الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن توصل إلى الإطلاع على المغيبات بعد ختم رسالة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزول قوله تعالى: {عالم الغيب فلا يطهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول} ، نعم هي في الحقيقة إنما توصل إلى أوهام وخيالات يتوهمونها كشوفًا ومغيبات.
"التعليق على التنكيل"(2/ 194).
[299] باب هل معرفة جنس الجنين في البطن يتنافى
مع تفرد الله سبحانه بمعرفة الغيب، وإذا قلنا بجواز معرفة ذلك فلماذا يُمنع الذهاب للكهان
؟
سؤال: يقول السائل: توجد طريقة علمية لاكتشاف الولد من البنت وهو في بطن أمه أثناء الحمل، فهل هذا صحيح؟
الشيخ: أما هل هذا صحيح أو ليس بصحيح فهذا ليس من اختصاصي؛ لأن هذا له علاقة بعلم الطب، ولكن في حدود ما قرأنا أن القضية لا تزال في حدود البحث والتحقق، وأشعر بأن الدافع على مثل هذا السؤال أن السائل أو غيره يخشى من أن يُصبح ذلك حقيقةً علميةً، فيختلف ذلك أو يتضاد مع النصوص الشرعية التي تُصرِّح بأنه لا يعلم ما في الأرحام إلا الله تبارك وتعالى، هذا التوهم هو الذي يجعل بعض المسلمين يخشون أن يكون هذا النبأ صحيحًا
…
حين ذلك العلم التجريبي مع العلم الديني، والواقع أنه لا خوف على العقيدة الإسلامية بهذه القضية كما هو الشأن في كل قضايا الإسلام فيما لو ثبت علميًا إمكان معرفة كون الجنين ذكرًا أو أنثى بواسطة من الوسائط أو بوسيلة من الوسائل العلمية التي يسخرها الله تبارك وتعالى لمن يشاء من عباده، لا خوف من ذلك؛ لأن المقصود من تفرد الله عز وجل بعلمه بما في الأرحام أمران اثنان:
الأمر الأول: أنه يعلم ذلك علمًا ذاتيًا، أما هذا العلم التجريبي فهو يُعلم بوسيلة من هذه الوسائل التي يخلقها الله تبارك وتعالى لمن يشاء من عباده كما ذكرنا، ففرق بين العلم الإلهي حيث أنه علم ذاتي:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} (الملك:14) فهو ليس بحاجة إلى وسيلة، بينما العباد هم بحاجة إلى أن يتعاطوا كل وسيلة من الوسائل التي يسخرها الله لهم فيطلعون بها على ما يكون عادًة خافيًا على سائر الناس الذين لا يتعاطون هذه الوسائل، فالتفريق بين العلم الذاتي بالغيب أمر ضروري جدًا ينبغي أن نستحضره دائمًا في مثل هذه المسائل التي تشكل على بعض الناس.
فإنكم تعلمون حقيقة علمية لا ريب فيها ولا شك وهي أن كثيرًا من الفلكيين يتنبئون على الكسوف والخسوف قبل أن يقع ليس بشهور ولا بسنة ولا بسنين وإنما هي عمليات حسابية دقيقة جدًا لما سخر الله كما ذكرنا للناس بها يتمكنون من أن يتنبئوا وأن يخبروا الناس بالكسوف والخسوف إلى ما بعد سنين طويلة، ثم إن نبئهم يحتوي عادًة على تفاصيل دقيقة بحيث يقولون: أن الخسوف في المنطقة الفلانية يكون خسوفًا كليًا .. في منطقة ثانية يكون نصفيًا .. في منطقة ثالثة يكون جزئيًا، وهكذا يُرى الخسوف في مكان كذا ولا يرى في مكان كذا إلى آخره، هل هذا الذي أصبح أمرًا ملموسًا لا شك فيه ولا ريب وليس هو كالمسألة التي وُجِّه السؤالُ حولها، الكسوف والخسوف هذا دائمًا نقرؤه في الجرائد ويقع ذلك، فهل هذا من العلم الغيب الذي تفرد الله تبارك وتعالى به كما في آيات كثيرة منها:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65)؟ الجواب: لا؛
لأن المقصود بالغيب هنا هو ما يتخيله كثيرًا ممن ينتمون إلى التصوف أو إلى الطرق حيث يذكرون في كتب هؤلاء بأن الولي الفلاني كان ينظر هكذا فيطلع
على اللوح المحفوظ ويقول: فلان يموت وفلان يسعد وفلان يشقى إلى آخره، هذا العلم الذاتي ليس إلا لله وحده لا شريك له في كل شيء، ومن ذلك لا شريك له في علم الغيب.
كنت ذكرت لكم في جلسة مضت قول الله تبارك وتعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن: 26 - 27) انظروا كيف يقول ويُفرِّق بين علمه تبارك وتعالى بالغيب فيذكر أنه يعلم الغيب بذاته، أما الرسل المصطفين الأخيار الذين يأتوننا أحيانًا ببعض المغيبات فعلمهم بها ليس من باب العلم بالغيب ذاتية منهم وإنما بإطلاع الله لهم عليه، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ} (الجن:26) فلا يطلع .. فلا يُعلِم أحدًا على ذلك الغيب {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن: 27) فإذًا: هذه الأحاديث الكثيرة والكثيرة جدًا التي جاءت في كتب الحديث والتي تدخل بصورة خاصة في علامات الساعة سواًء ما كان منها من العلامات الكبرى أو الصغرى، هذا ليس من علم الرسول بالغيب؛ لأن هذا كما ذكرنا تفرد الله به سبحانه وتعالى، وإنما هذا من إطلاع الله عز وجل لنبيه على ما شاء من الغيب، إذا عرفنا هذه الحقيقة سَهُلَ علينا أن نفهم أن تنبؤ الفلكيين بخسوف الشمس والقمر هذا ليس من باب الاطلاع على الغيب وليس من باب العلم بالغيب وإنما هو استعمال منهم للوسائل التي سخرها الله لهم فيصلِون بها إلى معرفة ما غاب عن سائر الناس، وهؤلاء الناس هم في الحقيقة لو سلكوا نفس السبيل من التعلم للوسائل التي هم تعلموها فتمكنوا بها معرفة متى يقع الخسوف على التفصيل السابق ذكره لكانوا أيضًا عارفين معرفتهم بالكسوف والخسوف.
فإذًا: العلم بشيء غاب عن الناس بوسيلة من الوسائل التي خلقها الله هذا ليس من باب معرفة الغيب فلا إشكال، هناك مثلًا أمر كنت قرأته قديمًا في بعض
الكتب يمكن أن يكون صحيحًا وهو الغالب: أن الفلاح يمكنه أن يعرف عمر الشجرة بعد قطع جذعها من الدوائر التي يراها في نفس الجذع، فيقولون: بأن كل دائرة تعني سنة، فإذا كان هناك في هذا الجذع دائرتان فهو يقول: عمر هذه الشجرة سنتان، ثلاثة ثلاثة وهكذا، بل كنت قرأت ما هو أدق وأغرب من ذلك: بأنه يمكن معرفة عمر الإنسان بالنظر إلى الخطوط التي تُرى بشيء من الدقة في أظافر الإنسان فكل خط أيضًا يعني سنة، فهذا ما يهمني هل صح أم لم يصح، كمسألة الجنين والاكتشاف أنه ذكر أو أنثى، لكن إن صح ذلك فلا إشكال وليس هو من باب مشاركة الله عز وجل في علم الغيب وإنما هو من طريق استغلال هذه الوسائل التي خلقها الله وتعرَّف بها على ما يَخفى على الناس.
إذا عرفنا هذا فلا يهمنا أبدًا صح طبيًا اكتشاف هوية الجنين أذكر هو أم أنثى أو لم يصح؛ لأنه إن صح فليس ذلك من باب العلم بالغيب وإنما هو من باب استغلال الوسائل التي سخرها الله للإنسان لاستكشاف ما ورائها من الأمور التي تغيب عادًة على سائر الناس.
قلت: أن هذا لا يعني مشاركة الله في الغيب من ناحيتين هذه إحداهما، والأخرى: أن الله تبارك وتعالى حينما قال: {وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَامِ} (لقمان: 34) أي: هو وحده فقط يعلم تفصيليًا، فإن استطاع العلم مثلًا أن يكتشف هوية الجنين هل هو ذكر أو أنثى ولكن هو لا يستطيع أن يحيط علمًا بهذا الجنين مثلًا هل هو سيكون كاملًا أم يكون ناقصًا؟ يعني: خلقه يكون تامًا أم ناقصًا، ثم يعلم ما في الأرحام قبل أن تعلق العلقة هناك أو البويضة كما يقولون بمني الرجل، فمجرد أن يقذف الرجل بمائه في رحم المرأة فالله عز وجل يعرف أن هذا الماء سينعقد أو لا، وإذا انعقد سيكون ذكرًا أو أنثى، وإذا كان ذكرًا أو أنثى هل سيكون خلقه تامًا أم لا، هل سيكون سعيدًا أم شقيًا أم أم إلى آخره، هذه التفاصيل مستحيل على العلم
مهما علا وسما أن يحيط بها علمًا، كذلك هو مما تفرد الله به عز وجل وهو المعنى بقوله:{وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَامِ} (لقمان: 34).
مداخلة: تقريبًا بالسؤال، أحد الإخوة يقول: فلماذا حُرِّم إتيان الكهان وهم أيضًا يستعملون بعض الوسائل لمعرفة بعض الغيب عن سائر الناس؟.
الشيخ: ثمة فرق كبير بين المسألتين، الكهان يتصلون بالجان، وكما ثبت في الأحاديث الصحيحة ولعلكم تذكرون ذلك جميعًا أن الجن يسترقون السمع، ثم ينزل أحدهم إلى قرينه من الإنس فيلقي في أذنه ما يكون قد سمعه من السماء مما تتحدث به الملائكة، ثم يضيفون إلى ذلك أكاذيب كثيرة وكثيرة جدًا، فيختلط الحق الذي سمعه الجني من حديث الملائكة بالباطل الذي أضافوه إليه، وألقوا ذلك جميعًا في أذن قرينهم من الإنس، ولذلك فكانوا يستغلون ولا يزالون يستغلون هذا إلى اليوم ليوهموا الناس أنهم يعرفون ما يجهله الناس من العلم بالغيب، ولذلك ولأنهم أضلوا بذلك وضلوا نهى الرسول عليه السلام عن
إتيان الكهان وقال: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل
على محمد».
أما هؤلاء الأطباء فهم مع أنهم في ضلال مبين بسبب أنهم كفروا برب العالمين ولم يؤمنوا بشريعته التي أنزلها على قلب نبينا عليه السلام فهم مع هذا الضلال لا يدعون أنهم يعرفون الغيب، بل هم يصرحون بأنهم كلما ازدادوا علمًا ازدادوا معرفة بجهلهم فشتان بين هؤلاء الذين يتعاطون الوسائل العلمية لمنفعة الناس والكشف عما يضرهم وعما ينفعهم ولا يدَّعون شيئًا من الصلة بعالم السماء شتان بين هؤلاء وبين العرَّافين والكهان الذين حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من الإتيان إليهم وتصديقهم.
"فتاوى الإمارات"(6/ 0040: 38: 00)