الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحق أن الموتى يسمعون في الجملة فيقتصر على القول بسماع ما ورد السمع بسماعه.
وهذا مذهب طوائف من أهل العلم كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي على ما سيأتي في الرسالة (ص 70) وما أحسن ما قاله ابن التين رحمه الله:
" إن الموتى لا يسمعون بلا شك، لكن إذا أراد الله تعالى إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع لقوله تعالى:{إنا عرضنا الأمانة} الآية وقوله: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها} الآية. كما نقله المؤلف فيما يأتي (ص 72).
فإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الموتى لا يسمعون فقد تبين أنه لم يبق هناك مجال لمناداتهم من دون الله تعالى ولو بطلب ما كانوا قادرين عليه وهم أحياء كما تقدم بيانه في (ص 16 - 21) بحكم كونهم لا يسمعون النداء، وأن مناداة من كان كذلك والطلب منه سخافة في العقل وضلال في الدين وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم:{ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون. وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} (الأحقاف: 5 - 6).
"تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات"(ص37 - 63).
[253] باب اعتقاد سماع الموتى من وسائل الشرك
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال]:
«إذا مررت عليهم (يعني أهل القبور) فقل: السلام عليكم يا أهل القبور من المسلمين والمؤمنين، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. فقال أبو رزين: يا رسول الله ويسمعون؟ قال: ويسمعون، ولكن
لا يستطيعون أن يجيبوا، أولا ترضى يا أبا رزين أن يرد عليك "بعددهم من" الملائكة». (منكر).
[قال الإمام]:
أخرجه العقيلي في " الضعفاء "(369) وعبد الغني المقدسي في " السنن "(ق 92: 2) عن النجم بن بشير بن عبد الملك بن عثمان القرشي، حدثنا محمد بن الأشعث، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:" قال أبو رزين: يا رسول الله: إن طريقي على المقابر، فهل من كلام أتكلم به إذا مررت عليهم؟ قال: " فذكره. وقال العقيلي والزيادة له: " محمد بن الأشعث مجهول في النسب والرواية، وحديثه هذا غير محفوظ، ولا يعرف إلا بهذا الإسناد.
وأما " السلام عليكم يا أهل القبور " إلى قوله " وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " فيروى بغير هذا الإسناد من طريق صالح، وسائر الحديث غير محفوظ ".
والنجم بن بشير أورده ابن أبي حاتم (4/ 1) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
قلت: فهو بهذه الزيادة منكر، لتفرد هذا المجهول بها، وأما بدونها فهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث عائشة وبريدة، وهو مخرج في كتابي " أحكام الجنائز وبدعها ".
وهذه الزيادة منكرة المتن أيضاً، فإنه لا يوجد دليل في الكتاب والسنة على أن الموتى يسمعون، بل ظواهر النصوص تدل على أنهم لا يسمعون. كقوله تعالى:{وما أنت بمسمع من في القبور} وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه وهم في المسجد: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإن صلاتكم تبلغني
…
» فلم يقل: أسمعها. وإنما تبلغه الملائكة كما في الحديث الآخر: «إن لله ملائكة سياحين
يبلغوني عن أمتي السلام». رواه النسائي وأحمد بسند صحيح.
وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «العبد إذا وضع في قبره، وتولىَّ وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له
…
» الحديث رواه البخاري فليس فيه إلا السماع في حالة إعادة الروح إليه ليجيب على سؤال الملكين كما هو واضح من سياق الحديث.
ونحوه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعمر حينما سأله عن مناداته لأهل قليب بدر: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» هو خاص أيضاً بأهل القليب، وإلا فالأصل أن الموتى لا يسمعون، وهذا الأصل هو الذي اعتمده عمر رضي الله عنه حين قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنك لتنادي أجساداً قد جيفوا، فلم ينكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل أقره، وإنما أعلمه بأن هذه قضية خاصة، ولولا ذلك لصحح له ذلك الأصل الذي اعتمد عليه، وبين له أن الموتى يسمعون خلافا لما يظن عمر، فلما لم يبين له هذا، بل أقره عليه كما ذكرنا، دل ذلك على أن من المقرر شرعا أن الموتى لا يسمعون. وأن هذه قضية خاصة.
وبهذا البيان ينسد طريق من طرق الضلال المبين على المشركين وأمثالهم من الضالين، الذين يستغيثون بالأولياء والصالحين ويدعونهم من دون الله، زاعمين أنهم يسمعونهم، والله عز وجل يقول:{إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} .
وراجع لتمام هذا البحث الهام مقدمتي لكتاب " الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات " للآلوسي.
"الضعيفة"(3/ 284 - 286).