الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[امتناع بعض الأفعال من مجيء الخبر ماضيا]
قال ابن مالك: (ولا تدخل صار وما بعدها على ما خبره فعل ماض وقد تدخل عليه ليس إن كان ضمير الشّأن ويجوز دخول البواقي عليها مطلقا خلافا لمن اشترط في الجواز اقتران الماضي بقد).
ــ
واعلم أنهم قالوا: إنما لم تتصرف ما دام لأنها في معنى ما لا يتصرف، وذلك أنك إذا قلت: أفعل هذا ما دام زيد قائما كان في المعنى مثل قولك: أفعل هذا إن دام زيد قائما لأن الفعل المتقدم معلق على وجود الدوام في الموضعين، فلما كانت في معنى شرط قد تقدم ما يدل على جوابه لم تكن إلا بصيغة الماضي لأن الفعل إذا كان كذلك إنما يكون بصيغة الماضي تقول العرب: أنت ظالم إن فعلت ولا تقول:
أنت ظالم إن تفعل. وينسب هذا التعليل للفراء وفيه نظر (1).
قال ناظر الجيش: قال المصنف (2): صار وليس ودام وزال وأخواتها [2/ 13] مستوية في عدم الدخول على مبتدأ خبره فعل ماض لأن ذلك مناف لما يراد منها (3) وقد تدخل عليه ليس كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس قد صلّيت معنا» (4). -
(1) قوله: وفيه نظر أي إنه يجوز أن يستعمل لدام مضارع في معناها ولا يصح القياس قال أبو حيان (الشرح: 4/ 147): التعليل الذي ذكره الفراء لا يصح لأن ما المصدرية الظرفية توصل بالمضارع كما قال الشاعر (من الوافر):
أطوّف ما أطوّف ثمّ آوي
…
......
إلخ وذكر الصبان أنه لا مانع أن يستعمل لدام مضارع قائلا: لعدم ظهور الفرق بين قولك لا أكلمك ما دمت عاصيا وقولك لا أكلمك ما تدوم عاصيا بل الصحيح عندي أن لها مصدر أيضا
…
إلخ (حاشية الصبان على الأشموني: 2/ 230).
والتحقيق في المسألة: أنه لا يجوز استعمال المضارع من دام لأنه لا معنى له لأن مدة الدوام تنطبق على الماضي والحاضر والمستقبل والقرآن قد ورد بالماضي فقط في آياته وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا [مريم: 31].
وقال ابن الدهان: لا يستعمل في موضع دام يدوم لأنه جرى كالمثل عندهم (الهمع: 1/ 114).
(2)
شرح التسهيل (1/ 344).
(3)
ذلك أن صار ومادام ومازال وأخواتها تعطي الدوام على الفعل واتصاله بزمن الإخبار والأفعال الماضية تعطي الانقطاع فتدافعا. وانظر توضيح ذلك قريبا من خلال الشرح.
(4)
الحديث في صحيح البخاري (8/ 167) في كتاب المحاربين من أجل الكفر والردة باب إذا أقر بالحد ولم يبين: هل للإمام أن يستر عليه؟ ونصه: «عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت عند النّبي صلى الله عليه وسلم فجاءه -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وحكى سيبويه قول بعض العرب (1): ليس خلق الله أشعر منه، وليس قالها زيد. والوجه في هذا أن يكون في ليس ضمير الشأن والجملة بعده خبر. وإلى الحديث الشريف والمثالين أشرت بقولي: وقد تدخل عليه ليس إن كان ضمير الشّأن أي إن كان ما خبره فعل ماض ضمير الشأن فقد تدخل عليه ليس ثم نبهت على أن ما سوى صار وما بعدها يجوز دخوله على ما خبره فعل ماض مطلقا وإن من النحويين من لا يجيز ذلك إلا بشرط اقتران الفعل الماضي بقد (2) والصحيح جواز ذلك مطلقا وقد جاء ذلك في القرآن الكريم وغيره.
فمن الجائي في القرآن الكريم قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا (3)، وقوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ (4)، وقوله تعالى:
أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ (5)، وقوله تعالى: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ (6)، وقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي (7).
ومن الجائي في الشعر قول الشاعر:
695 -
وكان طوى كشحا على مستكنّة
…
فلا هو أبداها ولم يتجمجم (8)
-
- رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدّا فأقمه عليّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصّلاة فصلّى مع النّبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصّلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدّا فأقم فيّ كتاب الله قال:
أليس قد صلّيت معنا، قال: نعم. قال: فإنّ الله قد غفر لك ذنبك أو قال: حدّك».
(1)
كتاب سيبويه (1/ 147) قال: «وقد زعم بعضهم أنّ ليس تجعل كما وذلك قليل لا يكاد يعرف فهذا يجوز أن يكون منه ليس خلق الله»
…
إلخ.
(2)
قال أبو حيان: هو مذهب الكوفيين (التذييل والتكميل: 4/ 151).
(3)
سورة الأنفال: 41.
(4)
سورة يوسف: 26.
(5)
سورة إبراهيم: 44.
(6)
سورة الأحزاب: 15.
(7)
سورة الممتحنة: 1
(8)
البيت من بحر الطويل من معلقة زهير بن أبي سلمى المشهورة يتحدث فيها عن حصين بن ضمضم وكان بنو عبس قد قتلوا أخاه وأرادوا الصلح فلم يصالحهم وأضمر في نفسه الأخذ بالثأر.
اللغة: طوى كشحا: لم يطهر ما في نفسه. على مستكنّة: على أمر مكنون في صدره. لم يتجمجم: لم يتردد في أن يأخذ بالثأر.
والمعنى: أنه طوى شرّا في نفسه وهو الأخذ بالثأر ولم يتردد في تنفيذه فحارب وانتقم، يقول بعده:
وقال سأشفي حاجتي ثمّ أتّقي
…
عدوّي بألف من ورائي ملجم
والشاهد فيه: دخول كان على ما خبره فعل ما من غير مقرون بقد. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقول الآخر:
696 -
وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة
…
عشيّة لاقينا جذاما وحميرا (1)
وقول الآخر:
697 -
أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا
…
أخنى عليها الّذي أخنى على لبد (2)
وما في القرآن الكريم كفاية». انتهى (3).
وقال ابن عصفور (4): اختلف في وقوع الماضي بغير قد موقع أخبار هذه الأفعال إذا كانت ماضية فمنهم من منعه في جميعها إلا في ليس فإن ذلك يجوز فيها باتفاق إجراء لها مجرى ما. -
- وبيت الشاهد والقصيدة في شرح ديوان زهير (ص 22) وفي التذييل والتكميل (4/ 152) ومعجم الشواهد (ص 361).
(1)
البيت من بحر الطويل وهو لزفر بن الحارث بن يزيد الكلابي من قصيدة قالها يعاتب فيها قومه يوم مرج راهط وهو موضع كانت فيه موقعة بالشام ومنها هذا البيت:
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها
…
ولكنّهم كانوا على الموت أصبرا
اللغة: وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة: أي كنا نطمع في أمر فوجدناه على خلاف ما كنا نظن وهو من قولهم في المثل: ما كلّ بيضاء شحمة وما كلّ سوداء تمرة. جذام وحمير: من القبائل العربية.
والمعنى: كنا نحسب قومنا شجعانا سننتصر بهم يوم الحرب فإذا هم غير ذلك. والبيت شاهد على مجيء خبر كان فعلا ماضيا دون أن يقترن بقد وفيه شاهد آخر وهو دلالة حسب على رجحان اليقين (التصريح: 1/ 249).
والبيت في شرح التسهيل (1/ 344) وهو أيضا في التذييل (4/ 152) وفي معجم الشواهد (ص 139).
(2)
البيت من بحر البسيط من قصيدة للنابغة من قصائد الاعتذار التي قالها في النعمان بن المنذر. وبيت الشاهد في وصف ديار وأطلال الأحباب وهو في ديوان النابغة (ص 20).
اللغة: أخنى عليها: أهلكها. لبد: اسم نسر كان للنعمان بن عاد ويروى أنه عاش عمرا طويلا ثم هلك يضرب به المثل في الفناء والهلاك.
والمعنى: زالت ديار الأحباب بعد أن ارتحلوا عنها وتركوها وصارت قفرا ودمنا بالية.
والشاهد فيه: مجيء خبر أمسى فعلا ماضيا قال الكوفيون: لا يجوز ذلك وأولوا الشواهد السابقة على تقدير قد.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 344) وفي التذييل والتكميل (4/ 153) وفي معجم الشواهد (ص 118).
(3)
انظر شرح التسهيل (1/ 344) ولو قارنت بينه وبين شارحنا لوجدت شارحنا أكمل النقص وأوضح الغامض، وهذا يظهر لنا أن النسخة التي نقل منها كانت صحيحة غير النسخة اليتيمة التي في دار الكتب، والتي تنقص كثيرا وهذا مما يجعل لشرح ناظر الجيش قيمة كبيرة.
(4)
انظر نصه في شرح الجمل (1/ 364) تحقيق فواز الشغار.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حكى سيبويه (1): «ليس خلق الله مثله» . واحتج صاحب هذا المذهب بأن الفعل الذي يقع خبرا إذا كان ماضيا لم يحتج إلى كان وأخواتها لأنها إنما دخلت على الجمل لتدل على الزمان فإذا كان الخبر يعطي الزمان لم يحتج إليها وكان ذكرها فضلة. ألا ترى أنك إذا قلت: زيد قام كان المفهوم منه ومن كان زيد قام واحدا فإن جاء شيء من ذلك فهو على إضمار قد لأنها تقرب الماضي من الحال فإذا قلت: كان زيد قد قام فكأنك قلت: كان زيد يقوم.
والصحيح (2) عندي أن هذه الأفعال تنقسم ثلاثة أقسام:
قسم يجوز ذلك فيه باتفاق وهو ليس.
وقسم يمتنع فيه وهو ما زال وما انفك وما فتئ وما برح وما دام. وذلك أن هذه الأفعال تعطي الدوام على الفعل، واتصاله بزمن الإخبار، والأفعال الماضية تعاطي الانقطاع فتدافعا (3) وما بقي فيه خلاف. فمنهم من منع لما ذكرنا ومنهم من أجاز.
وحجة المجيز: أنك إذا قلت: أصبح زيد قام وأمسى زيد خرج؛ أعطى ذلك من المعنى ما لم يعط زيد قام وزيد خرج، ألا ترى أن قام وخرج لا يعطيان أكثر من المعنى وأمسى وأصبح يعطيان المعنى [2/ 14] مع أن ذلك في مساء أو صباح وكذلك سائر أخواتها إلا كان فإنها لا تعطي معنى زائدا أكثر من التأكيد والتأكيد في كلامهم كثير وهو أولى من إضمار حروف المعاني لقلة ذلك في كلامهم» انتهى (4).
وقد طابق كلامه كلام المصنف إلا في أمرين:
أحدهما: أنه لم يذكر صار مع الأفعال التي ذكرها ولا بد من ذلك كما فعل المصنف.
الآخر: أن (5) المصنف قيد ليس إذا وقع خبرها فعلا ماضيا يكون اسمها ضمير الشأن. وكلام ابن عصفور مطلق في ذلك (6) والظاهر ما قاله المصنف. -
(1) كتاب سيبويه (1/ 147) ونصه فيه: ليس خلق الله أشعر منه. وسيأتي في هذا التحقيق.
(2)
الكلام ما زال لابن عصفور (شرح الجمل: 1/ 364).
(3)
معناه فتناقضا واختلف المراد.
(4)
أي كلام ابن عصفور (انظر المرجع السابق).
(5)
في نسخة (ب): أن ذلك المصنف.
(6)
حيث يقول: واختلف في وقوع الماضي بغير قد موقع أخبار هذه الأفعال إذا كانت ماضية، فمنهم -