المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة علمت زيدا أبو من هو] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٣

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث عشر باب الأفعال الرّافعة الاسم النّاصبة الخبر

- ‌[سردها وشروط عملها]

- ‌[المبتدآت والأخبار التي لا تدخل عليها]

- ‌[عملها في الجملة الاسمية]

- ‌[ما تختص به دام وأفعال الاستمرار الماضية]

- ‌[علة تسميتها أفعالا ناقصة]

- ‌[معاني هذه الأفعال وهي تامة]

- ‌[امتناع بعض الأفعال من مجيء الخبر ماضيا]

- ‌[حكم قول «أين لم يزل زيد» وأشباهه]

- ‌[ورود بعض هذه الأفعال بمعنى صار]

- ‌[أحوال الخبر في جملة هذه الأفعال من التوسط أو التقديم]

- ‌[حكم الخبر إذا كان جملة في هذا الباب]

- ‌[معمول الخبر المرفوع أو المنصوب في هذا الباب]

- ‌[تعريف الاسم والخبر وجواز تقدم الخبر]

- ‌[اقتران خبر هذه الأفعال بإلا وأحكام ذلك]

- ‌[اختصاصات ليس وكان في هذا الباب]

- ‌[اختصاصات كان في هذا الباب]

- ‌[أحكام خاصة بكان]

- ‌[حكم معمول الخبر في هذا الباب]

- ‌[الحروف العاملة عمل ليس: ما الحجازية وشروط عملها]

- ‌[حكم المعطوف على خبر ما]

- ‌[بقية الحروف العاملة عمل ليس]

- ‌[إهمال ليس في لغة تميم]

- ‌[حكم النفي بليس وما]

- ‌[زيادة الباء في الخبر المنفي]

- ‌[العطف على توهم زيادة الباء]

- ‌[العطف على خبر ليس الرافع السببي أو الأجنبي]

- ‌الباب الرابع عشر باب أفعال المقاربة

- ‌[سردها وعملها ومعانيها]

- ‌[حديث طويل عن خبر هذه الأفعال]

- ‌[حديث في عسى - نفي كاد - مضارع كاد]

- ‌الباب الخامس عشر باب الأحرف النّاصبة الاسم الرّافعة الخبر

- ‌[سردها - معانيها - عملها]

- ‌[حديث عن خبر هذه النواسخ من تقديمه أو حذفه]

- ‌[مواضع كسر همزة إن ومواضع فتحها ومواضع جواز الوجهين]

- ‌[بقية مواضع فتح همزة إن]

- ‌[مواضع دخول لام الابتداء ومواضع امتناع ذلك]

- ‌[تخفيف إن ولكن - اقتران هذه النواسخ بما الزائدة]

- ‌[تخفيف أن وكأن وأحكام ذلك - اللغات في لعل والجر بها]

- ‌[حكم المعطوف على اسم إنّ ولكنّ وبقية نواسخ هذا الباب]

- ‌الباب السادس عشر باب لا العاملة عمل إنّ

- ‌[بناء الاسم المفرد على الفتح ونصب المضاف]

- ‌[دخول لا على المعرفة - العطف على اسمها - وصف الاسم]

- ‌[اقتران لا بهمزة الاستفهام وأحكام ذلك]

- ‌الباب السابع عشر باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر الداخل عليهما كان والممتنع دخولها عليهما لاشتمال المبتدأ على استفهام

- ‌[ظن وأخواتها وحكم المفعولين معها]

- ‌[سرد هذه الأفعال ومعانيها في هذا الباب وغيره]

- ‌[الإلغاء وأحكامه في أفعال هذا الباب]

- ‌[التعليق وأحكامه في الأفعال القلبية في هذا الباب]

- ‌[التعليق في بعض الأفعال غير القلبية]

- ‌[مسألة علمت زيدا أبو من هو]

- ‌[حكم الجملة بعد التعليق وأدواته]

- ‌[اتحاد الفاعل والمفعول في الأفعال القلبية]

- ‌[الحكاية بالقول ونصب المفعولين في لغة سليم]

- ‌[لا يلحق بالقول في الحكاية ما في معناه]

- ‌[الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل]

الفصل: ‌[مسألة علمت زيدا أبو من هو]

[مسألة علمت زيدا أبو من هو]

قال ابن مالك: (ونصب مفعول نحو: علمت زيدا أبو من هو، أولى من رفعه، ورفعه [2/ 200] ممتنع بعد «أرأيت» بمعنى «أخبرني» وللاسم المستفهم به، والمضاف إليه ممّا بعدهما ما لهما دون الأفعال المذكورة).

ــ

الذكر، وإنما احتاج إلى ذلك لأن «علم» قد ثبت أنه يعلق ولم يثبت أن «ذكر» يعلق، وهو قد جعل «نسى» إنما هو بالجمل على غيره، فوجب أن يذكر فعلا دون فعل لم يعلق، وأما قول المصنف: ومثله على أحد الوجهين قول الآخر وإنشاده البيت الذي أوله:

1152 -

لم أر مثل الفتيان

...

(1)

فإنه عنى بأحد الوجهين أن تكون «ما» في موضع رفع استفهاما، وعلق «ينسون» (2) وارتفع عواقبها على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هي عواقبها، والجملة صلة لما، قال الشيخ: وهذا الذي جوزه يعني المصنف في هذا البيت يجوز في البيت الذي قبله يعني:

1153 -

إنّا نسينا من أنتم (3)

التقدير: من هم أنتم «فمن» موصولة، ومع هذا الاحتمال يسقط الاستدلال فلا يثبت تعليق «نسى» (4).

قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان مرتبطتان بالكلام الذي تقدمهما:

المسألة الأولى: مشتملة على شيء يجوز أن يعلق الفعل عنه وأن لا يعلق: وهي التي يعبر عنها النحاة بأن يكون الاسم فيها مستفهما عنه في المعنى، والمراد بذلك أن يذكر المفعول قبل الاستفهام نحو: علمت زيدا أبو من هو، فيما يتعدى إلى اثنين، وعرفت زيدا أبو من هو، فيما يتعدى إلى واحد، وحكم هذا المفعول أنه يجوز فيه النصب والرفع كما أشار إليه، ووجه الرفع: أنك إذا قلت: علمت أو عرفت زيدا أبو من هو، كان المعنى: علمت أزيد أبو عمرو أم أبو غيره، فمن حيث كان -

(1) تقدم.

(2)

زاد في (ب) بعد قوله ينسون: والوجه الآخر: أن تكون «ما» موصولة مفعولة «بينسون» .

(3)

تقدم.

(4)

التذييل (2/ 1025).

ص: 1521

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مستفهما عنه معنى جاز رفعه، ولكن النصب أولى، لأن مراعاة اللفظ إذا لم يخل بالمعنى أولى من مراعاة المعنى (1): قال المصنف (2): وإن تقدم الاستفهام على أحد المفعولين نحو: علمت زيدا أبو من هو اختير نصبه لأن العامل مسلط عليه بلا مانع، ويجوز رفعه لأنه هو والذي بعد الاستفهام شيء واحد في المعنى فكأنه في حيز الاستفهام والاستفهام مشتمل عليه (3) وهو نظير قولهم: إن أحدا لا يقول ذلك وأحد هذا لا يقع إلا بعد نفي ولكن لما كان هذا هو والغير المرفوع بالقول المنفي شيئا واحدا في المعنى نزل منزلة واقع بعد النفي ومثله قول الشاعر:

1154 -

ولو سئلت عنّي نوار وأهلها

إذا أحد لم ينطق الشّفتان (4)

ومثال علمت زيد أبو من هو بالرفع قول الشاعر:

1155 -

فو الله ما أدري غريم لويته

أيشتدّ إن قاضاك أم يتضرّع (5)

الرواية عنهم بالرفع لما ذكرته ولو نصب لكان أجود (6). اه.

واعلم أن سيبويه نص على جواز الرفع وإن كان المختار عنده النصب (7)، ومنع -

(1) ينظر الكتاب: (1/ 236 - 237)، والمقرب (1/ 120 - 121)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 320 - 321) ط العراق، والهمع (1/ 155).

(2)

شرح التسهيل لابن مالك: (2/ 90).

(3)

في المقرب (1/ 120) يقول ابن عصفور بعد أن ذكر أسباب التعليق «أو يكون الاسم مستفهما عنه في المعنى فتكون في التعليق بالخيار نحو قولك: علمت زيد أبو من هو وإن شئت نصبت زيدا ألا ترى أن المعنى: علمت أزيد أبو عمرو أم أبو غيره» . اه.

وينظر شرح الجمل لابن عصفور أيضا (1/ 320) ط العراق، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 78).

(4)

البيت من الطويل للفرزدق وهو في الإفصاح للفارقي (ص 304) وديوانه (2/ 870) ط الصاوي برواية:

ولو سئلت عني النوار وقومها

إذا لم توار الناجذ الشفتان

وروي في الإفصاح «ورهطها» مكان «وأهلها» .

والشاهد قوله: (إذا أحد لم ينطق الشفتان) حيث نزل ما قبل «لم» وما بعدها منزلة الواقع بعد النفي لأنهما شيء واحد في المعنى.

(5)

البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 1026)، والهمع (1/ 155)، والدرر (1/ 137) برواية «إن لاقاك» مكان «إن قاضاك» .

والشاهد قوله: (.. ما أدري غريم لويته .. أيشتد) حيث تقدم على الاستفهام أحد المفعولين وهو «غريم» فجاز رفعه كما في البيت هنا جاز نصبه وهو الأرجح.

(6)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 91).

(7)

ينظر الكتاب (1/ 236 - 237).

ص: 1522

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابن كيسان جواز الرفع وخالفه الناس في ذلك وانتصروا لمذهب سيبويه بما تقدم من القياس والسماع وبجواز التعليق في المسألة المذكورة (1).

اعترض الشيخ على قول المصنف: إن التعليق عبارة عن إبطال العمل لفظا لا محلّا على سبيل الوجوب (2) والذي يرفع هذا الاعتراض أن التعليق ذكرت أسبابه ولا شك أنه متى وجد سبب منها كان التعليق واجبا.

وأما هذه المسألة أعني: «علمت زيدا أبو من هو؟» فلم يوجد فيها السبب على الوجه المخصوص الذي يجب لأجله التعليق، وإنما جاز التعليق فيها بالتأويل كما تقدم تقديره ثم لما كان رفع مثل هذا الاسم أعني المستفهم عنه معنى يمتنع في صور أشار إليها المصنف بقوله: ورفعه ممتنع بعد أرأيت بمعنى [2/ 201] أخبرني، وقال في شرح ذلك بعد كلامه الذي قدمناه: فلو كان الاسم المتقدم على الاستفهام بعد أرأيت بمعنى أخبرني تعين نصبه نحو: أرأيت زيد أبو من هو لأنه بمعنى ما لا يعلق، قال أبو علي في التذكرة: أنبأ ونبّأ ضمّنا معنى أعلم فيوافقانه، ولا يمتنع مع التضمين تعديتهما بحرف الجر على الأصل كما لا يمتنع الحكاية بمتى، تقول: وكما لا يمتنع أرأيت بمعنى أخبرني عن نصب مفعولين لكن منع من التعليق لا تقول: أرأيت زيد أبو من هو، لأنه بمعنى أخبرني فحفظ له من الحكمين أقواهما وهو الإعمال (3). اه (4).

وقال سيبويه: وتقول: أرأيتك زيدا أبو من هو وأرأيتك عمرا أعندك هو أم عند فلان؛ لا يحسن فيه إلا النصب في زيد ألا ترى أنك لو قلت: أرأيت أبو من أنت أو أرأيت أزيد ثم أم فلان لم يحسن لأن فيه معنى أخبرني عن زيد (5) (الظاهر أن هذا -

(1) في التذييل (2/ 1026) والصحيح ما ذهب إليه سيبويه للقياس والسماع أما القياس فهو ما ذكرناه من أن الشيء تجري عليه أحكام الشيء إذا كان إياه من حيث المعنى كما ذكرنا في إن أحدا لا يقول ذلك وأما السماع بقول الشاعر:

فو الله ما أدري غريم لويته

أيشتد إن قاضاك أم يتضرع

هكذا روي برفع غريم وإن كان نصبه أجود. اه. وقد ذكر أبو حيان ذلك ردّا على ابن كيسان الذي منع جواز الرفع.

(2)

التذييل: (2/ 1011 - 1012) وينظر شرح التسهيل للمصنف (2/ 88).

(3)

ينظر الإيضاح للفارسي (175) والمقتصد في شرح الإيضاح للجرجاني (ص 566 - 567).

(4)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 91).

(5)

جاء في هامش «أ» : الظاهر أن هذا الضمير يرجع إلى أرأيت لا إلى أخبرني. وقد أثبتت هذه -

ص: 1523

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الضمير يرجع إلى أرأيت لا إلى أخبرني) وهو الفعل الذي لا يستغنى السكوت على مفعوله الأول فدخول هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة أخبرني في الاستغناء فعلى هذا أجرى وصار الاستفهام في موضع المفعول الثاني (1).

هذا كلام سيبويه. وقد علم منه أن الجملة الاستفهامية الواقعة بعد المنصوب في موضع المفعول الثاني وليس الفعل الذي هو أرأيتك معلقا عنها لأنه قد ثبت أن هذا الفعل أعني أرأيتك الذي ضمن معنى أخبرني لا يعلق بالجملة المذكورة كالجملة التي ليست استفهامية في نحو: ظننت زيدا أبوه قائم (2) قال الشيخ: وقد انتقد كثير من النحاة على سيبويه واعترضوا عليه وقالوا: كثيرا ما يعلق أرأيت والدليل على ذلك السماع، قال الله تعالى قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ (3)، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ (4)، قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (5) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (6) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ (7)، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ (8)، أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (206) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (9)، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (10) فهذه مواضع من القرآن العزيز تدل على تعليق «أرأيت» وهو خلاف قول سيبويه، «لو قلت: أرأيت أبو من أنت وأ رأيت أزيد ثم أم فلان لم يحسن» ولا يجوز كون هذه الجمل الاستفهامية جوابا -

- العبارة في النسخة (ب) في صلب الكلام من قوله: لأن فيه معنى أخبرني عن زيد، وأعتقد أن ناسخ العبارة في هامش (أ) قد ذكرها للتوضيح فظن كاتب النسخة (ب) أنها من صلب الكلام فأثبتها.

وأقول ذلك لأن عبارة سيبويه في كتابه لم يرد فيها شيء من ذلك.

(1)

الكتاب: (1/ 239 - 240).

(2)

ينظر الهمع: 1/ 155.

(3)

سورة الأنعام: 40.

(4)

سورة الأنعام: 46.

(5)

سورة الأنعام: 47.

(6)

سورة يونس:، 50.

(7)

سورة القصص: 71.

(8)

سورة القصص: 72.

(9)

سورة الشعراء: 205 - 207.

(10)

سورة العلق: 13، 14.

ص: 1524

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للشرط؛ لأنه كان يلزم دخول فاء الجواب على تلك الجمل إلا ما كان منها بهمزة الاستفهام فلا يجوز دخول الفاء عليها ولا تجيء الفاء [2/ 202] بعدها ولا وقوعها جوابا للشرط بل جواب الشرط محذوف. ولذلك لم يأت فعل الشرط في هذه الآيات الشريفة إلا ماضي اللفظ ولم يجيء مضارعا في موضع من المواضع، قال:

وقد انفصل ابن عصفور وغيره عما اعترض به على سيبويه من هذه الآيات الشريفة:

فإنه جعل المفعول الأول قد حذف حذف اختصار كما يحذف في علمت حذف اختصار، التقدير: قل أرأيتكم عذابكم إن أتاكم أي أخبروني عنه كيف يكون لو دريتموه ما جرأتم هذه الجرأة، قال: ولا يمنع سيبويه هذا النوع من الحذف وإلا فما يفعل في قوله تعالى: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ (1) ألا ترى أن المفعول الثاني محذوف والمعنى أرأيتك هذا الذي كرمت علّى، ما الذي أوجب له ذلك فكما يحذف الخبر وهو المفعول الثاني كذلك يحذف المبتدأ وهو المفعول الأول هذا كلام ابن عصفور (2).

قال الشيخ: ولا يلزم في أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أن يكون المفعول الثاني محذوفا بل الظاهر في الآية أنه مذكور وهو لَئِنْ أَخَّرْتَنِ لأن اللام مؤذنة بجملة قسم محذوفة فهذه الجملة القسمية مع متعلقها هي في موضع المفعول الثاني، ثم قال: والذي عندي في هذه الآيات الشريفة أنها تخرج على الإعمال وذلك أن فعل الشرط تنازع الاسم بعده و «أرأيت» تنازعت فأعمل فعل الشرط إذ هو الثاني وأضمر في الأول منصوبا وحذف لأن الأفصح حذفه لا التصريح به مضمرا، والتقدير في الآية الأولى: قل أريتكموه أي العذاب أغير الله تدعون لكشفه، وفي الثانية:«من إله غير الله يردها عليكم» وفي الثالثة: «هل يهلك به إلا القوم الظالمون» وفي الرابعة: الرابط مصرح به وفي الخامسة: «من إله غير الله يأتيكم بضياء يذكر» وفي السادسة كذلك، وفي السابعة والثامنة: مصرح به ويضمر في «أرأيت» معمول فعل الشرط الذي يمكن تسلط «أرأيت» عليه، قال: وهذا الذي تأولناه سهل يقرر ما ذهب إليه سيبويه (3). اه. -

(1) سورة الإسراء: 62.

(2)

التذييل (2/ 1028 - 1030) وينظر البحر المحيط (6/ 57).

(3)

التذييل لأبي حيان (2/ 1030 - 1031).

ص: 1525

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد وافق كلامه كلام ابن عصفور في أن المفعول الأول محذوف لكن تقرير الشيخ وتوجيهه الحذف ماش على القواعد؛ فهو أقرب إلى الصناعة النحوية لكن في الذي ذكره من تنازع أرأيت وفعل الشرط الاسم الذي بعد فعل الشرط بحث وهو:

أن لازم تجويز التنازع في مثل هذا التركيب أن يكون العامل الذي قبل «إن» الشرطية قد تعدى إلى ما بعدها وبعد فعل الشرط فيكون نظير أن يقال: اضرب إن قام زيدا لأن الإعمال شرطه جواز إعمال كل من العاملين في المتنازع (1) فيه، وفي [2/ 203] تجويز تعدي ما قبل «إن» الشرطية إلى ما بعدها نظر - لأن أسماء الشرط لها صدر الكلام وليس كذلك إلا لتضمنها معناه وهذا يدل على أن أداة الشرط لها الصدر أيضا وإذا كان لها الصدر ثبت امتناع ما قبلها فيما بعدها وإذا ثبت ذلك امتنع التنازع في المسألة (2).

وعلى هذا يكون القول في ذلك ما قاله ابن عصفور غير أنه لما قدر المفعول الأول لم يتعرض إلى كيفية ارتباط الجملة الاستفهامية التي هي في موضع المفعول الثاني به ولا إلى تقدير العائد الذي يلزم عوده منه إلى الأول وكان الواجب أن يستوفي الكلام في ذلك لتنتظم مفردات التركيب نظما يؤدي إلى العلم بالمقصود منه ثم لم أفهم ما الذي أحوجه إلى قوله: لو دريتموه ما جرأتم هذه الجرأة. ولم يظهر لي ارتباطه بكلامه الأول.

وبعد ففي كلام الشيخ غير ما تقدمت الإشارة إليه من القول بالتنازع أمران:

أحدهما: قوله في مفعول «أرأيتكم» الأول: أن الأفصح حذفه لا التصريح به مضمرا فإن الحذف إنما يكون أفصح حيث لا يكون أصله المبتدأ والخبر، أما إذا كان أصله ذلك كأحد مفعولي «ظن» فإن مذهب البصريين أن يذكر مؤخرا، والحق أن الحذف جائز أما كونه الأفصح فليس هو المشهور (3). -

(1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 99)، والأشباه والنظائر (4/ 150).

(2)

اشترط بعض النحاة في عامل التنازع أن لا يكون طالبا لأكثر من مفعول واحد وعلى هذا الرأي يمكن أن تخرج الآية التي معنا عن باب التنازع وذلك لأن احد العاملين هنا وهو الفصل «أرأيت» متعد إلى مفعولين وبذلك يبطل رأي أبي حيان القائل أن الفعل أرأيت وفعل

الشرط في الآية قد تنازعا الاسم الذي بعد فعل الشرط، ينظر الأشباه والنظائر (4/ 150) وينظر أيضا ابن يعيش (7/ 86) ففيه ما يؤيد كلام ناظر الجيش هنا.

(3)

في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 312) ط العراق. وأما حذف أحدهما أي مفعولي ظن -

ص: 1526

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثاني: قوله مشيرا إلى تقدير العائد من المفعول الثاني إلى الأول إنه في الآية الشريفة يردها فإنه أراد بالثانية قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ (1)، فلا حاجة إلى تقدير «يردها» .

ثم إنه لم يبين الاسم المتنازع فيه، بل قال: إنه فعل الشرط تنازع الاسم الذي بعده و «أرأيت» تنازعت وذكر أنه في الآية الأولى فاعل «أتاكم» وهو عذاب الله.

ولم يبين ما هو في بقية الآيات الشريفة والظاهر أنه فاعل فعل الشرط في الآيات الشريفة كلها إلا في الآية السابعة فإن الظاهر أن المتنازع فيه هو مفعول متعناهم لا فاعله فيكون التقدير: أفرأيتم إن متعناهم وإنما قلت: إن هذا هو الظاهر من أجل أن الشيخ حكم بأن الرابط في السابعة مصرح به ذو المصرح به إنما هو الضمائر التي في عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ ومدلول كل من هذه الضمائر هو مدلول مفعول «متعناهم» فوجب أن يكون التقدير: أفرأيتم إن متعناهم. هذا آخر تقرير ما يتعلق بما ذكره الشيخ في هذه المسألة.

ثم اعلم أن في تقدير مفعول أول محذوف وتقدير عائد محذوف من الجملة التي هي في موضع المفعول الثاني - تكلفا لا يخفى مع أن ذلك خلاف الظاهر وفيه [2/ 204] أيضا التزام حذف الشيء لم يكن حذفه لازما، ولذاهب أن يذهب في نحو ما تقدم إلى شيء آخر وهو أن يدعى أن «أرأيت» في هذه الآيات الشريفة لم تعدّ إلى مفعولين أصلا. وتقرير ذلك: أن الفعل إذا ضمن معنى فعل آخر ولكل منهما عمل يستحقه جاز أن يلحظ فيه الأمران فقد يعطى عمله قبل التضمين وقد يعطى عمل الفعل الذي ضمن هو معناه كما يقال في «أنبأ» و «نبّأ» أنهما يضمنان معنى «أعلم» فبعد التضمين تعديهما إلى ثلاثة مفعولين ولك مع التضمين أن تعاملها في التعدية بالحرف بما كنت تعاملها به قبل التضمين قال الله تعالى: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ (2) وقال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ -

- وأخواتها - فلا يخلو أن يكون اختصارا أو اقتصارا فأما الاختصار فجائز قليل وينظر الهمع (1/ 152) والمقرب (1/ 116) وفيه: «يجوز اختصارا في ضعف من الكلام» . اه. وهذا يؤيد ما قاله ناظر الجيش من أن حذف المفعول الأول في الآية جائز ولكنه ليس هو الأفصح كما قال

أبو حيان.

(1)

سورة الأنعام: 46. زاد في (ب) بعد قوله: «يأتيكم» ولا شك أن العائد في هذه الآية الشريفة مذكور، وهو قوله: «يأتيكم به».

(2)

سورة آل عمران: 15.

ص: 1527

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (1) وقال الله تعالى: فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ (2)، فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ (3) والظاهر أن:«أنبأ ونبّأ» في هذه الآيات الشريفة بمعنى «أعلم» (4) وقد قال أبو علي:

«أنبأ ونبّأ» ضمّنا معنى اعلم فيوافقانه ولا يمتنع مع التضمين تعديهما بحرف الجر على الأصل (5) وهذا صريح فيما قلته وعلى هذا يقال: إن «أرأيت» لما ضمنت معنى أخبرني جاز أن تبقى بعد التضمين على ما كانت عليه من تعديها إلى مفعولين وذلك نحو قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (6) وكذا قوله: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (7) وكذا أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ (8) وكذا أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها (9) ومنه أرأيتك زيدا ما صنع وجاز أن يجري مجرى ما ضمنت معناه وهو أخبرني فلا يلزم أن يكون لها مفعولان صريحان ولا تقع الجملة في موضع مفعول لها، ويجوز حذف ما تعدت إليه اقتصارا (10).

وعلى هذا يظهر حمل قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (11)، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (12) ففي هاتين الآيتين الشريفتين لم يذكر مفعول ثان «لأرأيت» فيستدل به على أن ثم مفعولا أول محذوفا لأن الجملة الاستفهامية جواب الشرط لاقترانها بالفاء والتقدير: أخبروني بالجواب عن هذا. فالمفعول الصريح محذوف (13) وكذا ما -

(1) سورة الكهف: 103.

(2)

سورة التحريم: 3.

(3)

سورة التحريم: 3.

(4)

في حاشية الجمل المسماه بالفتوحات الإلهية على الجلالين (4/ 403)«قوله فلما نبأت به أصل نبأ وأنبأ وخبر وأخبر وحدث أن تتعدى لاثنين إلى الأول بنفسها وإلى الثاني بحرف الجار تخفيفا وقد يحذف الأول للدلالة عليه وقد جاءت الاستعمالات الثلاث في هذه الآية فقوله «فلما نبأت به» تعدى لاثنين حذف أولهما والثاني بالباء نبأت غيرها. اه.

(5)

ينظر الايضاح للفارسي (ص 175)، والمقتصد شرح الإيضاح للجرجاني (ص 566، 567).

(6)

سورة الواقعة: 58، 59.

(7)

سورة الواقعة: 63، 64.

(8)

سورة الواقعة: 68، 69.

(9)

سورة الواقعة: 71، 72.

(10)

ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 282).

(11)

سورة الملك: 28.

(12)

سورة الملك: 30.

(13)

في حاشية الجمل على الجلالين (4/ 421) وقوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ أي أماتني وأ رأيتم بمعنى أخبروني كما ذكره بعض المفسرين وتقدم أنها إذا كانت كذلك تنصب مفعولين الأول مفرد -

ص: 1528

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تعدى الفعل إليه بالباء وعن، وإذا تقرر في الآيتين الشريفتين ما قلناه فتقول: إن ثماني الآيات الشريفة التي اعترض بها على سيبويه يمكن تخريجها على هذا فلا تكون الجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني؛ لأن أرأيت قد ضمنت معنى أخبرني فلا تتعدى إلا إلى مفعول واحد وهي الياء الدالة على المتكلم وهي محذوفة، ولم يذكر الفعل المتعلق الذي يتعلق بها غير الياء لدلالة سياق الكلام عليه لأن المعنى أخبروني عن هذا الذي التزمتم به ولا محيد لكم عن الاعتراف به. وأما [2/ 205] الشرط المذكور بعدها فجوابه محذوف وأتي بالجملة الاستفهامية دليلا.

ولهذا قال الزمخشري في الآية الأولى من ثماني الآيات المشار إليها: وجواب الشرط محذوف تقديره إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة فمن تدعون ثم بكّتهم بقوله: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ (1). اه.

فأفاد قوله «ثم بكّتهم» أن العدول عن ذكر جواب الشرط إلى ذكر الجملة الاستفهامية إنما كان لنكتة وإفادة أمر زائد على الجواب لو أفرد بالذكر. والناظر إذا اعتبر الآيات المشار إليها آية آية لا يكاد يخفى عليه إظهار النكتة المرادة في كل منها.

وبهذا التقرير الذي قررناه يندفع الاعتراض على سيبويه، بأن «أرأيت» التي بمعنى أخبرني قد علقت إذ قد تبين أنه لا تعلق لأرأيت بالجملة الاستفهامية.

وحاصل الأمر بالنسبة إلى ما قاله سيبويه في: أرأيت بمعنى أخبرني أنه إنما تعرض إلى الصورة التي بقيت فيها أرأيت على أصلها (2) من العمل فوجب أن تكون الجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني أما إذا لم يذكر مفعوله فأي شيء يحوج إلى تقديره محذوفا مع إمكان اعتقاد أن لا تعلق لأرأيت بالجملة الاستفهامية.

ثم إن الشيخ ذكر أن «أرأيت» هذه أعني التي بمعنى أخبرني - لها أحكام شاذة، وأنه يجوز حذف الهمزة. -

- والثاني جملة استفهامية ولا شيء منهما هنا فكأن الجملة الشرطية سدت مسد المفعولين. اه. وهذا يخالف ما يراه ناظر الجيش في هذه الآية وما قبلها من الآيات التي ذكرها.

(1)

الكشاف (1/ 239).

(2)

زاد في (ب) بعد قوله «على أصلها» الذي هو التعدي إلى المفعولين؛ لأنه إنما مثل بنحو أرأيتك زيدا أبو من هو، فلما ذكر مفعولا وهو زيد علمنا أنه قصد بقاؤها على أصلها.

ص: 1529

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منها: قال:

1156 -

أرأيت إن جاءت به أملودا (1)

وقد قرأ الكسائي بذلك (2).

قال: ونص الأخفش على أنها إذا كانت بمعنى أبصرت لم تحذف همزتها، قال:

وكذلك قال الفراء وقال النحاس: هما عند البصريين واحد.

ومنها: أنها تلزم الخطاب فلا يقال: أرى زيدا عمرا ما صنع قال: وقد جاءت أرأيت ليس بعدها منصوب ولا استفهام بل جملة مصدرة بالفاء، قال تعالى:

قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ (3) فزعم أبو الحسن أن «أرأيت» أخرجت عن بابها بالكلية وضمنت معنى «أما» أو «تنبّه» فالتأويل:

أما إذ أوينا إلى الصخرة. أو تنبّه إذ أوينا والفاء في «فإني» جواب «أرأيت» على تضمين ما ذكرناه ولا يجوز أن تكون جوابا لـ (إذ)«لأن» إذ لا يصح أن يجازى بها إلا مقرونة بلا خلاف (4).

وخرج الشيخ الآية الشريفة فقال: يمكن أن يكون مما حذف منه المفعولان لدلالة المعنى اختصارا وإيجازا، والتقدير: أرأيت أمرنا إذ أوينا إلى الصخرة ما عاقبته فإني نسيت الحوت (5) وقال الزمخشري: أرأيت بمعنى أخبرني ثم قال: فإن قلت:

ما وجه التئام هذا الكلام فإن كل واحد من «أرأيت» و «إذ أوينا» و «فإني نسيت الحوت» لا متعلق له قلت: لما طلب موسى صلى الله عليه وسلم الحوت ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية، فدهش وطفق يسأل موسى عن سبب ذلك كله [2/ 206] كأنه قال: أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت -

(1) هو رجز لرؤبة وقيل لرجل من هذيل.

وهو في الخصائص (1/ 136)، والمحتسب (1/ 193)، والتذييل (2/ 1032)، والخزانة (4/ 574)، والعيني (1/ 118)، (3/ 648)، (4/ 334) وشرح ديوان الهزليين (651) وملحقات ديوان رؤبة (173).

اللغة: أملودا: ناعما أملس. والشاهد فيه: حذف همزة أرأيت التي بمعنى أخبرني.

(2)

ينظر الإتحاف (292).

(3)

سورة الكهف: 63.

(4)

التذييل (2/ 1032 - 1033)، وينظر معاني القرآن (1/ 333)، للفراء والمقتضب (2/ 53).

(5)

التذييل (2/ 1033).

ص: 1530

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فحذف ذلك (1). انتهى. وهو كلام حسن غير أنه لم يتعرض إلى ذكر المفعول الأول وإنما ذكر الجملة الاستفهامية التي هي في موضع المفعول الثاني ويمكن أن يقال: إن «رأيت» هنا هي البصريّة دخلت عليها همزة الاستفهام والمعنى: أبصرت حالنا إذ أوينا إلى الصخرة كأنه يعرفه الوقت الذي نسي فيه الحوت فحذف المفعول لدلالة قوة الكلام عليه.

ومنها: زعم أبو الحسن أن مفعول أرأيت بمعنى أخبرني لا يحذف حتى تؤكد التاء في أرأيتك فنقول: أرأيتك أنت ما صنعت، وأرأيتك أنت وزيدا ما صنعتما وزعم أن هذا التوكيد يقوم مقام المفعول بدليل أنهم يعطفون عليه المنصوب وزعم أنهم لا يقولون أرأيتك أنت وزيد، قال: لأن المعطوف على الفاعل فاعل وهم لا يقولون هو أرأى زيد: لأن فاعلها لا يكون إلا مخاطبا. قال الشيخ: وما ذهب إليه خارج عن القواعد والأسهل في تخريج هذا أن أنت في أرأيتك أنت ما صنعت هو المفعول الأول واستعير ضمير الرفع لضمير النصب؛ إذ كان القياس أن تكون كلها بصيغة واحدة ولو أتيت بضمير النصب بعد أرأيتك فإن أتيت به متصلا كان في غاية الثقل أو منفصلا كنت أوقعت الضمير منفصلا بعد الفعل وهو لا يجوز لو قلت: مررت إياك لم يجز فلما كان في مجيئه منصوبا ما ذكر عدلوا إلى ضمير الرفع فأوقعوه موقعه؛ إذ كانوا يؤكدون به المضمر المنصوب والمجرور، فتقول: ضربتك أنت

ومررت بك أنت كما يؤكدون به المرفوع والذي يدل على ذلك عطفهم المنصوب عليه نحو: أرأيتك أنت وزيدا ما صنعتما والمنصوب لا يعطف على المرفوع (2).

ومنها: أن أبا الحسن زعم أن أرأيتك إذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه وتلزم الجملة التي بعده الاستفهام قال: لأن أخبرني موافق لمعنى الاستفهام (3). وما زعمه غير لازم بل يجوز حذف المفعولين وحذف أحدهما اختصارا ولا يلزم مجيء الجملة الاستفهامية بعد المفعول الأول بدليل قوله تعالى:

أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ (4) هذا آخر الكلام -

(1) الكشاف (1/ 477).

(2)

التذييل (2/ 1034).

(3)

ينظر التذييل (2/ 1035 - 1036) فقد ذكر نص أبي الحسن.

(4)

سورة الإسراء: 62.

ص: 1531

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على المسألة الأولى من المسألتين اللتين قلنا إن كلام المصنف تضمنهما.

وأما المسألة الثانية: فهي التي أشار إليها بقوله: وللاسم المستفهم به والمضاف إليه مما بعدهما ما لهما دون الأفعال المذكورة. والمقصود بهذا الكلام [2/ 207] أن الاسم المستفهم به الواقع بعد ظننت وعلمت ونحوهما من أفعال هذا الباب لا عمل للفعل السابق عليه فيه؛ لأنك قد عرفت أنه يعلقه عن العمل (1) المتقدم عليه.

قال المصنف: وتقول: علمت أي يوم زيد قادم، فتنصب أي يوم «بقادم» على الظرفية كما كنت تفعل لو لم تذكر «علمت» لأن الاستفهام وما في حيزه في حكم المستأنف وكذا تقول (2): غلام من ضربت لأن المضاف إلى المستفهم به مساو له في استحقاق التصدير وتسليط ما بعده عليه ومن ذلك قوله تعالى وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (3) فأي منقلب منصوب بـ «ينقلبون» بعد «سيعلم» (4) كما كان ينصبه لو لم يكن بعده (5) انتهى.

وحاصله: أن الاسم المستفهم به الواقع بعد شيء من هذه الأفعال له حكم اسم الاستفهام لو لم يوجد ذلك الفعل السابق عليه كما تقدم فيتصور في ذلك الاسم كونه مرفوعا بالابتداء وكونه مفعولا به وكونه مصدرا أي منصوبا على المصدر أي منصوبا على المصدر وكونه ظرفا وكونه حالا، إذا كان قبل دخول شيء من الأفعال المذكورة عليه محكوما له بشيء مما ذكر نحو: علمت أي رجل جاءك وعلمت أيهم أكرمت وعلمت أي سير سرت، ومنه قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (6) وعلمت متى مجيء عمرو، ومتى ضربت عمرا، وأين زيد وأين

ضربت زيدا، وعلمت كيف ضربت زيدا، وحكم المضاف إلى اسم الاستفهام حكم اسم الاستفهام نفسه فيما ذكرنا.

(1) زاد في (ب) بعد قوله: يعلقه عن العمل: «وإنما لذلك حكم نفسه، فيعطى من الإعراب ما يستحقه لو لم يوجد ذلك الفعل» .

(2)

في (ب)(علمت غلام من ضربت).

(3)

سورة الشعراء: 227.

(4)

في إملاء ما من به الرحمن للعكبري (2/ 170): قوله تعالى أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ هو صيغة لمصدر محذوف والعامل «ينقلبون» أي ينقلبون انقلابا أيّ منقلب ولا يعمل فيه «يعلم» لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. اه. وينظر شرح المفصل لابن يعيش (7/ 87)، والتصريح (1/ 256)، والأشموني (2/ 30، 31).

(5)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 91).

(6)

سورة الشعراء: 227.

ص: 1532