الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنكارها، لكن هذا بمشيئة الله عز وجل وبتقديره، فهذه النقطة هي التي أراد الرسول عليه السلام أن يلفت إليها نظر العرب يومئذ؛ لأنهم كانوا يعيشون في جاهلية جهلاء، كانوا لا يعرفون الله عز وجل؛ ولذلك كانت أفكارهم تنصب على المظاهر في الحياة الدنيوية وهم عن الآخرة هم غافلون.
إذاً: لا عدوى باختصار بذاتها، لا عدوى بذاتها، أما بمشيئة الله وإرادته فهذا يقع، وهنا يأتي حديث:«ارجع فإنا قد بايعناك» حديث الحجر الصحي كما ذكرنا وهكذا، وهناك أحاديث كثيرة جداً من هذا النوع، فمن أراد التوسع فعليه بالكتابين المذكورين آنفاً:«مختلف الحديث» لابن قتيبة، «ومشكل الآثار» لأبي جعفر الطحاوي.
"الهدى والنور"(696/ 35: 00: 00)
[433] باب منه
سؤال: أخ يسأل ويقول: كيف نوفق بين حديث: «لا عدوى ولا طيرة» ، وحديث:«فر من المجذوم فرارك من الأسد» ؟
الشيخ: أي نعم، إذا أَحْسَنَّا فهم الحديث الأول، زال الإشكال ولم يبق هناك داعي للجمع، إذا فهمنا أن المقصود من قوله عليه السلام:«لا عدوى» : بنفسها، ومفهوم ذلك أن هناك عدوى بإذن ربها، فلا إشكال.
الحديث يُوضِّح أن العقيدة الجاهلية قبل النبوة والرسالة، والتي يشببها تماماً عقيدة الأطباء غير الإسلاميين اليوم وبعض الإسلاميين، هم يتوهمون أن العدوى تنتقل بطبيع الحال، والنبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يبطل هذه العقيدة التي كانت مقترنة بالعدوى، وأن يلفت نظر هؤلاء العرب الذين هداهم الله على يدي
نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعرفوا أن هذه العدوى صحيحة، لكن هذه مشيئة الله، ولله عز وجل أن يؤخر المسَبَّب عن السبب، أي أن يَبطل السبب فلا يظهر ولا يتَحقق المسبَّب، كما هو معروف في قصة النار مع إبراهيم عليه السلام، فالنار هي تحرق ولكن تحرق بإذن الله عز وجل، الله تبارك وتعالى هو الذي جعل لها هذه الخصوصية، لكن ما هو ملزم بها بحيث أنه يكون هو مترتبط معها ارتباطاً
…
، هذه خصوصية أنها تحرق إلا أن يشاء [الله] فلا تحرق.
هكذا العدوى أو في بعض الأمراض طبيعة وضعها الله عز وجل فيها أن تنتقل إلى السليم من المخلوقات، لكن ذلك كله بمشيئة الله تبارك وتعالى، وهذا واضح في تمام الحديث لما ذكر الرسول عليه السلام:«لا عدوى ولا طيرة» ، قال رجل أعرابي:«نرى الجمال السليمة يدخل بينها الجمل الأجرب فيعيدها،» فقال له
عليه السلام: .. ما قال له: أنت ما فهمت عليّ، أنه أنا أقول ما في عدوى، لا، هو أراد أن يثبت له العدوى بإذن الله، فقال له:«فمن أعدى الأول؟» ، طبعاً جواب
المؤمن: الله.
إذاً العدوى موجودة لكن بإذن الله تبارك وتعالى، وحينئذٍ إذا كان معنى الحديث لا عدوى إلا بمشيئة الله عز وجل، فما في منافاة أن يتخذ مسلم السبب المشروع بألَاّ يصاب بذاك المرض الذي معروف عند الناس بأنه يعدي، وعلى هذا يحمل قوله عليه السلام كما في "صحيح مسلم": أن رجلاً جاء ليبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي يده مرض جذام، فأراد أن يبايعه فقال له عليه السلام:«ارجع فإنا قد بايعناك» ، إما أنه فعل هذا عليه السلام من باب الأخذ بالأسباب، وإما أنه فعل ذلك تعليماً، وإما أخيراً للأمرين معاً، يعني تعليماً وأخذاً بالأسباب.