الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التعليق وأحكامه في الأفعال القلبية في هذا الباب]
قال ابن مالك: (وتختصّ أيضا القلبيّة المتصرّفة بتعدّيها معنى لا لفظا إلى ذي استفهام، أو مضاف إليه [2/ 192] أو تالي لام الابتداء، أو القسم أو «ما» أو «إن» النّافيتين أو «لا» ويسمّى تعليقا).
ــ
أو تأخرت جاز الإلغاء والإعمال، كما يجوز في الخبر (1).
قال ناظر الجيش: قد تقدم أن التعليق عبارة عن إبطال العمل لفظا لا محلّا على سبيل الوجوب وأنه حكم مختص بالأفعال القلبية المتصرفة من أفعال هذا الباب، وأنه قد يشاركها في ذلك أفعال أخر، وتقدم أيضا ذكر السبب الموجب لاختصاصها بالتعليق.
قال المصنف (2): وسمي الإبطال على هذا الوجه تعليقا، لأنه إبطال في اللفظ مع تعليق العامل بالمحل، وتقدير إعماله فيه، ويظهر ذلك في المعطوف نحو: علمت لزيد صديقك وغير ذلك من أمورك انتهى، وكذا يجوز أن تقول: علمت لزيد منطلق وعمرا قائما نصبا على محل لزيد منطلق (3)، وقد فسر المصنف التعليق في متن الكتاب بقوله: بتعديها معنى لا لفظا، وهو تفسير حسن، قال المصنف: وسبب التعليق كون المعمول تالي الاستفهام أو
مضمنا معناه أو مضافا إلى مضمنه، أو تالي لام الابتداء أو القسم أو «لو» أو «ما» أو «إن» النافيتين أو «لا» نحو [قوله تعالى]: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (4)، وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ (5) ونحو: علمت غلام من أنت [وقوله تعالى]: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ (6) وكقول الشاعر: -
(1) التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 1010 - 1011).
(2)
شرح التسهيل لابن مالك (جـ 2 ص 89).
(3)
في شرح الكافية للرضي (2/ 279): «الفرق بين التعليق والإلغاء مع أنهما بمعنى إبطال العمل: أن التعليق إبطال العمل لفظا لا معنى، والإلغاء: إبطال العمل لفظا ومعنى، فالجملة مع التعليق في تأويل المصدر مفعولا به للفعل المعلق كما كان كذلك قبل التعليق فلا منع من عطف جملة أخرى منصوبة الجزأين على الجملة المعلق عنها الفعل نحو: علمت لزيد قائم وبكرا فاضلا على ما قال ابن الخشاب وأما الإلغاء فالجملة معه ليست بتأويل المفرد فمعنى: زيد علمت قائم: زيد في ظني قائم، فالجملة المغي عنها لا محل لها لأنه لا يقع مفرد موقعها والجملة المعلق عنها منصوبة المحل» . اه. وينظر أوضح المسالك (1/ 122).
(4)
سورة الأنبياء: 109.
(5)
سورة طه: 71.
(6)
سورة البقرة: 102.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1146 -
ولقد علمت لتأتينّ منيّتي
…
إنّ المنايا لا تطيش سهامها (1)
وكقول الآخر:
1147 -
وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما
…
يريد ثراء المال أمسى له وفر (2)
وكقوله تعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (3) وكقوله تعالى: وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (4) ومن أمثلة ابن السراج: أحسب لا يقوم زيد (5) انتهى (6).
وعلم منه أن الموجب للتعليق إما نفس المعمول بأن يكون اسم استفهام أو مضافا إليه، وإما أن يفصل بين العامل والمعمول أحد الأدوات التي ذكرها وهي: حرف استفهام «كالهمزة وهل» أو لام الابتداء أو القسم أو «لو» أو ما النافية، أو إن «النافية، أو «لا» فهي سبع أدوات منها الست التي ذكرها المصنف في متن الكتاب والتي ذكرها في الشرح وهي «لو» .
وزاد الشيخ في الأدوات المعلقة «لعلّ» :
قال في شرح الألفية: ومما يظهر لي أنه من أسباب التعليق «لعل» وهو شيء أهمله -
(1) البيت من الكامل وهو للبيد بن عامر الجعفري وهو في الكتاب (3/ 110)، والتذييل (2/ 1014)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 78)، وشرح المكودي (ص 68)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 383)، وأوضح المسالك (1/ 121)، والخزانة (4/ 13، 332)، والمغني (2/ 401، 407)، وشرح شواهده (2/ 828)، وشذور الذهب (ص 438)، والعيني (2/ 405)، والتصريح (1/ 254، 255، 259)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 158)، والهمع (1/ 154)، والدرر (1/ 137)، والأشموني (2/ 30)، وديوان لبيد (ص 170، 171).
والشاهد قوله: (ولقد علمت لتأتين) حيث علقت (علمت) عن العمل بلام القسم.
(2)
البيت من الطويل وهو لحاتم الطائي وهو في التذييل (2/ 1015)، والبهجة المرضية (ص 44)، والهمع (1/ 154)، والدرر (1/ 137)، وشذور الذهب (ص 440)، والأشموني (2/ 31)، وديوان حاتم (ص 118)، ويروى البيت في شطره الثاني برواية: أراد ثراء المال كان له وفر والشاهد قوله فيما بعدها بسبب وجود «لو» بينهما.
(3)
سورة الأنبياء: 65.
(4)
سورة الإسراء: 52.
(5)
في أصول النحو لابن السراج (1/ 182) تحقيق د/ عبد الحسين الفتلي: «إذا ولي الظن حروف الاستفهام، وجوابات القسم بطل في اللفظ عمله وعمل في الموضع تقول: علمت أزيد في الدار أم عمرو، وعلمت أن زيد في الدار لقائم، وأخال لعمر أخوك، وأحسب ليقومن زيد، ومن النحويين من يجعل «ما» و «لا» و «كان» و «اللام» في هذا المعنى فيقول: أظن ما زيد منطلقا وأحسب لا يقوم زيد. اه.
(6)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 89).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النحويون ولم أجد فيه نصّا لبصري ولا كوفي.
والدليل على صحة ما ذهب إليه وأنه مسموع من لسان العرب وإن لم ينبه النحويون عليه قوله تعالى: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ (1) وقوله تعالى:
وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (2) وقوله: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (3) ودرى من الأفعال التي تعلق كما علقت في قوله تعالى: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (4) وقوله تعالى: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (5)، وَما أَدْراكَ مَا [2/ 193] الْقارِعَةُ (6) وإنما كانت من أسباب التعليق لشبهها بأدوات الاستفهام حتى إن بعض الكوفيين زعم أن «لعل» تكون استفهاما كما ذكر في باب «إنّ» قال صاحب الواضح: لعل من حروف الاستفهام، يقول الرجل لمخاطبه: لعلك تسبني فأعاقبك؟ تريد: هل تسبني؟ وقد قال الله تعالى وله المثل الأعلى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (7)
فجعل «لعل» في موضع الاستفهام مقرونا بدليل الاستفهام وهو «تدري» (8).
وقال في شرح التسهيل بعد أن ذكر ما نقلته عنه من شرح الألفية: ورأيت نصب الفعل في هذه الآيات الشريفة على جملة الترجي، فهي في موضع نصب بالفعل المعلق إلى أن وقعت لأبي علي الفارسي على شيء من هذا، قال - وقد ذكر وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (9)، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (10) - ما نصه:
(1) سورة الأنبياء: 111.
(2)
سورة عبس: 3.
(3)
سورة الطلاق: 1.
(4)
سورة الأنبياء: 109.
(5)
سورة الحاقة: 3.
(6)
سورة القارعة: 3.
(7)
سورة الطلاق: 1.
(8)
منهج السالك إلى ألفية ابن مالك لأبي حيان (ص 94).
(9)
سورة عبس: 3.
(10)
سورة الأحزاب: 63.
(11)
التذييل (2/ 1017 - 1018) وينظر الأشموني (2/ 31) بحاشية الصبان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم ها هنا أمور ننبه عليها:
الأول: قال الشيخ: أكثر أصحابنا لم يذكروا لام القسم في أسباب التعليق، قال:
وهو الصحيح وذلك أن الجملة المعلق عنها الفعل لها موضع من الإعراب، والجملة التي تقع جوابا للقسم لا موضع لها من الإعراب فتدافعا قال ذلك في شرح الألفية (1)، والظاهر أن الذي ذكره هو الحق، ولم يذكرها ابن
عصفور في المعلقات غير أنه ذكر مسألة مستقلة بنفسها: وهي أنه قال: وانفردت أيضا أفعال القلوب بجواز تضمنها معنى القسم، فإذا فعل ذلك بها تلقيت بما يتلقى به القسم، تقول:
علمت ليقومنّ زيد وظننت لقد قام عمرو، كما تقول: والله ليقومن زيد، وو الله لقد قام عمرو، ثم إن كان الفعل غير متعد فلا موضع لجملة الجواب من إعراب نحو قولك: بدا لي ليقومنّ زيد، قال الله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (2) وإن كان الفعل متعديا نحو: علمت ليقومن زيد، وعرفت ليخرجن عمرو: فمن النحاة من يجعل الجملة نائبة مناب معمول الفعل، فإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين نحو:«علمت» كانت الجملة في موضعهما، وإن كان يتعدى إلى واحد نحو:«عرفت» كانت الجملة في موضع ذلك المفعول، ومنهم من يجعل الجملة لا موضع لها من الإعراب، لأن الفعل وإن كان متعديا، قد ضمن [2/ 194] معنى ما لا يتعدى، فلذلك لا يتعدى كما أن «نبئت» وإن كانت في الأصل لا تتعدى لما ضمنت معنى ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين تعدت تعديته وهذا هو الصحيح (3) انتهى. وهو كلام حسن مذوق مقبول.
الثاني: في شرح الشيخ: ذهب ابن كيسان وثعلب وحكي عن المبرد: لا يعلق من أفعال القلوب إلا العلم، وأما الظن ونحوه فلا يعلق وجعله الشلوبين هو الوجه، وزعم أنه رأى سيبويه على ما فهم عنه لأنه ما مثل به في في أبواب التعليق قال الشلوبين: والذي يدل عليه أن آلة التعليق بالأصل حرف الاستفهام وحرف التأكيد، أما التحقيق فلا يكون بعد الظن لأنه نقيضه، ولذلك قال ثعلب: فإذا قلت: ظننت -
(1) منهج السالك لأبي حيان (ص 94)، وينظر الارتشاف (951 - 952)، والمطالع السعيدة للسيوطي (ص 301).
وقد ذكر أبو حيان في الارتشاف أن ابن الدهان قد ذكر لام القسم في أسباب التعليق.
(2)
سورة يوسف: 35.
(3)
شرح الجمل لابن عصفور (1/ 323) ط. العراق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنك لقائم تريد ما غلب عليك من اليقين فتكون «ظننت» بمعنى «علمت» فهو جائز، وإن أردت الشك كنت كالكذاب، وأما الاستفهام فالمراد الإبقاء مع إنك قد زال ترددك فإذا دخلت ظننت بمعنى التردد، فلا فائدة في التسوية، لأنك شاك مثله فلا تدخلها على الاستفهام قال هذا القائل: وظننت في تمثيل سيبويه ظننت زيدا أبو من هو، إنما هو بمعنى العلم، قال في البسيط: وهذا تكلف في التأويل ولو سلم ذلك لقيل فما المانع من أن تعلق الظن بغيره هذه من الحروف كما ولا؟ (1) انتهى.
ولا يخفى ضعف ما ذهب إليه ابن كيسان وثعلب من ذلك وضعف ما استدل به الشلوبين (2). والحق خلاف ذلك كله، وقد يفهم من كلام صاحب البسيط أن الأمر كما قلت.
الأمر الثالث: قد أشكل على الناس في نحو: علمت أيهم أخوك، وعلمت أزيد في الدار أم عمرو، وتعلق إحدى الجملتين بالجملة الأخرى، وللعلماء في ذلك كلام (3).
وقد أورد الشيخ هذا البحث في شرح الألفية إيرادا حسنا فقال بعد ذكر مسائل التعليق:
فإن قلت: الجملة التي يعلق عنها هذه الأفعال على قسمين: خبرية وغير خبرية.
فالخبرية: تعلق هذه الأفعال عنها في نحو: علمت لزيد قائم، لأن العلم قد يتعلق بالوجود وقد يتعلق بالعدم. وأما غير الخبرية نحو: علمت أيهم في الدار، فإنه يشكل انعقاد هذه الجملة الاستفهامية بالجملة الخبرية التي هي علمت، لأن علمت يفيد حصول العلم، وأيهم في الدار معناه طلب الإعلام بمن في الدار، فهذا الكلام يدافع أوله آخره، لأن حصول العلم ينافي طلب العلم فمن حصل له العلم لا يطلب تحصيل العلم، ولا يعقل أن يكون طلب الإعلام لذلك متعلقا لنفي العلم أو إثباتة، وهل ينفي أو يثبت إلا النسب الخبرية لا النسب التي ليست [2/ 195] بخبرية.
فالجواب: أن هذا مما صورته الاستفهام، وليس معناه معنى الاستفهام، فإذا قلت:
علمت أيهم في الدار، فمعناه: علمت الذي هو في الدار، وكذلك جميع الاستفهام -
(1) التذييل: (2/ 1012).
(2)
ينظر الهمع (1/ 154).
(3)
ينظر التذييل: (2/ 1014).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذي علق الفعل ليس معناه على الاستفهام، ولذلك لا يكون له جواب البتّة، بخلافه إذا لم يعلق عنه الفعل، فإذا قيل: أيهم في الدار، استدعى جوابا (1)، وقد قال سيبويه ما نصه: كما أنك إذا قلت: قد علمت أزيد ثم أم عمرو أردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم (2). انتهى.
فقول سيبويه: أردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم - نصّ على أنه لا يراد معنى الاستفهام البتة وجميع المثل التي أوردها سيبويه في الباب الذي ذكر فيه هذا النص مما صورته صورة الاستفهام ليس المعنى على الاستفهام أصلا (3) وقد نصّ الإمام أبو الحسن بن الباذش (4) على ذلك أيضا: قال ما نصه: علمت أزيد عندك أم عمرو ولِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ (5) ليس حرف الاستفهام لأنه يستحيل أن يستفهم عما أخبر أنه يعلمه. انتهى.
وقال بعض حذاق شيوخنا - في قول الزجاجي: قد علمت أزيد عندك أم عمرو - ما نصه: واعلم أن أدوات الاستفهام استعملت في هذه المواضع مجردة من معنى الاستفهام، ثم قال: بعد كلام كثير وذلك أن القائل: قد علمت أزيد ثم أم عمرو، قائما - أراد أن يبين له أنه قد عرف الذي منهما وأراد أن لا يبينه للمخاطب، فجاء بلفظ الاستفهام تسوية بينهما في الإبهام على المخاطب (6) فهذه النصوص متظافرة من أئمة العربية على أنه لا يراد به حقيقة الاستفهام.
وحكى أبو أحمد حامد بن جعفر البلخي عن أبي عثمان المازني أن مروان (7) سأل -
(1) منهج السالك لأبي حيان (ص 94).
(2)
الكتاب (1/ 236).
(3)
في شرح الألفية للمرادي (1/ 384 - 385): «فإن قلت: ما معنى تعلق العلم بالاستفهام في نحو: علمت أزيد عندك أم عمرو؟ قلت: هذا كلام صورته الاستفهام، وليس المراد به الاستفهام، لأنه مستحيل الاستفهام عما أخبر أنه يعلمه، وإنما المعنى: علمت الذي هو عندك من هذين الرجلين» . اه.
(4)
سبقت ترجمته.
(5)
سورة الكهف: 12.
(6)
أورد أبو حيان هذا النص بتمامه في كتابه منهج السالك (ص 95).
(7)
هو مروان بن سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي النحوي، أحد أصحاب الخليل المتقدمين في النحو: المبرزين، ذكر ياقوت في معجم الأدباء أنه سمع بعض النحويين ينسب إليه هذا البيت وهو:
ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله
…
والزّاد حتّى نعله ألقاها
ينظر في ترجمته معجم الأدباء (19/ 146)، والبغية (2/ 284) تحقيق: محمد أبو الفضل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبا الحسن الأخفش فقال: إذا قلت: قد علمت أزيد عندك أم عمرا فليس قد علمت أن ثم كونا ثابتا، ولكن لا تدري من أيهما هو؟ قال: بلى، قال: فلم جئت بالاستفهام قال: جئت به لألبس على المخبر من علمت، فقال له مروان: إذا قلت:
قد علمت من أنت وأردت أن تلبس عليه، لأنه لا يعرف نفسه، قال: فسكت، يعني الأخفش، قال أبو عثمان: عندي أنه إذا قال: قد علمت من أنت فهو لا يريد أن يلبس عليه لأنه يعرف نفسه، ولكنه أراد: قد علمت من أنت أخيرا أمرك أم
شر كما تقول: قد علمت أمرك (1) انتهى.
وكان الأستاذ أبو علي الشلوبين يروي عن بعض المتأخرين أن هذا الكلام على حذف مضاف، وأن المراد منه: قد علمت جواب هذا الكلام. وكان يعنى به ويراه في بعض أقرائه (2) والأحسن ما قدمناه أولا من نصوص الأئمة، وكثير في لسان العرب أن يكون الكلام لفظه مخالفا لمعناه؛ ألا ترى [2/ 196] مجيء الأمر بصورة الخبر ومجيء الخبر بصورة الأمر، وكلام العرب في تركيبه على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مطابقة اللفظ للمعنى نحو: زيد قائم، وما قام زيد، وشبه ذلك.
[القسم] الثاني: غلبة اللفظ على المعنى نحو قولهم: أظن أن يقوم أجمعوا على صحتها وأبطل أكثر النحويين: أظن قيامك، ومعنى أن تقوم، قيامك. وإنما جاز ذلك لأن الظن لا يكتفي بكلمة واحدة وأن تقوم كلمتان في اللفظ؛ فقد اشتمل «أن تقوم» على مسند ومسند إليه بخلاف قيامك فإنه كلمة واحدة ولا إسناد فيه.
والقسم الثالث: غلبة المعنى على اللفظ نحو: ليت شعري زيدا ما صنع، حذف من «ليت» اسم المتكلم، ولم يظهر لليت خبر، ولا يجوز ذلك في غير ليت من أخواتها، لا يقال: إن شعري أباك ما صنع، والمعنى ليتني أشعر بما صنع زيد فهذا مما غلب فيه المعنى على اللفظ، ومن هذا القسم مسألتنا التي نحن نتكلم فيها وهو أن صورته صورة الاستفهام، ومعناه على غير الاستفهام، فهو مما غلب فيه المعنى على -
(1) ينظر: مجالس العلماء للزجاجي (ص 87)، وأبو عثمان المازني المجدد وأثره (ص 503)، تأليف د/ عبد العزيز فاخر، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 95).
(2)
ينظر: منهج السالك لأبي حيان (ص 95)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 385).