المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حكم المعطوف على اسم إن ولكن وبقية نواسخ هذا الباب] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٣

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث عشر باب الأفعال الرّافعة الاسم النّاصبة الخبر

- ‌[سردها وشروط عملها]

- ‌[المبتدآت والأخبار التي لا تدخل عليها]

- ‌[عملها في الجملة الاسمية]

- ‌[ما تختص به دام وأفعال الاستمرار الماضية]

- ‌[علة تسميتها أفعالا ناقصة]

- ‌[معاني هذه الأفعال وهي تامة]

- ‌[امتناع بعض الأفعال من مجيء الخبر ماضيا]

- ‌[حكم قول «أين لم يزل زيد» وأشباهه]

- ‌[ورود بعض هذه الأفعال بمعنى صار]

- ‌[أحوال الخبر في جملة هذه الأفعال من التوسط أو التقديم]

- ‌[حكم الخبر إذا كان جملة في هذا الباب]

- ‌[معمول الخبر المرفوع أو المنصوب في هذا الباب]

- ‌[تعريف الاسم والخبر وجواز تقدم الخبر]

- ‌[اقتران خبر هذه الأفعال بإلا وأحكام ذلك]

- ‌[اختصاصات ليس وكان في هذا الباب]

- ‌[اختصاصات كان في هذا الباب]

- ‌[أحكام خاصة بكان]

- ‌[حكم معمول الخبر في هذا الباب]

- ‌[الحروف العاملة عمل ليس: ما الحجازية وشروط عملها]

- ‌[حكم المعطوف على خبر ما]

- ‌[بقية الحروف العاملة عمل ليس]

- ‌[إهمال ليس في لغة تميم]

- ‌[حكم النفي بليس وما]

- ‌[زيادة الباء في الخبر المنفي]

- ‌[العطف على توهم زيادة الباء]

- ‌[العطف على خبر ليس الرافع السببي أو الأجنبي]

- ‌الباب الرابع عشر باب أفعال المقاربة

- ‌[سردها وعملها ومعانيها]

- ‌[حديث طويل عن خبر هذه الأفعال]

- ‌[حديث في عسى - نفي كاد - مضارع كاد]

- ‌الباب الخامس عشر باب الأحرف النّاصبة الاسم الرّافعة الخبر

- ‌[سردها - معانيها - عملها]

- ‌[حديث عن خبر هذه النواسخ من تقديمه أو حذفه]

- ‌[مواضع كسر همزة إن ومواضع فتحها ومواضع جواز الوجهين]

- ‌[بقية مواضع فتح همزة إن]

- ‌[مواضع دخول لام الابتداء ومواضع امتناع ذلك]

- ‌[تخفيف إن ولكن - اقتران هذه النواسخ بما الزائدة]

- ‌[تخفيف أن وكأن وأحكام ذلك - اللغات في لعل والجر بها]

- ‌[حكم المعطوف على اسم إنّ ولكنّ وبقية نواسخ هذا الباب]

- ‌الباب السادس عشر باب لا العاملة عمل إنّ

- ‌[بناء الاسم المفرد على الفتح ونصب المضاف]

- ‌[دخول لا على المعرفة - العطف على اسمها - وصف الاسم]

- ‌[اقتران لا بهمزة الاستفهام وأحكام ذلك]

- ‌الباب السابع عشر باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر الداخل عليهما كان والممتنع دخولها عليهما لاشتمال المبتدأ على استفهام

- ‌[ظن وأخواتها وحكم المفعولين معها]

- ‌[سرد هذه الأفعال ومعانيها في هذا الباب وغيره]

- ‌[الإلغاء وأحكامه في أفعال هذا الباب]

- ‌[التعليق وأحكامه في الأفعال القلبية في هذا الباب]

- ‌[التعليق في بعض الأفعال غير القلبية]

- ‌[مسألة علمت زيدا أبو من هو]

- ‌[حكم الجملة بعد التعليق وأدواته]

- ‌[اتحاد الفاعل والمفعول في الأفعال القلبية]

- ‌[الحكاية بالقول ونصب المفعولين في لغة سليم]

- ‌[لا يلحق بالقول في الحكاية ما في معناه]

- ‌[الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل]

الفصل: ‌[حكم المعطوف على اسم إن ولكن وبقية نواسخ هذا الباب]

[حكم المعطوف على اسم إنّ ولكنّ وبقية نواسخ هذا الباب]

قال ابن مالك: (فصل؛ يجوز رفع المعطوف على اسم «إنّ» و «لكنّ» بعد الخبر بإجماع لا قبله مطلقا، خلافا للكسائي، ولا بشرط خفاء إعراب الاسم خلافا للفرّاء. وإن توهّم ما رأياه قدّر تأخير المعطوف أو حذف خبر قبله، و «أنّ» في ذلك كـ (إنّ) على الأصحّ، وكذا البواقي عند الفرّاء والنّعت وعطف البيان والتّوكيد كالمنسوق عند الجرمي والفرّاء والزّجّاج.

وندر: إنّهم أجمعون ذاهبون. وإنّك وزيد ذاهبان، وأجاز الكسائيّ رفع المعطوف على أوّل مفعولي «ظنّ» إن خفي إعراب الثّاني).

ــ

قال سيبويه: «ولو خففوا (أنّ) وأبطلوا عملها في المظهر والمضمر وجعلوها «كإنّ» إذا خففت لكان وجها قويّا» (1).

قال ناظر الجيش: قال المصنف (2): نصب المعطوف على اسم «إنّ» مستغن عن التنبيه عليه لأنه كالعطف على لفظ سائر المعمولات، ولا فرق في ذلك بين إنّ وأخواتها ولا بين وقوعه قبل الخبر ووقوعه بعده (3).

ومثال وقوعه قبل الخبر، قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ (4) الآية.

ومثال وقوعه بعد الخبر، قول الراجز:

1028 -

إنّ الربيع الجود والخريفا

يدا أبي العبّاس والصّيوفا (5)

أراد: إن الربيع الجود والخريف والصّيوف يدا أبي العباس. -

(1) الكتاب (3/ 165)، وينظر الهمع (1/ 142)، وقد ذكر أن هذا مذهب سيبويه والكوفيين.

(2)

شرح التسهيل لابن مالك (2/ 48).

(3)

ينظر التصريح (1/ 226)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 349)، وشرح الألفية لابن الناظم (67).

(4)

سورة الأحزاب: 35.

(5)

الرجز لرؤبة، وهو في الكتاب (2/ 145)، والمقتضب (4/ 111)، والتذييل (2/ 805)، وملحقات ديوان رؤبة (ص 179)، والهمع (1/ 144)، والدرر (2/ 200)، والتصريح (1/ 226)، والعيني (2/ 261)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 68)، وشرح الكافية الشافية (1/ 510).

اللغة: الجود: المطر الغزير، الصيوف: جمع صيف والمراد به الربيع والخريف والصّيوف أمطارهن، وأبو العباس: هو السفاح عبد الله بن محمد بن علي أول الخلفاء العباسيين.

والشاهد قوله: (والصيوفا) حيث عطفه على لفظ اسم إنّ وهو الربيع بعد ذكر الخبر وهو (يدا أبي العباس).

ص: 1386

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والذي لا يستغنى عن التنبيه عليه رفع المعطوف، وهو على ضربين:

أحدهما: مشترك فيه، وهو العطف على الضمير المرفوع بالخبر.

والثاني: العطف على معنى الابتداء، وهو عند البصريين مخصوص «بإنّ» «ولكنّ» ومشروط بتمام الجملة قبله (1). ومثاله مع «إنّ» قول الشاعر:

1029 -

إن النّبوّة والخلافة فيهم

والمكرمات وسادة أطهار (2)

ومثله قول الآخر:

1030 -

فمن يك لم ينجب أبوه وأمّه

فإنّ لنا الأمّ النّجيبة والأب (3)

ومثاله مع «لكن» ، قول الآخر:

1031 -

وما زلت سبّاقا إلى كلّ غاية

بها تقض في النّاس مجد وإجلال

وما قصّرت بي في التّسامي خؤولة

ولكنّ عمّي الطيّب الأصل والخال (4)

وهذا العطف المشار إليه، ليس من عطف المفردات كما ظن بعضهم، بل هو من عطف الجمل، ولذا لم يستعمل إلا بعد تمام الجملة أو تقدير تمامها (5)، ولو كان من -

(1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، وشرح الألفية للمرادي (ص 349 إلى 350)، واللمع لابن جني (ص 126)، وإصلاح الخلل (170).

(2)

البيت من الكامل لجرير وهو في الكتاب (2/ 145)، وابن يعيش (8/ 66)، والعيني (2/ 263)، والشواهد في النحو العربي (ص 294)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67).

والشاهد فيه: عطف (المكرمات) على الضمير المستكن في الخبر وهو (فيهم).

(3)

البيت من الطويل، لقائل مجهول، وهو في التذييل (2/ 805)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، والهمع (2/ 144)، الدرر (2/ 199)، والأشموني (1/ 285)، والعيني (2/ 265)، والتصريح (1/ 227)، وأوضح المسالك (1/ 94).

والشاهد قوله: (فإن لنا الأم النجيبة والأب) حيث عطف «الأب» على الضمير المستكن في الخبر وهو «لنا» .

(4)

البيتان من الطويل لقائل مجهول. وهما في التذييل (2/ 806)، والتصريح (1/ 227)، والهمع (2/ 144)، والدرر (2/ 202)، والأشموني (1/ 287)، والعيني (2/ 316)، وأوضح المسالك (1/ 94).

والشاهد قوله: (ولكن عمي الطيب والخال) حيث عطف الخال على محل اسم (لكن) بعد استكمال الخبر.

(5)

في حاشية يس على التصريح (1/ 226): «وعلى هذه المذاهب يفرع اختلافهم، هل هذا العطف من عطف الجمل أم المفردات؟ فمن زعم أنه مرفوع بالابتداء والخبر محذوف اعتقد أنه من عطف الجمل، ومن زعم أنه معطوف على اسم «إنّ» وما عملت فيه اعتقد أنه من عطف المفردات، قال من نحا إلى هذا المذهب: -

ص: 1387

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عطف المفردات لكان وقوعه قبل التمام أولى؛ لأنّ وصل المعطوف بالمعطوف عليه أجود من فصله ولو كان من عطف المفردات [2/ 131] لجاز رفع غيره من التوابع، ولم يحتج سيبويه في قوله تعالى قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (1) إلى أن يجعل عَلَّامُ الْغُيُوبِ خبر مبتدأ أو بدلا من فاعل يَقْذِفُ (2)، وأيضا فإن وأخواتها مشبهة بالأفعال لفظا ومعنى واختصاصا (3)، فلا عمل للابتداء بعد دخولها (4) كما لا عمل له بعد دخول الأفعال الناسخة (5). ولقوة شبهها بالأفعال لم يبطل عملها بالفصل في نحو: إن فيك زيدا راغب (6)، ولا بتقديم المسند في نحو: إن عندك زيدا، ولا بالحذف مع دليل كقراءة حمزة والكسائي (7): وفى خلقكم وما يبث من دابة آيات (8). بخلاف «ما» المشبهة بليس، و «لا» المشبهة بإنّ، فإنها ضعيفة الشبه وضعيفة العمل، ولذا لا تعمل في الخبر عند سيبويه (9) ويبطل عملها الفصل بإجماع، فلضعفها لم تنسخ عمل الابتداء لفظا (10) ومحلّا، بل هو باق تقديرا بعد دخولها، ولهذا ينعت اسمها باعتبار المحل رفعا، ولم يفعل ذلك باسم «إنّ» والحاصل: أن عمل الابتداء بعد دخول إنّ وأخواتها منسوخ لفظا -

- الأصل في هذه المسألة: عطف الجمل إلا أنهم لما حذفوا الخبر لدلالة ما تقدم عليه أنابوا حرف العطف مكانه ولم يقدروا إذ ذاك الخبر المحذوف في اللفظ لئلا يكون جمعا بين العوض والمعوض منه فأشبه عطف المفردات من جهة أن حرف العطف ليس بعده في اللفظ إلا مفردا وهو يخالف ما قاله الرضي ويوافق ما قاله شيخنا. اه.

وينظر المسألة في حاشية الصبان (1/ 285)، والهمع (2/ 144)، ومغني اللبيب (2/ 474)، وشرح الألفية للمرادى (1/ 350)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، والتذييل (2/ 800798)، والقول بأنه من عطف الجمل هو مذهب الجمهور. وانظر أيضا شرح الرضي على الكافية (2/ 352 - 353).

(1)

سورة سبأ: 48.

(2)

الكتاب (2/ 147).

(3)

ينظر شرح الجمل الكبرى لابن هشام (ص 52)، تحقيق: علي توفيق محمد الحمد.

(4)

يرى السهيلي غير ما يراه ابن مالك هنا، فإنه يرى أن «إنّ» لم تعمل في الخبر شيئا وإنما هى عاملة في الاسم فقط، فهو - أي السهيلي - يتفق مع ابن مالك في عملها في الاسم ويختلف معه في عملها في الخبر، وينظر نتائج الفكر للسهيلي (ص 342 - 343) ط جامعة قاريونس.

(5)

ينظر شرح السيرافي لكتاب سيبويه (1/ 102)، تحقيق د. سيد شرف الدين.

(6)

ينظر الكتاب (2/ 131 - 132).

(7)

ينظر الحجة لابن خالويه (ص 325)، وإملاء ما من الرحمن للعكبري (2/ 232)، وشرح طيبة النشر (ص 393 - 494).

(8)

سورة الجاثية: 4.

(9)

ينظر الكتاب (2/ 175).

(10)

ينظر التذييل (2/ 812)، والمقتضب (4/ 382).

ص: 1388

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومحلّا كانتساخه بـ «كان» و «ظنّ» ، إلا أنّ «إنّ» و «لكنّ» لم يتغير بدخولها معنى الجملة، ويتغير بدخول «كأن» و «ليت» و «لعل» فجاز أن يعطف على مصحوبي «إنّ» و «لكنّ» مبتدأ مصرح بخبره ومحذوف خبره، كما يجوز ذلك بعد المبتدأ والخبر لبقاء المعنى على ما كان عليه (1)، ولكون الخبر الموجود صالحا للدلالة على المحذوف إذ لا تخالف بينهما، بخلاف خبر «كأن» و «ليت» ، و «لعل» فإنه مخالف لخبر المبتدأ المجرد، فلا يغني أحدهما عن الآخر. فلو كان خبر المعطوف مخالفا لزم ثبوته نحو [قوله تعالى]: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (2).

ومثله [قوله تعالى]: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها (3)، وقرأ حمزة بنصب (الساعة)(4)، ولم يختلف في رفع وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (5). وحمل سيبويه ما أوهم العطف قبل التمام على التقديم والتأخير، فالتقدير عنده في [قوله تعالى]: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى (6): إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون والنصارى كذلك (7). وأسهل من التقديم والتأخير تقدير خبر قبل العاطف مدلول عليه بخبر ما بعده (8) كأنه قيل: إن الذين آمنوا فرحون، والذين هادوا والصائبون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فإن حذف ما قبل العاطف لدلالة ما بعده مقطوع بثبوته في كلام العرب قبل دخول إنّ كقول الشاعر (9):

1032 -

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرّأي مختلف (10)

-

(1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 68)، والمقتضب (4/ 383)، وإصلاح الخلل (174).

(2)

سورة الجاثية: 19.

(3)

سورة الجاثية: 32.

(4)

ينظر إملاء ما من به الرحمن (2/ 233).

(5)

سورة الجاثية: 19.

(6)

سورة المائدة: 69.

(7)

الكتاب (2/ 155).

(8)

ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 451) ط. العراق.

(9)

قيل إنه قيس بن الحطيم، أو عمرو بن امرئ القيس، أو زرهم بن زيد الأنصاري كما في الخزانة (3/ 168)، والأغاني (2/ 154).

(10)

البيت من المنسرح وهو الكتاب (1/ 75)، والمقتضب (3/ 112)، (4/ 73)، وأمالي الشجرى (1/ 96، 310)، والتذييل (2/ 803)،

والانتصاف (1/ 95)، ومغني اللبيب (2/ 622)، -

ص: 1389

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وبعد دخولها كقول الآخر:

1033 -

خليليّ هل طبّ فإنّي وأنتما

وإن لم تبوحا بالهوى دنفان (1)

فتقدير الأول: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض وتقدير الثاني:

فإني دنف، وأنتما دنفان. وأنشد سيبويه قول الفرزدق:

1034 -

إني ضمنت لمن أتاني ما جنى

وأبي فكان وكنت غير غدور (2)

[2/ 132] ثم قال: ترك أن يكون للأول خبر حين استغنى بالآخر (3) ومثل «إنّ» و «لكنّ» في رفع المعطوف على معنى الابتداء «أنّ» إذا تقدمها علم أو معناه (4)؛ فمعناه كقوله تعالى وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (5)، وصريح العلم كقول الشاعر (6):

1035 -

وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم

بغاة ما بقينا في شقاق (7)

تقديره عند سيبويه: فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك، حمله على التقديم والتأخير، -

- والعيني (1/ 557)، والهمع (2/ 109)، والدرر (2/ 142)، والأشموني (3/ 152)، وملحقات ديوان قيس (173)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 363)، وديوان حسان (ص 28)، ومعاني القرآن للزجاج (2/ 493)، والشاهد قوله:(نحن بما عندنا) حيث حذف ما قبل العاطف لدلالة ما بعده عليه وليس في الكلام (إنّ).

(1)

البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في مغني اللبيب (2/ 475، 622)، وشرح شواهده (2/ 866)، والتذييل (2/ 803)، والتصريح (1/ 229)، والأشموني (1/ 196)، والعيني (2/ 274).

والشاهد فيه: حذف خبر «أن» قبل العاطف لدلالة ما بعده عليه وهو قوله (دنفان).

(2)

البيت من الكامل وهو في الكتاب (1/ 76)، والإنصاف (1/ 95)، والتذييل (2/ 804)، والرد على النحاة لابن مضاء (ص 91)، وليس في ديوان الفرزدق، وشرح السيرافي للأبيات (1/ 226).

والشاهد فيه قوله: (فكان وكنت غير غدور) حيث حذف خبر «كان» الأول في «فكان» قبل العاطف لدلالة ما بعده عليه.

(3)

الكتاب (1/ 76).

(4)

ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 350)، وشرح الأشموني (1/ 287)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 353).

(5)

سورة التوبة: 3.

(6)

محمد بشر بن أبي حازم الأسدي (معجم الشواهد العربية 1/ 251).

(7)

البيت من الوافر وهو في الكتاب (2/ 165)، والإنصاف (1/ 190)، وشرح الرضي على الكافية في الكتاب (2/ 353)، وابن يعيش (8/ 69، 70) وأوضح المسالك (1/ 95)، والتصريح (1/ 228)، وديوانه (165)، والتذييل (2/ 811)، برواية (ما حيينا) بدل (ما بقينا)، -

ص: 1390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كما حمل آية المائدة، فسوى بين «إنّ» ، و «أنّ» (1) فصح أن من فرق بينهما على الإطلاق مخالف لسيبويه، وجعل من هذا القبيل قوله تعالى (2): أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (3). وزعم قوم أنه إنما أورده بكسر الهمزة وهي قراءة الحسن (4)، وهو بعيد من عادة سيبويه (5) فإنه إذا استدل بقراءة تخالف المشهور لا يستغني عما يشعر بذلك كما فعل إذا ورد (إذا لا يلبثوا خلفك إلا قليلا)(6)، (7)، وأجاز الكسائي رفع المعطوف بعد «إنّ» قبل الخبر مطلقا فيقول: إنّ زيدا وعمرو قائمان. وإنك وزيد ذاهبان. ووافقه الفراء إن خفي إعراب الاسم نحو: إنك وزيد ذاهبان (8). وكلا المذهبين ضعيف لأن «إنّ» وأخواتها قد ثبت قوة شبهها بكان وأخواتها، فكما امتنع بكان أن يكون للجزأين إعراب في المحل يخالف إعراب اللفظ؛ يمنع بإنّ. ولو جاز أن يكون اسم إنّ مرفوعا بالمحل باعتبار عروض العامل لجاز أن يكون خبر كان مرفوع المحل بذلك الاعتبار لتساويهما في أصالة الرفع وعروض -

- ومعاني القرآن للفراء (1/ 311)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 51)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 51)، وتعليق الفرائد (1158)، والكافية الشافية (1/ 513)، والخزانة (4/ 315)، استطرادا (324)، والعيني (4/ 315)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، والبهجة المرضية (38)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 348).

اللغة: بغاة: جمع باغ وهي هنا بمعنى طالب من قولك: بغيت الشيء أبغيه إذا أردت طلبه.

والشاهد قوله: (أنا وأنتم بغاة) حيث عطف ضمير الرفع (أنتم) على محل اسم (أن) المبني قبل استكمال الخبر.

(1)

ينظر الكتاب (2/ 155 - 156).

(2)

ينظر الكتاب (2/ 144).

(3)

سورة التوبة: 3.

(4)

ينظر الكشاف (1/ 313)، وفيه:«وقرئ «إن الله» بالكسر لأن الأذان في معنى القول». اه.

وينظر البحر المحيط (5/ 6).

(5)

راجع في هذه المسألة إصلاح الخلل (174).

(6)

سورة الإسراء: 76.

(7)

الكتاب (3/ 13)، وإشعار سيبويه بمخالفة هذه القراءة المشهورة هو قوله: (وبلغنا أن هذا الحرف في بعض المصاحف، «وإذن لا يلبثوا خلفك إلا قليلا» وسمعنا بعض العرب قرأها فقال:

(وإذن لا يلبثوا). اه.

(8)

ينظر معاني القرآن للفراء (1/ 311)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 354)، والإنصاف (1/ 186)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 137)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، وشرح الأشموني (1/ 286 - 287)، والمنصف من الكلام على مغني ابن هشام للشمني (2/ 171)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 451).

ص: 1391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النص، ولا حجة لهما فيما حكى سيبويه من قول بعض العرب: إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان (1) لأن الأول تخرج على أن أصله إنهم هم أجمعون ذاهبون فهم مبتدأ وأجمعون توكيد وذاهبون خبر المبتدأ وهو وخبره خبر إنّ، وأصل الثاني: إنك أنت وزيد ذاهبان، فأنت مبتدأ وزيد معطوف وذاهبان خبر المبتدأ، والجملة خبر «إنّ» وحذف المتبوع وإبقاء التابع عند فهم المعنى جائز بإجماع، فالقول به راجح.

وغلّط سيبويه من قال: إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان، فقال: واعلم أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان وذلك أن معناه معنى الابتداء فيرى أنه قال هم، كما قال:

1036 -

لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا

(2)

وهذا غير مرضي منه رحمه الله تعالى (3)، فإن المطبوع على العربية - كزهير قائل البيت - لو جاز غلطه في هذا لم يوفق بشئ من كلام، بل يجب أن يعتقد الصواب في كل ما نطقت به العرب المأمون حدوث لحنهم بتغير الطباع. وسيبويه موافق على هذا ولولا ذلك ما قيل نادرا كلدن غدوة (4)، وهذا جحر ضبّ خرب (5)، وأجاز الفراء في المعطوف على اسم غير إنّ ما أجاز في المعطوف على اسم إنّ (6)، واستشهد بقول الراجز: -

(1) الكتاب (2/ 155).

(2)

تقدم، وينظر مغني اللبيب (2/ 474 - 475)، والمقرب (1/ 112)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، والإنصاف (1/ 187 - 191).

(3)

روى ابن هشام في المغني كلام ابن مالك، وأوضح أن ابن مالك يفهم من عبارة سيبويه أن المراد بالغلط فيها هو الخطأ وخرج بن هشام كلمة الغلط في عبارة سيبويه بأن معناها التوهم، فقال بعد أن أورد العبارة:

ومراده بالغلط ما عبر عنه غيره بالتوهم، وذلك ظاهر من كلامه ويوضحه إنشاده البيت - أي قول زهير - وتوهم ابن مالك أنه أراد بالغلط الخطأ فاعترض عليه بأنا متى جوزنا ذلك عليهم زالت الثقة بكلامهم وامتنع إن تثبت شيئا نادرا لإمكان أن يقال في كل نادر: إن قائله غلط. اه. المغني (2/ 478).

(4)

ينظر الكتاب (1/ 51، 58، 159، 210)، (2/ 281، 375)، (3/ 119).

(5)

ينظر الكتاب (1/ 436 - 437).

(6)

ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 349)، والهمع (2/ 144).

ص: 1392

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

1037 -

يا ليتني وأنت يا لميس

في بلد ليس له أنيس (1)

[2/ 133] ولا حجة له فيه لأن تقديره: يا ليتني وأنت معي يا لميس، فحذف «معي» وهو وخبر «ليت» والجملة حالية واقعة بين اسم ليت وخبرها وأجاز الجرمي والزجاج والفراء رفع نعت الاسم بعد الخبر، وبمثل ذلك حكموا للتوكيد وعطف البيان (2)، وأجازوا أن يكون من ذلك قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (3).

وأجاز الكسائي رفع المعطوف على أول مفعولي ظن إن خفي إعراب ثانيهما، نحو:

ظننت زيدا صديقي وعمرو (4). انتهى كلام المصنف رحمه الله، ويتعلق به مباحث:

الأول:

قد عرف من كلامه أن المرفوع في نحو: إن زيدا قائم وعمرو مبتدأ محذوف الخبر، ولا شك أن هذا هو الحق. وقد أقام الدليل على ذلك، وعرف منه أيضا أن القائل بأنه من عطف المفردات، يقول: إنه معطوف على المنصوب باعتبار محله قبل دخول «إنّ» . وقد أبطل المصنف ذلك، ولكن للقائلين بأنه من عطف المفردات -

(1) الرجز لجران العود في الكتاب (1/ 263)، (2/ 322)، ومجالس ثعلب (1/ 262)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 15)، والمقتضب (2/ 319، 347)، (4/ 414)، والإنصاف (1/ 271)، وابن يعيش (2/ 80، 117)، (7/ 21)، (8/ 52)، والتذييل (2/ 822)، وشذور الذهب (ص 327)، والتصريح (1/ 353)، والهمع (1/ 225)، (2/ 144)، والدرر (1/ 192)، (2/ 202)، والأشموني (2/ 147)، وديوانه (ص 53)، والخزانة (4/ 197)، والعيني (3/ 107) وملحقات ديوان رؤبة (ص 176).

ويروى الرجز برواية أخرى هي: وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلّا العيس. ورواية الديوان:

قد ندع المنزل يا لميس

يعيش فيه السّبع الجروس

ولا شاهد على هذه الرواية.

والشاهد قوله: (يا ليتني وأنت) حيث عطف بالرفع على اسم ليت قبل استكمال الخبر على رأي من أجاز ذلك وهو الفراء.

(2)

في شرح الرضي على الكافية (2/ 354): «وعطف البيان والتوكيد كالمنسوق عند الجرمي والزجاج والفراء في جواز الحمل على المحل ولم يذكر غيرهم في ذلك لا منعا ولا إجازة، والأصل الجواز.

إذ لا فارق، قال الزجاج: قوله تعالى: عَلَّامُ الْغُيُوبِ في قوله قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ صفة ربي، ويحتمل رفعه وجوها أخر. اه. وينظر الكتاب (2/ 147)، والهمع (2/ 144)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 118).

(3)

سورة سبأ: 48.

(4)

ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 355).

ص: 1393

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قول آخر وهو أن المرفوع معطوف على موضع «إنّ» وما عملت فيه لأنها وما عملت فيه في موضع ذلك الاسم الذي كان مبتدأ قبل دخولها، وهذا هو الذي جنح إليه الفارسي (1)، ومن ثم قيل في المسألة مذاهب ثلاثة (2). وأما كون المرفوع يكون معطوفا على الضمير الذي في الخبر، فقد عده الشيخ مذهبا رابعا، ولا ينبغي ذلك لأن هذه مسألة برأسها (3)، والعطف على الضمير المستتر لا خصوصية له بهذا الباب، وإذا كان كذلك فلا يعد مذهبا. واعلم أن القائلين بأنه من عطف المفردات شبهتهم أنه سمع من لسان العرب: إنّ زيدا منطلق لا عمرو. قالوا: ولا يتصور أن يكون من قبيل عطف الجمل لأن «لا» لا يعطف بها إلا المفرد، ولو كان ما بعد «لا» مرفوعا بالابتداء وكانت «لا» حرف نفي مستأنفا ما بعدها لزم تكرارها.

ولأجل هذا قال ابن خروف في قولهم: (إن زيدا منطلق لا عمرو) جاز الرفع وإن لم يجز الابتداء «بلا» ، ومن هنا وقع الخلاف، إذ لا يقال في الابتداء:(لا عمرو قائم)، قال: فذكر «لا» هنا أوقع الخلاف بين النحويين في هذا المرفوع، وإنما دخلت «لا» هنا من حيث كان الاسم بعدها بصورة المعطوف؛ فجاز فيه ما لا يجوز في الابتداء (4).

وجعل الشلوبين ذلك دليلا قاطعا على أن سيبويه يحمل على الموضع (5). ولا يتم ما قاله الشلوبين لأن كلام سيبويه يعطي خلاف ذلك، فإنه قال: وما يكون محمولا على «إنّ» فيشارك فيها الاسم الذي وليها ويكون محمولا على الابتداء (6): إنّ زيدا ظريف وعمرو، فيرفع على وجهين: فأحدهما حسن، وهو أن يكون محمولا على الابتداء، لأن معنى إنّ زيدا منطلق: زيد منطلق وإنّ توكيد والآخر ضعيف أن يكون محمولا على المضمر، فأحسنه أن يقول: هو وعمرو، فإن شئت جعلت الكلام على الأول فقلت:(إنّ زيدا منطلق وعمرا)(7). ولكنّ المثقلة -

(1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 453) ط العراق، والإيضاح للفارسي (116).

(2)

ينظر التصريح (1/ 226)، والهمع (2/ 144).

(3)

ينظر التذييل (2/ 803)، وحاشية يس على التصريح (1/ 226).

(4)

التذييل (2/ 801).

(5)

ينظر التوطئة (ص 205)، والتذييل (2/ 801).

(6)

زاد في (ب)(لأن معنى) قبل قوله: إن زيدا ظريف وعبارة الكتاب: فأما ما حمل على الابتداء فقولك.

(7)

الكتاب (2/ 144).

ص: 1394

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في جميع الكلام بمنزلة «إنّ» ، فإذا قلت: إنّ زيدا منطلق لا عمرو فتفسيره كتفسيره «مع الواو» . وإذا نصبت فتفسيره كتفسيره مع الواو [2/ 134]. و «لعلّ» وكأنّ و «ليت» يجوز فيهن جميع ما جاز في «إنّ» إلا أنه لا يرتفع على الابتداء (1). انتهى.

وهو كلام واف بالمقصود شاهد بصحة ما قرره المصنف.

المبحث الثاني:

لما جرى ذكر العطف على الموضع هنا قصدت أن أذكر الضابط له على طريقة المتأخرين، وذلك يستدعى ذكر تقسيم، وهو أن المعطوف عليه إمّا مبنيّ فيحمل على موضعه أبدا إلا في بابين، في باب «لا» (2)، والمبني في باب النداء (3). وإما معرب ولا موضع له؛ فيحمل على لفظه، نحو: قام زيد وعمرو، أو وله موضع بحق الفرعية ويكون ذلك في باب اسم الفاعل والصفة المشبهة «وليس» و «ما» تقول: هذا ضارب زيدا وأخيه وحسن وجها ويد، وليس زيد قائما ولا قاعد. وما زيد خارجا ولا ذاهب. فهذا ممتنع على مذهب الجمهور (4)، وأجازه البغداديون في البابين الأولين لأن الإضافة فيهما قد كثرت (5) وأجاز الفراء في البابين الآخرين لأنه قد كثرت زيادة الباء في خبريهما، وقد جاء:

1038 -

بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق

البيت (6)

-

(1) ينظر التذييل (2/ 801).

(2)

لأن اسم لا مختلف في إعرابه وبنائه إذا كان مفردا كما أنه مبني لتركيبه مع «لا» تركيب خمسة عشر لتضمنه معنى «من» الجنسية

وأيضا لأن اسم «لا» إذا انفصل منها أصبح معربا.

ينظر المقرب (1/ 190 - 191)، وشرح الألفية لابن الناظم (71)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 363)، وحاشية الخضرى (1/ 142)، والتصريح (1/ 235).

(3)

في الكتاب (2/ 186): «وتقول: يا زيد وعمرو، ليس إلا، لأنهما قد اشتركا في النداء في قوله يا، وكذلك يا زيد وعبد الله ويا زيد لا عمرو، وما زيد أو عمرو. لأن معنى هذه الحروف تدخل الرفع في الآخر كما تدخل في الأول، وليس ما بعدها بصفة ولكنه على يا. اه. وينظر أيضا (ص 283) من الكتاب.

(4)

وذلك لأنهم يشترطون في العطف على الموضع أن يكون الموضع بحق الأصالة والوصف المستوفي لشروط العمل الأصل إعماله لا إضافته لالتحاقه بالفعل (ينظر مغني اللبيب 2/ 474).

(5)

المرجع السابق.

(6)

تقدم برواية (ولا سابقا). واستشهد الشارح هنا على أن قوله (ولا سابق) بالجر معطوف على موضع «مدرك» وذلك على توهم دخول الباء عليها.

ص: 1395

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإن كان الموضع بحق الأصالة فإن لم يصرح به لم يجز الحمل عليه نحو: مررت بزيد وعمرو لأنهم لم يقولوا مررت زيدا إلا شاذّا ومنهم من أجازه، وإن صرح بالموضع فإما أن يتغير العامل حال التصريح عما كان عليه أو لا يتغير، إن تغير لم يجز الحمل، وذلك في بابين:

الأول: اسم الفاعل والمفعول والصفة.

الثاني: المصدر المنحل لأن مع الفعل نحو ضارب زيدا وعمرا، فسيبويه يمنعه (1)، وغيره يجيزه. وإن لم يتغير العامل جاز الحمل، وعدم تغير العامل هو الذي يعبرون عنه بالمحرز، وبهذا التقرير يعلم امتناع العطف على الموضع في نحو: إنّ زيدا قائم وعمرو، إذ لا محرز له.

المبحث الثالث:

ناقش الشيخ المصنف في كلامه من وجهين:

أحدهما: قوله: رفع المعطوف على اسم إنّ واسم «إنّ» منصوب، قال: فكيف يجوز عطف المرفوع على المنصوب؟

والثاني: قوله: بإجماع، قال: وليس بصحيح، بل العطف بالرفع على موضع اسم إن فيه خلاف. والصحيح أن ذلك لا يجوز، والرفع إنما هو على الابتداء والخبر محذوف لدلالة الخبر قبله عليه (2). انتهى.

والجواب عن هاتين المناقشتين في غاية الظهور:

أما الأولى: فإن العطف إذا قلنا: إنه على اسم «إنّ» جاز أن يقال في المرفوع إنه عطف على الاسم، لأن العطف على اسم له محل يصح فيه أن يقال: عطف عليه باعتبار لفظه وعطف عليه باعتبار محله، وفي كلتا الحالتين يصح أن يقال عطف الاسم ويطلق القول، وكيف يتخيل أن مرفوعا معطوف على منصوب أعني على لفظه.

وأما الثانية: فإن قوله: بإجماع يتعلق بقوله: يجوز الرفع لا بقوله: المعطوف على اسم إنّ. وكيف يتوهم ذلك في المصنف [2/ 135] مع قوله: وهذا العطف المشار إليه ليس من عطف المفردات - كما ظن بعضهم - بل هو من عطف الجمل فجعل -

(1) ينظر الكتاب (1/ 190 - 191).

(2)

التذييل (2/ 798).

ص: 1396

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كونه من عطف الجمل هو قول الجمهور، وجعل كونه من عطف المفردات هو قول بعضهم، فكيف ينسب إليه بعد هذا أنه يدعى أنه معطوف على اسم «إن» بالإجماع، لأنه إذا كان معطوفا على اسم «إنّ» كان من عطف المفرد على المفرد بلا شك.

وأما إطلاق المصنف عليه أنه معطوف على اسم «إنّ» ، فالجواب عنه من وجهين:

أحدهما: أنه إطلاق مجازي لأنه في الصورة كالمعطوف عليه فشبه بالمعطوف على الاسم حقيقة. وإما أنه أرد العطف حقيقة، وذلك على قول من يرى أنه من عطف المفردات، ثم إنه صحح القول بأنه من عطف الجمل وهذا كما في كتب الفقه وغيرها، يذكر القول الضعيف ثم يذكر أن الأصح خلافه.

المبحث الرابع:

قد تقدم من كلام المصنف أن سيبويه غلط من قال: إنهم أجمعون ذاهبون، وإنك وزيدا ذاهبان (1)، إلى آخره وأن المصنف قال: إن ذلك غير مرضيّ من سيبويه إلى آخر الكلام، فقال الشيخ بعد إيراده ذلك: وفهم - يعني المصنف - من كلام سيبويه أن ناسا من العرب يغلطون حقيقة الغلظ، وأنهم لحنوا في ذلك، قال:

ولم يرد سيبويه هذا المفهوم الذي فهمه المصنف، وإنما يريد أنه لم يشارك في الناصب وكأنه لم يتقدم ناصب بل ابتدأ بالاسم مرفوعا فأتبعه مرفوعا، فصار كأنه لم يذكر الناصب. وسمي هذا غلطا مجازا لا على جهة الحقيقة. قال: ولم يفهم أحد من الشراح ولا الشيوخ المأخوذ عنهم هذا العلم عن سيبويه (2) ما فهمه هذا المصنف، قال:

وهذا كما قال في قوله تعالى: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ (3)، فإنه - يعني سيبويه - سماه عطفا على التوهم كأنه قيل (أصدق، وأكن) ولا يريد التوهم حقيقة لاستحالة ذلك على الله تعالى، وإنما يريد أنه لم يتبع الثاني الأول في الإعراب، يعني بل راعى في إتباع الثاني الأول أمرا آخر يصح تلبس الأول به في هذا التركيب (4). انتهى. -

(1) الكتاب (2/ 155).

(2)

التذييل (2/ 802، 812، 813).

(3)

سورة المنافقون: 10.

(4)

التذييل (2/ 802، 812، 813).

ص: 1397

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا الذي ذكره الشيخ عن الشراح والشيوخ من حمل كلام سيبويه على ما ذكروا هو الحق. وقبل وقوفي على كلام الشيخ قد كنت أفهم أن المراد من الغلط الذي أشار إليه سيبويه ما يقرب من المراد بالتوهم، أو ما هو المراد بالتوهم نفسه ولم أفهم منه أن المراد به الخطأ (1).

المبحث الخامس:

قال الشيخ: إن قول المصنف: بشرط خفاء إعراب الاسم يشمل أن يكون مبنيّا، وبه مثّلوه وأن يكون معربا لكن الإعراب فيه مقدر كالمقصور، والمضاف إلى ياء المتكلم. قال: وهو يحتاج إلى نقل مذهب الفراء في ذلك (2).

المبحث السادس:

قد عرفت أن المصنف أجرى «أنّ» مجرى «إنّ» و «لكنّ» في رفع المعطوف على معنى الابتداء، وأنه قيد ذلك في الشرح بأن يتقدمها علم أو معناه فعلم أنه لا يجريها مجراها مطلقا، وذكر أن هذا مذهب سيبويه، وأنه جعل من هذا القبيل قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [2/ 136] وَرَسُولُهُ (3). وأن قوما زعموا أن سيبويه إنما أورد الآية الكريمة بكسر الهمزة، وهي قراءة الحسن (4)، واستبعد المصنف ذلك كما تقدم، فقال الشيخ (5): ما زعمه قوم من إنه بكسر الهمزة هو مضبوط في الكتاب بكسر الهمزة مصححا في نسخ الشيوخ المأخوذ عنهم الكتاب رواية ودراية.

قال: ويدل على ذلك أنه لم يذكر في باب ما كان محمولا على «إن» سوى «لكن» فقال (6): و «لكن» بمنزلة «إن» فلو كانت «أن» بمنزلة إن في ذلك لذكرها كما ذكر لكن، إلا أنه ذكر في آخر هذه الأبواب قول الشاعر:

1039 -

وإلا فاعلموا أنّا وأنتم

بغاة

(7)

-

(1) قد بينت سابقا اعتراض ابن هشام على رأي ابن مالك وتفنيده لفهمه عبارة سيبويه.

(2)

التذييل (3/ 811).

(3)

سورة التوبة: 3.

(4)

مختصر ابن خالويه (ص 51)، الكشاف (1/ 313)، البحر المحيط (5/ 6).

(5)

التذييل والتكميل: (2/ 815).

(6)

القائل هو سيبويه، انظر الكتاب (2/ 149)، وما بعدها، ونصه فيه: فهو يجري في «إن» ولكن في الحسن والقبح مجراه في الابتداء.

(7)

سبق الحديث عنه والاستشهاد به مفصلا.

ص: 1398

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال: كأنه قال: نحن بغاة ما بقينا وأنتم، فقال ابن خروف: هذا نص من سيبويه في المفتوحة أنه يحمل معها على الابتداء. قال الشيخ: وليس بنص، إذ يحتمل أن يكون من باب العطف على التوهم، ويحتمل أن يكون «وأنتم» معطوفا على مبتدأ محذوف تقديره: وإلا فاعملوا أنا نحن وأنتم بغاة، والجملة في موضع خبر أن كما قيل في إنك وزيد ذاهبان: إن التقدير إنك أنت وزيد ذاهبان.

وأما من قرأ: أن الله برئ من المشركين بفتح همزة أن فيكون «ورسوله» معطوفا على الضمير المستكن في بريء، وحسن ذلك الفصل بالجار والمجرور، ثم قال (1):

وفي هذا العطف بالرفع ثلاثة مذاهب:

أحدها: الجواز مطلقا، وجعل أبو الفتح والأستاذ أبو علي قول الشاعر:

1040 -

فلا تحسبي أنّي تجشّمت بعدكم

بشيء ولا أنّي من الموت أبرق

ولا أنا ممّن يزدهيه وعيدكم

ولا أنّني بالمشي في القيد أخرق (2)

من قبيل ما عطفت فيه الجملة على أنّ وصلتها، فجعلا قوله:«ولا أنا ممن يزدهيه وعيدكم» معطوفا على أنّ وصلتها وخرج غيرهما ذلك على أن يكون قوله: «ولا أنا من يزدهيه وعيدكم» جملة اعتراضية بين قوله «أنّي تجشمت» والمعطوف عليه الذي هو «ولا أنني بالمشي» لما فيها من التشديد والتأكيد (3) وفي الإفصاح اختار ابن جني الجواز واحتج بقول القائل:

1041 -

ولا أنا ممّن يزدهيه وعيدكم

ولا حجة فيه لأنه استئناف كلام وقوله: «ولا أنني بالمشي» ، استئناف آخر أراد:

(ولا تحسبي أني بالمشي): فحذف لتقدم الذكر.

الثاني: المنع مطلقا فلا يجوز العطف فيها على معنى الابتداء عند أكثر المحققين -

(1) انظر التذييل والتكميل: (2/ 815).

(2)

البيتان من الطويل، وهما في التذييل (2/ 816، 817)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 353)، والخزانة (4/ 319)، وشرح ديوان الحماسة (ص 54)، ويروى (أفرق) مكان (أبرق)، وإصلاح الخلل (174). والشاهد فيه: عطف جملة (ولا أنا ممن يزدهيه) على أنّ وصلتها على رأي ابن جني.

(3)

لمراجعة رأي ابن جني ينظر إصلاح الخلل لابن السيد (ص 174 - 1754)، وينظر رأي أبي علي وابن جني أيضا في التذييل (2/ 816 - 817).

ص: 1399

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأن المفتوحة وما عملت فيه يتقدر باسم مفرد، وفي البسيط: وأما (أن) فلا يعطف على موضعها عند المحققين، كأبي علي الفارسي (1) وغيره لأنها لا بد لها من عامل، فلا يبقى للابتداء فيها مساغ لدخول العامل اللفظي.

الثالث: التفصيل بين أن يكون الموضع الذي وقعت فيه يجوز وقوع المفرد فيه ووقوع الجملة، أو يكون لا يقع فيه إلا المفرد. فإن كان مما لا يقع فيه إلا المفرد فلا يجوز العطف على موضع أنّ وصلتها [2/ 137] نحو: بلغني أنّ زيدا قائم وعمرو.

فإن ورد مثل هذا كان الخبر محذوفا والجملة من المبتدأ والخبر معطوفة على الجملة التي هي «بلغني أنّ زيدا قائم» عطف جملة اسمية على فعلية، وإن كان الموضع يصلح للمفرد والجملة جاز العطف على موضع أنّ وصلتها نحو قولك: أتقول أنّ زيدا قائم وعمرو؟ تريد وعمرو قائم (لأنّ أتقول يقع بعدها المفرد نحو: أتقول أن زيدا قائم والجملة نحو أتقول عمرو قائم)(2).

المبحث السابع:

قد صرح المصنف فيما تقدم نقله عنه بأن الجرمي والزجاج والفراء أجازوا رفع نعت الاسم بعد الخبر وأنهم بمثل ذلك حكموا للتوكيد وعطف البيان، وهذا يقتضي أن الجرمي والزجاج يعتبرون محل إنّ مع وجودها، إذ الرفع في النعت والتوكيد وعطف البيان إنما يكون بالتبعية بخلاف رفع المنسوق، فإنه إذ ذاك لا تتعين التبعية فيه لأنه يكون

مبتدأ محذوف الخبر كما تقدم، وقد قال الشيخ في شرح هذا الموضع - يعني بقوله: كالمنسوق: إنه إن كان العطف وعطف البيان والتوكيد بعد الخبر جاز الرفع عند الجرمي والزجاج والفراء ويعني بعد، ولكن فيقول: إن زيدا قائم العاقل، وإن (3) زيدا قائم نفسه، وإن زيدا قائم بطنه، وأما قبل الخبر فالذي يقتضيه مذهب الفراء جواز الرفع بشرط خفاء إعراب الاسم، نحو: إن هذا العاقل قائم، وإن هذا -

(1) هذا رأي الفارسي في سائر الحروف ما عدا «إنّ» يقول: فأما سائر الحروف فلا يجوز أن يحمل العطف معها على موضع الابتداء لأن موضعه قد زال بدخولها من أجل ما تضمن من معنى الفعل، ولكنه يرفع على الحمل على المضمر الذي في الخبر وينصب فيتبع ما انتصب بهذه الحروف. اه. الإيضاح للفارسي (116 - 117).

(2)

التذييل (2/ 816 - 817).

(3)

سبق في هذا التحقيق أن خرجت هذه المسألة بالتفصيل.

ص: 1400

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أخوك قائم، وإن هذا نفسه قائم، وأما الجرمي والزجاج فلا يجوز هذا عندهما لأنهما لا يريان العطف بالرفع قبل الخبر فلا يريان اتباع الاسم بهذه الثلاثة. انتهى (1).

ولا شك أن من أجاز رفع الثلاثة - أعني النعت والتوكيد وعطف البيان - يلزمه أن يكون معتبرا محل الاسم أي موضعه من الرفع قبل دخول «إنّ» وعلى هذا لا يحتاج في المنسوق أن يجعله مبتدأ بل معطوفا على الاسم باعتبار المحل.

المبحث الثامن:

تقدم أن الكسائي يجيز رفع المعطوف على أول مفعولي «ظن» إن خفي إعراب ثانيهما نحو: ظننت زيدا صديقي وعمرو. قال الشيخ: هكذا مثل المصنف هذه المسألة. قال: والذي حكاه الفراء عن الكسائي أنه أجاز: أظن عبد الله وزيد مالهما كثير، فرفع زيدا في كل ما كان خبره وخبر المنصوب مستويين، وكان لا يجيز:

أظن عبد الله وزيد قائمين ولا قائما، لأن الرفع والنصب يستبين في قائمين. ثم كأن الفراء لم يقبل ذلك منه، قال الشيخ: والقول عند البصريين قول الفراء، ثم قال: واتضح أن تصوير المصنف وتمثيله الذي ذكره خطأ. انتهى (2).

وإنما كان له أن يحكم بخطأ المصنف أن لو نقل الفراء أنّ الكسائي لا يجيز المسألة التي ذكرها المصنف ومثل

بها. غاية ما في الباب أن الفراء ذكر مسألة والمصنف ذكر [2/ 138] أخرى، ولا مانع من أن يكون الكسائي قائلا بكلّ منهما، وقد ذكر الشيخ ها هنا عدة مسائل من أبواب تركت إيرادها خوف الإطالة (3).

* * *

(1) ينظر التذييل (2/ 824)، والهمع (2/ 144)، ومعاني الفراء (2/ 364).

(2)

التذييل (2/ 824).

(3)

المرجع السابق (الجزء والصفحة).

ص: 1401