الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آنفاً قوله عليه السلام في قصة الرهط: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» هذه نصيحة نوجهها لكل إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لعل الله تبارك وتعالى ينفع بها.
"الهدى والنور"(292/ 36: 17: 00)
[290] باب منه
[قال الإمام]:
الأمر عندنا معشر المسلمين
…
أنه عليه السلام مميز على البشر بالوحي، ولذلك أمره الله-تبارك وتعالى-أن يبين هذه الحقيقة للناس فقال في آخر سورة الكهف:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وعلى هذا كان لكلامه صلى الله عليه وآله وسلم صفة العصمة من الخطأ لأنه كما وصفه ربه عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وليس هذا الوحي محصوراً بالأحكام الشرعية فقط، بل يشمل نواحي َ أخرى من الشريعة منها الأمور الغيبية، فهو صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان لا يعلم الغيب كما قال فيما حكاه الله عنه:{وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 187) فإن الله تعالى يطلعه على بعض المغيبات وهذا صريح في قول الله تبارك وتعالى: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} وقال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} .
فالذي يجب اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم الغيب بنفسه ولكن الله تعالى يُعْلِمُهُ ببعض الأمور المغيبة عنا، ثم هو صلى الله عليه وآله وسلم يُظهرنا على ذلك بطريق الكتاب والسنة، وما نعلمه من تفصيلات أمور الآخرة من الحشر والجنة والنار ومن عالم الملائكة والجن وغير ذلك مما وراء المادة، وما كان وما سيكون، ليس هو إلا من
الأمور الغيبية التي أظهر الله تعالى نبيه عليها، ثم بلَّغنا إياها، فكيف يصح بعد هذا أن يرتاب مسلم في حديثه لأنه يخبر عن الغيب؟! ولو جاز هذا للزم منه رد أحاديث كثيرة جداً قد تبلغ المائة حديثاً أو تزيد، هي كلها من أعلام نبوته صلى الله عليه وآله وسلم وصدق رسالته، وردُّ مثل هذا ظاهر البطلان، ومن المعلوم أن ما لزم منه باطل فهو باطل، وقد استقصى هذه الأحاديث المشار إليها الحافظ ابن كثير في تاريخه وعقد لها باباً خاصاً فقال:" باب ما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم من الكائنات المستقبلة وفي حياته وبعدها فوقعت طبق ما أخبر به سواء بسواء " ثم ذكرها في فصول كثيرة فليراجعها [من] .. شاء في "البداية والنهاية"(6/ 182 - 256) يجد في ذلك هدى ونوراً بإذن الله تعالى، وصدق الله العظيم إذ يقول:{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ} . وقال: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} .
فليقرأ المسلمون كتاب ربهم وليتدبروه بقلوبهم يكن عصمة لهم من الزيغ والضلال، قال صلى الله عليه وآله وسلم:
«إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً» (1).
" مقالات الألباني"(ص 159 - 161)
(1) حديث صحيح، أخرجه ابن نصر في "قيام الليل"(ص74) وابن حبان في صحيحة (ج 1 رقم 122) بسند صحيح، وقال المنذري في "الترغيب" (1/ 40):"رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد". [منه].