الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي يتكوَّن منها تاريخ الرافعي، والتي كانت تعمل في إنشاء أدبِه وتوجيه بيانِه. وفتح "الزيات" باب القول في الرافعي له وعليه حتى اجتمعتْ من ذلك طائفةٌ من القول صالحةٌ لدراسة أدب الرافعيّ دراسة جيّدة لمن ينبعث نفسهُ لها. ولكن الأخ "سعيد" لم يرض أن يقنع بذكره هو عن الرافعي وجمعه في كتابه الذي طبعه بعد وسمَّاه "حياة الرافعي"، فدأب على إظهار ما لم يظهر من آثار الرافعي قديمها وحديثها، وقد كان آخر جهد بذله في ذلك سعيه لإنقاذ مؤلفات الرافعي كلها من الضياع. فانتدب لجمعها وتصحيحها ومراجعتها وطبعها بعد ذلك سلسلة واحدة تقوم بنشرها "المكتبة التجارية". وقد كاد يفرغ من طبع أكثرها، وأنا أعلم أن بين يديه الآن كتابًا من كتب الرافعي التي لم يتمها وكان أصولًا مبعثرة رديئة الخط كثيرة الاضطراب، وهي أصول الجزء الثالث من كتابه الجليل "تاريخ آداب العرب"، واستخراج هذا الجزء وحده دون سائر كتب الرافعي يعد عملًا عظيما ووفاء نبيلًا لرجل هو كسائر الأدباء: حياته حياة أدبه، فإذا مات لم يجد في هذا الشرق الغافل من ينفخ الحياة في آثاره الأدبية مرة أخرى.
إن هذا التراث الذي خلفه الرافعي للأدب العربي، قد جعله الله أمانة بين يدي "سعيد" فهو يؤدي اليوم إلى الناس هذه الأمانة وافية كاملة لم ينتقص منها شيء -إلا شيئًا يعجزه أن يهتدى إليه أو يقع عليه، وغدًا يجد الناس بين أيديهم كل ما كتبه الرافعي حاضرًا لم يضع شيء منه وكذلك يجد من يريد سبيله إلى معرفة الرافعي من قريب وتقديره والحكم إما له وإما عليه.
مصر المريضة
ألقى الدكتور عبد الواحد الوكيل بك، أستاذ علم الصحة بكلية الطب، في المؤتمر الحادي عشر للمجمع المصري للثقافة العلمية محاضرة هي تصوير للآلام التي تعانيها الصحة في مصر، وتمثيل للحقائق المؤلمة المخيفة التي تعمل عملها في هدم البناء الصحي للأبدان المصرية. وقد نشر صديقي الأستاذ "فؤاد صروف" قسما من هذه المحاضرة في مقتطف مايو سنة 1940، فأخذتها
وقرأتها وأنا أرجف بالرعب والفزع لما مثل لعيني من تلك الحقائق البشعة الشنيعة، وهي على بشاعتها وشناعتها متفشية منتشرة تغزو مصر من جميع نواحيها غزوًا مهلكًا مبيرًا، ثم لا تجد من يرده عنها من الجنود المجندة المقاتلة التي هي كل صناعة الطب وأسباب صناعته.
لقد عمد الدكتور الوكيل إلى الإحصاء الصحي في مصر، فبان منه أن البلاد إذا لم تتدارك أمر الصحة بأوثق العزم وأحكم التدبير وأسرع العمل، فسوف تنتهي إلى فناء محقق يأكل القوة المصرية كما تأكل النار يَبْس (1) الهشيم. ونحن في فاتحة عصر رهيب قد بدأ بالحرب المجتاحة، تأتي معها الأوبئة والأمراض وتجر في أذيالها أوبئة أخرى وقحطًا ومجاعة -إلا أن يشاء الله. والعالم كله يخشى ويتأهب ويستعد، فهل عمدتْ مصر إلى جعل الوقاية الصحية تدبيرًا ممتدًّا مع أسوأ الفروض التي يمكن أن توحي بفرضها أوهامنا ومخاوفنا وتشاؤمنا من الأيام المحاربة والأيام التي تلْقى عن عواتقها أوزار الحرب بعد أن تأكل القوة بعضها بعضًا في ميادين الوَغَى والقتال؟
يقول الدكتور الوكيل: "ونحن إذا رجعنا إلى نسبة الوفيات العامة سنة 1937 في مصر وثلاثين دولة أخرى في مختلف القارّات متدرجين من الأسوء إلى الأفضل، اتضح لنا أن مصر في رأس هذه القائمة؛ ومن هذه البلدان: الهند واليونان وبلغاريا وفلسطين". . . لا، بل أكثر من ذلك، وهو أن الإحصاء يدل دلالة قاطعة على أن الأطفال هم 8 ، 55 % من مجموع الموتى، وأن هذه النسبة في صعود متواصل حتى في هذا العهد الذي نحن فيه. بل انظر إلى الأصل فالدكتور الوكيل يقول: إنا إذا أخذنا الأمراض المتفشيه كالبلهارسيا والأنكلستوما والرمد والسل والأمراض العقلية والملاريا والتيفوس والتيفود والدفتريا والأنفلونزا الحادة والحمرة وغيرها، ثم جمعنا بعضها إلى بعض مرضًا مرضًا كانت ما يربو
(1) اليَبْس واليابِس بمعنى.
على 50 مليون مرض، فإذا وزعت هذه الملايين على المصريين أصاب كل شخص ثلاثة أمراض في وقت واحد.
وهذه النتيجة المؤلمة قد أفضت إلى هذه الغاية باهتمام القائمين على أمر الصحة والتعليم بالحضر دون الريف، وبالذي كان من طغيان الجهل واستبداد الفقر بطبقات الشعب التي يتكون منها السواد الأعظم. وقد وضع الدكتور الوكيل مشروعه لمكافحة هذه الحالة، فهل يمكن أن تكون الوزارات المختصة قد عرفت حق مصر فهبت إلى القيام بواجبها في الدفاع عن البلاد لإنقاذها من براثن هذه الأعداء المتعادية المتخالفة على قتال الروح والحياة في الشعب المصرى؟ ذلك ظننا، واللَّهُ خيرٌ حافظًا وهو أَرْحَمُ الراحِمِين.