الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مذكرات عمر بن أبي ربيعة صديق إبليس
" قال عمر بن أبي ربيعة":
"لم أزلْ أرى كَلْثم "هي بنت سعد المخزومية زوجة عمر" أجزلَ النساء رأيًا وأصلبهنَ مكسِرًا (1)، وأقواهُن على غيرة قلبها سلطانًا، حتى إذا كان مُنذ أيام رأيتُ امرأة قد استعلن ضعفها، وتهتَّك عنها جَلَدُها، وعادتْ أنثى العقلِ يُغويها الذي يغريها.
"وإن أنسَ لا أنسَ يوم احتلتُ عليها حتى دخلت إليها، وقد تهيأت لي أجملَ هيئة وزينت نفسها ومجلسها، وجلست من وراء الستْر؛ فلما سلمتُ وجلستُ، تركتني حتى سكنت، ثم رفعت الستْر عن جمال وجه يخطفُ الأبصارَ، ثم رمت في وجهي تقول: أخبرني عنك أيها الفاسق! ألست القائل كذا وكذا؟ تعني أبياتا لي، فما زلت أفتِلُ في الذِّرْوَة والغاربِ (2)، وهي تَنِدُّ عليّ وأنا مقيم عندها شهرًا لا يدرى أهلي أين أنا، ولا أدري ما فعل الله بهم. ولا والله ما مرّ عليَّ يوم إلا حسبتها امرأة قد خلقتْ بغير قلب، لما ألقاه من عنادها وامتناعها، وإني لآتيها بالسِّحْر بعد السحْر من حديث تحنُّ عليه العوانس المعتصمات في مَرَايئ الزمن، وأنا يومئذ شاب تتفجَّر الصَّبْوة من لساني، ويتلألأ الغزلُ في عينيَّ، وهي يومئذ غادة غريرة لو نازعها النسيم، فيما أرى، لاستقادتْ له من دَلِّها ولينها وغضارة العيش. ولبثت شهرًا أقول وأحتال وأستنزل عُصْمها (3)
(*) الرسالة، السنة الثانية عشرة (العدد 601)، 1944، ص: 37 - 40.
(1)
يقال رجل صُلْبُ المكْسِر، على المدح والثناء، وذلك إذا كان باقيا على الشدة لا يلين ولا ينخزل.
(2)
هذا مَثَل. الذروة: أعلى السنام. والغارب: ما بين السنام والعنق، وأصله أن يكون البعير مُصْعَبا. فيحكّ صاحبُه سنامَه وغاربَه، ويفتل الوبَر بينهما بأصابعه حتى يؤنسه بذلك، ويخدعه حتى يمكن منه فيخطمه.
(3)
العُصْم: من الوُعول ما في ذراعيه بياض، وهي تسكن أعالي الجبال.
برُقى السحر، حتى إذا قلت قد دانتْ، انفلتت مصعَّدَة قد تركتني شاخصًا أنظر إلى صيد قد طار، ثم أطرق ناظرًا إلى سحر قد بطل. فلما اشتد ذلك عليّ استأذنتها في الخروج إلى أهلي، وقد يئست منها ومن هواها، فما سمعت حتى قالت:"يمينَ الله أيها الفاسق! بعد أن فَضَحتني؟ لا والله لا تخرج أبدًا حتى تتزوجني! " فتزوجتها وهي أحبُّ النساء إليّ أن أتزوَّج، ومازلتُ معها وأنا لا أنكرُ منها شيئًا، وأقول الشعر تأخذه الألسن لتشيعه إلى الآذان، وأدخل بيتي فألقاها فلا أسمعُ منها قلتَ وقلتَ! فيكربنى إغفالُها لما يبلغها من الشعر، فألحُّ على النسيب، وأذهب كل مذهب في التشبيب، وأتبعُ النساء بعينيّ وقلبي، وأقولُ، فلا والله ما نَبَضَ لها قلب ولا تحركت لها جارحة، ولقد أدخُل عليها فإذا هي تلقاني ضاحكة لاهية، حتى أقول: لعلها لم تسمعْ! فأنادي مولاي وأملي عليه، وهي بحيث تسمعُ ما أملي، وأتخلل الإملاء بالشكوى والحنين وأرفع بهما صَوْتي، ثم أنهضُ ألقاهَا فما أرى وجْهها يربَدُّ أو يتمعَّر (1)، فكان ذلك غَيظي وشِقْوَتي، لا تزيدُهما الأيام إلا اتقادًا. ويْلُمِّه كيلًا بغير ثمن! كم ذا أُغِيرُها فلا تغارُ!
وأقبلتُ ذلك اليوم، بعد مرجعي من الكُوفَة بشهر أو أكثر، فاستقبلني جُوان (هو ولد عمر من كلثم) فقال:"يا أَبَهْ. أُمي، ما فعلت بها؟ ". قلت: "أُمك! بخير يا بُني وَعداهَا السوء". قال: "كلَاّ يا أَبَهْ، وما أدري ما بها، غير أني ظللتُ أيامًا أستخبرها، وهي خالية، عما يريبها أو يؤذيها، فلا أسمعُ منها إلا ما تنشده من شعرك.
كُنا كَمِثل الخمْرِ كان مِزَاجَها
…
بالماء، لا رَنْقٌ ولا تكديرُ
فإذا وذلك كان ظِلَّ سَحَابة
…
نَفحَتْ به في المُعْصراتِ دَبورُ (2)
"ثم تنظر إليَّ وتقول: يا جُوان، امضِ لشأنِكَ، ولا تَنْسَني في صلاتك، فوربّ هذه البنيَّةِ، لقد حملتُك ووضعتُك وأنا أدعو الله أن يُجنّبني الشيطانَ، وأن
(1) تَمَعَّر: تغير وتقبض غَضبًا.
(2)
الدبور: ريح حارة تهب من جهة الجنوب.
يجنبَ الشيطانَ ما يرزُقني، فكنتَ أنتَ يا بُنيّ دَعوتي، فادعُ ربَّك يا جُوان لأمك التي حملتك وهنا على وَهن.
فابْكِ ما شئتَ على ما انقضَى
…
كل وَصْل مُنْقَض ذاهبُ
لو يردُّ الدمعُ شيئا، لقد
…
ردَّ شيئا دمعُك الساكِبُ
فأقول: "يا أماه لقد أفزعتِني! " فتقول: "اذهبْ يا بُنيّ "لو تُركَ القَطَا ليلًا لَنام" (1). ثم تشيحُ وتنصرفُ، ولا والله ما قدرتُ منها على أكثر من أن أسألها فتجيبني بمثل ما أخبرتُك. فبالله، يا أَبَهْ، لا تدع أمي تموتُ بحسرة تتساقط عليها نَفْسُها! ارحمها يرحمك الله.
ويذهبُ جُوان ويَدَعُني لما بي، ويأخذني ما حَدُث وما قَدُم، وكيف ولم أُنْكِر منكِ يا كلثمُ شيئًا منذ رجعت من غيبتي بالكوفة؟ وإني لأدْخُلُ عليها فتُدَاعبُني وتضحك لي وتذهبُ بي في لهوها مذاهبَ، ولا والله إن وقعتُ منها على مَسَاءة تضمرها أوهمّ تكتمه، وكأن الحياة قد منعتْ دونها غِيَرَ النفس فهي لا تتغير. وهذا جُوان يقول، فلئن صَدَقَ لقد كذبتني عيناي وكذبَ عليّ قلبي، وإن كلثم لَتلهُو بي وتتلعبُ وأنا في غفلة عن كُبْر شأنها وأساها! وأذهب من ساعتي أدور في الدار أنظر، فإذا كل شيء أراهُ قد لبس من همّ نفسي غلالة سوداء نشأت بيني وبينه، وإذا أيامنا المواضى قد بُعثتْ في أَسْمال هلاهيل تطوف متضائلة في جنباتِ البيت وهي تنظرُ إليّ نظرة الذليل المطرَّد المنبوذ، وإذا كلثم قد خرجت إليهنَ كاللبؤة المُجْرِية (2) رِيعتْ أشبالُها، وإذا أنا أسمعُ همهمة كأنين الجريح تنفذُ في أذنيّ من حيثما أصْغَيتُ، وما هو إلا أن أراني في فراشي قد توكأتُ على مرفقي، والغشيةُ التي أخذتني تنقشعُ عني شيئا بعد شيء. وبعد لأي ما ذكرت ما كان من حديث جُوان كما كان، فنهضت من مكاني أَطلب كلثم في غِرَّتِها حيث هي من البيت.
وقصدت مقصورتها فإذا هي قد أجافت الباب (3)، فذهبت أفتحه وإنّ يدي
(1) هذا مَثَل، يضرب لمن يتنبه لنواذر الشر فيأخذ حذره.
(2)
المجرِية: ذات جِرْو، وهو ولدها.
(3)
أجاف البابَ: رَدَّه عليه.
لتأبى عليّ أن تمتد خشية أن أطلع منها على ما يسوؤني، وهي أحب إليَّ من أن أراها مغمومة أو مكروبة على غير ما عودتني وعودتها. فأستأذنها من ورائه قالت "مهلا يا أبا الخطابِ، وبخير ما جئت". فقلت لنفسي "كذب والله جُوان وما كان كاذبًا". فلما فتحتْ لي الباب رأيتُ سُنَّة وجه كالسيف الصقيل يبرق شبابًا ورضى، وقالت "مرحبًا بك يا عمر، لو رأيت الساعة جاريتي وهي تدخلُ على ساعية تجري تقول: سيدتي أَدْركي مولاي فقد سمعت الناس يتناشدون من شعر قاله اليوم، وإذا فيه.
ليس حُب فوق ما أحبَبْتُها
…
غير أن أقتل نفسي أو أُجَن
فاحفظيه يا سيدتي من روعة المصيبتين. فقلت لها: لقد وقى مولاك السوءَ أن ليس بينه وبين الناس إلا لسانه! ولا يقتل مولاك نفسه أو يجنّ حتى يقتل الحمام نفسه على هَدِيله (1) أو يجنُّ".
لم أدر ما أقول، فقد كانت كلماتُ جوان قد تشبحَّتْ لعينيَّ ودوَّت في أذني، فما أطقتُ صبرًا أن أسألها:"ما يقولُ جوان؟ زعم أنك لا تزالين مهمومة لأمر يستخبرك عنه فلا تخبرينه، ولقد مضت السنون بيني وبينك، ولا والله ما علمتُ إلا خيرًا ولا رأيت إلا خيرًا، وما قال إلا ما يجعلني آسَى على ما كان مني إليك مما ساءك أو رابك". وما كدتُ أتم حتى رأيتها تنتفض كالرشأ المذعور أفزعته النبأة (2)، وبَرقَت فتخاذلت وغَرِقَ صوتها فما تنطقُ فخاصرْتها (3) ومشيت بها إلى مجلس في البيت وجلست أتحفَّى بها حتى تهدأ. وبعد قليل ما قالت:"أما إذا كان هذا يا أبا الخطاب فوالله إنْ كتمتُك شيئًا".
ثم أطرقت ساعة، وأنا أنفُذُها ببصرى أطلب غيب ضميرها، ثم رفعت إليَّ بَصَرها ونظرت نظْرَة المرتاب ثم قالت "إني مُحَدِّثتك يا أبا الخطاب عما كان
(1) الهديل: فَرْخٌ -زعموا- كان على عهد نُوح عليه السلام فهلك ضيعة وعطشا، فيقولون إنه ليس من حمامة إلا وهي تبكي عليه.
(2)
النبأة: الصوت الخفي، يَنُم عن الصائد.
(3)
خاصرتها: أخذت بيدها في المشْي.
كيف كان. هذه جاريتي ظمياءُ تدخل عليَّ كالمجنونة منذ أيام تقول: "سيدتي، يمين الله أن تكتمي عليَّ ما أقول". فأقول: "أمنت يا ظمياء! ما يروعك"؟ فتقول: "لا والله ما يروعني إلا أن أدع مولاتي توصم بين نساءِ قريش وبني مخزوم، ويتحدث أهل مكة أن أم جوان قد لقيت من البلاءِ كذا وكذا". فأقول: "ويبك يا ظمياء! انظري ما تقولين! ". فتقول: "لا والله إن هو إلا الحقّ، أرأيت إلى تلك البيضاء الصهباء ذات العينين التي مازلت تجيئني منذ أيام، لقد قالت لي في عُرض حديثها: يا ظمياء لقد جئت مكة من بلادٍ بعيدة، وإني لأسمع الناس على الطريق يذكرونها ويذكرون بيت الله الحرام، فما ازددت إلا شوقًا أن أرى بيت الله الحرام، وأن أرى الناس يجاورون هذا البيت العتيق، وما وقع في قلبي إلا أن أرى دنيا لم أرها، وقومًا كتب الله لهم أن يكونوا أطهر وأتقى الناس لله. ولقد خرجتُ من بلادي وهي أبغضُ إليَّ لما أرى من فجور أهلها وانغماسهم في كل إثم وباطل، وكنت أرى أشد أهلنا فجورًا ولجاجًا أولئك الشعراء. ثم دخلت بلادكم وطوّفت فيها ما طوّفت حتى إذا انتهيت إلى أرضكم هذه، لم أزل أعرف الشعراء فيكم أَفْجَر وأفسق وأضلّ".
"فما أطقت أن أصبر يا مولاتي حتى قلت: "مَهْ يا صهباء، وكذبتِ. وأين بنو الأصفر (1) من بني يعرب؟ فإن شاعر العرب ليقول، وإن قلبه لأطهر من أن يدنسه ما يدنس به شعراؤكم أنفسهم يا بني الأصفر. وهذا مولاي وهو أغزل العرب لسانًا، وما علم أحد عليه سوءًا. قالت صهباء: ما أحسن ما رباك أهلك يا ظمياء! وأحسني ما شئت ظنك في مولاك. قلت: تبًا لك. وإنك لَتُرِيغين (2) إلى مولاي منذ اليوم، فلا والله لقد كذبتِ وخسئت أيتها الصهباء الطارئة التي لا مولى لها، فقالت صهباء: كذبتُ وخسئتُ! ما أصدق ما قال مواليك "من دَخلِ ظَفار حَمَّرَ"(3)! وإنك لغريرة يا ظمياء، وأنا الصهباء الطارئة من بنات الأصفر لأَخبَرُ منك بغيب مولاك عمر. قلتُ: كيف قلتِ؟ قالت: إنه الحق، وإن لمولاك غيبًا
(1) بنو الأصفر: هم الرُّوم.
(2)
أراغ إلى فلان: طلبه سرا في خفاء للإضرار به.
(3)
ظفار مدينة يمنية كانتِ لِحِمْيَر. وحَمَّر: تَعَلَّم الحِمْيَرِيَّة، وهذا مَثَلٌ.
عميت عنه عينك وعين مولاتك، وهو أحرص عليه من أن يطلع على خَبئه أحد قلت وأنَّى لك أيتها الغريبة؟ قالت: دعي عنك، فهو الذي أحدثك.
"ثم دنتْ مِني كالتي تُسِرُّ إليّ، وقالت: ما كذبتُك أيتها الحُلْوَة الغريرة، فهذا مولاكِ قد ذهب إلى الكوفة منذ زمن، ألم يكن ذلك؟ وهذا مولاكِ قد نزل بأفسق خلق الله وأخْبثهم عبد الله بن هلال الحميريّ الذي يزعُم أنه صديق إبليس وخَتَنُه (1) وصاحب سرَّه، وإذا هذا الفاجر يخرجُ إليه قَينتين من أجمل خلق الله وأَحسنه يغنيانه بشعره حتى ذهبَ عَقْلُه، وإذا هو يديرُ مولاك يومًا بعد يوم على أن يُفتَتَن بهما، حتى إذا بلغ منه ما أراد ضمن له أن تكونا بالطائف بحيث لا تراهما عينُ بشر. لا تنظري إليّ كالمرتابة، فهذا الخبيث ابن هلالٍ قد ألقى الطاعة إلى إبليس حتى عظُم أمره عنده فهو يُخْدِمُه (2) ويُناطقه، وحتى لقد ترك له صلاة العصر تقربًا إليه، وحتى أباحه إبليس أن يأمر الشياطين تتلعَّب ببني آدم، ومن شرطه عليه أن لا يزال أبدًا يجمَعُ بين الرجال والنساءِ في الحرام. وهو رجل كما يقول مولاي. . . .". قالت ظمياء: وإن لك لمولى يا صهباء؟ قالت صهباء: دَعيني حتى أتمّ يا ظمياء .. هو رجُل قد أوتى من القُوَّةِ على السِّحْر والقدرةِ على تلبيس أنظار الناس ما لم يجتمع لأحد من شياطين السَّحرة قبله، فلو هو مسَّ وجْه امرئ بمنديله الأزرق ذي الوشي لم تأخُذْه عينُ بشر. وهكذا هو يفعل بمولاك وصاحبتيه حتى لا يراهم الناس. قالت ظمياء: وإنَّ هذا يكونُ؟ ! قالت صهباء: نعم! وليس في الأرضِ أحدٌ يطيق أن يَدْرأ شرّ هذا الشيطان الخبيث إلا مولاي. فقالت لها ظمياء: ولكن أنَّى لمولاك يا صهباء أن يكونَ عَرَف الذي خبرتني به إن كان ما تقولين عن مولاي مما سمعته منه؟ قالت ظمياء: فدنت مني ونظرتْ في عَيني بعينين مذعورتين يخفِقُ فيهما مثل شقائق البرق، ثم قالت: ما من شيء يفْعَله هذا الخبيث ابن هلالٍ حيث كان إلا كانَ عند سيّدى خبرُه. فقالت لها ظمياء: وَيْبى! أحقا قلت يا صهباءُ؟ قالت: وَىْ، أو كنتُ كاذبة عليك وما أنا
(1) الخُتُونة: المصاهرة، والخَتن: أبو امرأة الرجل، وأخو امرأته وكل من كان من قِبلِ امرأته.
(2)
يُخدمه: جعل له خَدَمًا.
وأنت إلا من هذه الجواري الغريبات المستضعفات؟ ومالك تكذبيني وإنْ عندي من برهانِ ذلك ما لا قِبلَ لك بردّه. قالت ظمياء: بالله! قالت: بالله، فاذهبي إلى صِوَان سيّدك في هذه الغرفة التي إلى جوارنا، وأخرجي من بين المِطْرف السابع والثامن من ثياب مولاكِ ما تجدين!
[قالت كلثم امرأة ابن أبي ربيعة]:
"فهبت ظمياء فدخلت إلى صِوَانك (تعني عمر) فأخرجت شيئًا رجعتْ به إلى صهباء. ثم إذا هي تدخلُ عليّ وتقصُّ قصة ما كان، فأمرتها أن تأتيني بصهباء لأسمع ما تقول، فروت لي كل ما حدثتك به يا أبا الخطَّاب.
(قال عمر بن أبي ربيعة):
"فما تمالكت أن قلت لكلثم: ما تقولين؟ وأي شيء هذا الذي كان بين مطرفي السابع والثامن؟ فقالت كلثم: رُويد يا عمر، إما أن تدعني أتمّ وإلَّا والله لا سمعتَ مني شيئًا حتى يقطَع الموت بيني وبينك. قلت: ويحك، فأتمي.
قالت كلثم: "ثم إني سألت صهباء عن سيدها ومولاها فقالت إنه رجل صالح يسيح في الأرض، وإنه قد جاء فَحجَّ حِجَّتَهُ وهو على سَفَرِه بعد قليل يضرب في البادية حيث يشاء الله. قلت لها: أو يعلم مولاك من أمر ما تحدثيني عنه أكثر مما قلتِ؟ قالت: لا أدري يا مولاتي، فإنه ربما دعاني ويجعل يحدثني ويحدثني حتى أقول لن يَسْكُت، وما هو إلا كخاطفة البرق حتى يقطع فلا يتكلم. فربما عدت فسألته فلا والله ما يزيد على أن ينظر إلي ويبتسم. قلتُ لها: أو تستطيعين يا صهباء أن تأتيني بمولاك، ولك عندي مائة دينار؟ كلا لا نلت من مال مولاتي شيئا، ولكني سأديرُه حتى يأتيك لما أرى في وَجْهك من الخير والسَّعْدِ.