الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[علة تسميتها أفعالا ناقصة]
قال ابن مالك: (وتسمّى نواقص لعدم اكتفائها بمرفوع لا لأنّها تدلّ على زمن دون حدث فالأصحّ دلالتها عليهما إلّا ليس).
ــ
فلأن ما النافية لها الصدر فيتدافع الأمر بينهما وبين المفرد الطلبي.
قال المصنف: «ولا يمتنع دخول غير دام ما لم ينف بما على ذي خبر مفرد طلبي نحو أين كان زيد وأين لم يزل زيد إذا أردت أنه في كل مكان وهذا ينبني على جواز تقديم الخبر.
وأما ما دام فلا يدخل على نحو: أين زيد؛ لأن خبرهما صلة وكذا زال وأخواتها إذا نفيت بما لا إذا نفيت بغيرها لأن ما وحدها لها صدر الكلام» انتهى.
وحاصل الأمر: أن ما دام يمتنع دخولها على ما خبره مفرد طلبي. وأما غيرها فحكمه حكمها في ذلك إن نفيت بما وإن لم تنف بما بأن كانت غير منفية أو منفية بغير ما من أدوات النفي فلا يمتنع دخولها على المبتدأ الذي خبره كذلك نحو أين كان زيد وأين لم يكن زيد وأين لم يزل عمرو.
قال ناظر الجيش: قال المصنف (1): «زعم جماعة منهم ابن جني (2) وابن برهان (3) والجرجاني (4) أن كان وأخواتها تدل على زمن وقوع الخبر ولا تدل على -
(1) انظر شرح التسهيل (1/ 338) وقد نقل فيه الشارح نصّا.
(2)
يقول في كتابه اللمع في العربية (ص 119): باب كان وأخواتها وهي كان وصار
…
وما تصرف منهنّ وما كان في معناهنّ مما يدل على الزمان المجرّد من الحدث.
(3)
يقول في كتابه شرح اللمع (ص 49) تحقيق د/ فائز فارس (طبعة أولى - الكويت) «العرب جعلت من كان الدلالة على المصدر وألزمتها
الخبر جبرا لكسرها ورتقا لفتقها فصار كان زيد قائما بمنزلة قام زيد وقام زيد وقع قيام زيد في الزّمان الماضي فمن كان يعلم الزمان فقط ومن خبرها يعلم المصدر ومن كان التامة يعلم المصدر والزمان جميعا كما يعلم ذلك من ضرب». ثم كرر هذا الكلام بأسلوب آخر في (ص 50).
(4)
يقول في كتابه المقتصد في شرح الإيضاح (1/ 398):
«وهي أفعال غير حقيقة ومعنى ذلك أنها سلبت الدلالة على الحدث وإنما تدلّ على الزمان فقط فإذا قلت كان زيد قائما كان بمنزلة قولك: قام زيد في أنّه يدل على قيام في زمان خاص فلما سلبت هذه الأفعال -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حدث ودعواهم باطلة من عشرة أوجه»:
أحدها: «أن مدعي ذلك معترف بفعلية هذه العوامل والفعلية تستلزم الدلالة على الحدث والزمان معا إذ الدال على الحدث وحده مصدر والدال على الزمان وحده اسم زمان والعوامل المذكورة ليست مصادر ولا أسماء زمان فبطل كونها دالة على أحد [2/ 9] المعنيين دون الآخر.
السادس (3): «أن من جملة العوامل المذكورة: دام ومن شرط إعمالها عمل -
- الدلالة على الحدث عوضت الخبر فلم يسكت على فاعليها لو قلت: كان زيد لم يجز حتّى تأتي بالخبر فتقول منطلقا أو قائما وكذا تقول: يكون زيد منطلقا وسيكون زيد منطلقا لأن كان ويكون يدلّ على الزمان فقط، فلا تحصل الفائدة إلّا بعد الإتيان بالخبر.
(1)
في شرح التسهيل لابن مالك: وفي جواز عدم ذلك.
(2)
شرح التسهيل (1/ 338).
(3)
المرجع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كان كونها صلة لما المصدرية ومن لوازم ذلك صحة تقدير المصدر في موضعها كقولك جد ما دمت واجدا أي جد مدة دوامك واجدا فلو كانت دام مجردة عن الحدث لم يقم مقامها اسم الحدث».
السابع: «أن هذه الأفعال لو لم يكن لها مصادر لم تدخل عليها أن كقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ (1) لأن أن هذه وما وصلت به في تأويل مصدر وقد جاء مصدرها صريحا في قول الشاعر:
689 -
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى
…
وكونك إيّاه عليك يسير (2)
وقد حكى أبو زيد في كتاب الهمز مصدر فتئ مستعملا (3) وحكى غيره ظللت أفعل كذا ظلولا (4) وجاءوا بمصدر كاد في قولهم: لا أفعل ذلك ولا كيدا أي ولا أكاد كيدا (5) وكاد فعل ناقص من باب كان إلا أنها أضعف من كان إذ لا يستعمل لها اسم فاعل واسم فاعل كان مستعمل ولا يستعمل فيها أمر والأمر من كان مستعمل، وإذا لم يمتنع استعمال مصدر كاد وهي أضعف من كان فأن لا يمتنع استعمال مصدر كان أحق وأولى (6). -
(1) سورة الأعراف: 20.
(2)
البيت من بحر الطويل ومع أنه يحمل معنى جميلا في المدح والتوجيه إلا أنه مجهول القائل.
يقول قائله: إذا أردت أن تسود قومك فتحمل فقيرهم بالجود والعطاء وتحمل سفيههم بالحلم والصفح وهذه الأمور يسيرة على من يريد السيادة على قومه ويريد المجد لنفسه.
ويستشهد بالبيت على استعمال المصدر من كان الناقصة ثم عمله عمل كان في قوله: وكونك إياه فالكاف فيه اسم كان من إضافة المصدر إلى اسمه وإياه ضمير النصب خبر وكونك مبتدأ ويسير خبره.
وفي البيت بحث لطيف للشيخ محمد محيي الدين في شرح الأشموني (1/ 387) في استعمال المصدر لكان، يقول (بتلخيص): قال بعضهم: «إن هذا المصدر لكان التامة والمنصوب بعدها في قولك كونك مهذّبا حال قال: وهو مردود بهذا البيت لأنّ الضمير لا يكون حالا ولأن الحال
صفة والضمير لا يوصف به. وذكر أن هذا الضمير لا يكون مفعولا لفعل محذوف لأنه لا دليل على ذلك ولأنه يعود على أقرب مذكور وهو الفتى».
والبيت في شرح التسهيل (1/ 339) وفي التذييل والتكميل (4/ 135). وفي معجم الشواهد (ص 158).
(3)
في لسان العرب (فتأ): وروي عن أبي زيد قال: تميم تقول: أفتأت وقيس وغيرهم يقولون: فتئت تقول: ما أفتأت أذكره إفتاء وذلك إذا كنت لا تزال تذكره وما فئت أذكره أفتأ فتئا.
(4)
في لسان العرب (ظلل): ظلّ نهاره يفعل كذا وكذا يظلّ ظلّا وظلالا .. وظللت أعمل كذا بالكسر ظلولا إذا عملته بالنهار دون الليل.
(5)
في لسان العرب (كيد): كاد يفعل كذا كيدا: قارب
…
ولا أفعل ذلك ولا كيدا ولا همّا.
(6)
جعل أبو حيان هذا الوجه أقوى الوجوه العشرة قال: «وهو دليل سمعيّ ثابت من لسان العرب» -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثامن: أن هذه الأفعال لو كانت لمجرد الزمان لم يغن عنها اسم الفاعل [2/ 10] كما جاء في الحديث: «إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن عليكم وزرا» (1).
وقال سيبويه (2): قال الخليل: هو كائن أخيك على الاستخفاف والمعنى هو كائن أخاك». هذا نصّه.
وقال الشاعر:
690 -
وما كلّ من يبدي البشاشة كائنا
…
أخاك إذا لم تلفه لك منجدا (3)
لأن اسم الفاعل لا دلالة فيه على الزمان بل هو دال على الحدث وما هو به قائم وما هو عنه صادر (4).
ومثل ذلك قول الآخر:
691 -
قضى الله يا أسماء أن لست زائلا
…
أحبّك حتّى يغمض العين مغمض (5)
-
- (التذييل والتكميل: 4/ 136).
(1)
الحديث في سنن الدارمي في كتاب فضائل القرآن (2/ 434) ونصه: «إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن لكم ذكرا وكائن لكم نورا وكائن عليكم وزرا اتّبعوا هذا القرآن»
…
إلخ.
(2)
نصه في الكتاب (1/ 66)، وفي باب ترجمته:«هذا باب من اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل المضارع في المفعول في المعنى، فإن أردت فيه من المعنى ما أردت في يفعل؛ كان نكرة منوّنا» .
(3)
البيت من بحر الطويل وهو كالبيت السابق يحمل معنى جميلا لشاعر مجهول.
ومعناه: ليس كل من يلقاك ضاحكا مبتسما أخا لك ما دمت لا تجده في وقت الشدة فالأخ المخلص من تجده من الملمات.
والشاهد فيه قوله: «كائنا أخاك» حيث استعمل اسم الفاعل من كان وأعمله عملها فدل هذا على أن كان تدل على الحدث لأن اسم الفاعل يدل على الحدث والوصف.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 340) وفي التذييل والتكميل (4/ 137) وفي معجم الشواهد (ص 94).
(4)
في نسخة الأصل: وما هو صادر عنه.
(5)
البيت من بحر الطويل من قصيدة في الغزل الرقيق للحسين بن مطير بن مكمل الأسدي. انظر جزءا منها في مجالس ثعلب (1/ 220) وبعد بيت الشاهد قوله:
فحبّك بلوى غير أن لا يسوءني
…
وإن كان بلوى أنّني لك مبغض
وفي بيت الشاهد يقول لمعشوقته أسماء: إنها ستظل بقلبه دائما إلى أن يموت. وفي البيت ثلاثة نواسخ:
أن: واسمها ضمير الشأن وخبرها جملة لست زائلا.
لست: ليس واسمها زائلا خبرها مع صلته.
زائلا: اسم فاعل من زال يعمل عمل فعله وقد تقدمه النفي بليس واسمه الضمير المستتر العائد على -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أراد أن لست أزال أحبك فأعمل اسم الفاعل عمل الفعل.
وما ذهبت إليه في هذه المسألة من كون هذه الأفعال دالة على مصادرها هو الظاهر من قول سيبويه (3) والمبرد (4) والسيرافي (5). -
- المتكلم والخبر جملة أحبك وهو موضع الشاهد.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 240) وفي التذييل والتكميل (4/ 137) وفي معجم الشواهد (ص 204).
ترجمة الشاعر: هو الحسين بن مطير بن مكمل مولى بني أسد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، فصيح متقدم في الرجز والقصيد
يعد من فحول الشعراء مدح معن بن زائدة الشيباني بكثير من مدائحه كما رثاه بعد موته، ومما قاله فيه:
فيا قبر معن كيف واريت جوده
…
وقد كان منه البرّ والبحر مترعا
انظر ترجمته في معجم الأدباء (10/ 167) وأخبارا كثيرة عنه.
(1)
شرح التسهيل (1/ 340).
(2)
سورة النساء: 135.
(3)
قال سيبويه في الباب الذي تحدث فيه عن كان وأخواتها (الكتاب: 1/ 46): «تقول: كناهم كما تقول: ضربناهم وتقول إذا لم تكنهم فمن ذا يكونهم كما تقول: إذا لم تضربهم فمن يضربهم
…
فهو كائن ومكون كما تقول: ضارب ومضروب
…
إلخ.
فقد أخذ من كان اسمي الفاعل والمفعول وهما يدلان على الحدث فكذلك الفعل كما ذهب إليه في الوجه الثامن.
(4)
انظر المقتضب (4/ 86): يقول المبرد: «وكونها أفعالا صحيحة يقتضي أن تدلّ على الحدث كما يدل عليه ضرب» .
(5)
قال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه (2/ 292)(رسالة دكتوراه بكلية اللغة، تحقيق د/ دردير أبو السعود): «أوجه استعمالات كان ثلاثة:
1 -
وقوع الحدث في الزمان الماضي.
2 -
أن تكون بمعنى حدث.
3 -
أن تكون زائدة، وقولنا أن تكون زائدة ليس المعني بذلك أن دخولها كخروجها في كل معنى وإنما يعني بذلك أنها ليس لها اسم لها اسم ولا خبر ولا هي لوقوع شيء مذكور ولكنها دالة على زمان وفاعلها كمصدرها وذلك قولك: زيد كان قائم أو زيد قائم كان تريد كان ذلك الكون. وقال أيضا في -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأجاز السيرافي الجمع بين كان ومصدرها توكيدا ذكر ذلك في شرح الكتاب (1) وإذ قد ثبت بالدلائل المذكورة أن هذه الأفعال - غير ليس - دالة على الحدث والزمان كغيرها من الأفعال فليعلم أن سبب تسميتها نواقص إنما هو لعدم اكتفائها بمرفوع وإنما لم تكتف بمرفوع لأن حدثها مقصود إسناده إلى النسبة التي بين معموليها فمعنى قولك كان زيد عالما: وجد اتصاف زيد بالعلم والاقتصار على المرفوع غير واف بذلك فلهذا لم يستغن به عن الجزء الثاني وكان الفعل جديرا بأن ينسب إلى النقصان. وقد أشار إلى هذا المعنى سيبويه بقوله (2): كان عبد الله أخاك فإنّما أردت أن تخبر عن الأخوة.
فبين أن كان مسندة إلى النسبة فمن ثم نشأ عدم الاكتفاء بالمرفوع» انتهى.
انتهى كلام المصنف (3) ولا يخفى وجه حسنه.
لكن قوله في الأفعال المذكورة أن حدثها مقصود إسناده إلى النسبة التي بين معموليها غير ظاهر؛ فإن الإسناد ظاهره إنما هو إلى الاسم الواقع بعدها لكنه إسناد إليه بقيد تلبسه بصفة كما تقدم تقريره ومن ثم كان الإخبار بالصفة هو المقصود.
وقول سيبويه في كان عبد الله أخاك إنما أردت أن تخبر عن الأخوة يحقق ذلك.
ثم اعلم أن من ذهب إلى أن هذه الأفعال سلبت الدلالة على الحدث وتجردت للدلالة على الزمان، قال: إنها لا يتعلق بها حرف جر، ولا عمل لها في ظرف الزمان ولا ظرف المكان، ومن ذهب إلى أنها لم تسلب الدلالة على الحدث أجاز لها العمل في ذلك كله [2/ 11] وهذا هو الصحيح ولذلك علق بعضهم المجرور في قوله تعالى: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً (4) بكان (5) وقد تقدم نقل المصنف عن السيرافي أنه -
- (2/ 433): إذا قلت: ما كان أحسن زيدا، فلك في كان وجهان: أن تكون زائدة وتجعل فيها ضمير الكون من معنى كان ولك أن تجعل فيها ضمير ما وهو اسم لكان».
(1)
قال السيرافي (المرجع السابق: 2/ 204) إذا قلت: كان زيد منطلقا كونا ثم نقلته إلى ما لم يسم فاعله أقمت الكون مقام الفاعل وجعلت الجملة تفسيرا للكون فقلت: كين الكون زيد ينطلق ويجوز إضمار الكون لدلالة الفعل عليه إذا كان مصدرا وذكر إعرابه فقال: الكون اسم ما لم يسم فاعله لكين وزيد منطلق جملة هي تفسير الكون».
(2)
انظر: الكتاب (1/ 45) وبقية كلامه يقول: «وأدخلت كان لتجعل ذلك فيما مضى وذكرت الأول كما ذكرت المفعول الأول في ظننت» .
(3)
شرح التسهيل (1/ 341).
(4)
سورة يونس: 2.
(5)
هذا رأي وفي الآية آراء أخرى قال أبو حيان (البحر المحيط: 5/ 622): اسم كان أن أوحينا وعجبا الخبر، وللناس قيل هو في موضع الحال من عجبا لأنه لو تأخر لكان صفة، فلما تقدم كان حالا. وقيل -