الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الموصي إليه
(1)
لا بأْس بالدخول في الوصية لمن قوي عليه، ووثق من نفسه (2) لفعل الصحابة رضي الله عنهم (3)(تصح وصية المسلم إلى كل مسلم (4) مكلف، عدل، رشيد (5) .
(1) وهو المأمور بالتصرف بعد الموت في المال وغيره، مما للموصي التصرف فيه حال الحياة، وتدخله النيابة لملكه، وولايته الشرعية.
(2)
وعبارة الإقناع وغيره: الدخول فيها قربة مندوبة، وقيدوه بالقوة على القيام بها، والوثوق من نفسه، وإلا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم» .
(3)
فقد أوصي إلى الزبير طائفة من الصحابة، وأوصي أبو عبيدة إلى عمر وعمر إلى حفصة، ثم الأكابر من ولده، وغيرهم مما هو مشهور، ويدخل تحت عموم:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وهو معونة للمسلم؛ وقال الموفق وغيره: قياس المذهب أن ترك الدخول فيها أولي. لما فيه من الخطر، وخصوصا في هذه الأزمنة، لكن قال الحارثي: الوصية إما واجبة أو مستحبة، وأولوية ترك الدخول يؤدي إلى تعطيلها، فالدخول قد يتعين فيما هو معرض للضياع، ولما فيه من درء المفسدة وجلب المصلحة.
(4)
فلا تصح إلى كافر، قال الوزير: اتفقوا على أن الوصية إلى عدل جائزة، وأن الوصية إلى الكافر لا تصح.
(5)
أجماعا، فلا تصح إلى طفل ولا مجنون، ولا أبله إجماعا، لأنهم
لا يتأهلون إلى تصرف أو ولاية، ولا إلى سفيه، لأنه لا يصح توكيله، ولا تصح إلى مميز، لأنه لا يصح تصرفه إلا بإذن، وهو مولي عليه، فلم يكن من أهل الولاية قال الموفق: وهو الصحيح، ومذهب الشافعي، وتصح إلى صبيى إذا بلغ، كغائب إذا حضر، وكإن مات زيد فعمرو، لقوله صلى الله عليه وسلم «أميركم زيد، فإن قتل فجعفر» .
ولو) امرأَة (1) أو مستورا (2) أَو عاجزا ويضم إليه أَمين (3) أَو (عبدا) لأَنه تصح استنابته في الحياة (4) فصح أَن يوصي إليه كالحر (5)(ويقبل) عبد غير الموصي (بإذن سيده) لأَن منافعه مستحقة له، فلا يفوتها عليه بغير إِذنه (6) .
(1) قال الموفق: في قول أكثر أهل العلم، لأن عمر أوصي إلى حفصة، ولأنها من أهل الشهادة، أشبهت الرجل، وتصح إلى أم ولده، لأنها تكون حرة عند نفوذ الوصية.
(2)
أي ولو كان الموصي إليه مستورا، يعنى ظاهر العدالة.
(3)
أي ولو كان عاجزا، لأنه أهل للائتمان، ويضم إليه قوى أمين معاون ولا تزال يده عن المال ولا نظره.
(4)
وأهل للرعاية على المال، وقال عليه السلام «والعبد راع على مال سيده، وهو مسئول عنه» والرعاية، ولاية.
(5)
وسواء كان عبد نفسه أو عبد غيره، وهو مذهب مالك.
(6)
فلا بد من إذنه فيها، ولأن ما وصي إليه فيه منفعة لا يستقل بها، وتعتبر الصفات المذكورة، الإسلام، والتكليف، والعدالة، والرشد حين موت موص ووصية، لأنها شروط للعقد، فاعتبرت حال وجوده، ولأن التصرف بعد الموت فاعتبر وجودها عنده.
(وإِذا أَوصى إلى زيد و) أَوصى (بعده إِلى عمرو، ولم يعزل زيدا اشتركا)(1) كما لو أَوصي إِليهما معا (2)(ولا ينفرد أَحدهما بتصرف لم يجعله موص له)(3) لأَنه لم يرض بنظره وحده كالوكيلين (4) وإِن غاب أَحدهما أَو مات أَقام الحاكم مقامه أَمينا (5) وإِن جعل لأَحدهما أَو لكل منهما أَن ينفرد بالتصرف صح (6) .
(1) لأن اللفظ لا يدل على العزل مطابقة، ولا تضمنا، والجمع ممكن.
(2)
أي في حالة واحدة، فليس لأحدهما التصرف دون الآخر، ولأنه لم يوجد رجوع عن الوصية لواحد منهما فاستويا فيها، إلا أن يخرج زيدا فتبطل وصيته للرجوع عنها.
(3)
أي ولا ينفرد أحد الوصيين بتصرف عن الآخر لم يجعله موص له وحده، قال الموفق: بلا خلاف. وإن قال: أوصيت إليكما في كذا. فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف، وهو مذهب مالك والشافعي.
(4)
وانفراد أحدهما عن الآخر بتصرف يخالف ذلك.
(5)
ليتصرف مع الآخر، ولئلا ينفرد الآخر بالتصرف، لأن الموصي لم يرض بنظر هذا الباقي وحده، فوجب ضم غيره إليه، وإن ماتا أو غابا، أو تغير حاله أو حالهما، بسفه أو جنون ونحوه، أقام الحاكم أمينا لئلا تعطل الحال.
(6)
بلا خلاف، عملا بالوصية.
ويصح قبول الموصي إليه الوصية في حياة الموصي، وبعد موته (1) وله عزل نفسه متى شاءَ (2) وليس للموصي إِليه أَن يوصي إِلا أَن يجعل إليه (3)(ولا تصح وصية إِلا في تصرف معلوم)(4) ليعلم الوصي ما أُوصي إليه به ليحفظه ويتصرف فيه (5)(يملكه الموصي (6) .
(1) لأنه إذن في التصرف، فصح قبوله بعد العقد. ويصح إلى ما بعد الموت، لأنه نوع وصية، فصح قبولها بعد الموت، ولو تصرف موصي إليه قبل القبول، فاستظهر ابن رجب قيامه مقام القبول.
(2)
مع القدرة والعجز، في حياة الموصي، وبعد موته، في حضوره وغيبته، لأنه متصرف بالإذن، كالوكيل. وعنه: له عزل نفسه إن وجد حاكما، وإلا فلا، قطع به الحارثي وغيره، لأن العزل إذًا تضييع للأمانة، وإبطال لحق المسلم، وكذا إن تعذر تنفيذ الحاكم للموصي به لعدم، أو غلب على الظن أن الحاكم يسند إلى من ليس بأهل، أو أن الحاكم ظالم، ونحو ذلك، وللموصي عزله متى شاء كالموكل، قولا واحدا.
(3)
بأن يأذن له في الإيصاء لمن شاء، نحو: أذنت لك أن توصي إلى من شئت أو من أوصيت إليه فقد أوصيت إليه، أو هو وصي، صح، قال الموفق: وبه قال أكثر أهل العلم، لأنه مأذون له، فجاز أن يأذن لغيره، وإن وصي إليه وأطلق، فليس له ذلك، لأنه قصر توليته، فلم يكن له التفويض، كالوكيل، وتقدم أن له أن يوكل فيما لا يباشره مثله، أو يعجز عنه، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة.
(4)
فلا تصح في تصرف مجهول وفاقا.
(5)
بمقتضى الوصية كالوكالة.
(6)
أي يملك الموصي فعله وفاقا.
كقضاء دينه (1) وتفرقه ثلثه (2) والنظر لصغاره) (3) لأَن الوصي يتصرف بالإِذن، فلم يجز إلا فيما يملكه الموصي كالوكالة (4)(ولا تصح) الوصية (بما لا يملكه الموصي (5) كوصية المرأَة بالنظر في حق أَولادها الأَصاغر (6) ونحو ذلك) كوصية الرجل بالنظر على بالغ رشيد (7) فلا تصح، لعدم ولاية الموصي حال الحياة (8) .
(1) أي كوصية مدين، في قضاء دينه، واقتضائه، ورد الودائع، واستردادها ورد غصب وعارية، ونحو ذلك، لأنه يملك ذلك، فملكه وصيه.
(2)
أي: وكالوصية في تفرقة ثلث الموصي، وعبارة المقنع، والإقناع، والمنتهى وغيرها: تفرقة وصيته، وهي أعم.
(3)
والمجانين، ومن لم يؤنس رشده، بحفظ أمولهم، والتصرف لهم فيها بما لهم الحظ فيه، والنفقة عليهم، وتزويج مولياته، ونحو ذلك.
(4)
باتفاق الأئمة، لأن الموصي أصيل، والوصي فرعه، ولا يملك الفرع ما لا يملكه الأصل.
(5)
كالتوكيل اتفاقا.
(6)
لأنها لا تلي النكاح بحال، ولا تلي مال غيرها كالعبد، ولأنه لا ولاية لغير الأب، فلا تصح وصيتها في حقهم.
(7)
من أولاده، ولا على غيرهم من الإخوة، والأعمام، وسائر من عدا الأولاد.
(8)
فلا يكون ذلك لوصيه بعد الممات، قال الشارح: لا نعلم فيه خلافا.
(ومن وصي) إليه (في شيء (1) لم يصر وصيا في غيره) (2) لأَنه استفاد التصرف بالإذن، فكان مقصورا على ما أُذن فيه كالوكيل (3) ومن أُوصي بقضاء دين معين فأبي الورثة (4) أَو جحدوا، أَو تعذر إِثباته، قضاه باطنا بغير علمهم (5) .
(1) كقضاء ديونه فحسب، أو تفرقة وصيته.
(2)
كالنظر في حق أولاده الأصاغر، ونحو ذلك مما لم يجعل إليه.
(3)
أي كما أن الوكيل مقصور على ما أذن له فيه، وهذا مذهب الشافعي، فإن وصي إليه في تركته، وأن يقوم مقامه، فهو وصي في جميع أموره، وإن جعل لكل واحدة من تلك الخصال وصيا جاز.
(4)
أي أبوا إخراج ثلث ما بأيديهم، أو أبوا قضاء الدين.
(5)
أي أو جحدوا ما بأيديهم، أو جحدوا الدين، وتعذر إثبات الدين، قضى الوصي الدين باطنا، من غير علم الورثة إن أمن التبعة، لأنه تمكن من إنفاذ ما وصي إليه بفعله، فوجب عليه، كما لو لم يجحده الورثة، ولأنه لا حق لهم إلا بعد وفاء الدين، وعلى الوصي تقديم الواجب على المتبرع به، فلو وصي بتبرعات لمعين أو غير معين، فمنع الورثة بعض التركة، أو جحدوا الدين: أفتى الشيخ بأن الوصي يخرج الدين مما قدر عليه، مقدما على الوصية.
ومن ادعى على ميت دينا، وهو ممن يعامل الناس، نظر الوصي إلى ما يدل على صدقه، ودفع إليه، وإلا فتحريم الإعطاء حتى يثبت عند القاضى خلاف السنة والإجماع، وكذلك ينبغى أن يكون حكم ناظر الوقف، ووالي بيت المال، وكل وال على حق غيره، إذا تبين له صدق الطالب، دفع إليه، وذلك واجب عليه إن أمن التبعة، وإن خاف التبعة فلا. ولو وصي بإعطاء مدع بيمينه دينا نفذه الوصي من رأس المال، لا من الثلث، ولو قال: يدفع هذا إلى يتامى فلان؛ فإقرار بقرينة، وإلا وصية.
وكذا إِن أُوصي إليه بتفريق ثلثه وأَبوا (1) أَو جحدوا أَخرجه مما في يده باطنا (2) وتصح وصية كافر إلى مسلم (3) إن لم تكن تركته نحو خمر (4) وإِلى عدل في دينه (5)(وإِن ظهر على الميت دين يستغرق تركته بعد تفرقة الوصي) الثلث الموصي إليه بتفرقته (لم يضمن) الوصي لرب الدين شيئا (6) لأَنه معذور بعدم علمه بالدين (7) .
(1) أي أبوا إنفاذ ما وصي إليه بفعله.
(2)
أي أو جحدوا ما في أيديهم، أخرج ثلث المال مما في يده باطنا، لأن حق الموصي لهم بالثلث مثلا متعلق بأجزاء التركة، وحق الورثة مؤخر عن الدين، وعن الوصية، ويبرأ مدين باطنا بقضاء دين يعلمه على الميت.
(3)
لأن المسلم مقبول الشهادة عليه وعلى غيره.
(4)
كخنزير، لعدم جواز تولي المسلم نحو ذلك، فلا يمكنه النظر فيها.
(5)
وهو قول أصحاب الرأي، لأنه يلي بالنسب، فيلي بالوصية، وإن لم يكن عدلا في دينه لم تصح، لأن عدم العدالة في المسلم تمنع صحة الوصية إليه، فالكافر أولي.
(6)
مما صرفه في الوصية.
(7)
وفي الرعاية: يرجع به لوفاء الدين.
وكذا إِن جهل موصي له فتصدق به هو أَو حاكم ثم علم (1)(وإِن قال ضع ثلثي حيث شئت) أَو أَعطه لمن شئت، أَو تصدق به على من شئت (2)(لم يحل) للوصي أَخذه (له)(3) لأَنه تمليك ملكه بلا إِذن، فلا يكون قابلاً له كالوكيل (4)(ولا) دفعه (لولده) ولا سائر ورثته (5) .
(1) وإن أمكن الرجوع على آخذ، فعل ووفي الدين، كما قاله ابن نصر الله، وغيره.
(2)
أو نحو ذلك من الألفاظ، وإن قال: اصنع في مالي ما شئت، أو هو بحكمك، افعل فيه ما شئت، ونحو ذلك من ألفاظ الإباحة لا الأمر، فقال الشيخ: له أن يخرج ثلثه، وله أن لا يخرجه، فلا يكون الإخراج واجبا ولا حراما بل موقوفا على اختيار الوصي.
(3)
وهذا مذهب مالك والشافعي.
(4)
وقال بعضهم: يعمل بالقرينة. وقال الشيخ: يجوز صرف الوصية فيما هو أصلح من الجهة التي عينها الموصي، فإذا لم يعين، فأولي. وقال الموفق: قال أصحاب الرأي: له أخذه لنفسه وولده؛ ويحتمل أن يجوز ذلك عندنا، لأن لفظ الموصي يتناوله، ويحتمل أن ينظر إلى قرائن الأحوال، فإن دلت على أنه أراد أخذه منه، مثل أن يكون من جملة المستحقين الذين يصرف إليهم ذلك أو عادته الأخذ من مثله، فله الأخذ منه.
(5)
أي ولا يجوز له دفع ثلث الموصي لولد الموصي غليه، ولا سائر ورثته نص عليه.
لأَنه متهم في حقهم، أَغنياء كانوا أَو فقراءَ (1) وإِن دعت الحاجة إلى بيع بعض العقار لقضاء دين (2) أو حاجة صغار (3) وفي بيع بعضه ضرر (4) فله البيع على الصغار والكبار إِن امتنعوا أَو غابوا (5)(ومن مات بمكان لا حاكم به ولا وصي (6) جاز لبعض من حضره من المسلمين تولي تركته (7) .
(1) هذا المذهب عند بعض الأصحاب، وقال الحارثى: المذهب جواز الدفع إلى الولد والوالد ونحوهم؛ واختاره المجد وغيره، لأنه مأمور بالتفريق، وقد فرق فيمن يستحق، والتهمة لا أثر لها، فإن عبارته تستعمل في الرضا بصرف الوصي إلى من يختاره كيف كان، لا إلى ورثة الموصي، لأن الوصي نائب الميت، فلم يكن له الدفع إلى من لا يدفع المستنيب إليه.
(2)
عن الميت، مستغرقا ماله، غير العقار، واحتاج إلى تتمته من العقار.
(3)
أي أودعت الحاجة لبيع بعض العقار، لحاجة صغار من ورثته، فيما لا بد لهم منه.
(4)
لنقص قيمته بالتشقيص على الصغار.
(5)
لأن الوصي قائم مقام الأب، وللأب بيع الكل، فالوصي كذلك، والحكم لا يتقيد بالعقار، بل فيما عداه إلا الفروج، واختار الموفق وغيره - وصححه الشارح ـ: أنه لا يجوز البيع على الكبار، وهو مذهب الشافعي، لأنه لا يجب على الإنسان بيع ملكه، ليزداد ثمن ملك غيره، كما لو كان شريكهم غير وارث.
(6)
أي ومن مات بمكان برية أو غيرها لا حاكم بها حضر موته، ولا وصي له، بأن لم يوص إلى أحد، أو لم يقبل الموصي إليه.
(7)
ولا تترك ضياعا، وحفظها من فروض الكفايات، وهذا مذهب الشافعي ومالك، إلا أنه استثنى أن يكون لذلك أهلا.
وعمل الأَصلح حينئذ فيها من بيع وغيره) (1) لأَنه موضع ضرورة (2) ويكفنه منها (3) فإن لم تكن فمن عنده ويرجع عليها (4) أَو على من تلزمه نفقته إِن نواه، لدعاء الحاجة لذلك (5) .
(1) أي من بيع ما يجزئ بيعه، مما يسرع إليه الفساد، وغير البيع كحفظها، وحملها للورثة.
(2)
أي لحفظ مال المسلم عليه، إذ في تركه إتلاف له، وأما الجواري فقال أحمد وغيره: الأولى أن يتولي بيعهن حاكم، احتياطا لإباحة الفروج.
(3)
أي ويكفنه المسلم الذي حضره، ويجهزه من تركته إن كانت، وأمكن تجهيزه منها.
(4)
أي على تركته حيث كانت إن نوى الرجوع.
(5)
أي أو يرجع بتجهيزه على من تلزمه نفقته إن نوى الرجوع سواء استأذن حاكما أو لا، أشهد على نية الرجوع أولا، ولأنه لو لم يرجع إذًا لامتنع الناس من فعله، مع دعاء الحاجة إلى تجهيزه، ولو قال: على من يلزمه كفنه. إذ الزوج عندهم تلزمه نفقة زوجته، ولا يلزمه كفنها، فلا يرجع عليه، بل على أبيها ونحوه.