الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قال الإمام]:
فعلوا ذلك تبركًا به صلى الله عليه وآله وسلم وحبًّا له، وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه لحكمةٍ بالغة، ظهرت فيما يأتي من القصة، وقد جاء ما يشعر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صرفهم عن ذلك في حادثة أخرى، كما حققته في بعض مؤلفاتي. انظر "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(2998).
"مختصر صحيح البخاري"(2/ 233).
[311] باب هل يقاس التبرك
بآثار الصالحين على التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم
-
[قال الإمام منبهًا على بعض أخطاء البوطي في فقه السيرة]:
قال [أي البوطي في "فقه السيرة"] في حاشية (ص 197) بعد أن نبه إلى معجزة فرس سراقة وغوص قائمتيها في الأرض، ومعجزة خروجه صلى الله عليه وآله وسلم من بيته وقد أحاط به المشركون، وتبرك أبي أيوب الأنصاري وزوجه، ثم استطرد فذكر تبرك أم سلمه بشعره صلى الله عليه وآله وسلم وأم سليم بعرقه وغير ذلك ثم علق عليه فقال: «يرى الشيخ ناصر الألباني أن مثل هذه الأحاديث لا فائدة منها في هذا العصر، ذكر ذلك في نقد له على أحاديث كان قد انتقاها الأستاذ محمد المنتصر الكتاني لطلاب كلية الشريعة.
ونحن نر ى أن هذا كلام خطير لا ينبغي أ، يتفوه به مسلم، فجميع أقوال الرسول وأفعاله وإقراراته تشريع، والتشريع باق مستمر إلى يوم القيامة ما
لم ينسخه كتاب أو سنة صحيحة، ومن أهم فوائد التشريع ودليله معرفة الحكم، والاعتقاد بموجبه.
وهذه الأحاديث الثابتة الصحيحة لم ينسخها كتاب ولا سنة مثلها فمضمونهما التشريعي باق إلى يوم القيامة ومعنى ذلك أنه لا مانع من التوسل والتبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام فضلاً عن التوسل بذاته وجاهه عند الله تعالى، وأن ذلك ثابت ومشروع مع الزمن، فكيف يقال مع ذلك أنه لا فائدة منها في هذا العصر؟!
أكبر الظن أن السبب الذي ألغى فائدتها بنظر الأستاذ الشيخ ناصر أنها تخالف مذهبه في التوسل غير أن ذلك وحده لا يكفي موجباً لنسخها وإنهاء فائدتها كما هو معلوم».
هذا كلام البوطي بالحرف الواحد نقلته على طوله وقلة فائدته ليكون القراء على يقين من مبلغ علم هذا الرجل وخوفه من الله تعالى، وعدم مبالاته بتهمة الأبرياء والطعن فيهم بغير حق، ولبيان هذه الحقيقة هنا أقول:
أولاً: إن ما نسبه إليّ من الرأي إن هو إلا اختلاق. وإن مما يدل على جرأة الرجل وقلة خوفه من الله وحيائه من الناس عزوه ذلك إلى نقدي لأحاديث الكتاني، وليس فيه هذا الفرية الباطلة كما سترى ولو كان الدكتور ينتقد بإخلاص وعلم لنقل عبارتي، وانتقدها انتقاد علمياً موضوعياً، ولكنه يعلم أنه لو فعل ذلك لانكشف عند القراء، ولذلك فهو جرئ على هذه الطريقة من النقد يعزو القول إلى القائل وهو لم يقل ذلك أصلاً، أو قال شيئاً منه ولكن الدكتور يأخذ بعضاً، ويترك بعضا كمثل من يقول "ولا تقربوا الصلاة" ويسكت، فاسمع نص كلامي في نقدي المذكور للكتاني؛ قلت:(ص56) ما نصه: 6 - إيراده أحاديث لا يترتب على معرفتها اليوم كبير فائدة تحت العناوين الآتية: (ص21)«التبرك بآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمره» وذكر فيه حديث علي بن أبي طالب وفيه أمره صلى الله عليه وآله وسلم له ولغيره أن
يشربا من إناء مج فيه صلى الله عليه وآله وسلم وأن يفرغاه على وجوههما، ثم قال:«تبرك الصحابة بآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» .ثم أورد فيه حديث طلق بن علي وفيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم توضأ وتمضمض ثم صبه في إداوة لهم. ثم أعاد الترجمة ذاتها وذكر تحتها حديثاً ثالثاً في تبرك أسماء بجبته صلى الله عليه وآله وسلم ثم أعاد الترجمة للمرة الرابعة وأورد فيه حديثاً في تبرك أم سلمه بشعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فما هو الفائدة من تكرار هذه العناوين والتراجم في الوقت الذي لا يمكن اليوم التبرك بآثاره صلى الله عليه وآله وسلم لعدم وجودها؟ وما يفعلونه اليوم في بعض البلاد من التبرك في بعض المناسبات بشعرة محفوظة في زجاجة فهو شيء لا أصل له في الشرع، ولا يثبت ذلك بطرق صحيحة.
نعم إنما يستفيد من هذه التراجم بعض مشايخ الطرق كما سبق ذكره في المقدمة، ولعل المصنف وضع هذه التراجم مساعدة منه لهم على استعباد مريديهم وإخضاعهم لهم باسم التبرك بهم والله المستعان».
هذا الذي قلته في النقد المذكور نقلته مضطراً بالحرف الواحد ليقابله القارئ الكريم بما نسبه البوطي إليّ، ليتبين له افتراؤه وغلواءه في قوله:«هذا كلام خطير لا ينبغي أن يتفوه به مسلم،» ! فأنت ترى أن الدكتور تعمد حذف لفظة «كبير» المضافة إلى «فائدة» والتي هي نص صريح في أنني لا أنفي الفائدة مطلقاً من معرفتها كما زعم البوطي، وإنما أنفي فائدتها الكبرى وهذا أمر واضح لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى، وقد عللت ذلك بتعليل بين فقلت:«لا يمكن اليوم التبرك بآثاره صلى الله عليه وآله وسلم لعدم وجودها .... » فتبقى الفائدة التي ليست بكبيرة إنما هي معرفتها لمجرد العلم بالشيء ولا الجهل به، فكيف ينسب البوطي إليّ تلك الفرية:«هذه الأحاديث لا فائدة منها في هذا العصر» ؟!
ثانياً: هب أنني قلت ذلك، فهلا ذكر السبب الذي قلته في تعليل ذلك بديل أن يكتمه عن الناس فيوقعهم في الولوغ في عرض الألباني وذهابهم مذاهب شتى في تعليل ذلك والطعن فيه، أم أن هذا هو الذي يقصده البوطي بكل ما يكتبه ضد الألباني، وليس هو النصح لهم؟!
ثالثاً: أما كان من الواجب على الدكتور البوطي أن يرد على تعليلي المذكور إن كان عنده رد، بديل أن يأخذ من نقدي المتقدم على الكتاني- على طوله- تلك الجملة المبتورة، «لا فائدة منها» فيكذب علي!
رابعاً: لا أشك أن هناك خلافاً كبيراً بيننا وبين الدكتور البوطي في تقدير فائدة أحاديث التبرك فهي عندي وعند كل ذي عليم فيما اعتقد غير ذي موضوع اليوم، وهذا لا ينافي فائدة معرفتها كما سبق بيانه، بينما يرى الدكتور أنها ذات موضوع، لأنها تدل على التبرك، وهو والتوسل بمعنى واحد عنده كما يدل عليه قوله المتقدم: «ومعنى ذلك أنه لا مانع من التوسل والتبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام فضلاً عن التوسل بذاته وجاهه
…
» إلخ. وأصرح منه قوله في صلب الكتاب في الصفحة (197):
وصرح في مكان آخر (ص 355) أن المناط إنما هو كونه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق.
فأقول: في الكلام خبط وخلط كثير وادعاء ما لا أصل له، وما لا يعقل، كما أنه ليس هناك ولا حديث واحد يثبت به مطلق التوسل الذي زعمه الدكتور (المقلد الذي يقول ما لم يقله أي مجتهد في الدنيا!!) فهلا ذكر شيئاً من تلك الأحاديث التي تثبت مطلق التوسل، وبين وجه دلالتها على ما زعم، وأعرض عن هذا الكلام والجعجعة التي لا طحن فيها.
ثم كيف يجعل التوسل بمعنى التبرك، والتوسل عنده لا يستلزم حضور المتوسل به، كما هو صريح كلامه، وبين التبرك الذي يقتضي حضور الشيء المتبرك به، كما هو ظاهر الأحاديث التي ذكرها الأستاذ البوطي ومن قبله الكتاني وغيرهما؟! وإلا فكيف يمكن التبرك بها؟!
وأيضاً فكلامه صريح في جواز التوسل بقوله في دعائه: اللهم إني أتوسل إليك بفضلات نبيك وعرقه و
…
وغير ذلك مما يستحي من كتابته فضلا عن النطق به كل مسلم عاقل غيور على مقام الإلوهية، ويا خجلتاه إذا قام الدكتور على المنبر يوم الجمعة يدعو بهذا الدعاء تحقيقاً منه لما ذهب إليه من فلسفة التوسل بالفضلات!!
وتالله لقد ازددنا يقيناً بعدم مشروعية التوسل بالذات لما رأينا الدكتور البوطي قد استلزم منه مشروعية التوسل بجزء من أجزاء الذات حتى ولو كان من الجنس الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه يتطهر ويتنزه منه كما هو ثابت في «الصحيحين» وغيرهما من كتب السنة المطهرة.
خامساً: لقد تبين مما سبق أن ما ظنه الدكتور البوطي في السبب ظن إثم؛ لأني أولاً لم ألغ فائدة أحاديث التبرك بآثاره صلى الله عليه وآله وسلم كما سبق بيانه. وثانياً لأنه قائم على
تسويته الباطلة بين التبرك والتوسل من جهة، وعلى مشروعية التوسل بالذات من جهة أخرى، وكلاهما غير صحيح كما قدمنا ولو بإيجاز.
وأما غمزه إياي بالشذوذ في قوله: «أنها تخالف مذهبه في التوسل» فهو ناشئ من عدم مراعاته الأدب مع الأئمة الذين يخالفون رأيه ولا ـ أقول مذهبه؛ فأنه لا مذهب له على الرغم من لا مذهبيته! وإلا فأين هو من قول الإمام أبي حنيفة: «أكره أن يسأل الله إلا بالله» فلم يجز الإمام السؤال بالذات فضلاً عن الفضلات كما هو رأي المقلد المجتهد الجامع للمتناقضات!! وما ذهب إليه الإمام هو مذهب صاحبيه أيضاً فضلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين، وهو المذهب المنصور من الأحاديث النبوية والآثار السلفية، كما تراه مفصلاً في رسالتي الخاصة في التوسل، مع الرد على شبهات المخالفين ونقدها روايةً ودرايةً، ومن ذلك الرد مفصلاً على البوطي في خلطه بين التوسل والتبرك، وتجويزه التوسل بالفضلات، وما يصل هذا المقال إلى أيدي القراء الكرام إلا وتكون الرسالة قد تداولتها الأيدي وانتفع بها إن شاء الله كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومعذرة إلى القراء مما اضطررنا إليه من الإطالة في الرد على البوطي في هذه الفقرة التي جرتنا إلى الخروج عما نحن بصدده من الرد عليه من الناحية الحديثية المحضة التي توجهتُ إليها في هذه المقالات دون مناقشة في آرائه الفقهية التي خالف فيها الأدلة الشرعية، ولعلي أتفرغ بعد للكتابة في ذلك بإذن الله تعالى.
"دفاع عن الحديث النبوي"(ص74 - 79)