الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مواضع كسر همزة إن ومواضع فتحها ومواضع جواز الوجهين]
قال ابن مالك: (فصل: يستدام كسر «إنّ» ما لم تؤوّل هي ومعمولها بمصدر. فإن لزم التأويل؛ لزم الفتح. وإلّا فوجهان. فلا متناع التّأويل كسرت مبتدأة وموصولا بها وجواب قسم ومحكية بقول وواقعة موقع الحال أو موقع خبر اسم عين. أو قبل لام معلّقة. وللزوم التّأويل فتحت بعد «لو» و «لولا» وما التّوقيتيّة. وفي موضع مجرور أو مرفوع فعل أو منصوبه غير خبر. ولإمكان الحالين أجيز الوجهان بعد أوّل قولي وإذا للمفاجأة وفاء الجواب).
قال ناظر الجيش: هذا الكلام في هذا الفصل يشتمل على تمييز مواقع «أنّ» المفتوحة من مواقع «إنّ» المكسورة. واعلم أن من المصنفين: من اكتفى بتعداد مواضع كل من القسمين، ومنهم من ضبط ذلك بقاعدة، فقال: كل موضع يتعاقب عليه الاسم والفعل فإن فيه مكسورة، وكل موضع ينفرد بأحدهما «فإنّ» فيه مفتوحة (1)، نحو: بلغني أنك منطلق ولو أنّ زيدا قائم قام عمرو، لأن «لو» لا يقع بعدها إلا الفعل فنقضت هذه القاعدة «بإذا» الفجائية فإنها لا يليها إلا الاسم، ويجوز كسر «إنّ» بعدها (2).
وقال آخرون - وقيل: إنه قول سيبويه (3) -: إنّ كل موضع هو للجملة فإن فيه مكسورة، وكل موضع هو للمفرد «فإنّ» فيه مفتوحة، فنقضت هذه القاعدة أيضا بنحو لو أن زيدا قائم قام عمرو، وذلك بأن «أن» وقعت موقع الجملة الفعلية التي كان ينبغي لها أن تلي «لو» (4). هذا على مذهب سيبويه، فإنه يجعل «أنّ» مباشر لـ «لو» . لفظا وتقديرا ويجعلها مع معمولها يتقدير اسم مبتدأ وسد الطول مسد الخبر (5). -
(1) ممن ضبط مواضع الكسر والفتح بهذا الضابط، ابن بابشاذ في شرح الجمل له (1/ 132)، حيث قال: كل موضع صلح فيه الاسم والفعل كانت فيه «إن» مكسورة في الغالب، وكل موضع اختص أحدهما دون الآخر كانت فيه مفتوحة. اهـ. وينظر شرح المفصل لابن يعيش (8/ 60).
(2)
ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 459) ط. العراق.
(3)
وهو قول الفارسي والشلوبين وابن الناظم أيضا. ينظر التوطئة (221)، والإيضاح (129)، وشرح الألفية لابن الناظم (62).
(4)
ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 459) ط. العراق.
(5)
ينظر الكتاب (3/ 121، 140).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما المصنف فإنه جمع بين الأمرين، أعني: تعداد الأماكن التي يتعين فيها الكسر والتي يتعين فيها الفتح، والتي يجوز فيها الأمران، والضابط لذلك بذكر قاعدة لا يتوجه عليها نقض بشيء من الصور التي نقض بها على غيره.
وحاصل الأمر: أنه أورد ذلك إيرادا لم يقع لغيره، وأنا أورد كلامه أولا ثم أتبعه بما يحتاج إلى التنبيه عليه، قال رحمه الله تعالى:«إنّ» بالكسر أصل، لأن الكلام معها جملة غير مؤولة بمفرد وأنّ الفتح فرع لأن الكلام معها مؤول بمفرد.
وكون المنطوق به جملة من كل وجه أو مفردا من كل [2/ 104] وجه أصل، لكونه جملة من وجه، مفردا من وجه. ولأن المكسورة مستغنية بمعمولها عن زيادة، والمفتوحة لا تستغني عن زيادة، والمجرد من الزيادة أصل للمزيد فيه ولأن المفتوحة تصير مكسورة بحذف ما تتعلق به كقولك في عرفت أنك بر: أنك بر، ولا تصير المكسورة مفتوحة إلا بزيادة كقولك في «إنك بر» عرفت أنك بر والمرجوع إليه بحذف أصل للمتوصل إليه بزيادة (1).
ولكون المكسورة أصلا قلت: يستدام كسر «إن» ما لم تؤول هي ومعمولها بمصدر فعلم بذلك أن الكسر لازم للمبدوء بها لفظا ومعنى نحو إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (2) وللمبدوء بها معنى لا لفظا (3)، نحو: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ (4) والموصول بها نحو: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ (5)، والمجاب بها قسم نحو: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ (6) والمحكية بالقول نحو: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (7) والواقعة موقع الحال نحو: وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (8)، ومنه قول الشاعر:
948 -
ما أعطياني ولا سألتهما
…
إلّا وإنّي لحاجزي كرمي (9)
(1) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 428)، والمطالع السعيدة (ص 226 - 227)، والهمع (1/ 138).
(2)
سورة الكوثر: 1.
(3)
ينظر إصلاح الخلل (ص 177)، والأشموني (1/ 274).
(4)
سورة البقرة: 13.
(5)
سورة القصص: 76.
(6)
سورة الدخان: 3.
(7)
سورة مريم: 30.
(8)
سورة الأنفال: 5.
(9)
البيت من المنسرح وهو لكثير عزة. وهو في شرح الكافية الشافية (146)، وشرح عمدة الحافظ (130)، والكتاب (3/ 145)، والمقتضب (2/ 346)، والتذييل (2/ 675)، والعيني (2/ 308) -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقول الآخر:
949 -
سئلت وإنّي موسر غير باخل
…
فجدت بما أغنى الذي جاء سائلا (1)
والواقعة موقع خبر اسم عين نحو: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (2) ومنه قول الشاعر:
950 -
أراني ولا كفران لله إنّما
…
أؤاخي من الأقوام كلّ بخيل (3)
وقول الآخر (4):
951 -
إنّ الخليفة إنّ الله سربله
…
سربال ملك به تزجى الخواتيم (5)
وقول الآخر:
952 -
منّا الأناة وبعض القوم يحسبنا
…
إنّا بطاء وفي إبطائنا سرع (6)
-
- والهمع (1/ 246)، والدرر (1/ 203)، والأشموني (1/ 275)، وديوانه (273) جمع وشرح إحسان عباس، وابن عقيل (1/ 132).
والشاهد قوله: (ما أعطياني
…
إلّا وإني) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها في صدر جملة الحال.
(1)
لم أهتد إليه، والشاهد فيه قوله:(سئلت وإني موسر) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها في صدر جملة الحال.
(2)
سورة الحج: 17.
(3)
البيت من الطويل وهو لكثير عزة وهو في الكتاب (3/ 131)، والخصائص (1/ 338)، وابن يعيش (8/ 55)، وأمالي القالي (2/ 63)، والتذييل (2/ 676)، وشرح ابن خروف (ص 26)، والهمع (1/ 247)، والدرر (1/ 205)، وديوانه (2/ 184، 248).
والشاهد قوله: (أراني .. إنما أؤاخي) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها خبرا عن اسم عين، وذلك لأن المفعول الثاني في باب ظن وأخواتها خبر في الأصل.
(4)
هو جرير، والبيت من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز.
(5)
البيت من البسيط، وهو في مجالس العلماء للزجاجي (293)، والتذييل (2/ 679)، والخزانة (4/ 344)، والشواهد في النحو العربي (297)، وديوانه (ص 527).
ويروي أيضا: (يكفي الخليفة) مكان (إن الخليفة)، ولا شاهد في هذه الرواية كما يروى (لباس) مكان سربال.
والشاهد قوله: (إن الله سربله) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها موقع خبر اسم عين.
(6)
البيت لوضاح بن إسماعيل بن عبد كلال، شاعر فصيح من أبناء الفرس، من البسيط وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 20)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 429)، والتذييل (2/ 677) -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والواقعة قبل لام معلقة، نحو: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ (1) فعدم وقوع المصدر في هذه المواضع بيّن، فلذلك استديم فيها كسر «إنّ» ، واللام المعلقة هي المسبوقة بفعل قلبي أو جار مجراه (2) نحو: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (3) وأنشد سيبويه:
953 -
ألم تر إنّي وابن أسود ليلة
…
لنسري إلى نارين يعلو سناهما (4)
فلولا اللام لفتحت «إنّ» كما فتحت في عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ (5)، وفي شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ (6) وفي أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (7)، فلو لم يسبق اللام فعل قلبي ولا جار مجراه لم يكن فرق بين وجود اللام وعدمها، فلذلك استحق الكسر بعد القسم مع عدمها في إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ (8)، كما استحق مع وجودها في إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ (9) وكذا سائر المواضع الخمسة (10).
وأشرت بقولي: «فإن لزم التأويل لزم الفتح» إلى لزومه في موضع المبتدأ نحو: -
- وعمدة الحافظ (129)، وابن الناظم (62)، والعيني (2/ 216)، وشرح الحماسة للتبريزي (1/ 187).
والشاهد قوله: (يحسبنا إنا بطاء)، حيث كسرت همزة «إن» لوقولعهما موقع خبر اسم عين، عين وهو المفعول الأول ليحسب.
(1)
سورة الأنعام: 33.
(2)
ينظر المفصل لابن يعيش (8/ 66)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 338).
(3)
سورة المنافقون: 1.
(4)
البيت من الطويل وهو من الأبيات الخمسين مجهولة القائل، وينظر في الكتاب (3/ 149)، وشرح الكافية الشافية (1/ 484)، والتذييل (2/ 278)، والأشموني (1/ 275)، واللسان (سنا).
والشاهد قوله: (ألم تر إنّي .. لنرى) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوع اللام المعلقة في خبرها ولولا هذه اللام لفتحت همزتها.
(5)
سورة البقرة: 178.
(6)
سورة آل عمران: 18.
(7)
سورة النور: 41.
(8)
سورة الدخان: 3.
(9)
سورة يونس: 53.
(10)
ذكر ابن عصفور في شرح الجمل (1/ 460)، أن هناك خلافا بين النحاة في «إنّ» الواقعة بعد القسم من حيث كسر همزتها وفتحها، فقال: واختلف فيها إذا وقعت بعد القسم نحو: والله إنّ زيدا قائم، فمنهم من لم يجز إلا الفتح ومنهم من أجاز الفتح والكسر واختار الفتح، ومنهم من أجازهما واختار الكسر، ومنهم من لم يجز إلا الكسر، وهو الصحيح. اه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً (1)، وفي موضع الفاعل نحو: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ (2)، [2/ 105] وفي موضع القائم مقامه نحو:
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ (3) وفي موضع ما ليس خبر اسم عين من منصوب فعل، نحو: وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ (4)، أو معطوف على منصوب بفعل نحو: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ * (5)، وفي موضع مجرور بحرف أو إضافة نحو: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ * (6)، وإِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (7) وأنشد سيبويه:
954 -
تظلّ الشّمس كاسفة عليه
…
كآبة أنّها فقدت عقيلا (8)
فتأويل المصدر في هذه المواضع وأشباهها لازم، فلذلك لزم الفتح. وذكر المصدر أولى من ذكر الاسم المفرد ليسلم من نحو:«يحسبنا إنّا بطاء» (9).
لأن «إنّ» واقعة فيه موقع مفرد وفتحها ممتنع لامتناع قيام المصدر مقامها (10) وللزوم تأويل المصدر بعد «لو» و «لولا» لزم الفتح نحو وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا (11) ونحو فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (12) ومنه قول الشاعر:
955 -
فلو أنّ قومي أنطقتني رماحهم
…
نطقت ولكنّ الرماح أجرّت (13)
-
(1) سورة فصلت: 39.
(2)
سورة العنكبوت: 51.
(3)
سورة الجن: 1.
(4)
سورة الأنعام: 81.
(5)
سورة البقرة: 47، 122.
(6)
سورة الحج: 62، سورة لقمان:30.
(7)
سورة الذاريات: 23.
(8)
البيت من الوافر مجهول القائل، وهو في الكتاب (3/ 157)، والتذييل (2/ 685)، وشرح الألفية لابن الناظم (65)، والعيني (2/ 241)، وشرح ابن خروف (36).
والشاهد قوله: (كآبة أنها فقدت عقيلا) حيث فتحت همزة «أن» لأن المصدر المؤول من «أنّ» ومعمولها قد أضيف إليه (كآبة).
(9)
تقدم.
(10)
ينظر شرح عمدة الحافظ (129)(د/ عبد المنعم هريدي).
(11)
سورة الحجرات: 5.
(12)
سورة الصافات: 143.
(13)
البيت من الطويل لعمرو بن معديكرب بن عبد الله بن عمرو الصحابي الجليل. وهو في التذييل (2/ 679)، والأصمعيات (122)، وشرح الحماسة (162)، ودلائل الإعجاز (112)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال الآخر في «لولا» :
956 -
لكم أمان ولولا أنّنا حرم
…
لم تلف أنفسكم من حتفها وزرا (1)
وللزوم تأويل المصدر لزم الفتح بعد «ما» التوقيتية في قول العرب: لا أكلمك ما أن في السماء نجما ولا أفعل ما أن حراء مكانه (2)، الأول عن يعقوب (3)، والثاني عن اللحياني، والتقدير: ما ثبت أنّ في السماء نجما، وما ثبت أنّ حراء مكانه (4)، وأشرت بقولي:«ولإمكان الحالين أجيز الوجهان» إلى المواضع الصالحة لتقدير مصدر باعتبار، والتقدير جملة باعتبار، فباعتبار تقدير المصدر تفتح وباعتبار تقدير الجملة تكسر فمن ذلك: «أوّل قولي إني
أحمد الله» يجوز أن يراد به أول كلام أتكلم به هذا الكلام المفتتح «بإني» فيلزم الكسر لثبوت تقدير الجملة وعدم تقدير المصدر، ولا تصدق هذه العبارات بهذا القصد على حمد بغير هذا اللفظ الذي أوله «إني» بخلاف عبارة الفتح فإنها تصدق على كل لفظ تضمن حمدا (5)
ومن المستعمل بوجهين لإمكان تقديرين: «إنّ» الواقعة بعد «إذا» المفاجأة، كقول الشاعر:
957 -
وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا
…
إذا إنّه عبد القفا واللهازم (6)
-
- واللسان (جرر).
والشاهد قوله: (فلو أن قومي أنطقتني) حيث فتحت همزة «أن» بعد «لو» .
(1)
البيت مجهول القائل، في التذييل (2/ 681).
والشاهد قوله: (ولولا أننا حرم) حيث فتحت همزة «أن» بعد «لولا» .
(2)
ينظر التصريح (1/ 215)، والهمع (1/ 137)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 63).
(3)
هو يعقوب بن إسحاق أبو يوسف بن السكيت، كان عالما بنحو الكوفيين وعلم القرآن واللغة والشعر راوية ثقة، أخذ عن البصريين والكوفيين كالفراء وأبي عمرو والشيباني وابن الأعرابي، وله تصانيف كثيرة في النحو ومعاني الشعر وتفسير دواوين العرب زاد فيها علي من تقدمه وتوفي سنة 244 هـ.
البغية (2/ 349).
(4)
ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 430)، حيث ذكر فيه رأي يعقوب واللحياني.
(5)
ينظر الإيضاح للفارسي (130، 131)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 431)، وابن الناظم (64)، وعمدة الحافظ (130)، والتصريح (1/ 219)، وشرح الكافية للرضي (2/ 350)، وشذور الذهب (263).
(6)
البيت من الطويل مجهول القائل وهو في الكتاب (3/ 144)، والمقتضب (2/ 351)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وروي بالكسر على التأويل بمصدر، وبالفتح على تأويل «أن» ومعمولها بمصدر مرفوع بالابتداء والخبر محذوف، والأول أولى لأنه لا يحوج إلى تقدير محذوف.
ومن المستعمل بوجهين لإمكان تقديرين «إنّ» الواقعة بعد فاء الجواب نحو: من يأتني فإنه مكرم. من كسر جعل ما بعد الفاء جملة غير مؤولة بمصدر كما قال: من يأتني فهو مكرم، ومن فتح جعل ما بعد الفاء في تأويل مصدر
مرفوع بالابتداء والخبر محذوف والأول أولى لأنه لا يحوج إلى تقدير محذوف كالواقعة بعد «إذا» ، ولذلك لم يجئ في القرآن العزيز فتح إلا مسبوق «بأنّ» المفتوحة (1) نحو: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ [2/ 106] وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (2) فإن لم تسبق «أنّ» المفتوحة فكسر «إنّ» بعد الفاء مجمع عليه من القراء السبعة نحو:
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ (3) وإِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (4) ووَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (5) ومن المقروء بالوجهين باعتبار التقديرين مع تقدم «أنّ» المفتوحة قوله تعالى:
كَتَبَ [رَبُّكُمْ](6) عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) قرأ بفتح الأولى والثانية ابن عامر (8) وعاصم (9)، وقرأ بفتح الأولى وكسر الثانية نافع (10)، وقرأ بكسرهما ابن -
- والخصائص (3/ 399)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 431)، وتعليق الفرائد (1101)، وشرح عمدة الحافظ (131)، والتذييل (2/ 689)، وأمالي السهيلي (126)، وشرح الألفية لابن الناظم (63)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 339)، وشرح المكودي (57)، والخزانة (4/ 303)، وابن يعيش (4/ 97)، (8/ 61)، والتصريح (1/ 128)، والأشموني (1/ 276)، والهمع (1/ 138)، والدرر (1/ 151).
اللغة: اللهازم: جمع لهزمة وهي طرفة الحلقوم وقيل قطعة تحت الأذن ويكنى باللهازم والقفا هنا عن الخسة.
والشاهد قوله: (إذا أنه) حيث جاز في «أن» الكسر والفتح.
(1)
ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 432).
(2)
سورة التوبة: 63.
(3)
سورة طه: 74.
(4)
سورة يوسف: 90.
(5)
سورة الجن: 23.
(6)
ساقطة من (أ)، (ب).
(7)
سورة الأنعام: 54.
(8)
سبقت ترجمته.
(9)
هو أبو بكر عاصم بن أبي النجود بن بهدلة الأسدي وهو من التابعين توفى بالكوفة سنة (127 هـ). وقيل (128 هـ).
(10)
سبقت ترجمته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كثير (1)، وأبو عمرو وحمزة والكسائي (2). انتهى كلام المصنف (3).
وقد ظهر لك أن الضابط الذي ذكره سالم من النقض الوارد على ضابط غيره، ولقد أحسن في استنتاج لزوم الكسر ولزوم الفتح وجواز الوجهين عن الضابط المذكور، وذكره ذلك إنما هو على سبيل التبرع لقصد الإرشاد وتسهيل الأمر على الطالبين، وقد كان يكفيه الاقتصار على ما ذكره من القانون المفيد لقاعدة الباب.
وبعد، فالمواضع التي ذكر أنه يلزم فيها الكسر سبعة والتي يلزم فيها الفتح ستة، والتي يجوز فيها الوجهان ثلاثة، وقد استدرك الشيخ على المصنف موضعا ثامنا فقال: إنه نقصه موضع آخر وهو أنه يجب كسرها بعد «حيث» نحو: اجلس حيث إنّ زيدا جالس (4). وذكر بعض الفضلاء (5) موضعين آخرين وهما: بعد إذ وبعد موصوف بجملة مصدرة «بأنّ» نحو: جئتك إذ إن زيدا أمير، ومررت برجل إنه فاضل (6)، وكذا ذكر ثلاثة مواضع أخر في القسم الثاني، أعني ما يلزم فيه الفتح وهي: إذا وقعت خبرا عن اسم معنى نحو: اعتقادي أنه فاضل وإذا وقعت معطوفة على شيء لو كانت «إنّ» في موضعه لكانت مفتوحة كالمعطوفة على فاعل أو مفعول أو مجرور بحرف أو إضافة نحو: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ (7) وإذا وقعت مبدلة من شيء من ذلك نحو: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ (8)، وكذا (9) أيضا خمسة مواضع أخر في القسم الثالث، أعني ما يجوز فيه الفتح والكسر، وهي: إذا وقعت في موضع التعليل نحو: إِنَّا -
(1) هو أبو سعيد عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان المكي إمام الناس في الإقراء بمكة توفى سنة (120 هـ). غاية النهاية (1/ 443 - 445).
ينظر هذه القراءات في الإتحاف (208 - 209)، وشرح طيبة النشر (277)، والحجة لابن خالوية (139).
(2)
سبقت ترجمته.
(3)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 23).
(4)
التذييل (2/ 678).
(5)
هو ابن هشام في شذور الذهب وأوضح المسالك، ولم أره لغيره، وقد عقب ابن هشام في نهاية ذكره لمواضع الكسر بقوله: وقد أثبت في شرح هذا الموضع بما لم أسبق إليه فتأملوه. اه. شذور الذهب (261)، وينظر أيضا بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب. للشيخ زكريا الأنصاري (ص 440 - 441).
(6)
ينظر شذور الذهب (259)، وأوضح المسالك (1/ 87).
(7)
سورة البقرة: 47.
(8)
سورة الأنفال: 7.
(9)
ينظر شذور الذهب (262)، وأوضح المسالك (1/ 87 - 88)، وبلوغ الأرب بشرح شذور الذهب (ص 445).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (1)، قرئ بالفتح على تقدير لام العلة وبالكسر على أنه تعليل مستأنف (2) مثل: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (3)، وإذا وقعت بعد «واو» مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه نحو: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (4) قرئ بالكسر إما على الاستئناف أو العطف على جملة «إن» الأولى، وبالفتح بالعطف على «أن لا تجوع» (5). وإذا وقعت بعد «حتى» ، قال: فيختص بالكسر بالابتدائية نحو: مرض حتى إنهم لا يرجونه والفتح بالجارة [2/ 107] والعاطفة نحو: عرفت أمورك حتى أنك فاضل، وإذا وقعت بعد «أما» نحو: أما أنك فاضل قال: فالكسر على أنها حرف استفتاح بمنزلة ألا والفتح على أنها بمعنى أحقّا، وإذا وقعت بعد «لا جرم» (6).
والذي يظهر أنه لا استدراك على المصنف في القسم الأول لأن الواقعة بعد حيث و «إذا» والموصوف يصدق عليها أنها مبتدأة، إذا لا تعلق لها بما قبلها من حيث العمل، أما في الواقعة بعد الموصوف فظاهر. وأما الواقعة بعد «حيث» و «إذ» فكذلك، وإن كانت «حيث وإذ» مضافتين لأن الإضافة إنما هي إلى الجملة بتمامها ولا يؤثر في الجملة عمل عامل، أعني في لفظها واذا كانت مبتدأة أي: مبدوءا بها في هذه المواضع، فهي مندرجة في قول المصنف: كسرت مبتدأة (7).
على أنا نقول: إن المصنف لم يلتزم استيفاء المواضع في الأقسام الثلاثة، ولا يلزمه ذلك، بل لا يلزمه التعرض إلى شيء منها لأنه ذكر الضابط للمواضع الثلاثة وإذا كان كذلك فيصير الأمر موكولا إلى الناظر. وعبارته في الكتاب تشعر -
(1) سورة الطور: 28.
(2)
ينظر الكشاف (2/ 414)، وتفسير الجلالين (487).
(3)
سورة التوبة: 103.
(4)
سورة طه: 118، 119.
(5)
ينظر إملاء ما من به الرحمن (2/ 128)، والحجة لابن خالويه (247)، والمقتضب (2/ 342).
(6)
أوضح المسالك (1/ 88 - 91)، ولم يذكر ابن هشام هذه المواضع التي استدركها على المصنف في هذا القسم في شذور الذهب.
(7)
هذا الاعتبار الذي اعتذر به الشارح هنا عن المصنف اعتذر بمثله معظم شراح الألفية وشراح مصنفات ابن مالك كابن عقيل وغيره يقول ابن عقيل في اعتذاره عن المصنف في مثل ذلك: ولا يرد عليه شيء من هذه المواضع لدخولها تحت قوله: «فاكسر في الابتداء» لأن هذه إنما كسرت لكونها أول جملة مبتدأ بها. اه. شرح ابن عقيل (1/ 132).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بأنه لم يذكر ما ذكره على سبيل الاستيفاء لأنه لم يقل: والمواضع التي يجب فيها الكسر كذا ولا التي يجب فيها الفتح كذا، ولا التي يجوز فيها الوجهان كذا، بل قال:«فلا متناع التأويل وجب الكسر في كذا، وللزومه وجب الفتح في كذا ولإمكان الحالين أجيز في كذا» .
ويدل على أن المصنف قصد ما قلته أنه لم يذكر في المتن أن ما كان في موضع المبتدأ ونائبه يفتح، وقال في الشرح إنها في هذه المواضع الثلاثة تفتح (1) لقوله:
وللزوم التأويل فتحت، فدل ذلك على أنه اكتفى بذكر الضابط وأن الذي ذكره إنما هو على سبيل التمثيل والتنبيه.
وأما ما ذكره من أشرنا إليه زائدا في القسم الثاني من المعطوفة والمبدلة؛ فغير محتاج إليه أصلا، لأن المعطوف حكمه حكم المعطوف عليه، والمبدل حكمه حكم المبدل منه قطعا وأما الواقعة خبرا عن اسم معنى فلا شك أن قول المصنف: فإن لزم التأويل لزم الفتح يكفي في ذلك، لأن تأويل «أنّ» وما بعدها بالمصدر في نحو:«اعتقادي أنك فاضل» لازم على أنه لا يلزم المصنف التعداد كما عرفت، ولقد عجبت من ذكر هذا الفاضل المعطوفة والمبدلة. وأما ما ذكره في القسم الثالث من المواضع الخمسة فالعجب من ذكره أشد لأن كلّا من المواضع الخمسة التي ذكرها الفتح فيه باعتبار، والكسر فيه باعتبار آخر، واعتبار الفتح راجع إلى ضابط ما يلزم فيه الفتح واعتبار الكسر راجع إلى ضابط ما يلزم فيه الكسر، وإذا كان فلا حاجة بل لا فائدة في ذكر ذلك.
وانظر إلى فعل المصنف كيف ذكر «أما» و «حتى» و «لا جرم» في آخر الفصل تنبيها على أن لكل منها معنى [2/ 108] إذا فتحت «إن» بعدها غير المعنى الذي تكسر فيه «إن» بعدها (2) ولم يذكرها مع المسائل التي يجوز فيها الوجهان، أعني: أول قولي وإذا المفاجأة وفاء الجواب. -
(1) ينظر شرح التسهيل للمصنف (2/ 21) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد.
(2)
نعم، معنى هذه الكلمات يختلف في حالة الكسر عنه في حالة الفتح «فحتى» مثلا إذا كسرت «إن» بعدها تكون ابتدائية بمعنى فاء
السببية، وأما إذا فتحت «أن» بعدها تكون جارة أو عاطفة.
وأما «لا جرم» فتكون فعلا ماضيا عند سيبويه وأنّ وما بعدها فاعل وتكون عند الفراء بمنزلة: لا رجل ومعناه لا بد، هذا في حالة «فتح» «أن» بعدها، وأما إذا كسرت «إن» بعدها فحكى الفراء أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول: لا جرم لآتينّك. اه. الأشموني (1/ 278 - 279)، وحاشية الصبان -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذ قد عرفت هذا فلنذكر أبحاثا تتعلق بما تقدم:
الأول:
المصدر الذي تؤول به «أن» ومعمولها إذا فتحت مختلف فإذا كان خبرها فعلا أو اسما ملاقيا للفعل في الاشتقاق من المصدر، قدرت بمصدر من لفظ ذلك الفعل أو ذلك الاسم فالتقدير في بلغني أنك تنطلق أو أنك منطلق: بلغني الانطلاق. وإذا كان الخبر ظرفا أو مجرورا يقدر المصدر من لفظ الاستقرار العامل فيهما، فالتقدير في بلغني استقرار زيد عندك. وفي بلغني أنّ زيدا في الدار: بلغني استقرار زيد في الدار، وإن كان الخبر اسما جامدا يقدر المصدر كونا، فالتقدير في بلغني أنّ هذا أخوك: بلغني كون هذا أخاك، قالوا: وإنما ساغ التقدير بالكون لأن كل خبر جامد يصح نسبته إلى المخبر عنه بلفظ الكون تقول: هذا زيد، وإن شئت قلت: هذا كائن زيدا، فيكون معناه كمعنى: هذا زيد (1).
الثاني:
قد عرفت من قول المصنف: وللزوم التأويل فتحت بعد لو (2) أن «أنّ» مع معمولها مؤولة بمصدر بعد «لو» ، فأما على مذهب المبرد ومن وافقه من البصريين (3)، قيل:
وهو مذهب الكوفيين - فظاهر لأنهم يقدرون فعلا بعد، رافعا لـ «أنّ» ومعمولها على الفاعلية (4).
وأما على مذهب سيبويه وهو القول المتصور المعول عليه فإنه يحتاج إلى تقدير وذلك لأنه لا يقدر فعلا بل يحكم بمباشرة «أنّ» «للو» تقديرا كما أنها مباشرة لها لفظا، ويجعل «أنّ» مع معمولها بتقدير اسم مبتدأ والخبر محذوف (5). هكذا -
- (1/ 278 - 279)، وكذلك «أما» يختلف معناها أيضا في حالة فتح «أن» بعدها عن معناها في حالة كسرها، فهي في حالة فتح «أن» بعدها بمعنى «حقّا» ، وأما في حالة كسر «إن» بعدها فهى حرف استفتاح. اه. شرح الرضي على الكافية (2/ 351) بتصرف، والتصريح (1/ 220)، شرح
الجمل لابن عصفور (1/ 461) ط. العراق.
(1)
ينظر المغني (1/ 40)، والهمع (1/ 137)، والمطالع السعيدة (ص 226).
(2)
التسهيل (63).
(3)
وهم الزجاج والزمخشري وابن الحاجب.
(4)
ينظر المقتضب (3/ 77 - 78)، والكامل (2/ 140)، وشرح المفصل لابن يعيش (8/ 60)، والتصريح (1/ 217)، والهمع (1/ 138).
(5)
ينظر الكتاب (3/ 121)، والمغني (1/ 269).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذكر أبو علي الشلوبين أن هذا مذهب البصريين. وقال ابن هشام: مذهب سيبويه أن «أنّ» مع معمولها مبتدأ والخبر محذوف، لا يجوز إظهاره كحذفه بعد «لولا» ، وهو قول أكثر البصريين (1)، وقيل: لا خبر محذوف، وهو الذي ذكره ابن عصفور في شرح الجمل، قال: وسد الطول مسد الخبر يعني جريان المسند والمسند إليه في الذكر (2) وإذا كانت «أنّ» مع معمولها بعد «لو» مقدرة بمبتدأ كانت على هذا مؤولة بمصدر، فتقدير وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا (3): ولو صبرهم (4) وقد ردّ مذهب المبرد بأنّ الفعل لم يحذف بعد «لو» قط إلا أن يكون مفسرا (5) نحو قوله تعالى:
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ (6). وقالوا في المثل: «لو ذات سوار لطمتني» (7).
قال ابن عصفور: والصحيح مذهب سيبويه وذلك أنك أيّ المذهبين ارتكبت كان فيه خروج «للو» عما استقر فيها في غير هذا الموضع لأنها أبدا لا يليها إلا الفعل ظاهرا، ولا [2/ 109] يليها مضمرا يعني غير مفسر إلا في ضرورة شعر، وإذا جعلت «أنّ» ومعمولها في موضع مبتدأ أوليت الاسم لفظا وتقديرا، وهذا لا يجوز في غير هذا الموضع وإن جعلت «أنّ» وما بعدها في موضع فاعل بفعل مضمر كنت قد أضمرت بعدها الفعل في فصيح الكلام، وقد قلنا: إن ذلك لا يجوز إلا في الضرورة وإذا كان كل من المذهبين يؤدي إلى الخروج عن الظاهر فلا فائدة في تكلف الإضمار (8).
الثالث:
قد كان المصنف مستغنيا عن ذكر «ما» التوقيتية لأن «أنّ» إنما فتحت بعدها -
(1) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 430).
(2)
شرح الجمل لابن عصفور (1/ 459) ط. العراق.
(3)
سورة الحجرات: 5.
(4)
ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 430).
(5)
ينظر شرح كتاب سيبويه لابن خروف 23 مخطوط بدار الكتب.
(6)
سورة الإسراء: 100 وزاد في (ب)(خزائن رحمة ربي).
(7)
مثل يضرب للكريم يظلمه دنيء فلا يقدر على احتمال ظلمه، وينظر المثل في مجمع الأمثال للميداني (2/ 174)، وفيه:«لو ذات سوار لطمتني» أي: لو لطمتني ذات سوار «لأن» لو» طالبة للفعل داخلة عليه. اه.
(8)
شرح الجمل لابن عصفور (1/ 460) ط. العراق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لكونها مع ما يليها في موضع فاعل بفعل مقدر كما تقدم (1)، وهو قد قال: إنه إذا لزم التأويل بالمصدر لزم الفتح (2) وذكر في الشرح أنه يلزم الفتح لذلك إذا كانت في موضع المبتدأ أو في موضع الفاعل (3).
الرابع:
قد عرفت أن من صور المسائل ذات الوجهين قولهم: «أول قول إني أحمد الله» ، وقد ذكروا ضابط هذه الصورة فقالوا: هو أن تقع «إنّ» خبرا عن قول ومخبرا عنها بقول، وأن يكون القائل واحدا (4)، كالمثال الذي تقدم فإن كانت خبرا عن غير قول فتحت نحو: فعلى أني أحمد الله، وإن كانت مخبرا عنها بغير قول نحو: قولي إنّي مؤمن، أو كان القائل غير واحد نحو: قولي: إنّ زيدا يحمد الله؛ كسرت (5) وهذا ظاهر، أعني: كونها تفتح في الصورة الأولى وتكسر في الصورتين الأخريين.
واعلم أن سيبويه لم يمثل لهذه المسألة بما مثل به المصنف وإنما مثلها بقولهم: «أول ما أقول إني أحمد الله (6)» ، ولا شك أن فيما مثل به سيبويه فائدة، وهو أن «ما» هل هي مصدرية أو موصولة ويترتب على ذلك بحث. وأما المصنف فإنه إنما أتى بصورة المصدر واقتضى هذا أنه يحكم على «ما» في:«أول ما أقول» بالمصدرية قطعا.
وبعد: فنحن نتكلم على المثال الذي مثل به سيبويه فنقول:
أجاز النحويون في مسألة «أول ما أقول أني أحمد الله» فتح «أنّ» وكسرها.
فالفتح على تقدير المصدر، كأنه قال: أول ما أقول حمد الله، و «ما» مصدرية، والتقدير: أول قولي حمد الله وهذا إخبار بمعنى عن معنى، وهل يجوز أن تكون «ما» موصولة أو نكرة موصوفة والفعل الواقع بعدها صلة أو صفة، والعائد -
(1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (63)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 430)، والتصريح (1/ 215).
(2)
التسهيل (62).
(3)
ينظر شرح التسهيل للمصنف (2/ 21).
(4)
ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 431)، وشرح الألفية للمرادي أيضا (1/ 343)، وعمدة الحافظ (133)، وأوضح المسالك (1/ 90)، وشذور الذهب (263)، والتصريح (1/ 219)، وابن عقيل (1/ 133)، وابن الناظم (64).
(5)
ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 431).
(6)
الكتاب (3/ 143).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
محذوف وهو مفعول القول، والتقدير: أول الألفاظ التي أقولها وأول ألفاظ أقولها حمد الله. منع الأكثرون ذلك قالوا: لأن حمد الله ليس من الألفاظ المقولة فكيف يقع خبرا لما هو لفظ (1)، والخبر إذا كان مفردا لزم أن يكون المبتدأ نحو: زيد أخوك أو منزلا منزلته نحو: زيد زهير. وأجاز ذلك ابن خروف (2). ويلزمه أن يجعل حمد الله من قبيل الألفاظ وهو غير ظاهر.
وأما الكسر فعلى أحد التقادير [2/ 110] الآتي ذكرها وأول مبتدأ، و «ما» يجوز فيها ثلاثة أوجه: أن تكون موصولة بمعنى الذي أو نكرة موصوفة أو مصدرية أريد بها المفعول كما قالوا: درهم ضرب الأمير أي مضروبه (3) وكذلك هذا تقديره: أول قولي أي: مقولي. ومعمول «أقول» إذا كانت «ما» بمعنى الذي أو موصوفة محذوف، كما قدر لما فتحت «أنّ» وخبر المبتدأ «أني أحمد الله» ، ولا تحتاج هذه الجملة إلى رابط لأنها نفس المبتدأ في المعنى. هكذا شرح الشارحون كلام سيبويه (4) في هذه المسألة.
واختلف النحاة في الموجب لكسر «إنّ» حينئذ:
فقيل كسرت لكونها خبرا عن «أول» (5)، وقيل: كسرت لأنها معمولة «لقولي» المحذوف، وذلك المحذوف هو الخبر، والتقدير: أول ما أقول قولي إني أحمد الله، ونسب هذا القول إلى عضد الدولة (6) وردّ بأنه يلزم منه حذف الموصول وإبقاء معموله وبابه الشعر (7) لكن قد يقال: القول قد كثر إضماره في كلامهم حتى صار يجري مضمرا مجراه مظهرا. وقيل: كسرت لكونها معمولة -
(1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 464 - 465) ط. العراق.
(2)
سبقت ترجمته.
(3)
ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 350)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 465) ط. العراق.
(4)
ينظر شرح سيبويه لابن خروف (32)، وشذور الذهب (263)، وحاشية الصبان (1/ 277)، وابن عقيل (1/ 133).
(5)
ينظر شرح شذور الذهب (263)، وشرح الألفية لابن الناظم (64)، وشرح الكتاب لابن خروف (32).
(6)
سبقت ترجمته.
(7)
ينظر رأي عضد الدولة والرد عليه في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 467) ط. العراق، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 134)، والتذييل (2/ 687).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأقول والخبر محذوف وهو قول الفارسيّ (1) والتقدير على مذهبه: أول قولي: إني أحمد الله ثابت، ورد الناس على الفارسيّ هذا التقدير وقالوا: يلزم منه الإخبار عن الهمزة من قوله: «إني أحمد الله» بالثبوت، ولا معنى لهذا (2). وقيل: كسرت لأنها بعد «أول» وهو قول من حيث أضيف إلى القول والخبر محذوف أي: ثابت وهو قول الشلوبين (3)، ورد عليه بأن «إنّ» لا تكسر حكاية لفعل أو مصدر إلا وهي معمولة و «أول» لا يعمل وإن كان مصدرا في المعنى لأنه ليس بمصدر في اللفظ، ولا يعمل إلا لفظ المصدر (4)، وقيل: كسرت لأنها معمولة لأقول كما قال الفارسي لكنها خبر من حيث المعنى، فلم يقدر خبرا كما قدر الفارسيّ، فخالفه في تقدير الخبر، ونظره بقولهم: أقائم الزيدان (5). هذا آخر ما ذكر في هذه المسألة.
وتلخص معه أنه إذا كانت «إنّ» مكسورة كان فيها خمسة مذاهب:
قيل: خبر عن «أول» ، وقيل: معمولة لقول محذوف وقيل: معمولة لأقول الموجودة. وقيل: لأنها بعد «أول» وهو قول لإضافته إلى القول، وقيل: لأنها معمولة لأقول كما في القول الثالث، لكن هناك قيل بأن الخبر محذوف، وهنا قيل: إنها نفس الخبر من حيث المعنى مع أنها معمولة. ولا شك أن كلّا من هذه المذاهب يجيء على القول بأن «ما» مصدرية أو موصولة أو نكرة موصوفة، فتكون الصور على هذا خمس عشرة صورة مع الكسر خاصة، ومع الفتح تقدم أن الصور -
(1) الإيضاح للفارسي (130 - 131)، والمقتصد شرح الإيضاح للجرجاني (425).
(2)
ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 64)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 431)، وشرح الكافية للرضي (2/ 351)، والتذييل (2/ 684 - 685).
(3)
ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 350 - 351)، وشرح المفصل لابن يعيش (8/ 61)، والتذييل (2/ 686).
(4)
التذييل (2/ 686) حيث ذكر رأي الشلوبين، وخطأه بما رد به ناظر الجيش رأي الشلوبين هنا.
(5)
هذا مذهب بعض المتأخرين الذين أرادوا أن يصححوا مذهب الفارسي حتى يسلم من الاعتراض عليه، يقول ابن عصفور بعد أن أورد اعتراض ابن الطراوة على رأي الفارسي في هذه المسألة، فرد ذلك عليه بعض المتأخرين بأن قال: ليس مذهب أبي علي أن هذا المبتدأ له خبر محذوف بل هو من قبيل المبتدآت التي سد الطول منها مسد الخبر وأغنى عنه في اللفظ والمعنى، وذلك أن قوله: إني أحمد الله وإن كان هو معمول القول هو خبر المبتدأ في المعنى فلا يحتاج المبتدأ إلى خبر، كما أن قول العرب: أقائم زيد؟ على أن أقائم مبتدأ وزيد سد مسد الخبر. اه. شرح الجمل لابن عصفور (1/ 446) ط.
العراق. وينظر التذييل (2/ 685).