الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ميراث أهل الملل
(1)
جمع «ملة» بكسر الميم (2) وهي الدين، والشريعة (3) .
من موانع الإِرث اختلاف الدين
(4) فـ (ـلا يرث المسلم الكافر (5) إِلا بالولاء) (6) لحديث جابر: أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يرث المسلم النصرانى، إِلا أَن يكون عبده أَو أَمته» رواه الدارقطنى (7) .
(1) أي بيان إِرث أهل الملل، اليهود، والنصارى، والمجوس، وغيرهم، وحكم ميراث المسلم معهم.
(2)
لا غير.
(3)
قال تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) وقال (ثم أوحينا إليك أن ابتع ملة إبراهيم حنيفا) .
(4)
أي من موانع الإرث الثلاثة اختلاف الدين، على ما يأتي تفصيله، والثاني الرق، والثالث القتل، ولا نزاع في المنع بهما.
(5)
عند جمهور العلماء، وقال الموفق: عند عامة الفقهاء، وعليه العمل.
(6)
أي فيرث المسلم الكافر بالولاء، روى عن على وغيره، وهو رواية عن أحمد.
(7)
ونحوه رواه عبد الرزاق عنه موقوفا، وهو المحفوظـ، وقال ابن المنذر: ذهب الجمهور إلى الأخذ بما دل عليه حديث أسامة المتفق عليه، ولأنه لا ولاية بين المسلم والكافر.
وإِلا إِذا أَسلم كافر قبل قسم ميراث مورثه المسلم فيرث (1)(ولا) يرث (الكافر المسلم (2) إلا بالولاء) (3) لقوله عليه السلام: «لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر» متفق عليه (4) وخص بالولاء، فيرث به، لأَنه شعبة من الرق (5)
(1) لما رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعا «كل قسم قُسم في الجاهلية، فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام، فإنه على قسم الإسلام» ولقوله «من أسلم على شيء فهو له» رواه سعيد، وقضى به عمر، وعثمان، واشتهر فلم ينكر، فكان إجماعا.
(2)
باتفاق المسلمين.
(3)
وهو رواية عن أحمد، وعنه: لا يرثه. وقال الموفق: جمهور العلماء على أنه لا يرثه مع اختلاف دينهما، للخبر الآتى، ولأنه ميراث، فيمنعه اختلاف الدين، كميراث النسب، ولأن اختلاف الدين مانع من الميراث، فمنع الميراث بالولاء، ولأن الميراث بالنسب أقوي، فإذا منع الأقوى فالأضعف أولي، قال: وهذا أصح في الأثر والنظر.
(4)
من حديث أسامة، ورواه الخمسة وغيرهم، وفي رواية، قال: يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة؟، قال «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟! وكان عقيل ورث أبا طالب، هو وطالب، ولم يرث جعفر، ولا على شيئا، لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين، ولغيرهما من الأحاديث، وقال الشيخ: إذا كان الميت مسلما وهم كفار، لم يرثوا باتفاق المسلمين، وكذا لو كانوا كفارا وهؤلاء مسلمون، وكذا لو كان عبدا وهم أحرار، أو كان حرا وهم عبيد.
(5)
أما ثبوت الولاء، مع اختلاف الدين فلا نزاع فيه، وكونه شعبة من الرق يروى عن علي، ولكن اختلاف الدين مانع مع النسب، فبالولاء أولى، ولو كان الأقرب من العصبة مخالفا لدين الميت، والأبعد على دينه، ورث دون الأقرب.
(و) اختلاف الدارين ليس بمانع (1) فـ (ـيتوارث الحربى، والذمى، والمستأْمن) إِذا اتحدت أَديانهم، لعموم النصوص (2)(وأَهل الذمة يرث بعضهم بعضا مع اتفاق أَديانهم، لا مع اختلافها (3) وهم ملل شتى) (4) لقوله عليه السلام «لا يتوارث أَهل ملتين شتى» (5)(والمرتد لا يرث أَحدًا) من المسلمين، ولا من الكفار (6) لأَنه لا يقر على ما هو عليه، فلم يثبت له حكم دين من الأَديان (7) .
(1) لأنهم من أهل ملة واحدة.
(2)
القاضية بتوريثهم، ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع، ولمفهوم الحديث الآتى وغيره.
(3)
قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا. ولا فرق في ذلك بين أهل الذمة، وغيرهم من الكفار، للخبر المتقدم وغيره.
(4)
لا يتوارثون مع اختلافها، لقول علي: الكفر ملل شتى، قال الموفق: لا نعلم له مخالفا في الصحابة، فكان إجماعا.
(5)
أي متفرقين في أديانهم، فدل على أنه لا توارث بين أهل ملتين مختلفتين، بالكفر، أو بالإسلام والكفر، وهو مذهب مالك، وأحمد، وغيرهما، ولفظه ظاهر في عدم التوارث بين أهل ملل الكفر، ولأن كل فريقين منهم لا موالاة بينهم، ولا اتفاق في دين، فلم يرث بعضهم بعضا، كالمسلمين والكفار.
(6)
إلا أن يسلم قبل قسم الميراث.
(7)
قال الموفق: لا نعلم خلافا بين أهل العلم أن المرتد لا يرث أحدًا،
وهو قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، لقوله «لا يرث الكافر المسلم» ولا المسلم الكافر» .
(وإِن مات) المرتد (على ردته، فماله فيءٌ)(1) لأَنه لا يقر على ما هو عليه، فهو مباين لدين أَقاربه (2)(ويرث المجوسى بقرابتين) غير محجوبتين (3) في قول عمر، وعلي، وغيرهما (4) .
(1) في بيت مال المسلمين، وهو قول مالك، والشافعي.
(2)
وعنه: لأنه لورثته من المسلمين، وهو قول أبي بكر، وعلي، وابن مسعود والأوزاعى، وغيرهم، وأهل العراق، قال زيد: بعثنى أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن أقسم ما لهم بين ورثتهم المسلمين. وقال الشيخ: المرتد إن قتل في ردته، أو مات عليها، فماله لوارثه المسلم، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو المعروف عن الصحابة، ولأن ردته كمرض موته.
وقال ابن القيم: أما على القول الراجح: أنه لورثته من المسلمين، فلا تتم الحيلة بالردة، وهذا القول هو الصواب، فإن ارتداده أعظم من مرض الموت المخوف، وهو في هذه الحال قد تعلق حق الورثة بماله، فليس له أن يسقط هذا التعلق بتبرع، فهكذا المرتد بردته تعلق حق الورثة بماله، إذ صار مستحقا للقتل.
وقال الشيخ رحمه الله: الزنديق منافق، يرث ويورث، لأنه عليه السلام لم يأخذ من تركه منافق شيئا، ولا جعله فيئا، فعلم أن التوارث مداره على النظرة الظاهرة، واسم الإسلام يجرى عليه في الظاهر إجماعا.
(3)
وكذا كل من يرى حل نكاح ذوات المحارم بجميع قراباته إن أمكن.
(4)
كابن مسعود، وابن عباس، وزيد، في الصحيح عنه، وهو قول
أبي حنيفة وغيره، وأحد قولي الشافعي، ولأنهما قرابتان، ترث بكل واحدة منهما منفردة فترث بهما مجتمعتين، كزوج هو ابن عم.
(إِن أَسلموا (1) أَو تحاكموا إِلينا قبل إِسلامهم) (2) فلو خلف أُمه وهي أُخته (3) بأَن وطىءَ أبوه ابنته، فولدت هذا الميت، ورثت الثلث بكونها أُما، والنصف بكونها أُختا (4)(وكذا حكم المسلم يطأَ ذات رحم محرم منه بشبهة) نكاح (5) أَو وتسرٍّ، ويثبت النسب (6)(ولا إِرث بنكاح ذات رحم محرم)(7) .
(1) أي كان حكمهم كآحاد المسلمين.
(2)
لقوله «وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) .
(3)
أي من أبيه.
(4)
وإن كان معها أخت أخرى لم ترث الأخت التي هي أم إلا السدس، لأنها انحجبت بنفسها وبالأخرى.
(5)
يثبت به النسب، ويرث بجميع قراباته.
(6)
أي لو اشترى ذات محرمه وهو لا يعرفها، فوطئها فأتت بولد، ثبت النسب، وورث بجميع قراباته، والمسائل التي يجتمع فيها قرابتان ويصح الإرث بهما ست: عم هو أخ من أم، وبنت هي أخت، أو بنت ابن، وأم هي أخت لأب وأم أم هي أخت لأب، وأم أب هي أخت لأم.
(7)
للزوج أو الزوجة، لبطلانه، مجوسا كانوا أو غيرهم ممن جرى مجراهم، إذا أسلموا، أو تحاكموا إلينا، قال الموفق: لا نعلم خلافا في أنهم لا يرثون بنكاح ذوات المحارم.
كأُمه، وبنته، وبنت أَخيه (1)(ولا) إِرث (بعقد) نكاح (لا يقر عليه لو أَسلم)(2) كمطلقته ثلاثا (3) وأُم زوجته، وأُخته من الرضاع (4) .
(1) فلا ترث واحدة منهن بالزوجية، لأنهم لا يقرون عليه ولو اعتقدوه، وأما بالقرابة فيرث كل منهما صاحبه.
(2)
أي للزوج أو الزوجة، لأن ما لا يقرون عليه بعد إسلامهم لا يتوارثون به، والمجوس وغيرهم في هذا سواء.
(3)
أي كمطلقة الكافر ثلاثا، ونكاحها قبل أن تنكح زوجا غيره، ثم أسلما، لم يقرا عليه، وإن مات أحدهما لم يرثه الآخر، وإن مات أحدهما قبل إسلامهما لم يتوارثا.
(4)
لا إرث بنكاحها، ولا يقرون عليه.
باب ميراث المطلقة (1)
رجعيا، أَو بائنا، يتهم فيه بقصد الحرمان (2)(من أَبان زوجته في صحته) لم يتوارثا (3)(أَو) أَبانها في (مرضه غير المخوف ومات به) لم يتوارثا، لعدم التهمة حال الطلاق (4)(أَو) أَبانها في مرضه (المخوف، ولم يمت به، لم يتوارثا)(5) لانقطاع النكاح، وعدم التهمة (6)(بل) يتوارثان (في طلاق رجعي لم تنقض عدته)(7) .
(1) أي بيان من يرث من المطلقات، ومن لا يرث.
(2)
أي حكم المطلقة طلاقا رجعيا، وهو ما دون الثلاث، ولم تخرج من العدة، أو طلقها بائنا يتهم في طلاقه بقصد حرمانها من الميراث، على ما يأتي تفصيله.
(3)
لزوال الزوجية التي هي سبب الميراث، قال الموفق: إذا طلق امرأته في صحته، طلاقا بائنا، أو رجعيا فبانت بانقضاء عدتها، لم يتوارثا إجماعا.
(4)
ولأن حكم الطلاق فيه حكم الطلاق في الصحة، فلم يتوارثا.
(5)
قال الموفق: في قول الجمهور، كالمطلقة في الصحة.
(6)
لأنه لا فرار منه، ولأن حكمه حكم الصحة، في العطايا وغيرها، فكذا الطلاق.
(7)
ومات أحدهما فيه.
سواء كان في المرض، أَو في الصحة (1) لأَن الرجعية زوجة (2)(وإِن أَبانها في مرض موته المخوف (3) متهما بقصد حرمانها) (4) بأَن أَبانها ابتداء (5) أَو سأَلته أَقل من ثلاثة فطلقها ثلاثا (6)(أَو علق إِبانتها في صحته على مرضه (7) .
(1) قال الموفق: بغير خلاف نعلمه، وقال: روي عن أبي بكر، وعمر، وعلى غيرهم، وحكاه غير واحد إجماعا.
(2)
يلحقها طلاقه، وظهاره، وإيلاؤه، ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها.
(3)
فلها معه حالتان: إما أن يكون متهما بقصد حِرْمانها الميراث، أولا.
(4)
لم يرثها وترثه، وجزم ابن القيم وغيره: أن السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، ورثوا المطلقة، المبتوتة في مرض الموت، حيث يتهم بقصد حرمانها الميراث، بلا تردد، وإن لم يقصد الحرمان، لأن الطلاق ذريعة. قال: وأما إذا لم يتهم، ففيه خلاف معروف، مأخذه أن المرض أوجب تعلق حقها بماله، فلا يمكن من قطعه، أو سدا للذريعة بالكلية.
(5)
أي بلا سؤالها، ورثته ما لم تتزوج أو ترتد، لقرينة التهمة.
(6)
ورثته، كطلاق المريض، وهذا ما لم تكن سألته الطلاق على عوض، لأنها سألته الإبانة، فأجابها إليها، ومفهومه أنها لو سألته الطلاق، فطلقها ثلاثا لم ترث، وإن أقر في مرضه أنه طلقها ثلاثا في صحته لم يقبل، وصار حكمه حكم طلاقه في مرضه.
(7)
ورثته، أو علقه على فعل لا بد لها منه، كالصلاة المكتوبة، والأكل ونحوه ورثته، لأنه فر من ميراثها.
أَو) علق إبانتها (على فعل له) كدخول الدار (1)(ففعله في مرضه) المخوف (2)(ونحوه) كما لو وطيء عاقل حماته بمرض موته المخوف (3)(لم يرثها) إن ماتت، لقطعه نكاحها (4)(وترثه) هي (في العدة وبعدها)(5) لقضاء عثمان رضي الله عنه (6)(ما لم تتزوج (7) .
(1) أي بأن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق.
(2)
ورثته، وكذا إن علقه على ترك فعله له فتركه، بأن قال: إن لم أدخل الدار فأنت طالق ثلاثا. فمات قبل فعله، لأنه أوقع الطلاق بها في المرض.
(3)
ولو لم يمت به الزوج من مرضه ذلك وكذا لو وطئ ابنتها بمرض موته المخوف.
(4)
بوطئه أمها أو بنتها.
(5)
ترثه في العدة عند الجمهور كما يأتي، وبعدها في المشهور عن أحمد، وقول مالك وغيره، لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أباه طلق أمه وهو مريض، فمات، فورثته بعد انقضاء العدة، ولأن سبب توريثها فراره من ميراثها، وهو لا يزول بانقضاء العدة.
(6)
فإنه ورَّث تماضر، من عبد الرحمن بن عوف، وكان طلقها في مرضه، واشتهر فلم ينكر، وقال له عمر: إن مت لأورثنها منك. فقال: قد علمت، وهو قول جمهور أئمة الإسلام، وقال ابن القيم: ورث عثمان المبتوتة في مرض الموت، ووافقه الصحابة، معاوضة له بنقيض قصده.
(7)
فيسقط ميراثها عند أكثر أهل العلم، لأنها وارثة من زوج، فلا ترث آخر، كسائر الزوجات، ولأن التوريث في حكم النكاح، فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر.
أَو ترتد) فيسقط ميراثها، ولو أَسلمت بعد (1) لأَنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأَول (2) ويثبت الإِرث له دونها إِن فعلت في مرض موتها المخوف ما يفسخ نكاحها (3) ما دامت في العدة (4) إن اتهمت بقصد حرمانه (5) .
(1) لأن مجرد ارتدادها يسقط إِرثها، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وإن ارتد أحد الزوجين، ثم عاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة، ورثه الآخر، لأن النكاح باق، وإن انقضت قبل رجوعه، انفسخ النكاح، ولم يرث أحدهما الآخر.
(2)
وإن لم يمت المطلق من مرضه المخوف، بل لسع ونحوه، ورثته ما لم تتزوج أو ترتد، ولو أبانها قبل الدخول ورثته، معاقبة له بنقيض قصده، ولا عدة عليها.
(3)
كإرضاعها ضرتها الصغيرة، أو زوجها الصغير في الحولين، أو ارتدادها في مرض موتها المخوف، ونحو ذلك.
(4)
تبع التنقيح والمنتهي، وجزم في الإقناع بثبوته، ولو بعد العدة، كما لو كان هو المطلق، وجزم به في الفروع وكذا أطلق الموفق في المقنع، وتبعه الشارح، وعلله بأنها أحد الزوجين، فر من ميراث الآخر، فأشبهت الرجل.
(5)
كالزوج، وأما لو دبَّ زوجها الصغير، أو ضرتها الصغيرة، فارتضعت منها وهي نائمة، لم تتهم بقصد حرمانه، وسقط ميراثه منها، كما لو ماتت قبله، وإن طلق بقصد حرمان إرثه أربعا كن له، وانقضت عدتهن منه، وتزوج أربعا سواهن ثم مات، ورث منه الثمان، ما لم تتزوج المطلقات، أو يرتددن، جزم به في الإقناع، واختار الموفق: ترثه المنكوحات خاصة، وقال الشيخ: لو تزوج في مرض موته مضارة، لتنقيص إرث غيرها، وأقرت به ورثته، لأن له أن يوصي بالثلث.