الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[العطف على توهم زيادة الباء]
قال ابن مالك: (وقد يجرّ المعطوف على الخبر الصّالح للباء مع سقوطها ويندر ذلك بعد غير ليس وما، وقد يفعل ذلك في العطف على منصوب اسم الفاعل المتّصل).
ــ
بشيء ولا الشيخ أيضا وكأنه لم يحقق له مثالا.
وللكوفيين تفصيل في الخبر المنفي من كونه ظرفا أو مجرورا أو غيرهما بالنسبة إلى دخول الباء وعدم دخولها لا يجدي طائلا فتركت ذكره خوف الإطالة (1)[2/ 72].
وقال الشيخ: «أطلق المصنّف في خبر ليس وكان ينبغي أن يقيّد فيقول: إلّا الواقع في الاستثناء نحو قام القوم ليس زيدا فلا يجوز ليس بزيد» . انتهى (2).
والحق أن ليس في الاستثناء قائمة مقام إلا فالمخرج بعدها كالمخرج بعد إلا والمخرج بعد إلا لا يقال فيه منفي بالاصطلاح النحوي، بل هو مخرج مما قبله، فكذلك المخرج بليس، لا يقال إنه منفي اصطلاحا، وإذا لم يكن منفيّا اصطلاحا لا يرد على المصنف لأنه إنما حكم بجواز زيادة الباء في الخبر المنفي بليس، والغرض أن هذا ليس بمنفي كما ذكرنا (3).
قال ناظر الجيش: قال المصنف: «لما كثر دخول الباء على خبر ليس وخبر ما جاز للمتكلم أن يجر المعطوف بعدهما على الخبر المنصوب كقول الشاعر:
847 -
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة
…
وغلا ناعب إلّا ببين غرابها (4)
-
- والبيت ليس في معجم الشواهد.
(1)
انظره - إذا أردت - في التذييل والتكميل (4/ 307).
(2)
التذييل والتكميل (4/ 308).
(3)
نقل هذا الرد على أبي حيان محقق التذييل والتكميل (2/ 524) في رسالته للدكتوراة:
د/ سيد تقي.
(4)
البيت من بحر الطويل وهو في الهجاء وقد ورد في كتاب سيبويه أكثر من مرة نسب في بعضها (1/ 165)، (306) للأحوص الرياحي شاعر إسلامي كما نسب في بعضها للفرزدق (3/ 29).
اللغة: مشائيم: جمع مشؤوم، وهو من يجر الشؤم وهو الشر على قومه أو غيرهم. ناعب: النعيب هو صوت الغراب وهو نذير للفراق وتصدع الشمل عند العرب.
والمعنى: يهجو الشاعر قوما فينسبهم إلى الشؤم وقلة الخير والصلاح وأنهم لا يصلحون أمر عشيرة دب -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال آخر في جر المعطوف على المنصوب بما.
848 -
ما الحازم الشّهم مقداما ولا بطل
…
إن لم يكن للهوى بالفعل غلّابا (1)
فكأنه قال: ما الحازم بمقدام ولا بطل.
وقد عومل بهذه المعاملة المعطوف على منصوب كان المنفية كقول الشاعر:
849 -
وما كنت ذا نيرب فيهمو
…
ولا منمش فيهمو منمل (2)
وإلى ذلك أشرت بقولي: ويندر ذلك بعد خبر غير ليس وما. فجر منمشا على منصوب كان المنفية لشبهه بمنصوب ليس في صلاحيته للباء حتى كأنه قيل: وما كنت بذي نيرب ولا منمش. والنّيرب: النميمة: والمنمش: المفسد ذات البين والمنمل: الكثير النميمة.
ونبّهت بقولي: الصّالح للباء على أن المعطوف على خبر لا يصلح للبناء لا يجوز جره نحو: لست تفعل ولا مقاربا. وقد يجر المعطوف على منصوب اسم الفاعل كقول امرئ القيس:
850 -
فظلّ طهاة اللّحم من بين منضج
…
صفيف شواء أو قدير معجّل (3)
-
- بينهما خلافات إلا نعب غراب هذه العشيرة بالفراق والبين.
والشاهد في قوله: ولا ناعب حيث جاء مجرورا عطفا على مصلحين على توهم زيادة الباء فيه لأنه خبر ليس، وهو تزاد فيه الباء كثيرا كما استشهد به ابن جني في الخصائص (2/ 354) على أن مراجعة الأصل وهو جر خبر ليس أولى وأجدر.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 385)، والتذييل والتكميل (4/ 315)، ومعجم الشواهد (ص 43).
(1)
البيت من بحر البسيط لقائل مجهول يقول: لا يكون الشجاع شجاعا حتى يغلب عقله على هواه.
والشاهد في البيت هو قوله: ولا بطل حيث عطف بالجر على ما قبله المنصوب على توهم زيادة الباء فيه لأنه خبر ما وهو تزاد فيه الباء كثيرا.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 386)، وفي التذييل والتكميل (4/ 316)، وفي معجم الشواهد (ص 30).
(2)
البيت من بحر المتقارب لم أقف على قائله في مراجعه وقد ذكرت مفرداته في الشرح. والشاعر يدفع عن نفسه تلك الصفات.
وشاهده قوله: ولا منمش فيهم منمل، حيث عطفه بالجر على خبر كان المنصوب وذلك على توهم زيادة الباء فيه.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 386)، وفي التذييل والتكميل (4/ 317)، وفي معجم الشواهد (325).
(3)
البيت من بحر الطويل وهو في الوصف من معلقة امرئ القيس المشهورة وانظر البيت في الديوان -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأن المنصوب باسم الفاعل يجر كثيرا بإضافته إليه فكأنه إذا انتصب مجرور.
وجواز جر المعطوف على منصوب اسم الفاعل مشروط بالاتصال كاتّصال منضج بالمنصوب؛ فلو كان منفصلا لم يجز الجر نحو: أن يقال من بين منضج بالنار صفيف شواء لأن الانفصال يزيل تصور الإضافة المقتضية للجر، كذلك لا يجوز جر المعطوف مع انفصال اسم الفاعل من معموله. انتهى.
ثم ها هنا أمور:
الأول: قال الشيخ (1): «يظهر من المصنف أن ما ذكره يطرد، وفي ذلك خلاف: ذهب عامة النّحويين إلى أنه لا يجوز ذلك وما ورد منه فهو محمول على التّوهّم، والعطف على التوهم عندهم لا ينقاس. قال: ووجدت بخط أستاذنا أبي جعفر بن الزبير (2) ما نصه:
إذا عطفت على الخبر وكان حرف العطف غير موجب والخبر منصوب نصبت -
- (ص 22).
المفردات: الطّهاة: جمع طاه وهو الطباخ. منضج: اسم فاعل من أنضج اللحم إذا أحكم شيه. صفيف:
الصفيف من اللحم: ما صفّ على الجمر ليشوى. الشّواء: اللحم المشوي على الجمر. القدير: ما طبخ من اللحم في القدر. المعجّل: السريع.
والشاعر يصف مأدبة طعام للحم صيد وأن الطهاة صنفوا اللحم صنفين: مشوي ومطبوخ.
والشاهد فيه قوله: أو قدير حيث عطف بالجر على صفيف والمعطوف عليه وإن كان منصوبا إلا أنه توهم فيه الجر لأنه معمول اسم الفاعل، وذلك المعمول كثيرا ما يضاف إليه العامل. وسيأتي كلام لأبي حيان في البيت وردّ عليه من الشارح.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 386)، والتذييل والتكميل (4/ 318)، ومعجم الشواهد (ص 305).
(1)
التذييل والتكميل (2/ 535).
(2)
هو الأستاذ أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير المولود سنة (627 هـ).
قال أبو حيان عنه: كان محدّثا جليلا ناقدا نحويّا أصوليّا أديبا، فصيحا مفوّها». أقرأ القرآن والنحو والحديث بمالقة وغرناطة وغيرهما.
ثم عرض له أن تغير عليه السلطان فحبسه بداره ثم ولاه الخطابة والإمامة بالجامع الكبير، كان محدث الأندلس خيرا صالحا.
صنف تعليقا على كتاب سيبويه، والذيل على صلة ابن بشكوال ومن شعره:
حسبي ذنوبي أثقلت كاهلي
…
ما إن أرى غماءها تنجلي
توفي سنة (708 هـ)، ترجمته في بغية الوعاة (1/ 291، 292).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وحكى سيبويه الخفض على التّوهّم وجعله الفرّاء قياسا» انتهى (1).
ولا أعلم من أين ظهر للشيخ الاطراد من كلام المصنف بل ظاهر كلام المصنف أنه لا يطرد لأنه أتى فيه بقد المشعر بالتقليل حيث قال [2/ 73]: وقد يجرّ المعطوف.
الثاني: لا شك أن جر المعطوف على الخبر المنصوب فيما ذكر من باب العطف على التوهم (2).
وجعل الشيخ من العطف على التوهم قول الشاعر:
851 -
أجدّك لن ترى بثعيلبات
…
ولا بيدان ناجية ذمولا
ولا متدارك واللّيل طفل
…
ببعض نواشغ الوادي حمولا (3)
وقال الآخر:
852 -
تقيّ نقيّ لم يكثّر غنيمة
…
بنهكة ذي قربى ولا بحقلّد (4)
-
(1) التذييل والتكميل (4/ 316).
(2)
العطف على التوهم معناه: العطف على اللفظ باعتبار صفة يصبح اتصافه بها وسيأتي له مزيد بيان.
وأما العطف على المعنى فهو تأويل الكلام المعطوف على بعضه بكلام آخر يصح معه العطف وسيأتي لهما قريبا مزيد بيان وتطبيق على الأمثلة.
(3)
البيتان من بحر المتقارب وهما كما في اللسان (طفل ونشغ) للمرار بن سعيد الفقعسي وهما في الوصف والكلام بين الأصدقاء.
المفردات: ثعيلبات وبيدان: موضعان وبيدان بزنة ميدان. النّاجية الذّمول: الناقة السريعة. واللّيل طفل:
يقال طفل الليل: أقبل. وروي والشمس طفل ولا تكون كذلك إلا وقت الغروب، النّواشغ: مجاري الماء في الأودية (اللسان: نشغ).
والشاهد فيهما قوله: ولا متدارك حيث جاء بالجر عطفا على توهم أنه قال في لن ترى: لست براء، وانظر بقية الحديث في الشرح وذهب أبو العباس ثعلب (291 هـ) إلى أنه مجرور حيث لا وهي تبرئة موضع غير كأنه جره بالإضافة (مجالس ثعلب)(1/ 132).
وروي البيت ولا متلاقيا ولا شاهد فيه على ذلك.
وانظر البيت في التذييل والتكميل (4/ 317). ومعجم الشواهد (ص 270).
(4)
البيت من بحر الطويل وهو من قصيدة لزهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان (ديوان زهير)(ص 234).
المفردات: النّهكة: الظلم. الحقلّد: السيئ الخلق الضيق البخيل. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: توهم أنه قال: مكان لن ترى لست براء ومكان لم يكثّر: ليس بمكثّر (1).
وقبل الوقوف على كلام الشيخ كان في ظني أن الذي في هذه الأبيات من العطف على المعنى وأن العطف على المعنى غير العطف على التوهم وذلك أن العطف على التوهم ليس فيه إلا أن يتوهم أن المعطوف عليه على حالة يصح اتصافه بها دون تأويل في الكلام كما ترى في عطف (ولا ناعب) على مصلحين فإنه إنما جر لتوهم أن الشاعر قال: بمصلحين من حيث أن المحل صالح للباء.
وأما العطف على المعنى فلا بد فيه من تأويل الكلام المعطوف على بعضه بكلام آخر يصح معه العطف كما رأيت من تأويل: لم تر بلست براء وتأويل: لم يكثر بليس بمكثر. هكذا كنت أظن والشيخ قد جعل ما في الأبيات المذكورة من العطف على التوهم ولا يمتنع أن يقال: توهّم قائل لم تر أنّه قال: لست براء وقائل: لم يكثّر أنه قال: ليس بمكثّر (2).
لكن قد وقع في عبارات النحويين أن ما وقع في نحو هذه الأبيات عطف على المعنى أي على الكلام لا على لفظه ولم يقولوا في نحو ولا ناعب بعد ليسوا مصلحين أنه عطف على المعنى بل قالوا: عطف على التّوهّم (3)، على أنه لا يتحقق فيه أنه عطف على المعنى إنما هو عطف على المعنى إنما هو عطف على اللفظ باعتبار صفة يصح تلبسه بها.
الأمر الثالث: العطف بالجر على منصوب اسم الفاعل المتصل من العطف على التوهم أيضا لا من العطف على المحل لأن هذا المحل بحق الفرعية لا بحق الأصالة -
- المعنى: أن هرما رجل عظيم متخلق بالأخلاق الحسنة لم يظلم قريبا ولم يسئ إلى أحد.
والشاهد فيه قوله: ولا بحقلّد: حيث جاء بالجر عطفا على قوله: لم يكثر على توهم أنه قال: ليس بمكثر. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 317) وفي معجم الشواهد (ص 111).
(1)
التذييل والتكميل (4/ 318).
(2)
انظر شرح الكافية للرضي (1/ 268).
(3)
في المغني لابن هشام (2/ 528): قال ابن هشام: وسألني أبو حيان - وقد عرض اجتماعنا علام عطف بحقلد من قول زهير.
تقي نقي لم يكثر غنيمة
…
بنهكة ذي قربى ولا بحقلد
فقلت حتى أعرف ما الحقلد؟ فنظرناه فإذا هو سيئ الخلق فقلت: هو معطوف على شيء متوهم إذ المعنى: ليس بمكثر غنيمة فاستعظم ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما ستعرفه في مكانه إن شاء الله تعالى. ويدل على أنه على التوهم قول المصنف:
لأنّ المنصوب باسم الفاعل يجرّ كثيرا بإضافته إليه فكأنّه إذا انتصب مجرور، وإنما ذكر هذه المسالة في هذا الباب استطرادا لأنه ذكر ما شأنه شأنها.
والمغاربة لا يجيزون العطف بالجر على منصوب اسم الفاعل (1) ولهذا قال (2) الشيخ: «وأصحابنا لا يجيزون: هذا ضارب زيدا وعمرو» ثم قال: «وأما البيت الذي أنشده المصنف فلا شاهد فيه وإذا جعل معطوفا على مراعاة جر صفيف فسد المعنى لأنه يصير التقدير: من بين منضج صفيف أو قدير فكأنه قال: من بين منضج أحد هذين فيكون قد قسم الطهاة وهم الطباخون إلى قسمين: أحدهما منضج صفيف أو قدير والآخر لم يذكره لأن بين تقتضي وقوعها بين شيئين أو أشياء ولا تدخل على شيء واحد.
وإنما تأوله شيوخنا رحمهم الله تعالى [2/ 74] على أن يكون أو قدير معطوفا على قوله منضج لا على محل صفيف ويكون على حذف مضاف وأو بمعنى الواو، والتقدير: من بين منضج صفيف شواء أو طابخ قدير معجل». انتهى (3).
وما ذكره من الفساد على تخريج المصنف غير ظاهر: لأنا نقول: أو قدير معطوف على صفيف عطف توهم والمعنى على التعدد لأن أو بمعنى الواو فليس المعنى ما بين منضج أحد هذين بل المعنى ما بين منضج صفيف وقدير أي منضج قدير، والشيخ قد اعترف بأن أو ها هنا بمعنى الواو فيتم كلام المصنف دون فساد، ولا يحتاج إلى تقدير مضاف وهو طابخ كما قدره الجماعة الذين نقل عنهم الشيخ ذلك (4). -
(1) قال ابن عصفور: (المقرب: 1/ 125)«وإذا أتبعت معمول اسم الفاعل المرفوع أو المنصوب كان التابع على حسبه في الإعراب» .
(2)
التذييل والتكميل: (4/ 318).
(3)
المرجع السابق.
(4)
نقل هذا الرد من الشارح على أبي حيان محقق التذييل والتكميل: د/ سيد تقي (2/ 539).
وذكر ابن هشام البيت في كتابه المغني (2/ 460) وأجاب عنه بإجابة أبي حيان وبإجابة الشارح ثم زاد ثالثة، يقول:
وخرج على أن الأصل (أو طابخ قدير)، ثم حذف المضاف وأبقي جر المضاف إليه كقراءة بعضهم (والله يريد الآخرة) [الأنفال: 67] بالخفض أو أنه عطف على صفيف، ولكن خفض على الجوار أو على -