفعول وليس حذف حرف الجر قياسا بل يرتفع على الابتداء والجملة بعده في موضع الخبر (2) ولا يمكن أن يرتفع على الابتداء والجملة بعده في موضع الخبر؛ إلا أن يعتقد أن الفعل هو مما يصلح أن يدخل على المبتدأ والخبر و «نظر وسل» ليسا مما يدخل على المبتدأ بأصل الوضع فوجب أن يعتقد أنهما ضمنا معنى ما يدخل على المبتدأ والخبر وإذا كان قد جاز الابتداء والخبر بعد الفعل الذي لا يتعدى إلا بحرف الجر فهو في الفعل الذي يتعدى إلى واحد بأصل الوضع أجوز أن يقع.
قال ناظر الجيش: قال المصنف (3): مما تختص به أفعال القلوب غير «هب وتعلم» إعمالها في ضميرين متصلين
لمسمى واحد كـ «علمتني فقيرا إلى العفو والرحمة» وظننتك مهملا وكقوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (4) ولا يجري غيرها مجراها فلا يقال: ظلمتني، ولا ظلمه موضع: ظلمت نفسي وظلم نفسه وألحقت بأفعال القلوب في هذا الاستعمال «رأى» الحلمية كما ألحقت بها في نصب المبتدأ والخبر مفعولين كقوله تعالى: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً (5) وفعل ذلك أيضا برأى البصرية (6) -
(1) الكتاب (1/ 237 - 238).
(2)
ينظر الغرة لابن الدهان (2/ 134)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 321).
(3)
شرح التسهيل (1/ 92).
(4)
سورة العلق: 6، 7.
(5)
سورة يوسف: 36.
(6)
ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 285)، والهمع (1/ 156)، وأمالي الشجري (1/ 39).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا من طعام إلا الأسودان (1) ومنه قول قطري:
1157 -
لا يركنن أحد إلى الإحجام
…
يوم الوغى متخوّفا لحمام
فلقد أراني للرّماح دريئة
…
من عن يميني مرّة وأمامي (2)
وقال عنترة:
1158 -
فرأيتنا ما بيننا من حاجز
…
إلا المجنّ ونصل أبيض مقصل (3)
وهذا (عام)(4) في «عدم وفقد» شاذ، قال جران العود:
1159 -
لقد كان لي عن ضرّتين عدمتني
…
وعمّا ألاقي منهما متزحزح (5)
وقال آخر:
1160 -
ندمت على ما كان منّي فقدتني
…
كما يندم المغبون حين ينيخ (6)
فلو اتحد مسمى الضميرين وأحدهما منفصل لم يختص اجتماعهما بفعل دون فعل -
(1) الحديث في صحيح البخاري في باب الهبة وباب الرقاق وباب الأطعمة برواية مختلفة عن الرواية التي هنا وفي مسند أحمد بن حنبل (2 /
298، 355، 405).
(2)
البيتان من الكامل وينظر ابن يعيش (8/ 40)، والتذييل (1/ 1047)، والخزانة (4/ 258)، والمغني (1/ 149)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 438)، والعيني (3/ 500)، والتصريح (2/ 19)، والهمع (1/ 156)، (2/ 36)، والأشموني (2/ 226)، وشرح الحماسة للمرزوقي (ص 136)، وابن الناظم (127).
والشاهد قوله: (أراني) حيث جاء فاعل ومفعول «أرى» البصرية ضميرين متصلين لمسمى واحد حملا لها على رأى الحلمية.
(3)
البيت من الكامل وهو في التذييل (2/ 1047)، والهمع (1/ 246)، والدرر (1/ 202)، وديوان عنترة (ص 99) ط. بيروت.
(4)
زيادة في (أ).
(5)
البيت من الطويل وهو في ابن يعيش (7/ 88)، والتذييل (2/ 1048)، والأمالي الشجرية (1/ 39)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 106)، وديوانه (ص 40). والشاهد قوله:(عدمتني) حيث جاء فاعل ومفعول (عدم) ضميرين متصلين لمسمى واحد وعوملت معاملة أفعال القلوب.
(6)
البيت لقيس بن الملوح وقيل لقيس بن ذريح وهو من الطويل في التذييل (2/ 1049)، والمسلسل في غريب لغة العرب (ص 257)، وديوان قيس بن ذريح (ص 243).
والشاهد قوله: (فقدتني) حيث اعمل (فقد) في ضميرين متصلين لمسمى واحد أحدهما فاعل والآخر مفعول.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نحو: إياك ظلمت وما ظلمت إلا إياك فإن كان الفاعل ضميرا والمفعول ظاهرا واتحد المسمى حكم بالمنع مطلقا نحو: زيدا ظنّ ناجيا، وزيدا ضرب، يريد ظن نفسه، وضرب نفسه فأضمرت [2/ 211] الفاعل وفسرته بالمفعول (1) فلو انفصل الضمير جاز الاتحاد مطلقا نحو: ما ظن زيدا ناجيا إلا هو وما ضرب إلا إياه انتهى (2) كلام المصنف (3).
وقد اختلفوا في علة منع نحو ظلمتني وضربتني: فقال سيبويه: استغنوا عنه بالنفس (4) وقال غيره، لئلا يكون الفاعل مفعولا وقيل غير ذلك (5) ويرد على من علل بأن لا يكون الفاعل مفعولا نحو: ظننتني؛ إلا أن يقال إن المفعول مع ظننت ليس مفعولا حقيقيّا، وفي شرح الشيخ: ولو وضعت مكان الضمير الأول النفس فقلت: ظننت نفسي عالمة ففيها خلاف: ذهب أكثر النحويين إلى أنه لا يجوز ذلك وأجازه ابن كيسان، قال: وهو قليل شاذ، ثم قال: وقد اعتل أبو الحسن لجواز ذلك في باب «ظننت» بأنك إنما تعتمد في الإخبار والفائدة على المفعول الثاني، فصارت كاللغو ولم تكن كضرب التي يعتمد عليها في الإخبار (6). اه.
ولم ينتظم لي ارتباط كلامه ثانيا بكلامه أولا والذي يظهر أن قوله: وقد اعتل أبو الحسن إلى آخره يرجع إلى أصل
المسألة وهو جواز ظننتني وامتناع ضربتني وأما كون نحو: ظننت نفسي عالمة ممتنعا عند أكثر النحويين فيحتاج إلى نظر (7). وبعد -
(1) زاد في (ب): وإلى هذا أشرت بقولي: ويمنع الاتحاد عموما إن أضمر الفاعل متصلا مفسرا بالمفعول.
(2)
ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 285، 286).
(3)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 93).
(4)
في الكتاب (2/ 366)«لا يجوز ذلك أن تقول للمخاطب: أضربك ولا أقتلك ولا ضربتك لما كان المخاطب فاعلا وجعلت مفعوله نفسه قبح: ذلك لأنهم استغنوا بقولهم: اقتل نفسك وأهلكت نفسك عن الكاف ها هنا وعن إياك» . اه.
(5)
ينظر شرح المفصل لابن يعيش (7/ 88)، وشرح الكافية للرضي (2/ 285 - 286)، والمقتضب (3/ 277)، والأمالي الشجرية (1/ 39)، والهمع (1/ 156).
(6)
التذييل (2/ 1045).
(7)
في الكتاب (2/ 367) ومما يثبت علامة المضمرين المنصوبين ها هنا أنه لا يحسن إدخال النفس ها هنا لو قلت: يظن نفسه فاعله وأظن نفسي فاعله على حد يظنه وأظنني ليجزئ هذا من ذا لم يجزيء كما أجزأ أهلكت نفسك عن أهلكت فاستغنى به عنه. اه. وفي الهمع (1/ 156) وهل يجوز وضع نفس مكان الضمير الأول نحو ظننت نفس عالمة خلاف. قال ابن كيسان: نعم، والأكثرون: لا. اه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهذا الموضع مما اضطرب على فهم المراد منه.
ثم إن الشيخ ختم الكلام هنا بذكر مسائل:
منها: أن سيبويه وأصحابه والفراء أجازوا: أظن أنك قائم، ولم يجيزوا: أظن قيامك وأن الكسائي أجاز ذلك.
ومنها: أنك إذا قلت: أظن أنك قائم: فمذهب سيبويه: أنه لا حذف فيه. وذهب الأخفش والمبرد إلى أن المفعول الثاني محذوف وتقديره مستقرّا (1) والحق مذهب سيبويه. وأما ما حكاه الفراء من نحو: أظن أنك قائم خيرا لك وأظن خيرا لك أنك قائم فلا دليل فيه لمن خالف سيبويه لأن الكون فيه كون مقيد وأما إذا كان الكون عامّا فلا احتياج إذ ذاك إلى تقدير لأن أنك قائم قد انطوى على مسند ومسند إليه (2).
ومنها: ظننت زيدا إنّه قائم بكسر «إن» في مذهب البصريين لأنها مبتدأ بها وقال ابن كيسان: يجب الفتح على البدل، قال الشاعر:
1161 -
وحنت وما حسبتك أن تحينا (3)
جعل أن تحينا بدلا من الكاف.
ومنها: أن الفراء أجاز نحو: تراك منطلقا ونظنك تخرج على حذف همزة الاستفهام أي: أتراك وأنظنك، قال: لأن الاستفهام شك وهذه الأفعال شك فاكتفى بواحد عن صاحبه وامتنع ذلك في ضربت، وقبلت وسائر الأفعال؛ لأنها أخبار لا شك فيها (4)[2/ 212] وتابعه قطرب وأجاز الحذف مع غير هذه التي أجازها الفراء، وذهب سيبويه إلى أن ذلك لا يجوز، قال سيبويه: إذا حذفت همزة الاستفهام انقلب -
(1) انظر هاتين المسألتين في الكتاب (1/ 125)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 449)، والمقتضب (2/ 341 - 345)، والهمع (1/ 151 - 152).
(2)
ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 286) حيث أيد مذهب سيبويه ورد على من عارض رأيه.
(3)
عجز بيت من الوافر لقائل مجهول وصدره:
لسان السّوء تهديها إلينا
والبيت في التذييل (2/ 1031، 1045، 1061) ومغني اللبيب (1/ 182)، وشرح شواهده (1/ 506)، والهمع (1/ 77) برواية: وجيت ما حسبتك أن تجيئا.
والشاهد قوله: (وما حسبتك) بفتح التاء للمخاطب فقد جاء الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمى واحد وهذا على تقدير الكاف ضميرا متصلا وليس حرف خطاب.
(4)
ينظر معاني القرآن للفراء (1/ 333 - 334).