الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع عشر باب أفعال المقاربة
[سردها وعملها ومعانيها]
قال ابن مالك: (منها للشّروع في الفعل: طفق وطبق وجعل وأخذ وعلق وأنشأ وهبّ وقام، ولمقاربته: هلهل وكاد وكرب وأوشك وأولى، ولرجائه عسى وحرى واخلولق، وقد ترد عسى إشفاقا ويلازمهنّ لفظ المضيّ إلّا كاد وأوشك، وجعل وعملها في الأصل عمل كان، لكن التزم كون خبرها مضارعا مجرّدا مع هلهل وما قبلها ومقرونا بأن مع أولى وما بعدها وبالوجهين مع البواقي، والتجريد مع كاد وكرب أعرف وعسى وأوشك بالعكس).
قال ناظر الجيش: اعلم أن الأفعال المذكورة في هذا الباب هي في التحقيق من أخوات كان وذلك لأنها تأتي لإفادة تلبس فاعلها بصفة مقيدة بمعنى الفعل المسند، وإنما خالفت كان في أن خبرها يكون شيئا خاصّا لا يخبر عنها بغيره وتسمى أفعال المقاربة مع أن منها ما هو للرجاء ومنها ما هو للشروع (1) فقيل هذا من إطلاق اسم البعض وإرادة الكل وهو مجاز مستعمل وكلام ابن الحاجب يقتضي أنها كلها للمقاربة فإنه قال: هي للمقاربة إما من رجاء أو حصول أو أخذ فيه (2) ولا يبعد ما قاله عن الصواب، فإن المقاربة قد تكون على سبيل الرجاء، وقد تكون على سبيل الحصول وقد تكون على سبيل أن المخبر قد قارب الشروع في ذلك الأمر المخبر به (3).
ولنورد كلام المصنف، قال رحمه الله تعالى: حق أفعال هذا الباب أن تذكر في -
(1) يشير إلى أن معاني هذه الأفعال ثلاثة: المقاربة وتفيدها كاد وكرب وأوشك وغيرها والرجاء وتفيده عسى وحرى واخلولق. والشروع وتفيده طفق وأنشأ وأخذ وأفعال أخرى غير ذلك.
(2)
انظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (2/ 90)، والكافية في النحو (ص 209). قال الرضي معلقا على ذلك: قوله إن دنوّ الخبر رجاء أو حصولا أو أخذا فيه، فيه خبط لأن نصب هذه المصادر على التمييز في الظاهر وهو تمييز نسبة فيكون فاعلا للدّنوّ في المعنى أي دنوّ رجاء الخبر أو حصوله أو الأخذ فيه وليس عسى لدنو رجاء خبره بل لرجاء دنو خبره على ما ذهب إليه وكذا طفق وأخواته (شرح الكافية للرضي: 2/ 301).
(3)
هذا التخريج الذي خرج به الشارح هنا كلام ابن الحاجب رده الرضي كما رأينا في تعقيبه على كلام ابن الحاجب السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
باب «كان» لمشاركتها لها في الدخول على مبتدأ وخبر، ورفع الاسم ونصب الخبر، إلا أن هذه الأفعال يرفض فيها غالبا ترك الإخبار بجملة فعلية فلذلك أفردت بباب (1). وجملتها ستة عشر فعلا، ثمانية منها للشروع وهي طفق وهب وما بينهما نحو: طفق زيد يقرأ وهب عمرو يصلي والأصل طفق زيد قارئا وهبّ عمرو مصليا إلا أنه من الأصول المرفوضة (2)، وأغرب الثمانية علق وهب. وخمسة منها للدنو من الفعل حقيقة وأشهرها «كاد» وأغربها «أولى» كقول الشاعر [2/ 76]:
861 -
فعادى بين هاديتين منها
…
وأولى أن يزيد على الثّلاث (3)
والثلاثة البواقي للإعلام بالمقاربة على سبيل الرجاء. وأغربها (4)«حرى» يقال:
حرى زيد أن يجيء، والتزم في غير «ندور» كون خبرها جميعا مضارعا مجردا من «أن» مع القسم الأول، لأنّ «أن» تقتضي الاستقبال، والشروع ينافيه ولا بد من مقارنة «أن» للمضارع المخبر به بعد «أولى» و «حرى» و «اخلولق» وترك ذلك بعد «كاد وكرب» أولى من فعله، وفعله بعد عسى أولى من تركه، والأمران بعد -
(1) ينظر الفصول الخمسون (181)، والمطالع السعيدة (ص 216)، وشرح الألفية لابن الناظم (59)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 355)، وشرح الألفية للمكودي (ص 53).
(2)
أي الإخبار عنها بالأسماء المفردة وبالجمل غير الفعلية التي ليس فعلها مضارعا. ينظر التوطئة (301).
(3)
البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في شرح التسهيل (1/ 389) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ المختون. وشرح التسهيل
للمرادي (1/ 400) والتذييل، وشرح الكافية الشافية (1/ 453)، ومقاييس اللغة (6/ 141) والخزانة (4/ 89) والهمع (9/ 128) والدرر (1/ 102) واللسان (ولي).
اللغة: عادى: من العداء وهو الموالاة بين الصيدين بأن يصرع أحدهما على أثر الآخر في طلق واحد - هاديتين: الهادية أول القطيع والهوادي: المتقدمات من القطيع - أولى: قارب.
والشاهد فيه: استعمال الفعل «أولى» دالّا على المقاربة.
(4)
في حاشية الملوي على شرح المكودي (53): «وأنكر الشيخ أبو حيان وجود «حرى» في هذه الأفعال وقال: إنها وهم، وقال: لم أجد أحدا من النحويين نقلها ولا اللغويين وإن الموجود في كتب اللغة «حريّ» لغير هذا المعنى، تقول: هو حريّ بالأمر أي حقيق وهو مصدر وضع موضع الصفة، وقد ذكره صاحب الفصيح في باب ما جاء وصفا من المصادر. ثم قال الملوي: والشيخ ابن مالك الإمام في هذا الشأن ولعل له مستندا لم نطلع عليه وقد ذكر الشيخ أبو حيان (حرى) وعدها من أفعال هذا الباب في اللمحة، فإما أن يكون اعتمد على المؤلف، وإما أن يكون اطلع على شيء بعد ذلك وهو الظاهر.
اه. وينظر التصريح (1/ 203).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو شك سواء (1) وورود عسى في الرجاء كثير. وورودها في الإشفاق (2) قليل وقد اجتمعا في قوله تعالى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ (3) ومن ورودها إشفاقا قول الأسود بن يعفر:
862 -
عسيتم أن تصابوا ذات يوم
…
كما يستشرق الخزر العقاب (4)
ومنه قول الآخر:
863 -
عسيتم لدى الهيجاء تلقون دوننا
…
تظافر أعداء وضعف نصير (5)
وقال الشاعر في طفق:
864 -
طفق الخليّ بقسوة يلحى الشّجي
…
ونصيحة اللّاحي الخليّ عناء (6)
وقال آخر في جعل:
865 -
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني
…
ثوبي فأنهض نهض الشارب الثّمل (7)
-
(1) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 326 - 330) والأشموني (1/ 260 - 263) وأوضح المسالك (1/ 77 - 80).
(2)
ورود «عسى» في الإشفاق هو مذهب سيبويه. ينظر الكتاب (4/ 233) وشرح الكافية للرضي (2/ 302).
(3)
سورة البقرة: 216.
(4)
البيت في التذييل: (4/ 332).
اللغة: يستشرق: يرفع رأسه - الخزر: ذكر الأرانب.
والشاهد فيه: ورود «عسى» في الإشفاق في قوله: (عسيتم أن تصابوا ذات يوم).
(5)
البيت لقائل مجهول في التذييل (4/ 332) والشاهد فيه قوله: (عسيتم لدى الهجاء تلقون دوننا) حيث استعملت «عسى» دالة على الإشفاق كما في البيت السابق.
(6)
البيت لقائل مجهول، وهو في شرح التسهيل للمصنف (1/ 390) والتذييل (4/ 328).
اللغة: الخلي: الخالي من الهموم - يلحى: يلوم.
والشاهد قوله: (طفق الخلي
…
يلحى الشجى) حيث دلت (طفق) على الشروع في الفعل وقد رفع بها الاسم الظاهر وهو (الخلي)، وجملة (يلحى الشجي) في محل نصب خبرها.
(7)
البيت من البسيط وهو لعمرو بن أحمر الباهلي أو أبو حية النميري أو الحكم بن عبد الأعرج وهو في المقرب (1/ 101)، وتعليق الفرائد (1052)، والتذييل (4/ 328) وأمالي السهيلي (95)، والمغني (2/ 579)، وشرح شواهده (2/ 911)، والتصريح (1/ 204)، والخزانة (4/ 93)، والعيني (2/ 173)، وأوضح المسالك (1/ 75)، والأشموني (1/ 263)، والهمع (1/ 128)، والدرر (1/ 102، 109).
والشاهد قوله: (وقد جعلت
…
يثقلني ثوبي) حيث دلت «جعل» على الشروع في الفعل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال الآخر في أخذت:
866 -
فأخذت أسأل والرّسوم تجيبني
…
وفي الاعتبار إجابة وسؤال (1)
وقال آخر في علقت:
867 -
أراك علقت تظلم من أجرنا
…
وظلم الجار إذلال المجير (2)
وقال في أنشأ:
868 -
لمّا تبيّن مين الكاشحين لكم
…
أنشأت أعرب عمّا كان مكنونا (3)
وقال في هبّ:
869 -
هببت ألوم القلب في طاعة الهوى
…
فلجّ كأنّي كنت باللّوم مغريا (4)
وقال في هلهل:
870 -
وطئنا بلاد المعتدين فهلهلت
…
نفوسهم قبل الإماتة تزهق (5)
-
(1) البيت من الكامل وهو في التذييل (4/ 329)، وشذور الذهب (338)، والهمع (1/ 128)، والدرر (1/ 103).
والشاهد قوله: «فأخذت أسأل» ؛ حيث دلت «أخذ» على الشروع في الفعل.
(2)
البيت من الوافر، مجهول القائل، وهو في تعليق الفرائد (1020) والتذييل (4/ 329)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 400)، وشواهد التوضيح (95) والهمع (1/ 128)، والدرر (1/ 103)، والشذور (338)، والأشموني (1/ 263).
والشاهد قوله: (أراك علقت تظلم)، حيث دلت (علق) على الشروع في الفعل.
(3)
البيت من البسيط، مجهول القائل، وهو في التذييل (4/ 329)، وتعليق الفرائد (1020)، والشذور (339)، والهمع (1/ 128) والدرر (1/ 103).
والشاهد قوله: «أنشأت أعرب» ؛ حيث دل (أنشأ) على الشروع في الفعل. وجملة (أعرب) خبرها في محل نصب.
(4)
البيت من الطويل، مجهول القائل، وهو في شرح التسهيل للمصنف (1/ 391) شرح التسهيل للمرادي (1/ 400)، التذييل (4/ 329)، الشذور (243)، والهمع (1/ 128)، والدرر (1/ 103)، وحاشية الخضري (1/ 123).
والشاهد قوله: «هببت ألوم» ؛ حيث دلت (هب) على الشروع في الفعل.
(5)
البيت مجهول القائل، من الطويل، وهو في شرح التسهيل للمصنف (1/ 391)، والتذييل (4/ 329)، والشذور (240)، والهمع (1/ 128)، والدرر (1/ 102)، وحاشية الخضري (1/ 123). ويروى (ديار) مكان (بلاد) -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي كادت. والشائع في خبر كاد وروده مضارعا غير مقرون «بأن» كقوله تعالى: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (1) ووروده مقرونا «بأن» قليل (2). ما جاء في حديث عمر رضي الله عنه: «ما كدت أن أصلّي العصر حتى كادت الشّمس أن تغرب» (3)، ومثله قول الشاعر:
871 -
أبيتم قبول السّلم منّا فكدتم
…
لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السّلّ (4)
وقال الشاعر في خبر كرب غير مقرون «بأن» :
872 -
وما أنت أم ما رسوم الدّيار
…
وستّوك قد كربت تكمل (5)
وقال آخر:
873 -
كرب القلب من جواه يذوب
…
حين قال الوشاة هند غضوب (6)
وقال في اقترانه «بأن» : -
- والشاهد قوله: (فهلهلت نفوسهم
…
تزهق) حيث جاءت (هلهل) دالة على المقاربة فرفع بها الاسم (نفوسهم) ونصبت بها جملة الخبر.
(1)
سورة الجن: 19.
(2)
ينظر الكتاب (3/ 12).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الآذان/ الباب (26)، وكتاب المواقيت/ الباب (36)، وكتاب صلاة الخوف/ الباب (4)، وهو في سنن النسائي كتاب السهو/ الباب (10)، وابن حنبل (1/ 126).
(4)
البيت مجهول القائل من الطويل وهو في التذييل (4/ 337) وشواهده التوضيح (101) وابن الناظم (60) والأشموني (1/ 261) والعيني (2/ 208).
والشاهد قوله: «فكدتم أن تغنوا السيوف عن السل» ؛ حيث اقترن المضارع الواقع خبرا لكاد «بأن» وهذا قليل.
(5)
البيت من المتقارب وهو للكميت بن زيد، وهو في التذييل (4/ 338) والخزانة (1/ 558) والهمع (1/ 254) والدرر (1/ 210) وديوانه (2/ 29).
اللغة: ستوك: أي ستون سنة من عمرك بإضافة العدد إلى الضمير.
والشاهد قوله: «قد كربت تكمل» حيث جاء خبر (كرب) مجردا من «أن» وهو الكثير.
(6)
البيت من الخفيف، وهو للكاحبة العريني أو رجل من طيئ، ينظر معجم الشواهد (1/ 52). وهو في التذييل (4/ 339)، وابن الناظم (60)، وأوضح المسالك (1/ 79)، والشذور (334)، والعيني (2/ 189)، وابن عقيل (1/ 126)، وشرح شواهده (ص 68)، والأشموني (1/ 262)، والتصريح (1/ 207)، والمطالع السعيدة (ص 216)، والهمع (1/ 130)، والدرر (1/ 105)، والشاهد: قوله (كرب القلب
…
يذوب) حيث جاء خبر (كرب) مضارعا مجردا من «أن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
874 -
…
وقد كربت أعناقها أن تقطّعا (1)
وأول البيت: سقاها [2/ 77] ذوو الأحلام سجلا على الظّما.
وقال آخر (2):
875 -
قد برت أو كربت أن تبورا
…
لمّا رأيت بيهسا مثبورا (3)
وقال (4) في خبر «أوشك» غير مقرون «بأن» :
876 -
يوشك من فرّ من منيته
…
في بعض غرّاته يوافقها (5)
وقال آخر في الاقتران «بأن» :
877 -
ولو سئل النّاس التّراب لأوشكوا
…
إذا قيل هاتوا أن يملّوا ويمنعوا (6)
-
(1) البيت من الطويل لأبي زيد الأسلمي وهو في الكامل (109)، والتذييل (4/ 331، 338)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 402)، وتعليق الفرائد (1031)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 329)، وابن الناظم (60)، والمقرب (1/ 99)، وابن عقيل (1/ 126)، وشرح شواهده (ص 68)، وأوضح المسالك (1/ 80)، والعيني (2/ 193)، وشرح الكودي (54)، والشذور (336)، والأشموني (1/ 262)، والتصريح (1/ 207)، والمطالع السعيدة (ص 217).
اللغة: السجل: الدلو العظيمة المملوءة ماء.
والشاهد: مجيء خبر (كرب) فعلا مضارعا مقترنا «بأن» وهذا قليل.
(2)
هو العجاج.
(3)
البيت من الرجز، وهو في التذييل (2/ 337)، وابن الناظم (60)، والأشموني (1/ 262).
اللغة: برت: هلكت: بيهس: اسم من أسماء الأسد، وسمي به رجل. مثبورا: مهلكا.
والشاهد: مجيء خبر (كرب) فعلا مضارعا مقترنا «بأن» وهو قليل.
(4)
هو أمية بن أبي الصلت الثقفي شاعر جاهلي.
(5)
البيت من المنسرح وهو في التذييل (4/ 339)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 403)، وتعليق الفرائد (1032)، والكتاب (3/ 161)، والمقرب (1/ 98)، والكامل (43)، وابن يعيش (7/ 126)، وابن الناظم (60)، والشذور (333)، وأوضح المسالك (1/ 80)، والمكودي (55)، والمحصول (317)، والتصريح (1/ 207، 208)، والأشموني (1/ 262)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 328)، وابن عقيل (1/ 126)، والمطالع السعيدة (ص 218)، والهمع (1/ 129)، والدرر (1/ 103)، والعيني (2/ 178)، وديوانه (42).
والشاهد: مجيء خبر (يوشك) فعلا مضارعا مجردا من «أن» وهو قليل.
(6)
البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في أمالي الزجاجي (197)، والتذييل (4/ 339)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا كلام المصنف (1).
وإذا جعلنا «طفق» بفتح العين لغة في طفق بكسرها كانت الأفعال خمسة عشر لا غير، وقد جعلها الشيخ أربعة عشر؛ لأنه جعل «طبق» بالباء لغة في طفق أيضا (2) وقد ذكروا أن بعض النحويين يرى أن «عسى» حرف (3) وجعلها الشيخ مسألة خلاف (4) ولا يخفي أن مثل هذا الخلاف لا يعتد به وأن القول بحرفية الكلمة المذكورة قول لا ينبغي التشاغل به لقيام الدلائل القطعية على بطلانه (5).
وقد نقل الشيخ عن بعض النحويين أنه زاد في أفعال هذا الباب أفعالا، وهي:
قارب وكارب وقرب وأقبل وطل وأشفى وشارف وقرب ودنا وآثر وقام وقعد وذهب وازدلف ودلف وأزلف وأشرف وتهيأ وطار وانبرى وألم (6)، ولم يستشهد على شيء من ذلك بشيء من كلام العرب. ثم إنه ناقش المصنف في ذكر «حرى» فقال: المحفوظ أن «حرى» اسم منون. قال ثعلب: أنت حرى بذلك أي خليق وحقيق، قال: ونصوا على أنه يعني: حرى لا يثني ولا يجمع وقيل: إن «حرى» بمعنى «عسى» وقد فسروا «حرى» في قول الأعشى:
878 -
إن تقل هنّ من بني عبد شمس
…
فحرى أن يكون ذاك وكانا (7)
-
- ومجالس ثعلب (2/ 365)، والعيني (2/ 182)، وابن الناظم (60)، والشذور (331)، وأوضح المسالك (1/ 78)، والتصريح (1/ 206)، وابن عقيل (1/ 126) وشرح شواهده (ص 66)، والأشموني (1/ 261)، والهمع (1/ 130)، والدرر (1/ 106)، واللسان (وشك).
والشاهد قوله: «لأوشكوا أن يملوا ويمنعوا» حيث جاء خبر (أوشك) مضارعا مقترنا «بأن» وهو الكثير.
(1)
شرح التسهيل للمصنف (1/ 390 - 392) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ المختون.
(2)
التذييل (4/ 328).
(3)
هذا مذهب الزجاج ونسب أيضا إلى ابن السراج. ينظر التذييل (4/ 327)، وشرح الرضي (2/ 302).
(4)
التذييل (4/ 327) فيه: «أطلق المصنف عليها أفعالا، وهي على قسمين: قسم مجمع عليه أنه فعل وهو ما عدا «عسى» وقسم مختلف فيه وهو «عسى» فذهب الجمهور إلى أنها فعل وذهب بعض النحويين إلى أنها حرف، ونسب ذلك إلى ابن السراج، وهو قول أبي العباس أحمد بن يحيى أيضا. اه.
(5)
الدليل على أن «عسى» فعل وليست بحرف هو اتصال ضمير المرفوع به ينظر شرح الرضي (2/ 302).
(6)
التذييل (4/ 328) حيث ذكر ذلك عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن يحيى البهاري. وينظر الهمع (1/ 128) أحمد بن يحيى أيضا. اه.
(7)
البيت من الخفيف وهو في التذييل (4/ 330)، والشذور (330)، والهمع (1/ 128)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالمعنيين فقيل: إن معناه فحقيق، وقيل: فعسى.
قال الشيخ (1): فذكروا في حرى الاسم أن معناه فعسى يعني أنها للرجاء كما أن عسى للرجاء فيكون «لحرى» الاسم معنيان: أحدهما: أن معناها خليق، والثاني: وأن معناها الرجاء، قال: فهؤلاء قد فسروا «حرى» المنون الذي
هو اسم «بعسى» التي هي فعل (2). انتهى.
وثبوت «حرى» بالتنوين بمعنى خليق لا ينبغي ثبوت «حرى» فعلا بمعنى «عسى» وقد قال الشيخ: إن كان ما ذكره المصنف نقلا عن اللغويين فهو صحيح (3) ولا شك أن المصنف من الراسخين في علم اللغة، والعجب من الشيخ كونه نسب المصنف إلى أنه تصحف عليه اللفظ. قال: فاعتقد أن «حرى» المنون غير منون وأنها فعل كما صحف في غيره (4)، ولا شك في قبح نسبه ابن مالك إلى التصحيف، ولقد كان قدره أجل وأعلى فرحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه به وكرمه.
ثم قال الشيخ - نقلا عن صاحب البسيط وغيره -: والمشهور أن هذه الأفعال من أخوات «كان» لكن خبرها لا يكون إلا مضارعا يعني كما ذكر المصنف، وذهب الكوفيون إلى أن الفعل بدل من الاسم [2/ 78] بدل المصدر (5) وكأنهم بنوا هذا على أن هذه الأفعال ليست ناقصة، فالمعنى عندهم: قرب قيام زيد، وكرب خروج عمرو، ثم قدمت الاسم وأخرت المصدر فقلت: قرب زيد قيامه ثم جعلته بالفعل، وذهب بعض النحويين إلى أنه مفعول؛ لأنها في معنى: قارب زيد الفعل -
- والدرر (1/ 103)، برواية (فجر)، ويروى أيضا برواية:(إن تكن هي من عبد شمس أراها) والشاهد: قوله (فحرى أن يكون ذاك) حيث عدت (حرى) من أفعال المقاربة واستعملت بمعنى: حقيق.
(1)
في كتاب الأفعال لابن القطاع (1/ 263)«حرى أن يكون ذلك» بمعنى «عسى» فعل غير متصرف، وينظر الأفعال لابن القوطية (ص 213) تحقيق: علي فودة ط مصر 1952 م.
(2)
التذييل (2/ 554).
(3)
في حاشية ب نعم هو نقل عنهم قال ابن القوطية في أفعاله: «حرى» فعل ناقص بمعنى عسى، وكذا قال: أبو عثمان الوسقطي وابن القطاع وابن طريف. اه.
(4)
التذييل (4/ 331).
(5)
ينظر المغني (1/ 152)، والهمع (1/ 103).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهي تامة وهو مذهب أبي بكر خطاب (1) وتقديره: عسى زيد القيام (2)، وذهب بعضهم إلى أن موضع الفعل نصب بإسقاط حرف الجر، إذ يسقط كثيرا مع «أن» ، فمعنى: عسى زيد أن يقوم: عسى زيد القيام (3)، ثم قال:
والقول الأول هو الصحيح. انتهى (4).
واعلم أن خبر هذه الأفعال بالنسبة إلى اقترانه بأن وعدم اقترانه بها ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يجب فيه الاقتران، وقسم يجب فيه عدم الاقتران وقسم يجوز فيه الأمران، وهذا التقسيم ينقسم إلى ثلاثة أقسام أيضا: قسم الاقتران فيه أولى من عدم الاقتران، وقسم بالعكس، وقسم يستوي فيه الأمران، وقد عرف مما تقدم (5).
وقد عرفت من كلام المصنف في المثمن أن الأفعال التي هي المقاربة الفعل ما هو ملحق بأفعال الشروع في التجرد من (أن) وهو «هلهل» ومنها ما هو ملحق بأفعال الرجاء في عدم التجرد وهو «أولى» ، ومنها ما يجوز فيه الأمران وهو «كاد وكرب وأوشك» لكن التجرد مع كاد وكرب أعرف، كما أن الاقتران مع عسى من أفعال الرجاء أعرف (6)، والظاهر أن الموجب لإعطاء «هلهل» حكم أفعال الشروع في ذلك، ولإعطاء «أولى» حكم «حرى» «واخلولق» إنما هو الاستعمال أعني استعمال العرب (7)، وأما أوشك فقد تقدم من كلام المصنف أن الأمرين فيها على السواء.
(1) سبقت ترجمته.
(2)
نسب هذا المذهب إلى المبرد أيضا، ورد الشيخ عضيمة ذلك فقال:
والذي أراه أن سيبويه والمبرد يريان أن أفعال المقاربة تعمل عمل «كان» وأخواتها فالمرفوع بعدها اسم والمصدر والمؤول خبرها، وكذلك الجملة بعدها وتفسيرهما هذه الأفعال بقارب أو دنا إنما هو تفسير معنى لا تفسير إعراب، كذلك إطلاق المبرد على اسمها بأنه فاعلها وعلى خبرها بأنه مفعولها لا يدل على أنه يعرب الخبر مفعولا، فقد عبر بذلك في باب كان أيضا. اه. المقتضب (3/ 68 - 69).
(3)
ينظر المغني (1/ 28)، والهمع (1/ 130).
(4)
التذييل (4/ 334، 335).
(5)
انظر تفصيل ذلك أول الباب.
(6)
ينظر التسهيل (59)، والكتاب (3/ 156)، وابن الناظم (59)، وشرح الرضي (2/ 301)، والتصريح (1/ 206).
(7)
نفى السيوطي في المطالع السعيدة (ص 218) كون «هلهل» من أفعال الشروع فقال: «ويلزم الوصل في خبر «اخلولق» و «حرى» ويلزم التجريد في أفعال الشروع وهي: طفق وأنشأ وأخذ وجعل وعلق، وفي هلهل، وإن لم يكن من أفعال الشروع. اه.