الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[330] باب إثبات كرامات الأولياء
[قال الإمام]:
الكرامة في الجملة ما يجوز إنكارها، فهي ثابتة للمؤمنين الصالحين في كل زمان وفي كل عصر، ولذلك قال قائلهم من أهل العلم:
وأثبتن للأوليا الكرامة ومن نفاها فانبذن كلامه
إلا أنه مع الأسف الذي وقع أن الناس غلو في حكاية الكرامات عن الأولياء والصالحين بحيث أنهم أصبحوا يروون كرامات هي لو تأملنا فيها إيهانات وليست كرامات، هذا مبثوث في بطون الكتب عرفها من درسها، لكن أصل الكرامة ثابتة في الكتاب والسنة، ففي القرآن مثلًا:{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ} (آل عمران: 37) فهذه كرامة من الله عز وجل للسيدة مريم، كانت تجد الطعام أو الثمار الطازجة الجديدة في بيتها دون يدٍ منها.
كذلك: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} (مريم: 25) هذه أيضًا كرامة، ثم لم تزل الكرامات تترا وتُروى وبالأحاديث الصحيحة بحيث أنه لا يمكن الإنسان أن ينكر شيئًا منها لا فيما قبل
…
ولا فيما بعد الرسالة، ففي زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقعت كرامات متعددة لبعض الصحابة، كذلك وقعت لمن قبلهم.
فلعلكم تذكرون معي قصة الغار: الثلاثة الذين أووا في الغار، قال عليه الصلاة والسلام: بينما ثلاثة نفر ممن قبلكم يتمشون، إذا أصابهم المطر فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم، فقال
بعضهم: يا هؤلاء! انظروا أعمالًا عملتموها صالحةً لله فادعوا الله بها لعل الله يفرجها عنكم.
فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وامرأتي، وكان لي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت حلبت فبدأت بأبوي قبل بنيّ، فنأى بي ذات يوم الشجر، فلما أرحت حلبت كما كنت أحلب فجئتهما فوجدتهما قد ناما، فكنت على رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومها وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون من الجوع عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر.
أي: ظل قائمًا على رؤوس أبويه متحريًا أيوقظهما ليسقيهما قبل الأولاد؟ لا، في هذا إزعاج لهما، أيسقي الأولاد وهم يتضاغون .. يصيحون جوعًا؟ لا، هذا فيه تقديم لحق الولد على الوالدين فهو حيران، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، قال في تمام دعائه وتضرعه إلى ربه: فاللهم إن كنت تعلم أني فعلت
ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا منها فرجةً نرى منها السماء، فانزاحت الصخرة
شيئًا قليلًا.
صخرة، معناها: جبل .. جبل انحط على فم غار، ما تحركها لو كان هناك آلات كالآلات التي ترونها اليوم ما تستطيع أن تحركها، لكن الله عز وجل القادر على كل شيء استجاب دعاء هذا المتضرع وحرك الصخرة شيئًا قليلًا حتى رأوا النور، لكن ما يستطيعون الخروج، حتى قام الرجل الثاني فقال:
اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت منها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت لها مائة دينار،
فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه،
فقمت عنها وتركت لها المائة دينار، فإن كنت اللهم تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا منها فرجة، فتحركت الصخرة أيضًا شيئًا قليلًا، لكنهم لا يستطيعون الخروج.
حتى قام الرجل الثالث، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني كنت استأجرت أجيرًا على فرق من أرز، فلما قضى عمله عرضت عليه فرقه فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا ورعاًء، ثم جاءني فقال: يا عبد الله! أعطني حقي، الفرق من الأرز
…
؟ فقلت له: انظر إلى تلك البقر فاذهب وخذها، قال: يا عبد الله! اتق الله ولا تستهزئ بي، إنما لي عندك فرق من أرز، قال: اذهب وخذها فإنما تلك البقر من ذاك الفرق، فذهب واستاقها، إن كنت اللهم تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما بقي، ففرج الله عنهم ما بقي فخرجوا يتمشون.
هذه كرامة ومثلها الشيء الكثير والكثير جدًا.
في عهد الصحابة جاء بعضهم شغلوا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هزيع متأخر من الليل والليل ظلمة فكانت مع أحدهم عصا، فكانت تضيء الطريق أمامه عشرة أذرع كأن هناك قنديل مصباح منير حتى وصلوا إلى الدار، فالكرامات الصحيحة لا يمكن إنكارها إطلاقًا، ولكن كما أشرت آنفًا توسع الناس في رواية الكرامات حتى صارت إهانات.
والمذكور في الكتب وبخاصة كتاب مع الأسف الشديد طبع عشرات المرات في القاهرة، اسمه: الطبقات الكبرى للإمام الشعراني، هذا الرجل يترجم لعلماء أفاضل يكفي أنه ترجم للعشرة المبشرين بالجنة ولكبار العلماء الذين
جاءوا من بعدهم، ثم أسَفَّ وانحط في التراجم حتى وصل إلى ترجمة البدوي وأمثال هؤلاء من المعروفين من الصوفية، فيروي عنهم أشياء هي كما قلنا: إهانات، بل هي كفريات، وهذا الكتاب مطبوع عشرات الطبعات.
يذكر في ترجمة أحدهم أنه قال: تركت قولي للشيء كن فيكون عشرين سنة أدبًا مع الله! هو بعينه يعني: وصل إلى مرتبة الألوهية، بل إلى مرتبة الربوبية، تركت قولي للشيء كن فيكون عشرين سنة أدبًا مع الله! أما قبل ذلك وبعد ذلك لم يكن متأدبًا مع الله فكان يقول للشيء: كن فيكون، هذا كفر وشرك في الربوبية، هذا ما كان المشركون يشركون به:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25) هذا يذكر أن هذا من الواصلين من كبار الأولياء.
كذلك يذكر قصة ذلك الرجل الذي رئي أنه يفعل الفاحشة في الحمارة
على قارعة الطريق، فأنكروا ذلك عليه فقال: هناك سفينة في البحر تغرق فأنا سددتها، هذا مذكور في الكرامات يا جماعة! أشياء كثيرة وكثيرة جدًا، نعرض نضرب صفحًا عما في هذا الكتاب من سخافات بل كفريات باسم الكرامات
…
كرامات الأولياء.
وأذكر لكم قصة وقعت في حلب:
…
جاء رجل من إخواننا أهل السنة قدم طلبًا ليكون إمامًا في مسجد من المساجد هناك، فمشت المعاملة كما هي المعتاد من دائرة إلى دائرة، وصلت إلى المفتي، المفتي أرسل خلفه ليمتحنه؛ لأن هناك كانت الدعوة التي نحن نسميها بالدعوة السلفية وهم يسمونها بالدعوة الوهابية، كانت سائرة والحمد لله في سوريا خاصة في دمشق ثم في حلب، وكان هذا المفتي بلغه عن هذا الرجل اسمه أظن: أحمد المصري، كان بلغه عنه شيء من الوهابية في زمنهم، فأخذ يسأله، قال له: ما رأيك بالكرامات؟ فأجاب بجواب مختصر: أن
لها أصل في الكتاب والسنة، قال له: ما رأيك بالكرامة التالية-هنا الشاهد-:
حكى القصة .. سبحان الله! كيف وصل عقل بعض المشايخ إلى الانحطاط في الدرك الأسفل .. حكى له قصة خلاصتها: أن أحد الخطباء عندما يخطب يوم الجمعة كُشِفَ؛-لأن هذا من كبار الأولياء- كشف له أن أحد الحاضرين حاقن، تقولون: حاقن؟ طيب! لكن ماذا يفعل؟! المسجد غاص بالناس، وكيف يقوم هكذا بينهم، فالخطيب كل هؤلاء يعرفهم؛ لأن ربنا كَشَف، فذهب إليه
…
إذا بالخطيب يمد جبته يقول هكذا، والرجل الحاقن انفتح أمامه طريق إلى حديقة .. دخل من كُمِّ الشيخ يعني: يوصل إلى حديقة، فقضى حاجته في الحديقة وتوضأ وعاد إلى مكانه ولا أحد يشعر بهذا؛ لأن الشيخ حواه بكرامته.
المفتي سأل صاحبنا: تصدق بهذه الحكاية أو الكرامة؟ قال له: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، هذه إهانة وليست كرامة، قال له: أنت لا تصلح أن تكون إمامًا، ومثل هذا كثير وكثير جدًا.
الآن يروى عن كرامات تقع في الجهاد في بلاد الأفغان، الكرامات التي تذكر الآن ما فيها غرابة .. ما فيها استنكار، لكن كل ما في الأمر أننا بحاجة إلى التثبت من صحتها كرواية، فكون الشهيد يشم منه رائحة المسك ما في ذلك غرابة إطلاقًا، وكون ربنا عز وجل يعنى ببعض المجاهدين فتقع القنبلة بجانبهم ولا تنفجر فالله يدافع عن الذين آمنوا، كل هذا ممكن يعني، لكن تبقى القضية يخشى أن يكون فيه زيادة تساهل أنه لمجرد أن واحد يقص قصة نحن نلتقفها ونصدق بها.
فالذي أعتقده وأدين الله به أنه يجب على كل مسلم أن يؤمن بأن الله عز وجل يكرم بعض أوليائه الصالحين الصادقين في بعض كراماته الخارقة للعادة، ولكن
ذلك لا يشترط أن يعلن كل مسلم كرامة، نحن نعلم مثلًا أن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم العشرة المبشرين بالجنة، وأفضلهم الخلفاء الراشدون، ما أدري عن أحد منهم شيء من هذه الكرامات فليس من الضروري أن يروى عن كل مسلم صادق أنه رئيت منه كرامة، لكن أنه قد يمكن أن يقع يمكن هذا أن يقع، والمستند حينذاك إلى صحة الرواية، كما يذاع الآن من الكرامات التي تقع في أفغانستان ما اأستبعد أن صحتها؛ لأنها مقبولة وفعلًا هي كرامة من الله عز وجل لبعض هؤلاء الشهداء أو المجاهدين، ولكن ترى هل صحت أم لا؟ تبقى القضية داخلة في علم الرواية، أما من حيث الإمكان فكما قلنا في أول الكلام:
وأثبتن للأولياء الكرامة ومن نفاها فانبذن كلامه
السائل: طيب، يبقى العاصي في بعض الأوقات يدعون أنهم يشوفون ما يحدث له في القبر.
الشيخ: هذا ممكن، لعلكم سمعتم الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن العباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبرين فقال عليه الصلاة والسلام: «أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر: فكان لا يستنزه-وفي رواية-: لا يستتر من البول، ثم أمر بأن يؤتى له بغصن فشقه شقين ووضع كل شق منهما على القبر، فسألوه عن ذلك عليه الصلاة والسلام فقال: لعل الله عز وجل يخفف عنهما ما داما رطبين» .
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم سمع عذاب هذين المعذبين، وكانا مسلمين لكن أحدهما يسعى بالنميمة والآخر: لا يستتر، أي: يتساهل في الكشف عن عورته أمام الناس،
أو لا يستنزه من البول، أي: لا يتحاشى أن يصيبه رشاش البول، ولذلك عذبا، وقال عليه الصلاة والسلام:«استنزهوا من البول فإن أكثر عذاب القبر من البول» .
كذلك جاء في الصحيح: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر ذات يوم راكبًا دابته فشمست به، فنزل فرأى قبرين فسأل أصحابه الذين كانوا معه: متى مات هذان؟ قال: في الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام: لولا أن تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر» أي: إن الدابة لما شمست به عليه السلام سمعت صوت عذاب المقبورين، فلا يستبعد أن يرى بعض الناس بعض العصاة في قبورهم يعذبون؛ لأن عذاب القبر حق، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله:«إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» فعذاب القبر حق يمكن أن يرى بالأعين العادية أفعى تنهش منه
…
ونحو ذلك، لكن يبقى كل شيء خاضع لعلم الرواية صحت الرواية أم لا؟ الذي يحدث صادق أو مهول، كل هذا ممكن أن يقال، أما الأصل فثابت.
مداخلة: طيب يا شيخ في قصة أويس القرني، وقصة أبي مسلم الخولاني، مدى صحتها؟
الشيخ: أما قصة أبو مسلم الخولاني فصحيحة، ألست تعني لما ألقي
في النار؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: فهي صحيحة، وفيه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من جعل النار بردًا وسلامًا عليه كما جعلها على إبراهيم،