الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأمتك، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «اجبريل! ما اسمه وما صفته؛ قال: أما اسمه فأويس
…
».
قال ابن حبان: "فذكر حديثاً طويلاً في ورقتين، وهو باطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ابن عمر أسنده، ولا نافع حدث به، ولا مالك رواه. ومحمد بن أيوب يضع الحديث على مالك ".
وأقره ابن الجوزي؛ ولكنه قال فأفاد: "وقد وضعوا خبراً طويلاً في قصة أويس من غير هذه الطريق؛ وإنما يصح عن أويس كلمات يسيرة جرت له مع عمر، وأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «يأتي عليكم أويس، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل»، فأطال القصاص وأعرضوا (كذا) في حَدِيثِ أويس بما لا فائدة في الإطالة بذكره".
قلت: وحديث ابن عمر هذا قد ساقه بطوله ابن عساكر (ص 208 - 210) من طريق محمد بن أيوب نفسه، وليس فيه حديث الترجمة، ولا في غيره من طرقه الكثيرة المختلفة عند ابن عساكر سنداً ومتناً، طولاً وقصراً، لكن فيه-مع الطول البالغ فيه- جملتان استنكرتهما جداً:
الأولى: قول علي لأويس: "إنا نسألك بحق حرمنا هذا إلا أخبرتنا باسمك" .. فإنه توسل بمخلوق، وهو غير مشروع كما هو معلوم.
"الضعيفة"(13/ 1/595 - 599).
[234] باب أقسام التوسل
المشروع وحكم التوسل غير المشروع
سؤال: فضيلة الشيخ! سائل يسأل يقول: ما هو التوسل المشروع، وما قولكم في التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما صحة الأحاديث التي وردت في التوسل بذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيًا وميتًا؟
الشيخ: هذا بحث جديد، ولا أظن أنكم تصبرون عليه لا لرغبتكم عن العلم وإنما لشرطكم أن تسمعوا الجواب عما يمكن الجواب عنه وعن بقية الأسئلة، ولذلك فأنا سأوجز الجواب عن هذا السؤال بقدر ما أستطيع، فإن أطلت فلا مؤاخذة، وسلفًا أحيل إلى كتاب لمن كان حديثًا على القراءة والاطلاع إن لم يكن قد اطلع عليه البعض، ألا وهو الذي كنت سميته:"التوسل أنواعه وأحكامه"، وهو كتاب قد طبع مرارًا وتكرارًا.
التوسل نوعان: مشروع، وغير مشروع .. عبادة وغير عبادة.
أما التوسل المشروع: فهو توسل العبد إلى الله تبارك وتعالى باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته تبارك وتعالى، أو بعمله الصالح، أو بدعاء أخيه المسلم، كما جاء في هذا القسم الأخير الاستسقاء بالصالحين كما فعل عمر بن الخطاب حينما أصيبوا في عام الرمادة، خرج يستسقي فقال:«اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون» ، هذا هو الشرط المذكور، باسم من أسماء الله أو بصفة من صفات، أو بعمله الصالح، أو بدعاء الرجل الصالح، وبخاصة إذا كان من أهل البيت كالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولعل من المستحسن والمفيد أن نذكركم، وقد لا يكون بعضكم سمع بالحديث الذي فيه مشروعية توسل الداعي إلى الله بعمله الصالح وليس بعمل غيره الطالح، ألا وهو حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه، قال: بينما ثلاثة نفر ممن قبلكم يمشون في فلاة، إذ أصابهم المطر، فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليه، صخرة من الجبل
…
سد عليهم طريق الخروج من الغار، فهم في مشكلة لا مغيث لهم إلا الله
تبارك وتعالى، فلما وجدوا أنفسهم مقبورين في ذلك الغار قال أحدهم: يا هؤلاء! ادعوا الله بأعمالكم الصالحة .. توسلوا إلى الله بعمل لكم صالح لعل الله يفرجها عنكم، فقام أحدهم داعيًا فقال: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وامرأتي، وكان لي صبية صغار أرعى عليهم.
وأظنكم تفهمون بدون شرح هذه الكلمات لأنها عربية أصيلة .. كان لي أبوان شيخان كبيران أرعى عليهم، فإذا أردت حلبت فبدأت بأبوي قبل بنيي، فنأى بي ذات يوم شجر فأرحت وقد أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، وجئت للخيام قد قمت على رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون من الجوع عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ..
بقي واقفًا حذرًا أن يوقظ أبويه ليبدأ بهما كما هي عادته، يقول لعل هذا الأفضل لكن لا أريد أن أزعجهما أبدأ إذًا بالصبية الصغار وهم يتضاغون يصيحون جوعًا، إذًا: أبدأ بهما قبل أبوي، عاش هكذا مهلة أتى الصباح، وهذا من تمام تبجيله وتقديره لحق الأبوين على أولاده الصغار، لذلك قال: فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، قال: فاللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، فانزاحت الصخرة شيئًا قليلًا، لكن لا يستطيعون الخروج.
حتى قام الرجل الثاني، فقال: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت منها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، قال: فتعبت حتى جمعت لها مائة دينار، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، وقمت عنها وتركت لها مائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا كربة، فانزاحت الصخرة أيضًا شيئًا قليلًا، ولكن لا يستطيعون الخروج.
يرون آيات الله واستجابة الله لدعاء عباده الصالحين
…
ولكن لما تتم المعجزة بعد حتى يقوم الرجل الثالث ليقول: اللهم إن كنت تعلم إني استأجرت أجيرًا على فرق من أرز، يعني: شيء من أرز، فلما قضى عمله عرضت عليه فرقه فلبث عنده.
قال: فلم أزل أزرع هذا الفرق حتى جمعت بقرًا ورعائها، ثم جاءني بعد زمن طويل .. سنين عديدة، والظاهر أن الرجل ألمت به مصيبة أو أصاب قومه جوع، فتذكر أن له عند ذلك الرجل صاحب المزرعة فرق من أرز، فذهب إليه وقال له:
يا عبد الله! أعطني حقي، قال: انظر إلى تلك البقر فاذهب وخذها، قال: يا عبد الله! اتق الله ولا تستهزئ بي، إنما لي عندك فرق من أرز، قال: اذهب وخذها فإنما تلك البقر من ذاك الفرق، فذهب فساقها، فاللهم إن كنت تعلم
أنني فعلت ذلك
ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما بقي، ففرج الله عنهم ما بقي وانزاحت الصخرة فخرجوا يتمشون.
هذا دليل التوسل الثابت وهو توسل المتوسل إلى الله بعمل صالح توفر فيه الشرطان اللذان سبق ذكرهما في كلمتي الأولى وهي صالح وأنكم ترون الرجل الأول يعنى بخدمة أبيه أكثر من أولاده، والرجل الثاني اشتهى الزنا بالمرأة الغريبة عنه، فلما ذكرته بالله تذكر وانتهى، وذاك الرجل الغني لم يطمع بالرغم أنه استغل ذلك الفرق فجمع منه مالًا كثيرًا فلم يستغل هذا المال لصالح نفسه، بل أعاده إلى صاحب الأصل ألا وهو الفرق، فهذه بلا شك أعمال صالحة جليلة، ثم قالوا في توسلهم: إن كنت تعلم أننا فعلنا ذلك ابتغاء مرضاة الله، وهذا هو الإخلاص، ولذلك استجاب الله لهم وأنقذهم من ذلك الضيق الذي ألم بهم لا يقدر على
تفريج كربهم هذا إلا الله تبارك وتعالى.
أما غير هذه التوسلات الأربعة: التوسل باسم من أسماء الله، أو بصفة من صفات الله، أو بعمل الداعي الصالح، أو التوسل بدعاء الرجل الصالح، ما سوى ذلك من التوسلات فكلها من محدثات الأمور، وطالما سمعتم قول الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض خطبه:«وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» وشر البدع ما كان منها يؤدي إلى إشراك بالله تبارك وتعالى.
وبعض هذه التوسلات المبتدعة غير مشروعة كثيرًا ما يختلط بها ما هو الشرك الأكبر، كقولهم: اللهم إني أسألك بحق فلان وبحق فلان .. بجاه نبيك أو بنحو ذلك؛ لأن هذا التوسل يُشعر أن هذا المُتوسِل يعتقد أن المتوسَّل به له تأثير على الله عز وجل، وأن الله ليس يفعل ما يشاء كما نص القرآن .. إن الله عز وجل يفعل ما يشاء:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (الإنسان: 30) بل بعض هؤلاء المتوسلين يشعرون أنفسهم بأن لصاحب الجاه تأثيرًا على الخالق للناس أجمعين، والدليل على ذلك كما جربنا كثيرًا وناقشنا فيهم أي: العامة وبعض الخاصة، يقولون في إنكارهم علينا حينما ننكر عليهم التوسل المبتدع بغير هذه التوسلات الأربعة، يقولون يضربون مثلًا وبئس المثل:
أليس إذا كان لأحدنا حاجة عند ملك أو وزير أو أمير أنه لا بد من أن يقدم إليه واسطة لنقضي حاجتنا، نقول: نعم هكذا الناس، ولكن هل هذا مدح لذاك الأمير أو الوزير أو الملك أم هو قدح؟ فكنا نقول: ما رأيك في عمر بن الخطاب الذي ضرب به الكفار مثلًا للحاكم العادل فسموه: بالحاكم الديمقراطي زعموا لعدالته في شعبه، فهل كان عمر أهدى سبيلًا من هؤلاء الأمراء الذين تضرب المثل بهم لله