الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
من أسلم وتحته أكثر من أربع
فأَسلمن (1) أَو كن كتابيات، اختار منهم أربعا (2) إن كان مكلفا، وإلا وقف الأمر حتى يكلف (3) وإن أبى الإختيار أجبر بحبس، ثم تعزير (4) وإن أسلم وتحته أُختان، اختار منهما واحدة (5) .
(1) معه، أو كن في العدة، لم يكن له إمساكهن كلهن بلا خلاف، وكذا إن أسلم وتحته إماء أكثر من أربع، فأسلمن معه، أو في العدة، اختار إن جاز له نكاحهن بشرطه.
(2)
وليس له إمساكهن كلهن، لما روى أبو داود وغيره، أنه صلى الله عليه وسلم قال لقيس بن الحارث – وكان تحته ثمان - «اختر منهن أربعا» وقاله لغيلان، رواه الترمذي، قال الشيخ: ولا يشترط في جواز وطئهن انقضاء العدة، لا في جمع العدد، ولا في جمع الرحم، لأنه لم يجمع عقدا، ولا وطأ.
(3)
وقال الشيخ: يقوم الولي مقامه في التعيين، كما يقوم في تعيين الواجب عليه في المال، من زكاة وغيرها.
(4)
لأن الإختيار حق عليه، فألزم بالخروج منه إن امتنع، كسائر الحقوق.
(5)
لما روى الخمسة أنه صلى الله عليه وسلم قال لفيروز «طلق إحداهما» وللترمذي «اختر أيهما شئت» وكذا إن كان تحته امرأة وعمتها، أو خالتها، ونحو ذلك.
باب الصداق (1)
يقال: أَصدقت المرأَة، ومهرتها، وأَمهرتها (2) وهو عوض يسمى في النكاح أَو بعده (3)(يسن تخفيفه)(4) لحديث عائشة مرفوعا «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة» رواه أبو حفص بإسناده (5) .
(1) وحكم المسمى، ومهر المثل، والصداق بفتح الصاد وكسرها، وله تسعة أسماء:
صداق، ومهر ونحلة وفريضة وحباء، وأجر، ثم عقر وعلائق والتاسع الصدقة.
(2)
قاله الزجاج وغيره، وفي النهاية: لا يقال: أمهرتها. والصداق مأخوذ من الصدق، لإشعاره بصدق رغبة الزوج في الزوجة.
(3)
بفرض حاكم، أو تراضيهما، والأولى: وهو العوض في النكاح ونحوه؛ ليدخل وطء الشبهة، والأصل في الصداق: الكتاب، والسنة، والإجماع، واتفقوا على أنه شرط من شروط صحة النكاح.
(4)
أي الصداق، وظاهره: تخفيفا لا ينقص عن أربعمائة درهم، وأن لا يزيد على مهر أزواجه وبناته، من أربعمائة، إلى خمسمائة، فهي صريحة في عدم الزيادة لا النقصان، وهو المراد، ومن سماحته صلى الله عليه وسلم أخذ الأقل لبناته، وإعطاؤه الأكثر لزوجاته.
(5)
رواه أحمد، والبيهقي، والحاكم، وغيرهم، ولأحمد – وفيه
ضعف - «أعظمه بركة أيسره مؤونة» وقال لرجل من الأنصار «على كم تزوجت؟» قال: على أربع أواق. قال «كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل» أي ناحيته، وقال عمر: لا تغالوا في صداق النساء. ولا نزاع في جوازه بأكثر من خمسمائة، لقوله تعالى {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} وأم حبيبة أمهرها النجاشي أربعة آلاف، وبعث بها إلى رسول الله، ولو كره لأنكره.
(و) تسن (تسميته في العقد) لقطع النزاع (1) وليست شرطا (2) لقوله تعالى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (3) ويسن أن يكون (من أَربعمائة درهم) من الفضة (4) وهي صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم (5)(إلى خمسمائة) درهم (6) .
(1) لقوله تعالى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} ولفعله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يخلي ذلك من صداق، وقال للذي زوجه الموهوبة «التمس ولو خاتما من حديد» واتفقوا على أنه مشروع، لقوله {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} .
(2)
أي تسمية الصداق في العقد.
(3)
نزلت في رجل من الأنصار، تزوج امرأة من بني حنيفة، ولم يسم لها مهرا، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يمتعها ولو بقلنسوة.
(4)
قال الشيخ: كلام أحمد يقتضي أن المستحب أربعمائة درهم، وهو الصواب مع اليسار، فيستحب بلوغه، ولا يزاد عليه.
(5)
فسن الإقتداء به صلى الله عليه وسلم، ويستحب أن لا ينقص عن عشرة دراهم، خروجا من خلاف من قدر أقله بذلك.
(6)
أي أن لا يزيد على ذلك.
وهي صداق أَزواجه صلى الله عليه وسلم (1) وإن زاد فلا بأْس (2)(و) لا يتقدر الصداق (3) بل (كل ما صح) أن يكون (ثمنا أَو أُجرة صح) أن يكون (مهرا وإن قل)(4) .
(1) رواه مسلم، من حديث عائشة إلا صفية وأم حبيبة، فصفية أصدقها عتقها، وأم حبيبة أصدقها النجاشي أربعة آلاف درهم، وقال عمر: ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من ثنتي عشرة أوقية، والأوقية كانت أربعين درهما.
(2)
لقصة أم حبيبة، فلو كره لأنكره صلى الله عليه وسلم، وقال ابن رشد: اتفقوا على أنه ليس لأكثره حد. وقال الشيخ: الصداق المقدم إذا كثر – وهو قادر على ذلك – لم يكره، إلا أن يقرن بذلك ما يوجب الكراهة، من معنى المباهاة ونحو ذلك، فأما إن كان عاجزا عن ذلك كره، بل يحرم إذا لم يتوصل إليه إلا بمسألة أو غيرها من الوجوه المحرمة، فأما إن كثر وهو مؤخر في ذمته، فينبغي أن يكره، لما فيه من تعريض نفسه لشغل الذمة.
(3)
وهو مذهب الشافعي، وعند أبي حنيفة، ومالك: أقله ما تقطع فيه يد السارق.
(4)
عند جمهور العلماء أنه ليس لأقله حد، وأنه كل ما جاز أن يكون ثمنا في بيع، أو أجرة في إجارة وقيمة لشيء، جاز أن يكون صداقا، سواء كان من عين، أو دين، أو معجل، أو مؤجل، أو منفعة معلومة، لجواز المعاوضة عليها.
قال الشيخ: وتعليل رواية المنع، لما فيه من كون كل من الزوجين يصير ملكا للآخر، ويجوز أن يكون المنع مختصًا بمنفعة الخدمة خاصة، لما فيه من المهنة، والمنافاة، وأما إن كانت لغيرها فتصح، لقصة شعيب، وإذا لم تصح المنفعة،
فقيمتها، اهـ. ولا يجوز التواطؤ على تركه، لقوله {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} ، {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .
لقوله صلى الله عليه وسلم «التمس ولو خاتما من حديد» متفق عليه (1)(وإن أَصدقها تعليم قرآن لم يصح) الإصداق (2) لأن الفروج لا تستباح إلا بالأَموال، لقوله تعالى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (3) وروى النجاد أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا على سورة من القرآن (4) ثم قال «لا تكون لأَحد بعدك مهرًا» (5) .
(1) وهذا مبالغة في التقليل، ولأبي داود «لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا، ملء يده طعاما، كانت له حلالا» وللترمذي وغيره وصححه: أن امرأة تزوجت على نعلين، فقال صلى الله عليه وسلم «أرضيت من مالك ونفسك بنعلين؟» قالت: نعم. فأجازه.
(2)
وقالوا: ولو كان ما أصدقها – تعليمه من القرآن – معينا لم يصح الإصداق.
(3)
فدلت الآية أن الصداق لا يصح إلا بمال.
(4)
وفي الصحيحين من غير وجه، بألفاظ متقاربة، تدل على أنه زوج رجلا على سورة أو سور، أو آيات، أو ما معه من القرآن، يعلمها إياه.
(5)
رواه سعيد بن منصور، والنجاد، وعنه: يصح. وفاقا لمالك، والشافعي، لما رواه سهل «زوجتكها بما معك من القرآن» متفق عليه، ولأنها منفعة معينة مباحة، ولما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» .
(بل) يصح أَن يصدقها تعليم معين من (فقه، وأَدب)(1) كنحو، وصرف، وبيان، ولغة، ونحوها (2)(وشعر مباح معلوم) ولو لم يعرفه، ويتعلمه ثم يعلمها (3) وكذا لو أَصدقها تعليم صنعة أو كتابة، أَو خياطة ثوبها (4) .
(1) وحديث، كما صرح به في الإقناع، والمنتهى، وغيرهما، وتعيينه، كباب أو بعضه، أو كتاب أو بعضه، والتعليم: تفهيمه إياها وتحفيظه، وإن كان كلما لقنها شيئًا نسيته، لم يعد تعليما.
(2)
كمعان، وبديع، أو ما يجوز أخذ الأجرة على تعليمه، وهو معين صح صداقا.
(3)
أي بل يصح أن يصدقها تعليم شعر مباح، لا محرم، معلوم لا مجهول لأنها منفعة يجوز أخذ العوض عليها، فهي مال، ولو لم يعرف العمل الذي أصدقها إياه، ويتعلمه ثم يعلمها إياه، لأن التعليم يكون في ذمته، كما لو أصدقها مالا في ذمته.
ويجوز أن يأتيها بمن يعلمه لها، إن كان مثله في التعليم، وإن تعلمته من غيره، أو تعذر عليه تعليمها لزمته أجرة التعليم، ولو جاءته بغيرها ليعلمه، أو جاءها بغيره ليعلمها لم يلزم، لأن الغرض يختلف، وعليه بطلاقها قبل تعليم ودخول نصف الأجرة، وبعد دخول كلها، لأنها بالطلاق أجنبية، فلا يؤمن في تعليمها الفتنة.
(4)
هي أو غلامها صح، ولو كان المعلم أخاها، أو ابنها، أو أجنبيًا، وإن لم يحصل لها ما أصدقها لم يكن النكاح لازما، كما صرح به في الإختيارات، وإنما يلزم ما ألزم الشارع به، أو التزمه المكلف، وما خالف هذا القول ضعيف، مخالف للأصول، فإذا لم يقل بامتناع العقد، فلا أقل من أن تملك الفسخ.
أَورد قنها من محل معين (1) لأَنها منفعة يجوز أخذ العوض عليها، فهي مال (2)(وإن أصدقها طلاق ضرتها لم يصح)(3) لحديث «لا يحل لرجل أن ينكح امرأة بطلاق أُخرى» (4)(ولها مهر مثلها) لفساد التسمية (5)(ومتى بطل المسمى) ككونه مجهولا كعبد (6) .
(1) أو رعاية غنمها مدة معلومة، أو منافعه، أو منافع غيره المعلومة، مدة معلومة، صح النكاح، جزم به أكثر العلماء.
(2)
وإن كانت مجهولة كرد آبقها، وخدمتها فيما شاءت، لا المدة، وهو الصواب، ويصح على دين سلم، أو غيره، وآبق، ومغتصب، ومبيع اشتراه ولم يقبضه، ولو مكيلا ونحوه، وعليه تحصيله، فإن تعذر فقيمته، وقيل: إن نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية، وفاقا للشافعي، وقال مالك، وأصحاب الرأي: تصح. ورد ابن القيم عدم الجواز، وقال: إنها بعيدة من أصول أحمد ونصوصه، بل نصوصه على خلافها.
(3)
لعموم قوله {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} .
(4)
ولما في الصحيح «لا تسأل المرأة طلاق أختها» وقال الشيخ: لو قيل ببطلان النكاح لم يبعد، لأن المسمى فاسد، وحكي عن أبي: تستحق مهر الضرة قال الشيخ: وهو أجود، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يفسد النكاح بفساد الصداق، وهو إحدى الروايتين عن مالك وأحمد.
(5)
وكل موضع لا تصح التسمية فيه، يجب مهر المثل عند الجمهور.
(6)
أو دار أو دابة مطلقا بطل المسمى، صوبه في تصحيح الفروع.
أو ثوب، أو خمر أو نحوه (1)(وجب مهر المثل) بالعقد (2) لأن المرأة لا تسلم إلا ببدل ولم يسلم (3) وتعذر رد العوض فوجب بدله (4) ولا يضر جهل يسير (5) فلو أصدقها عبدا من عبيده (6) أو فرسا من خيله ونحوه (7) .
(1) كخنزير، وتعليم التوراة والإنجيل، وكحمل أمة أو شجرة مطلقا، وكالمعدوم والآبق، والعلة في ذلك كثرة الغرر والجهالة، ومثل ذلك لا يحتمل، والنزاع قائم، لأن ذلك لا أصل له يرجع إليه، فإن الدار والدابة والثوب كل واحد منها على أنواع مختلفة، واسم الدابة يقع على كل ما يدب، والشجرة قد لا تثمر، والعبد قد لا يحصل.
وقال الشيخ: ينبغي في سائر أصناف المال كالعبد، والشاة ونحوهما أنه يرجع فيه إلى مسمى ذلك اللفظ في عرفها، وإن كان بعض ذلك غالبًا أخذ به كالبيع، أو كان من عادتها اقتناؤه ولبسه، فهو كالملفوظ به.
(2)
وفي كل موضع لا تصح التسمية فيه، أو خلا العقد عن ذكر الصداق فيه، وهو تفويض البضع، يجب مهر المثل بالعقد.
(3)
فوجب مهر المثل.
(4)
كبيعه سلعة بخمر، فتتلف عند مشتر.
(5)
أي في صداق يمكن التعيين فيه.
(6)
صح، صححه الأكثر، واختاره القاضي وغيره، وصوبه في تصحيح الفروع.
(7)
كجمل من جماله، أو بغل من بغاله، أو بقرة من بقره ونحوه، وكقميص من قمصانه ونحوه.
فلها أحدهم بقرعة (1) وقنطارا من نحو زيت (2) أو قفيزا من نحو بر، لها الوسط (3) .
(1) نص عليه، لأن الجهالة فيه يسيرة، وفي لزومها بقيمة الوسط وجهان، صحح الأكثر عدم لزومها، واختاره الموفق وجمع.
وقال الشيخ: نص أحمد فيما إذا أصدقها عبدا من عبيده على قدر ما يخدم مثلها، وهذا تقييد للوسط.
(2)
كقنطار من سمن، أو قفيز من ذرة صح.
(3)
لأنه العدل، ولا يضر غرر يرجى زواله فيصح.
فصل (1)
(وإن أصدقها ألفا إن كان أبوها حيا، وألفين إن كان ميتا (2) وجب مهر المثل) لفساد التسمية، للجهالة إذا كانت حالة الأب غير معلومة (3) ولأنه ليس لها في موت أبيها غرض صحيح (4) (و) إن تزوجها (على: إن كانت لي زوجة بألفين (5) أو لم تكن) لي زوجة (بأَلف، يصح) النكاح (بالمسمى)(6) لأَن خلو المرأَة من ضرة من أَكبر أغراضها المقصودة لها (7)
(1) فيما يشترطه الأب وغيره من الصداق، وما يصح منه، وغير ذلك.
(2)
فسد المسمى.
(3)
أي يكون مجهولا إذا كانت حالة الأب غير معلومة، وإلا فالتسمية فاسدة مطلقًا، سواء كانت حياة الأب معلومة أو لا.
(4)
ومفهومه: لو كان لها غرض صحيح، صحت التسمية كالتي بعدها.
(5)
وكذا إن كانت لي سرية.
(6)
نص عليه، وقطع به جماعة، وعنه: لا يصح، قال في المقنع: هي قياس التي قبلها، واختارها الشارح، وصوبه في الإنصاف، وقال: القياس أنهما سواء، وهو الصواب.
(7)
ولذلك تخفف صداقها لتحصيل غرضها، وتغليه عند فواته.
وكذا إن تزوجها على ألفين إن أَخرجها من بلدها أَو دارها، وأَلف إن لم يخرجها (1)(وإذا أَجل الصداق أَو بعضه) كنصفه أو ثلثه (صح) التأْجيل (2)(فإن عين أَجلا) أُنيط به (3)(وإلا) يعينا أَجلا، بل أَطلقا (فمحله الفرقة) البائنة بموت أو غيره، عملا بالعرف والعادة (4) .
(1) وقال في تصحيح الفروع: الصحيح من المذهب عدم الصحة، ومن قال لسيدته: اعتقيني على أن أتزوجك. فأعتقته لم يلزمه شيء، وإن جمع بين نكاح وبين عتق، صح كل منهما.
(2)
سواء سمي المؤجل في العقد، أو فرض بعده، لأنه عقد معاوضة، فصح كالثمن.
(3)
بخلاف الأجل المجهول، كقدوم زيد.
(4)
لأن اللفظ المطلق يحمل عليها، والعرف والعادة ترك المطالبة به إلى الموت أو البينونة، فيحمل عليه، فيصير حينئذ معلوما بذلك، قال ابن القيم: إذا اتفق الزوجان على تأخير المطالبة وإن لم يسميا أجلا، فلا تستحق المطالبة به إلا بموت أو فرقة، هذا الصحيح، ومنصوص أحمد، اختاره قدماء شيوخ المذهب والقاضي أبو يعلى، والشيخ، وهو ما عليه الصحابة، حكاه الليث إجماعًا عنهم، وهو محض القياس والفقه، فإن المطلق من العقود ينصرف إلى العرف والعادة عند المتعاقدين.
وقال الشيخ: إن كان العرف جاريا بين أهل تلك الأرض أن المطلق يكون مؤجلا فينبغي أن يحمل كلامهم على ما يعرفونه؛ ولو كانوا يفرقون بين لفظ المهر والصداق، فالمهر عندهما ما يعجل، والصداق ما يؤجل، كان حكمهم على مقتضى عرفهم.
(وإن أَصدقها مالا مغصوبا) يعلمانه كذلك (1)(أَو) أَصدقها (خنزيرًا ونحوه) كخمر، صح النكاح (2) كما لو لم يسم لها مهرا (3) و (وجب) لها (مهر المثل) لما تقدم (4) وإن تزوجها على عبد فخرج مغصوبًا أو حرا، فلها قيمته يوم عقد (5) لأَنها رضيت به، إذ ظنته مملوكا (6) .
(1) أي أنه مغصوب، أو تعلمه هي وحدها.
(2)
وهو قول عامة الفقهاء، لأنه عقد لا يفسد بجهالة العوض، فلا يفسد بتحريمه كالخلع، ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه، ولو عدم فالنكاح صحيح، فكذا إذا فسد.
(3)
فيصح النكاح، وفي الإختيارات: إذا تزوج بنية أن يعطيها صداقا محرما، أولا يوفيها الصداق، أن الفرج لا يحل له، فإن هذا لم يستحل الفرج بماله، فلو تاب من هذه النية ينبغي أن يقال: حكمه حكم ما لو تزوجها بعين محرمة.
(4)
من أن فساد العوض، يقتضي رد عوضه، وقد تعذر لصحة النكاح، فوجب رد قيمته، وهي مهر المثل.
(5)
لأن العقد وقع على التسمية، ويقدر حر عبدا، وإن تزوجها على جرة خل، فخرجت خمرا أو مغصوبا، فلها مثله خلا، وقال الشيخ: لا يلزمه فيهن شيء، وكذا في مهر تعذر، وقولهم ضعيف، مخالف للأصول والعقل، وإن لم نقل تعذر العقد، فلا أقل من أن تملك الفسخ.
(6)
وكما لو وجدته معيبًا فردته، بخلاف: أصدقك هذا الحر؛ أو المغصوب فكأنها رضيت بلا شيء، ولها مهر المثل، سلمه لها، أو لا.
(وإن وجدت) المهر (المباح معيبا)(1) كعبد به نحو عرج (2)(خيرت بين) إمساكه مع (أَرشه (3) و) بين رده وأَخذ (قيمته) إن كان متقومًا (4) وإلا فمثله (5) وإن أصدقها ثوبا، وعين ذرعه فبان أقل (6) خيرت بين أخذه مع قيمة ما نقص (7) وبين رده وأخذ قيمة الجميع (8) والمتزوجة على عصير بان خمرًا مثل العصير (9) .
(1) فلها رده كالمبيع، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، وكذا إن كان ناقصا صفة، شرطتها فيه، فلها الرد، كما ترد في البيع، وكذا إن دلس.
(2)
كشلل، أو غيره من العيوب.
(3)
كمبيع يجده المشتري معيبا، وتقدم.
(4)
أي نحو العبد، ولا ينفسخ برده، فيبقى سبب استحقاقه، فتجب عليه قيمته، كما لو غصبها إياه فأتلفه.
(5)
أي وإن لم يكن المهر متقوما، بأن كان مثليا، كمكيل وموزون، فترد مثله، لأنه أقرب إليه، ولها في اثنين بان أحدهما حرا، الآخر وقيمة الحر.
(6)
بأن أصدقها عشرة فبان تسعة.
(7)
أي من ذرعه.
(8)
أي جميع المذروع، لعيبه بالنقص.
(9)
لأنه مثلي، والمثل أقرب إليه من القيمة، فإن كان المثل معدوما، فقيمته يوم إعوازه.
(وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها)(1) أو على أن الكل للأب (صحت التسمية)(2) لأن للوالد الأخذ من مال ولده، لما تقدم (3) ويملكه الأب بالقبض مع النية (4)(فلو طلق) الزوج (قبل الدخول وبعد القبض) أي قبض الزوجة للأَلف، وأبيها الألف (رجع) عليها (بالألف) دون أبيها (5) وكذا إذا شرط الكل له، وقبضه بالنية (6) .
(1) صحت التسمية، فروي عن مسروق أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف، فجعلها في الحج والمساكين، ثم قال للزوج: جهز امرأتك، وروي عن علي بن الحسين وغيره.
(2)
أي أو تزوجها على أن كل الصداق للأب، صحت التسمية، إن صح تملكه من مال ولده، بكونه حرا رشيدا، وأن لا يعطيه لغيرها من أولاده، وأن لا يكون ذلك في مرضهما، وأن لا يجحف بمال البنت، وقال الشيخ: لا يتصور الإجحاف، لعدم ملكها له، وإن لم يكن ممن يصح تملكه من مال ولده فالكل لها.
(3)
من بيان شروطه في الهبة، ولقوله «أنت ومالك لأبيك» ، «وإن أولادكم من كسبكم» ولقصة شعيب، فإنه زوج موسى على رعاية غنمه.
(4)
أي نية التملك.
(5)
لأن الألف الذي قبضته نصف الصداق، والطلاق قبل الدخول يوجب تنصيف الصداق، لقوله تعالى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} دون الألف الذي قبضه أبوها، لأنه أخذ من مال ابنته ألفا، فلا يجوز الرجوع به عليه.
(6)
أي نية التملك، وفي الإنصاف: يملك ما اشترطه بنفس العقد، كما تملك هي، لكن يقدر فيه الإنتقال إلى الزوجة، ثم إلى الأب.
ثم طلق قبل الدخول، رجع عليها بقدر نصفه (1)(ولا شيء على الأب لهما) أي للمطلق والمطلقة (2) لأنا قدرنا أن الجميع صار لها، ثم أخذه الأب منها، فتصير كأنها قبضته، ثم أخذه منها (3)(ولو شرط ذلك) أي الصداق أو بعضه (لغير الأب) كالجد، والأخ (4)(فكل المسمى لها) أي للزوجة (5) لأنه عوض بضعها، والشرط باطل (6)(ومن زوج بنته ولو ثيبا (7) .
(1) أي نصف ما شرط الأب صداقا لها، وشرطه لنفسه.
(2)
من نصف أو كل، إن قبضه بنية التملك، وإن طلق قبل القبض أخذ الأب من الباقي ما شاء بشرطه.
(3)
وقيل: يرجع على الأب بنصف ما أخذ، قال في الإنصاف: والنفس تميل إلى ذلك، وهو احتمال للموفق.
(4)
ونحوهما من الأولياء أو غيرهم، وكذا الأب إذا لم يصح تملكه صحت التسمية.
(5)
أي ما شرط صداقا لها، كما لو جعله لها، نص عليه.
(6)
لخبر «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» وكان الصداق لها، كما لو جعله كله لها، فتنتفي الجهالة وليس للغير أن يأخذ شيئًا بغير إذن، فيقع الاشتراط لغوا.
(7)
ولعله: ما لم يتعلق إذنها على مهر معين، ويتصور أن تأذن في النكاح، دون قدر المهر، وقد يقال: إذنها في المهر غير معتبر.
بدون مهر مثلها صح) (1) ولو كرهت (2) لأنه ليس المقصود من النكاح العوض (3) ولا يلزم أَحدا تتمة المهر (4)(وإن زوجها به) أي بدون مهر مثلها (ولي غيره) أي غير الأب (بإذنها صح) مع رشدها (5) لأن الحق لها، وقد أسقطته (6)(وإن لم تأذن) في تزويجها بدون مهر مثلها لغير الأب (فـ) لها (مهر المثل) على الزوج (7) لفساد التسمية بعدم الإذن فيها (8) .
(1) وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة.
(2)
نص عليه، لأن عمر خطب الناس فقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء
…
الخ، وكان بمحضر من الصحابة فلم ينكر، فكان اتفاقًا منهم، وإن كان دون صداق المثل، وزوج ابن المسيب ابنته بدرهمين، وهو قرشي، ومعلوم أنهما ليسا مهر مثلها، والظاهر من شفقة الأب، وتمام نظره، أن لا ينقصها من صداق مثلها إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح.
(3)
بل المقصود من النكاح السكن، والازدواج، ووضع المرأة في منصب عند من يكفها، ويصونها، ويحسن عشرتها.
(4)
لا الزوج، ولا الأب، لصحة التسمية، فليس لها إلا ما وقع عليه العقد.
(5)
وليس لأحد من الأولياء الاعتراض عليها.
(6)
كما لو أذنت ببيع سلعتها بدون قيمتها.
(7)
كما لو تزوجها بمحرم.
(8)
لأنه المستوفي لبدله، لكن يضمنها الولي لتفريطه، ذكره الموفق وغيره،
وفائدته لو تعذر أخذ التكملة من الزوج، فترجع على الولي، وعليه إن أخذته من الولي، فله الرجوع به على الزوج، كالضامن سواء، ويحتمل أن لا يلزم الزوج إلا المسمى، والباقي على الولي، كالوكيل في البيع، نص عليه، وصوبه في الإنصاف، واختاره الشيخ وغيره.
(وإن زوج ابنه الصغير بمهر المثل أو أكثر صح) لازما (1) لأن المرأة لم ترض بدونه (2) وقد تكون مصلحة الابن في بذل الزيادة (3) ويكون الصداق (في ذمة الزوج)(4) إذا لم يعين في العقد (5)(وإن كان) الزوج (معسرا لم يضمنه الأب)(6) لأن الأب نائب عنه في التزويج، والنائب لا يلزمه ما لم يلتزمه كالوكيل (7) فإن ضمنه غرمه (8)
(1) ومثله المجنون.
(2)
أي بدون الأكثر من مهر المثل، فلا ينقص منه.
(3)
على مهر المثل، وغبطته، والأب أعلم بمصلحته في ذلك.
(4)
لأن العقد له، فكان بدله عليه، كثمن المبيع.
(5)
كأن يقول: على هذه الدابة ونحوها.
(6)
أي لا يضمن الأب المهر مع عسرة الابن، قال القاضي: وهذه الرواية أصح، وأما الموسر فقولا واحدا.
(7)
أي فأشبه الوكيل في شراء سلعة لا يضمن، وقيل: يضمنه للعرف، وهو رواية عن أحمد، اختاره ابن عبدوس وغيره، وجزم به في الوجيز.
(8)
كأن قيل له: ابنك فقير، فقال: عندي؛ لزمه المهر، ولو قضاه عن
ابنه ثم طلق ولم يدخل، فنصفه للابن دون الأب، لأن الابن ملكه من غير أبيه، وقال ابن نصر الله: محله ما لم يكن زوجه لوجوب الإعفاف عليه، فإنه للأب.
ولأب قبض صداق محجور عليها (1) لا رشيدة ولو بكرًا إلا بإذنها (2) وإن تزوج عبد بإذن سيده صح (3) وتعلق صداق، ونفقة، وكسوة، ومسكن بذمة سيده (4) وبلا إذنه لا يصح (5) فإن وطئ تعلق مهر المثل برقبته (6) .
(1) لصغر، أو جنون، أو سفه، لأنه يلي مالها، فكان له قبضه، كثمن مبيعها.
(2)
أي لا يقبضه لها إلا بإذنها، لأنها المتصرفة في مالها، فاعتبر إذنها في قبضه، كثمن مبيعها، فلا يبرأ الزوج، وإذا غرم رجع على الأب، فإن اشترطه الأب أو بعضه لنفسه فله ذلك، كما تقدم.
(3)
بغير خلاف، وله نكاح أمة، لأنها تساويه، ولو أمكنه نكاح حرة.
(4)
ضمن ذلك أو لم يضمنه، مأذونا له في التجارة، أو محجورا عليه، لأنه حق تعلق بالعقد برضا سيده، فتعلق به.
(5)
إجماعا، لقوله صلى الله عليه وسلم «أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر» وقال ابن المنذر وغيره: أجمعوا على أن نكاحه باطل.
(6)
لأنه قيمة البضع الذي أتلف بغير حق، أشبه أرش الجناية.
فصل (1)
(وتملك المرأة) جميع (صداقها بالعقد) كالبيع (2) وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد (3)(ولها) أي للمرأة (نماء) المهر (المعين)(4) .
(1) أي في قبض المرأة الصداق، وما يتعلق به.
(2)
أي تملك المرأة الحرة – وكذا سيد الأمة – جميع الصداق بالعقد، كما يملك البيع، لحديث «إن أعطيتها إزارك، جلست ولا إزار لك» وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، ولأن النكاح عقد يملك فيه المعوض بالعقد، فملك به العوض كاملا، حالا كان أو مؤجلا.
(3)
فلو ارتدت سقط جميعه، وإن كانت قد ملكت نصفه، وعنه: لا تملك إلا نصفه، وحكي عن مالك. وقال ابن عبد البر: اختلف فيه السلف والآثار، وأما الفقهاء اليوم فعلى أنها تملكه، وقال ابن رشد: اتفق العلماء على أن الصداق يجب كله بالدخول أو بالموت، أما وجوبه كله بالدخول فلقوله تعالى {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} الآية، وأما وجوبه بالموت فلانعقاد الإجماع على ذلك. اهـ.
ويتقرر المسمى للحرة والأمة بالموت، ولو بقتل نفسه أو غيره، وبوطئه في فرج، وبالخلوة ولو ادعى عدم العلم، لأن العادة أنه لا يخفى عليه ذلك، قاله شيخ الإسلام، لا بلمس ونحوه، ونظر، أو تحمل بماء الزوج، وصوبه في تصحيح الفروع.
(4)
أي نماء المهر المتصل والمنفصل، المعين، المتميز، لا المتعين، الصادق بعبد من عبيده، فإنه كقفيز من صبرة.
من كسب، وثمرة، وولد، ونحوها (1) ولو حصل (قبل القبض) لأنه نماء ملكها (2)(وضده بضده) أي ضد المعين كقفيز من صيرة، ورطل من زبرة (3) بضد المعين في الحكم (4) فنماؤه له، وضمانه عليه، ولا تملك تصرفًا فيه قبل قبضه كمبيع (5)(وإن تلف) المهر المعين قبل قبضه (فمن ضمانها)(6) .
(1) أي ككسب عبد معين، وكثمرة شجرة معينة، وكولد جارية معينة، ونحوها كمنفعة دار.
(2)
فكان لها ذلك، كسائر أملاكها.
(3)
حديد ونحوه، ودن زيت ونحوه، ومائة من هذه الغنم ونحوها.
(4)
لا يدخل في ضمانها إلا بقبضه، وتملكه بالعقد، وإن لم يدخل بها، ولا تملك تصرفا فيه إلا بقبضه.
(5)
أي كما لو باع قفيزًا من صبرة ونحوه، فإنه لا يدخل في ضمان مشتر، ولا يملك تصرفا فيه إلا بقبضه، وتقدم ما لا يجوز التصرف فيه في البيع، وقال الموفق: قياس المذهب أن ما جاز لها التصرف فيه فهو من ضمانها إن تلف أو نقص وما لا تصرف لها فيه فهو من ضمانه، إلا أن يمنعها من قبضه، فمن ضمانه بكل حال، كالغاصب، وذكر القاضي أن ما لم ينتقض العقد بهلاكه كالمهر، وعوض الخلع، يجوز التصرف فيه قبل قبضه، كالوصية، والميراث.
(6)
أي وإن تلف المهر المعين أو نقص، كالعبد والدار، والماشية المعينة قبل قبضها أو بعده، فمن ضمانها، لتمام ملكها عليه.
فيفوت عليها (1)(إلا أن يمنعها زوجها قبضه فيضمنه)(2) لأنه بمنزلة الغاصب إذًا (3)(ولها التصرف فيه) أي في المهر المعين (4) لأنه ملكها، إلا أن يحتاج لكيل، أو وزن، أو عد، أو ذرع، فلا يصح تصرفها فيه قبل قبضه، كمبيع بذلك (5)(وعليها زكاته) أي زكاة المعين، إذا حال عليه الحول من العقد (6) .
(1) لأنه ملكها بالعقد، لها التصرف فيه، ونماؤه.
(2)
إن تلف بغير فعلها، وعليه نقصه إن تعيب أو نقص، والزيادة لها.
(3)
فيضمنه ضمان غصب كما تقدم، وكل موضع الضمان فيه على الزوج إذا تلف، لا يبطل الصداق بتلفه، بل يضمنه بمثله، أو قيمته، وهو قول أبي حنيفة، والقديم من قولي الشافعي، والجديد: يرجع إلى مهر المثل، فالتالف في يد الزوج لا يخلو من أربعة أحدها: بفعل الله، فعلى ما مر، أو بفعلها فضمانه عليها أو بفعله فعليه ضمانه، أو بفعل أجنبي فلها الخيار في الرجوع على الأجنبي أو الزوج، ويتنصف قبل تقرره بكل فرقة جاءت من أجنبي أو منه، كخلع، وتعليق طلاقها على فعلها، وتوكيلها، ويسقط بفسخه لعيب، أو شرط، أو حرمة جمع، أو تخيير بسؤالها، صححه في تصحيح الفروع، أو اشترته في الأصح، وقيل: يتنصف، وقواه، وكذا من اشتراها أو تخالعا.
(4)
من بيع ونحوه.
(5)
أي بالكيل، أو الوزن، أو العد، أو الذرع، وتقدم.
(6)
وترجع بها عليه، إن منعها قبضه.
وحول المبهم من تعيين (1)(وإن طلق) من أَقبضها الصداق (قبل الدخول أو الخلوة فله نصفه) أي نصف الصداق (2)(حكما) أي قهرا كالميراث (3) لقوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (4)(دون نمائه) أي نماء المهر (المنفصل) قبل الطلاق (5) فتختص به، لأنه نماء ملكها (6) والنماء بعد الطلاق لها (7) .
(1) تستقبل به حولا بشرطه.
(2)
أي نصف عينه، إن كان باقيا بحاله لم يتغير، ولم يتعلق به حق غيره، بغير خلاف، للآية، والمحجور عليها، لا تعطيه إلا نصف القيمة، حال عقد.
(3)
ولو لم يختر تملكه، فما يحدث من نمائه بعد طلاقه. فبينهما، فلو أصدقها صيدا ثم طلق وهو محرم، دخل في يده ضرورة، فله إمساكه.
(4)
أي لكم أو لهن، فاقتضى أن النصف له، والنصف لها بمجرد الطلاق، إن بقي بصفته، ولو النصف، فقط، مشاعا كان، أو معينا، ولو طلقها على أن المهر كله لها لم يصح الشرط، وإن طلق ثم عفا صح.
(5)
كحمل بهائم عندها، وولادتها.
(6)
فيرجع في نصف الأمات، والزيادة لها، ولو ولد أمة، لأن الولد زيادة منفصلة.
(7)
فما حصل من نمائه كله بعد دخول نصفه في ملكه، فبينهما نصفين، لأن النماء تابع للأصل، ويفارق نماء المبيع المعيب، لأن سبب الفسخ العيب، وهو سابق على الزيادة، وسبب تنصيف الصداق الطلاق، وهو حادث بعدها.
(وفي) النماء (المتصل) كسمن عبد، أَمهرها إياه (1) وتعلم صنعة، إذا طلق قبل الدخول والخلوة (له نصف قيمته) أي قيمة العبد (بدون نمائه) المتصل (2) لأنه نماء ملكها، فلا حق له فيه (3) وإن اختارت رشيدة دفع نصفه زائدا، لزمه قبوله (4) وإن نقص بنحو هزال (5) خير رشيد بين أخذ نصفه بلا أرش، وبين نصف قيمته (6) وإن باعته (7) أو وهبته وأقبضته، أو رهنته (8) .
(1) وكبره، له نصف قيمته، دون نمائه.
(2)
أي السمن، وتعلم الصنعة ونحوهما.
(3)
وإنما صير إلى نصف القيمة، لأن الزيادة لها، ولا يلزمها بذلها، ولا يمكنها دفع الأصل بدون زيادته.
(4)
أي مع نمائه، والمحجور عليها لا تعطيه إلا نصف القيمة حال العقد، إن كان متميزًا، لأنه لا يصح تبرعها، وإلا فيوم الفرقة.
(5)
كعبد عمي، أو نسي صنعة، أو طلعت لحيته.
(6)
يوم عقد إن كان متميزًا، وغيره يوم الفرقة على أدنى صفة من عقد إلى قبض، وإنما اعتبرت قيمة المتميز يوم العقد لأنه يدخل في ضمانها بمجرد العقد، وإن نقص من وجه، وزاد من وجه، فلكل الخيار، وإن كان تالفًا، أو مستحقًا بدين، أو شفعة فله قيمته، وفي المثلي نصفه.
(7)
أي ولو مع خيارها.
(8)
والمراد الرهن المقبوض، كما صرح به في شرح المنتهى وغيره.
أو أعتقته، تعين له نصف القيمة (1) وأيهما عفا لصاحبه عما وجب له، وهو جائز التصرف، صح عفوه (2) وليس لولي العفو عما وجب لمولاه، ذكرا كان أو أُنثى (3)(وإن اختلف الزوجان) أو ولياهما (أو ورثتهما) أو أحدهما، وولي الآخر أو ورثته (في قدر الصداق (4) أو عينه (5) أو فيما يستقر به) من دخول أو خلوة، أو نحوهما (6) .
(1) لتصرفها في عين الصداق بما ينقل الملك، فتعين له نصف القيمة إن لم يكن مثليا، فيأخذ نصف قيمة المتقوم، أو نصف قيمة المثل في المثلي، لا بإجارة، وتدبير، وتزوج رقيق، لأنها لا تنقل الملك لكن يخير.
(2)
بغير خلاف، وبريء منه صاحبه، سواء كان المعفو عنه عينا أو دينا، لقوله تعالى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} .
(3)
ولو كان الأب، لقوله تعالى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} والذي بيده عقدة النكاح الزوج، وهو مذهب أبي حنيفة، وجماعة، لحديث عمرو بن شعيب «ولي العقد الزوج» ولتمكنه من قطعه وإمساكه، وليس إلى الولي منه شيء، ولقوله {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أي عفو الزوج عن حقه، وعفو الولي ليس أقرب للتقوى، وعنه: الأب. اختاره الشيخ، وهو مذهب مالك، وأحد القولين في مذهب الشافعي وقول طائفة، وقيل: رجع أحمد من قوله بجواز عفو الأب.
(4)
بأن قال: تزوجتك على عشرة. فتقول: على ثلاثين.
(5)
بأن قال: على هذا العبد. فتقول: بل على هذه الأمة.
(6)
كلمس، أو نظر إلى فرجها بشهوة، أو تقبيلها بحضرة الناس، وغير ذلك مما يأتي.
(فقوله) أي قول الزوج أو وليه أو وارثه (1) بيمينه، لأنه منكر، والأصل براءة ذمته (2) وكذا لو اختلفا في جنس الصداق، أو صفته (3)(و) إن اختلفا (في قبضه فـ) ـالقول (قولها) ، أو قول وليها، أو وارثها مع اليمين، حيث لا بينة له، لأن الأصل عدم القبض (4) .
(1) وعنه: القول قول من يدعي مهر المثل منهما، جزم به الخرقي وجماعة، واختاره عامة الأصحاب، وهو مذهب أبي حنيفة.
(2)
لحديث «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» وعلى القول الثاني لو ادعى أقل، وادعت أكثر من مهر المثل، رد إليه بلا يمين، في الأحوال كلها عند القاضي، وتجب اليمين عند أبي الخطاب، وصوبه في تصحيح الفروع، ومن حلف من الورثة على الإثبات يحلف على البت، ومن يحلف على النفي فعلى نفي العلم، لأنه على نفي فعل الغير، وإن كان حاضرا تلك الحال فعلى البت، ومن حلف على فعل نفسه، من الزوجين والولي، حلف على البت، وعلى فعل غيره على نفي العلم، كالورثة.
(3)
بأن قال: على فضة: فتقول: على ذهب. أو قال: على زنجي. فقالت: بل أبيض، فالقول قول الزوج، أو وليه، أو وارثه.
(4)
وفي تسمية مهر مثل فقوله بيمينه، جزم به في الإقناع، وصوبه في تصحيح الفروع، وعنه: قولها. جزم به في المنتهى، وعلى كلا الروايتين لها مهر المثل إن وجد ما يقرره، وإلا فعلى ما في الإقناع، لها المتعة وإلا فنصف مهر المثل، وإن أنكر أن يكون لها عليه صداق فقولها، فيما يوافق مهر مثلها.
وإن تزوجها على صداقين، سر وعلانية (1) أخذ بالزائد مطلقا (2) وهدية زوج ليست من المهر (3) فما قبل عقد إن وعدُوه ولم يفوا، رجع بها (4) .
(1) بأن عقدا سرا على صداق، وعلانية على صداق.
(2)
سواء كان الزائد صداق السر أو العلانية، وإن اتفقا قبل عقد على مائة، وعقداه بأكثر تجملا، فالمهر على ما عقداه، قال أحمد: تفي بما وعدته وجوبا. وصوبه في الإنصاف، وقال الشيخ: لا يحل أن تغدر به، بل يجب الوفاء بالشرط.
وقال ابن القيم: والمقصود أن المتعاقدين وإن أظهرا خلاف ما اتفقا عليه في الباطن، فالعبرة بما أسراه، واتفقا عليه، وقصداه بالعقد، وقد أشهدا الله على ما في قلوبهما، فلا ينفعهما ترك التكلم به حالة العقد، وهو مطلوبهما، ومقصودهما، فالقصد روح العقد، ومصححه، ومبطله، فاعتبار القصود في العقود أولى من اعتبار الألفاظ.
(3)
وتثبت الهدية لها مع تقرر للمهر أو لنصفه، وترد في كل فرقة اختيارية مسقطة للمهر، كفسخ لعيب ونحوه، وكذا في فرقة قهرية، كفسخ لفقد كفاءة قبل الدخول.
(4)
فما أهداه زوج قبل عقد، إن وعدوه ولم يفوا – بأن زوجوها غيره – رجع بها، قاله الشيخ وغيره، وقال: إذا اتفقوا على النكاح من غير عقد، فأعطى أباها لأجل ذلك شيئًا، فماتت قبل العقد، ليس له استرجاع ما أعطاهم،
وإن كان الإعراض منه فلا رجوع أيضًا، وقال: ما قبض بسبب نكاح ككسوة لأبيها أو أخيها فكمهر، وسبب العقد، كدلال يرده عند فسخ لفقد كفاءة، أو عيب، لا لردة، ورضاع، ومخالعة.
وقال: كتبت عن أحمد: إذا أهدى لها هدية بعد العقد فإنما ترد ذلك إليه، إذا زال العقد الفاسد، فهذا يقتضي أن ما وهبه لها سببه النكاح، فإنه يبطل إذا زال النكاح، وهذا المنصوص جار على أصول المذهب، لموافقته أصول الشرع وهو أن كل من أهدي أو وهب له شيء بسبب، يثبت بثبوته، ويزول بزواله، ويحرم بحرمته.
.......................................................................
فصل (1)
(يصح تفويض البضع (2) بأن يزوج الرجل ابنته المجبرة) بلا مهر (3)(أو تأْذن المرأة لوليها أن يزوجها بلا مهر) فيصح العقد (4) ولها مهر المثل (5) لقوله تعالى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (6)
(1) أي في أحكام المفوضة، والتفويض اصطلاحا نوعان، تفويض بضع، وهو الذي ينصرف إليه التعريف، وتفويض مهر، والتفويض لغة الإهمال، كأن المهر أهمل، حيث لم يسم.
(2)
أي رد أمر المهر، أو التزوج، أو عقد النكاح، إلى الزوج أو غيره، ويطلق البضع على عقد النكاح، والجماع معا، وعلى الفرج.
(3)
أو يزوج الأب غيرها بإذنها، وسواء سكت عنه، أو شرط نفيه، فيصح، ويجب مهر المثل، لأن المقصود من النكاح الوصلة، والاستمتاع، دون الصداق.
(4)
سواء سكت عن الصداق، أو شرط نفيه، فيصح من غير ذكره، ولا فرق بين أن يسكت عنه، أو يقول: زوجتك بلا مهر. أو بلا مهر، لا في الحال ولا في المآل، إذ المعنى واحد، وقال ابن رشد: أجمعوا على أن نكاح التفويض جائز، وهو النكاح دون صداق.
(5)
يفرضه الحاكم، أو يتراضيان عليه.
(6)
أي أو ما لم تفرضوا لهن فريضة، ولحديث ابن مسعود في رجل تزوج
امرأة، ولم يفرض لها صداقا، ولم يدخل بها حتى مات، فقال «لها صداق نسائها، ولا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث» وقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت، رواه الترمذي وغيره وصححه.
(و) يصح أيضًا (تفويض المهر (1) بأن يزوجها على ما يشاء أحدهما) أي أحد الزوجين (أو) يشاء (أجنبي فـ) ـيصح العقد (2) . و (لها مهر المثل بالعقد)(3) لسقوط التسمية بالجهالة (4) ولها طلب فرضه (5) .
(1) وهو النوع الثاني، بأن يجعل المهر إلى رأي أحد الزوجين، أو غيرهما، أو حكمها، أو حكمك، أو حكم فلان.
(2)
في جميع هذه الصور، للآية، والحديث.
(3)
أي وللزوجة المفوضة مهر المثل، في قول عامة أهل العلم، لأنها لم تأذن في تزويجها إلا على صداق، لكنه مجهول، فوجب مهر المثل بالعقد، فلو فرض مهر أمته، ثم باعها، أو أعتقها، ثم فرض المهر، فهو لسيدها الأول، لوجوبه بالعقد وهي في ملكه، ولو فوضت امرأة نفسها، ثم طالبته فرض مهرها بعد تغير مهر مثلها، أو دخوله بها، وجب مهر المثل حالة العقد.
(4)
فوجب مهر المثل بطلبه.
(5)
وفي كل موضع فسدت فيه التسمية، كأن تزوجها على نحو خمر، أو خنزير، فلها طلب فرضه قبل دخول وبعده، فإن امتنع أجبر عليه، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، ولها المطالبة به، قاله جماعة، وقطع به الموفق وغيره، وصححه في تصحيح الفروع.
(ويفرضه) أي مهر المثل (الحاكم بقدره) بطلبها (1) لأن الزيادة عليه ميل على الزوج، والنقص منه ميل على الزوجة (2)(وإن تراضيا قبله) أي قبل فرض الحاكم ولو على قليل (جاز)(3) لأن الحق لا يعدوهما (4)(ويصح) أيضًا (إبراؤها من مهر المثل قبل فرضه)(5) .
(1) لفرضه، ولأنه إنما يفرض بدل البضع، فيقدر بقدره، كقيمة متقوم، وإن فرض لها غير الزوج والحاكم مهر مثلها فرضيته، لم يصح فرضه، ويلزمهما فرض الحاكم كحكمه، ومتى صح الفرض كان كالمسمى في العقد، في أنه ينتصف بالطلاق، ولا تجب المتعة معه، وعليه الأصحاب.
(2)
فيعتبر معرفة مهر المثل، ليتوصل إلى فرضه، وذلك بمن يساويها من جميع أقاربها، لخبر «لها مهر نسائها» كما سيأتي، وإن كانت عادتهم التخفيف على عشيرتهم، دون غيرهم، اعتبر ذلك، لأن العادة لها أثر في المقدار، فكذا في التخفيف، وإن كان عادتهم تسمية مهر كثير لا يستوفونه قط، فوجوده كعدمه، قاله الشيخ وغيره.
(3)
أي ما اتفقا عليه، وصار حكمه حكم المسمى في العقد.
(4)
فلها ما تراضيا عليه، عالمين كانا أو جاهلين بمهر مثل، لأنه إذا فرض لها كثيرا، فقد بذل لها من ماله فوق ما وجب عليه، وإن فرض لها يسيرا، فقد رضيت بدون ما وجب لها، وليس لولي محجور بذل أكثر من مهر مثل، ولا لوليها الرضى بأقل.
(5)
قبل الدخول وبعده، مفوضة البضع، ومفوضة المهر، وكذا من سمي
لها مهر فاسد، كالمجهول، لأنه واجب في هذه المواضع، وإنما جهل قدره، والبراءة من المجهول صحيحة.
لأنه حق لها، فهي مخيرة بين إبقائه وإسقاطه (1)(ومن مات منهما) أي من الزوجين (2)(قبل الإصابة) والخلوة (والفرض)(3) لمهر المثل (ورثه الآخر)(4) لأن ترك تسمية الصداق لا يقدح في صحة النكاح (5)(ولها مهر) مثلها (6)
(1) وإن عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها، أو عن بعضه، أو وهبته إياه بعد قبضه، وهي جائزة التصرف في مالها، جاز بلا خلاف، لقوله تعالى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} وقوله {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} .
(2)
يعني في نكاح التفويض.
(3)
منهما، أو من حاكم، كما تقدم.
(4)
سواء كان الميت الزوج أو الزوجة، لحديث ابن مسعود، ولثبوت عقد الزوجية، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا.
(5)
فثبت الميراث.
(6)
أي ولها مع موت أحدهما – وكذا سائر ما يقرر الصداق – مهر مثلها، صححه الأكثر، وعنه: أنه يتنصف بالموت، ورده شيخ الإسلام، وقال: هذه تخالف السنة، وإجماع الأمة، وغلط الناقل، وقال: لا خلاف عن أحمد أنه لا يجوز.
من (نسائها) أي قراباتها (1) كأُم، وخالة، وعمة (2) فيعتبره الحاكم بمن تساويها منهن، القربى فالقربى، في مال، وجمال، وعقل، وأدب، وسن، وبكارة أو ثيوبة (3) فإن لم يكن لها أقارب فبمن تشابهها من نساء بلدها (4)(وإن طلقها) أي المفوضة (5) أو من سمي لها مهر فاسد (قبل الدخول) والخلوة (6)(فلها المتعة (7)
(1) ممن يماثلها، لحديث ابن مسعود: ولها صداق نسائها. فإن المرأة تنكح لحسبها للأثر، والحسب يختص أقاربها، ويزاد المهر لذلك، ويقل لعدمه.
(2)
وأخت، اختاره الأكثر.
(3)
وبلد، وصراحة نسب، وكل ما يختلف لأجله المهر، فإن لم يكن إلا دونها، زيدت بقدر بفضيلتها، كنقصها.
(4)
فيما تقدم، فإن عدمن فبأقرب النساء شبها بها، من أقرب البلاد لها، وتعتبر عادة في تأجيل وغيره، كفي جنسه، وكالتخفيف عن عشيرتهن، أو لشرف زوج ويسار.
(5)
قبل الدخول والخلوة، فلها المتعة، وكذا لو فارقها بما ينصف الصداق، فلها المتعة، نص عليه، وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، وعليه أكثر الأصحاب، وصححه في الإنصاف وغيره.
(6)
ونحو ذلك مما يقرر المهر.
(7)
اختاره القاضي، والمجد، وغيرهما، وعنه: يجب نصف مهر المثل قال في الإنصاف: وهو الصواب. واختاره الموفق، والشيخ، وجزم به الخرقي، وصححه في تصحيح الفروع، وقدمه في الإقناع.
بقدر يسر زوجها وعسره) (1) لقوله تعالى {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (2) فأَعلاها خادم (3) وأَدناها كسوة تجزئها في صلاتها (4) .
(1) عوضًا لما فاتها من المهر، وتعتبر بحال الزوج.
(2)
{مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} والأمر يقتضي الوجوب، وأداء الواجب من الإحسان، ولما خص بالآية من لم يفرض لها ولم يمسها، دل على أنها لا تجب لمدخول بها، ولا لمفروض لها.
(3)
أي أعلى المتعة في حق موسر خادم.
(4)
وهي درع وخمار، ونحو ذلك، لقول ابن عباس: أعلى المتعة خادم، ثم دون ذلك النفقة، ثم دون ذلك الكسوة، وقيده بما يجزئها في صلاتها، لأنه أقل الكسوة، ولا تسقط إن وهبته مهر المثل قبل الفرقة، ولا يصح إسقاطها قبل الفرقة.
وكل فرقة ينتصف بها المسمى، توجب المتعة إذا كانت مفوضة، وكل فرقة تسقطه – كاختلاف دين، وفسخ لرضاع من قبلها – لا تجب به متعة، لقيامها مقام المسمى، فتسقط في كل موضع يسقط فيه.
وذكر في الكافي عن أحمد رواية: لكل مطلقة متاع. لقوله تعالى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وقوله {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} وقال أبو بكر: العمل عليه عندي، لولا تواتر الروايات بخلافها. فتعين حمل هذه الرواية على الاستحباب، جمعا بين دلالة الآيات، وجزم به في الإقناع وغيره، فأما المتوفى عنها فلا متعة لها، لأن الآيات لم تتناولها، ولا هي في معنى المنصوص.
(ويستقر مهر المثل) للمفوضة ونحوها (1)(بالدخول) والخلوة (2) ولمسها، ونظره إلى فرجها بشهوة، وتقبيلها بحضرة الناس (3) وكذا المسمى يتقرر بذلك (4) .
(1) كمن سمي لها مهر المثل، والمفوضة بالكسر على نسبة التفويض إلى المرأة على أنها فاعلة، والفتح على نسبته إلى وليها.
(2)
وهذا مذهب أبي حنيفة، وقال مالك، والشافعي: بالوطء. إلا أن عند مالك إذا طالت مدته استقر ولو لم يطأ، ونص أحمد على أنهما لو اتفقا على أنه لم يطأ في الخلوة لزم المهر والعدة، لأن كلا منهما يفر مما لزمه، فالخلوة مقررة للمهر، لمظنة الوطء، وقيل: إما لإجماع الصحابة وهو حجة، وإما لأن طلاقها بعد الخلوة، وردها ابتذال وكسر، فوجب جبره بالمهر، وقال الشيخ: يتوجه أن يستقر المهر بالخلوة وإن منعته الوطء.
(3)
هذا المنصوص أنه يكمل به الصداق، لأنه مسيس واستمتاع، والوجه الآخر: لا يكمل به. وهو قول أكثر أهل العلم، لقوله تعالى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} إن أريد به في الظاهر الجماع، ويدخل في عمومها، لإجماع الصحابة، وقال أحمد: إذا أخذها وعنده نسوة، فمسها، وقبض عليها، ونحو ذلك، من غير أن يخلو بها، وقال: إذا نال منها شيئا لا يحل لغيره، فعليه المهر.
(4)
أي بالدخول والخلوة وإن لم يطأ، روي عن الخلفاء الأربعة، وزيد، وابن عمر، وبه قال علي ابن الحسين، وأصحاب الرأي، والقديم للشافعي، وروى أحمد وغيره عن زرارة: قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابا، أو أرخى سترا، فقد وجب المهر، فكان إجماعًا.
ويتنصف المسمى بفرقة من قبله (1) كطلاقه، وخلعه، وإسلامه (2) ويسقط كله بفرقة من قبلها (3) كردتها، وفسخها لعيبه (4) واختيارها لنفسها، بجعله لها بسؤالها (5)(وإن طلقها) أي الزوجة، مفوضة كانت أو غيرها (بعده) أي بعد الدخول (فلا متعة) لها (6) .
(1) أي إذا كان قبل الدخول، كمن سمي لها مهر فاسد، أما إذا كان بعده فيستقر المهر كله مطلقا.
(2)
وردته، أو من أجنبي كالرضاع ونحوه، فينتصف بها المهر بينهما، لقوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ثبت في الطلاق، وقيس عليه سائر ما استقل به الزوج، وفرقة الأجنبي يرجع عليه الزوج.
(3)
أي قبل الدخول والخلوة، ونحوهما مما يقرر المهر.
(4)
أو لعيبها، أو إسلامها، أو إرضاعها من ينفسخ النكاح برضاعه، أو ارتضاعها وهي صغيرة.
(5)
وغير ذلك، ومن صور الفسخ الذي يسقط به المهر والمتعة ما لو فسخ الزوج لفوات شرط فيها، بأن شرطها مسلمة فبانت كتابية، ونحو ذلك من الشروط المذكورة في «باب الشروط والعيوب في النكاح» .
(6)
أي فلا تجب لها متعة، لأنها كالبدل عن مهر المثل، وتقدم استحباب المتعة لكل مطلقة، للآية، واختاره الشيخ، وقال: لكل مطلقة متعة إلا التي لم يدخل بها، وقد فرض لها، نص عليه، وهو قول عمر وغيره، ومتعة الأمة لسيدها.
بل لها المهر كما تقدم (1)(وإذا افترقا في) النكاح (الفاسد) المختلف فيه (2)(قبل الدخول والخلوة فلا مهر) ولا متعة (3) سواء طلقها، أو مات عنها، لأَن العقد الفاسد وجوده كعدمه (4)(و) إن افترقا (بعد أَحدهما) أي الدخول أو الخلوة (5) .
(1) في قوله: ويستقر المهر بالدخول
…
الخ؛ ويجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئًا، لحديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا. رواه أبو داود، ويستحب إعطاؤها قبل الدخول بها، لقوله لعلي «أعطها درعك» رواه أبو داود، وقال الزهري: مضت السنة أن لا يدخل بها حتى يعطيها شيئًا. وأما المتوفي عنها فلا متعة لها بلا خلاف.
(2)
أي وإذا افترق الزوجان بطلاق، أو موت، أو غيرهما، كاختلاف دين، ورضاع، في النكاح الفاسد، والمراد به عندهم هنا المختلف فيه، ومع فساده ينعقد، ويترتب عليه أكثر أحكام الصحيح، من وقوع الطلاق، ولزوم عدة الوفاة، والاعتداد بعد المفارقة في الحياة، ووجوب المهر المسمى فيه بالعقد، وتقرره بالخلوة، على المذهب، وغير ذلك.
(3)
لأن المهر إنما يجب بالعقد، وكذا المتعة، فتسقط في كل موضع يسقط فيه كل المهر، وتجب في كل موضع يتنصف فيه المسمى.
(4)
فلم يستحق مهرا، ولا متعة.
(5)
أي فيجب بها المسمى، قاله بعض الأصحاب، واختار الموفق والشارح: أنه لا يستقر بالخلوة، وروي عن أحمد، وهو قول أكثر العلماء، لأن الصداق لم يجب بالعقد.
أو ما يقرر الصداق مما تقدم (1)(يجب المسمى) لها في العقد (2) قياسا على الصحيح (3) وفي بعض ألفاظ حديث عائشة «ولها الذي أعطاها، بما أصاب منها» (4)(ويجب مهر المثل من وطئت) في نكاح باطل مجمع على بطلانه، كالخامسة، والمعتدة (5) أَو وطئت (بشبهة (6)
(1) كلمسها بشهوة، ونحوه مما تقدم.
(2)
نص عليه، وعنه: مهر المثل، وهي أصح، اختاره الموفق، والشارح، وغيرهما، لقوله «فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها» .
(3)
أي على النكاح الصحيح، لاتفاقهما على أنه المهر، واستقراره بالخلوة.
(4)
قال القاضي: حدثناه أبو بكر البرقاني، وأبو محمد الخلال، بإسنادهما.
(5)
إن جهلت التحريم، أما إن كانت الخامسة أو المعتدة عالمة، مطاوعة فلا مهر لها، لأنه زنا يوجب الحد، وقيد شارح الإقناع المعتدة من غير زنا، وإلا فمختلف فيه.
(6)
إن لم تكن حرة عالمة مطاوعة، كمن ظنها زوجته، قال الموفق وغيره: بغير خلاف علمناه، وظاهر كلام الشيخ: لا يجب، لأنه قال: البضع إنما يتقوم على زوج أو شبهه، فيملك به. اهـ.
والشبهة ثلاثة أقسام، شبهة عقد، وشبهة اعتقاد، وشبهة ملك، فأما عقد النكاح فلا ريب فيه لا المشتراة، ولا في الاشتباه عليه، وينبغي في الاشتباه عليها، ومكاتبته والمشتركة تضمن بالقيمة، وإن تكرر الوطء في نكاح الشبهة فمهر واحد.
أو زنا كرها) (1) لقوله صلى الله عليه وسلم «فلها المهر بما استحل من فرجها» (2) أي نال منه، وهو الوطء (3) ولأنه إتلاف للبضع بغير رضى مالكه، فأَوجب القيمة وهي المهر (4)(ولا يجب معه) أي مع المهر (أَرش بكارة) لدخوله في مهر مثلها (5) لأنه يعتبر ببكر مثلها، فلا يجب مرة ثانية (6)
(1) في ظاهر المذهب، ولو من مجنون إن كان الوطء في قبل، ولو ميتة، قال في الفروع: في ظاهر كلامهم. وهو متجه.
(2)
رواه أبو داود وغيره، والمكرهة مستحل لفرجها، فإن الاستحلال: الفعل في غير موضع الحل.
(3)
فحيث وقع، وجب المهر.
(4)
ويتعدد المهر بتعدد الزنا، إذا كانت مكرهة كل مرة، وكذا إن كانت أمة لا بتعدد الوطء، كنكاح فاسد، وقال القاضي: لا مهر. وعنه: للبكر خاصة.
وعنه: لا يجب مطلقا. اختاره الشيخ، وقال: هو خبيث، فلا يجب للمكرهة على الزنا، وأوجب أرش البكارة للبكر، يعني المكرهة.
(5)
نص عليه، لأنه وطء ضمن بالمهر، فلم يجب معه أرش، كسائر الوطء.
(6)
ولأن المهر بدل المنفعة المستوفاة بالوطء، ويدخل فيه الأرش، ومهر البكر يزيد على مهر الثيب ببكارتها، فكانت الزيادة في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة، ولا يجب عوضها مرة ثانية.
ولا فرق فيما ذكر بين ذات المحرم وغيرها (1) والزانية المطاوعة لا شيء لها (2) إن كانت حرة (3) ولا يصح تزويج من نكاحها فاسد قبل طلاق أو فسخ (4) فإن أباهما زوج فسخه حاكم (5)(وللمرأَة) قبل دخول (منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال)(6) مفوضة كانت أو غيرها (7) .
(1) وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، لأن ما ضمن للأجنبي ضمن للقريب كالمال، وإن اشتبهت عليه بأنها زوجته فوطئها، ثم تبين له أنها غيرها، ثم ظنها إياها فوطئها، تعدد المهر.
(2)
لأنه إتلاف بضع برضا مالكه، فلم يجب له شيء، كسائر المتلفات، سواء كان الوطء في قبل أو دبر.
(3)
وإن كانت أمة فلسيدها، لأن الحق له، قال في تصحيح الفروع: وهو الصحيح من المذهب، قطع به في المغني والشرح، وهو الصواب الذي لا يعدل عنه.
(4)
لغير من تزوجها، لأنه يفضي إلى تسليط زوجين عليها، كل واحد يعتقد صحة نكاحه، ولأنه يسوغ فيه الاجتهاد، فاحتاج إلى إيقاع فرقة، كالصحيح المختلف فيه.
(5)
أي فإن أبي الطلاق أو الفسخ زوج، فسخه حاكم، نص عليه، لقيامه مقام الممتنع مما وجب عليه.
(6)
حكاه ابن المنذر وغيره إجماعا، أو تقبض الحال منه.
(7)
أي سواء كانت مفوضة تفويض بضع، أو تفويض مهر، أو غير مفوضة، ممن سمي لها مهر صحيح، أو فاسد.
لأن المنفعة المعقود عليها تتلف بالاستيفاء (1) فإذا تعذر استيفاء المهر عليها لم يمكنها استرجاع عوضها (2) ولها النفقة زمنه (3)(فإن كان) الصداق (مؤجلا) ولم يحل (4)(أَو حل قبل التسليم) لم تملك منع نفسها (5) لأنها رضيت بتأْخيره (6)(أو سلمت نفسها تبرعا) أي قبل الطلب بالحال (فليس لها) بعد ذلك (منعها) أي منع نفسها (7)
(1) فلها منع نفسها.
(2)
أي المنفعة إن صلحت للاستمتاع، ولو كان معسرا بالصداق، وقيل: لها المطالبة ولو لم تصلح للاستمتاع، اختاره ابن حامد وغيره، ورجح الموفق خلافه، وقال الشيخ: الأشبه عندي أن الصغيرة تستحق المطالبة لها بنصف الصداق، لأن النصف يستحق بإزاء الحبس، وهو حل بالعقد، والنصف الآخر بإزاء الدخول فلا تستحقه إلا بالتمكين.
(3)
أي زمن منع نفسها لتقبض حالَّ مهر، لأن الحبس من قبله، نص عليه؛ ولها زمنه السفر بلا إذنه، وبقاء درهم كجميع، ومتى سافرت بلا إذنه فلا نفقة لها، كما بعد الدخول، ولو قبضته وسلمت نفسها، ثم بان معيبا، فلها منع نفسها.
(4)
لم تملك منع نفسها قبل قبضه، لأنها لا تملك الطلب به.
(5)
لأن التسليم قد وجب عليها، فاستقر قبل قبضه، فلم يكن لها أن تمتنع منه.
(6)
أي ورضاها بتأخيره، رضى منها بتسليم نفسها قبل قبضه، كالثمن المؤجل.
(7)
على الإطلاق، وهو قول مالك، والشافعي، وصاحبي أبي حنيفة،
واختاره ابن بطة وغيره، فإن وطئها مكرهة لم يسقط حقها من الامتناع بعد، لحصوله بغير رضاها، كالمبيع إذا أخذه المشتري كرها.
لرضاها بالتسليم، واستقرار الصداق (1) ولو أبى الزوج تسليم الصداق حتى تسلم نفسها، وأَبت تسليم نفسها حتى يسلم الصداق، أُجبر زوج ثم زوجة (2) ولو أَقبضه لها، وامتنعت بلا عذر، فله استرجاعه (3)(فإن أَعسر) الزوج (بالمهر الحال فلها الفسخ)(4) إن كانت حرة مكلفة (5)(ولو بعد الدخول) لتعذر الوصول إلى العوض بعد قبض المعوض، كما لو أَفلس المشتري (6) .
(1) فلم يكن لها أن تمنع نفسها بعد ذلك.
(2)
وهذا بخلاف البيع، لأن في إجبارها على تسليم نفسها أولاً خطر إتلاف البضع، والامتناع من بذل الصداق، ولا يمكن الرجوع في البضع، وإن بادر أحدهما ببذل ما وجب عليه، أجبر الآخر.
(3)
أي استرجاع مهر قبض منه، فمن خرجت منه بغير اختياره بإفسادها، أو بإفساد غيرها، أو بيمينه لا تفعل شيئًا ففعلته، فلها مهرها، نص عليه.
(4)
هذا المذهب، ومذهب مالك، والشافعي، واختاره أبو بكر، كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع، وفيه وجه: لا فسخ لها. اختاره ابن حامد، وقال الموفق: هو الصحيح، لأنه دين، فلم يفسخ بالإعسار به، كالنفقة الماضية.
(5)
لأن الحق لها، فخيرت، بخلاف أمة وصغيرة، ويأتي.
(6)
جزم به في الإقناع وغيره، وقال الموفق: ينبني على منع نفسها، كما
قبله، وفيه وجه ثالث: إن كان بعد الدخول لم تملك الفسخ، لأن المعقود عليه قد استوفي، فأشبه ما لو أفلس المشتري بعد تلف المبيع.
ما لم تكن تزوجته عالمة بعسرته (1) ويخير سيد الأَمة، لأَن الحق له (2) بخلاف ولي صغيرة ومجنونة (3)(ولا يفسخه) أي النكاح لعسرته بحال مهر (إلا حاكم)(4) كالفسخ لعنّة ونحوها، للاختلاف فيه (5) ومن اعترف لامرأة أن هذا ابنه منها، لزمه لها مهر مثلها، لأَنه الظاهر، قاله في الترغيب (6) .
(1) أي الزوج حال العقد، لرضاها بذلك، أو رضيت بالمقام عنده مع عسرته، فيمتنع الفسخ، لرضاها به.
(2)
أي في الفسخ وعدمه، لأنه مالك نفعها، والصداق عوض منفعتها، فهو ملكه دونها.
(3)
لأنه لا حق له في المهر، فليس له الفسخ حتى تكبر صغيرة، وتفيق مجنونة، لأن المهر عوض منفعة البضع، وقد ترضى بتأخيره.
(4)
جزم به في الإقناع وغيره، وصححه الموفق وغيره.
(5)
فإنه لو فسخ بغير حكم اعتقدت أن النكاح انفسخ، وأبيح لها أن تتزوج والزوج يعتقد أنها زوجته، فيصير لها زوجان، كل واحد يعتقد حلها له، وتحريمها على الآخر، وهذا لا يجوز في الإسلام.
(6)
للفخر ابن تيمية رحمه الله، ويقال: امرأة استحقت في يوم واحد مهرين ونصفا، وحلت فيه لثلاثة أزواج، مات أو طلق المدخول بها، والصداق مؤجل فوضعت في يومها ثم تزوجت فيه، وطلقت قبل دخوله بها، ثم تزوجت من يومها ذلك.
باب وليمة العرس (1)
أَصل الوليمة: تمام الشيء واجتماعه (2) ثم نقلت لطعام العرس خاصة، لاجتماع الرجل والمرأَة (3) .
(1) وآداب الآكل والشرب، وما يتعلق بها، والعرس بالضم وبضمتين، طعام الوليمة، والنكاح، وبالكسر: امرأة الرجل ورجلها، كما في القاموس وغيره. وقيل: بضم العين الزفاف، وهو إهداء العروس إلى زوجها، وعرس الرجل: امرأته، والعروس يطلق على الذكر والأنثى أيام الدخول.
(2)
قال ابن الأعرابي: يقال: أولم الرجل. إذا اجتمع عقله وخلقه، ويقال للقيد: ولم. لأنه يجمع إحدى الرجلين إلى الأخرى.
(3)
أي ثم نقل اسم الوليمة لطعام العرس خاصة، لا يقع على غيره، قاله أهل اللغة والفقهاء، لاجتماع الرجل والمرأة، وهو صريح في الأحاديث الصحيحة، وأما الاجتماع نفسه فليس هو الوليمة، وقيل: يقع على كل طعام لسرور حادث، إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر.
والأطعمة كثيرة، منها "حذاق" لطعام عند حذاق صبي أي ختمه القرآن، و"عذيرة وإعذار" لطعام ختان، و"خرسية وخرس" بالضم لطعام ولادة، و"وكيرة" لدعوة بناء، و"نقيعة" لقدوم غائب، و"عقيقة" الذبح لمولود، و"مأدبة" بضم الدال لكل دعوة بسبب وغيره، و"وخيمة" لمأتم و"تحفة" لقادم، فالتحفة منه، والنقيعة له، و"شندخية" لإملاك، و"مشداخ" لختم قارئ، وكلها جائزة غير مأتم فتكره.
(تسن) الوليمة بعقد (1) ولو (بشاة فأَقل) من شاة (2) لقوله عليه السلام لعبد الرحمن بن عوف – حين قال له تزوجت - «أَولم ولو بشاة» (3) وأَولم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بحيس (4) وضعه على نطع صغير (5) .
(1) أي تسن وليمة العرس بلا خلاف بين أهل العلم، مندوب إليها، ومرغب فيها وفيها فضيلة، وليست واجبة عند أكثرهم، وقيل: واجبة، وهو أظهر القولين للشافعي، لأمره صلى الله عليه وسلم بها، ووجوب الإجابة إليها، وقال الموفق: لا خلاف في أنها لا تجب، وما ذكروه لا أصل له، والخبر محمول على الاستحباب.
وكونها بالعقد قال ابن الجوزي، واقتصر عليه في الفروع والمبدع، وقال الشيخ: تستحب بالدخول، وفي الصحيح: بنى بامرأة، فدعوت رجالا إلى الطعام. وفي الإنصاف: الأولى أن يقال: وقت الاستحباب موسع، من عقد النكاح، إلى انتهاء أيام العرس، لصحة الأخبار في هذا وهذا، وكمال السرور بعد الدخول.
(2)
لأنه صلى الله عليه وسلم، أولم على بعض نسائه، بمدين من شعير.
(3)
متفق عليه، وأولم على زينب بشاة، وقال أنس: ما أولم على أحد من نسائه ما أولم على زينب، جعل يبعثني أدعو له الناس، فأطعمهم لحما وخبزا، حتى شبعوا، بل أولم على ميمونة بنت الحارث في عمرة القضية بمكة، وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها، فلعله أكثر من شاة.
(4)
وهو الدقيق والسمن والأقط، يخلط بعضها في بعض، على هيئة "المفروكة" ولمسلم: جعل في وليمتها التمر والأقط والسمن.
(5)
النطع: بساط من أديم.
كما في الصحيحين عن أنس (1) لكن قال جمع: يستحب أن لا تنقص عن شاة (2)(وتجب في أول مرة) أي في اليوم الأول (إجابة مسلم (3) يحرم هجره) (4) بخلاف نحو رافضي، ومتجاهر بمعصية (5) إن دعاه (إليها) أي إلى الوليمة (6)
(1) أنه صلى الله عليه وسلم أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني بصفية، قال أنس: فدعوت المسلمين إلى وليمته، ما كان فيها من خبز، ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت، فألقي عليها التمر، والأقط، والسمن فدل على إجزاء الوليمة بغير ذبح شاة.
(2)
لحديث عبد الرحمن بن عوف، والأولى الزيادة عليها، لمفهوم قوله «ولو بشاة» وإن نكح أكثر من واحدة في عقد أو عقود أجزأت وليمة واحدة إن نواها للكل، وقيل: المستحب أنها على قدر حال الزوج.
(3)
قال ابن عبد البر: لا خلاف في وجوب الإجابة لمن دعي إليها إذا لم يكن فيها لهو، وقيل: مستحبة. اختاره الشيخ، وهي حق للآدمي يسقط بعفوه، والمرأة كالرجل إلا مع خلوة محرمة.
(4)
بحيث لم يكن من أهل المعاصي، ومكسبه طيب.
(5)
ومنع ابن الجوزي من إجابة ظالم، أو فاسق، أو مبتدع، أو مفاخر بها، أو فيها مبتدع يتكلم ببدعة، إلا لراد عليه، وكذا إن كان فيها مضحك بفحش أو كذب.
(6)
وهي الطعام في العرس خاصة، كما صرح به في بعض الروايات عند ابن ماجه، وهو قول الخليل، وثعلب وغيرهما من أهل اللغة.
(إن عينه) الداعي (1)(ولم يكن ثم) أي في محل الوليمة (منكر)(2) لحديث أبي هريرة يرفعه «شر الطعام طعام الوليمة (3) يمنعها من يأْتيها، ويدعى إليها من يأْبها (4) ومن لا يجب فقد عصى الله ورسوله» رواه مسلم (5) .
(1) أي إنما تجب إجابة دعوة المسلم إلى الوليمة إن عين رجلا بعينه أو جماعة معينين، ولو كان المدعو عبدا يأذن سيده، أو مكاتبًا لم تضر بمكسبه.
(2)
كزمر، وخمر، وآلة لهو، والفرق بينها وبين الجنازة – كما قال الشيخ – أن الحق في الجنازة للميت، فلا يترك حقه لما فعله الحي من المنكر، والحق في الوليمة لصاحب البيت، فإذا أتى فيها بالمنكر فقد أسقط حقه من الإجابة.
(3)
سماه شرا لما ذكر، فكأنه قال: شر الطعام الذي شأنه كذا. أو شر الطعام الذي من شأنه كذا، وبين شريته فقال:«بمنعها من يأتيها» .
(4)
«يدعى إليها من يأباها» وهم الأغنياء «ويمنعها من يأتيها» وهم الفقراء، وفي رواية «تدعى لها الأغنياء، وتترك الفقراء» وكان من عادة أهل الجاهلية، ولم يرد أن كل وليمة طعامها شر الطعام، فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها، ولا ندب إليها، ولا أوجب الإجابة إليها، ولا فعلها صلى الله عليه وسلم.
(5)
ولحديث ابن عمر «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة، فليأتها» رواه البخاري، ولهما عنه مرفوعا «أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها» فدلت هذه الأحاديث وغيرها على تأكد الإجابة، وإن كان المدعو مريضا – أو ممرضا، أو مشغولاً بحفظ مال، أو في شدة حر أو برد، أو مطر يبل الثياب، أو وحل، أو كان أجيرًا ولم يأذن له المستأجر – لم تجب الإجابة.
وقال بعض أهل العلم: يكره لأهل العلم والفضل الإسراع إلى الإجابة،
والتسامح فيه، لأن فيه بذلة ودناءة وشرها، لا سيما القاضي، لأنه ربما كان ذريعة للتهاون به، وعدم المبالاة، وفي الترغيب: إن علم حضور الأراذل، ومن مجالستهم تزري بمثله لم تجب، وقال الشيخ: لم أره لغيره، وهذا الشرط لا أصل له، وهذه شبهة الحجاج بن أرطاة، وهو نوع من التكبر، فلا يلتفت إليه، نعم: إن كانوا يتكلمون بكلام محرم، فقد اشتملت على محرم، وإن كان مكروها فقد اشتملت على مكروه.
(فإن دعاه الجفلى) بفتح الفاء (1) كقوله: يا أيها الناس هلموا إلى الطعام (2) لم تجب الإجابة (3)(أو) دعاه (في اليوم الثالث) كرهت إجابته (4) لقوله عليه السلام «الوليمة أَول يوم حق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة» رواه أبو داود وغيره (5) .
(1) كرهت الإجابة، وهو ظاهر الإقناع، والمنتهى، وصححه في تصحيح الفروع.
(2)
وكقول رسول رب الطعام: أمرت أن أدعو كل من لقيت أو من شئت.
(3)
وقال الموفق: لم تجب، ولم تستحب، لأنه لم يعينه، وتسمى الدعوة العامة «الجفلى» والخاصة «النقرى» بالتحريك، قال طرفة:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى
…
لا ترى الآدب فينا ينتقر
أي يخصص، بل تباح، لقوله صلى الله عليه وسلم «ادع فلانا وفلانا، ومن لقيت» متفق عليه.
(4)
وفاقا للشافعي.
(5)
فدل على كراهته في اليوم الثالث، وقال الشيخ: يحرم الأكل
والذبح الزائد على المعتاد، في بقية الأيام، ولو العادة فعله، أو لتفريح أهله، ويعزر إن عاد.
وتسن في ثاني يوم، لذلك الخبر (1)(أَو دعاه ذمي)(2) أَو من في ماله حرام (كرهت الإجابة)(3) لأن المطلوب إذلال أهل الذمة (4) والتباعد عن الشبهة، أو ما فيه الحرام، لئلا يواقعه (5) وسائر الدعوات مباحة (6) .
(1) لمن عينه داعي الوليمة، وفي حديث ابن مسعود «وطعام يوم الثاني سنة» رواه الترمذي.
(2)
كرهت إجابته، جزم به في الإقناع وغيره.
(3)
كأكله منه، ومعاملته، وقبول هديته وهبته، ونحوه، جزم به الموفق وغيره، لحديث «فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه» .
(4)
تعليل لكراهة إجابة دعوتهم، ولما فيه من إكرامهم، وقال بعضهم: تجوز من غير كراهة، وهو ظاهر كلام أحمد، وصوبه في الإنصاف، لأنه صلى الله عليه وسلم دعاه يهودي فأجابه، ذكره أحمد، وقيل لأحمد: تجيب دعوة الذمي؟ قال: (نعم)، قال الشيح: قد يحمل كلامه على الوجوب.
(5)
أي الحرام، وتقوى الكراهة، وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته وقيل: يحرم مطلقا، كما لو كان كله حراما، وإن لم يعلم أن في المال حراما فالأصل الإباحة، فتجب الإجابة، ولا تحرم بالاحتمال، استصحابا للأصل، والأولى صرف الشبهات في الأبعد عن المنفعة، فالأقرب ما يدخل في الباطن من الطعام والشراب ونحوه، ثم ما ولي الظاهر من اللباس.
(6)
أي وسائر الدعوات المتقدم ذكرهن – غير وليمة عرس – فمباحة،
فلا تكره ولا تستحب، لأنها لم تكن تفعل في عهده صلى الله عليه وسلم، وعهد أصحابه، ولحديث عثمان بن أبي العاص، لما دعي إلى ختان فأبى، وقال: كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الموفق: إذا قصد فاعلها شكر نعمة الله عليه، وإطعام إخوانه، وبذل طعامه، فله أجر ذلك.
غير عقيقة فتسن (1) ومأتم فتكره (2) والإجابة إلى غير الوليمة مستحبة (3) غير مأْتم فتكره (4)(ومن صومه واجب) – كنذر، وقضاء رمضان – إذا دعي للوليمة حضر وجوبا (5) .
(1) وتقدمت في الهدي والأضاحي.
(2)
وتقدم في الجنائز، والمأتم في الأصل: مجتمع الرجال والنساء في الغم والفرح، ثم خص به اجتماع النساء في الموت.
(3)
وفاقا، لحديث «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، عرسا كان أو غير عرس» رواه مسلم، قال الزركشي: وجوابه حمله على الاستحباب، ولحديث البراء: أمر بإجابة الداعي. متفق عليه، ولما فيها من جبر قلب الداعي، وتطييب خاطره، وأما الوليمة: فتقدم وجوب الإجابة إليها بشرطه.
(4)
وهو ما يصنعه أهل الميت بعد الموت، وكذا مفاخر بدعوته، ولأبي داود: نهى عن طعام المتبارزين أن يؤكل، والمتبارزان هما المتعارضان بفعلهما، ليتعجز أحدهما الآخر بصنيعه، وذكر الشيخ أنه لا ينبغي أن يسلم على من لا يصلي، ولا يجيب دعوته. اهـ. وإن دعاه أكثر من واحد أجاب الأسبق قولا، وصوبه في الإنصاف، فالأدين، فالأقرب رحما، فجوارا، ثم قرعة.
(5)
لوجوب إجابة دعوة المسلم، كما تقدم، ولم يأكل، لأنه يحرم قطع
الصوم الواجب، لقوله تعالى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ولحديث أبي هريرة، ويسن الإخبار بصومه، لذلك ولفعل ابن عمر، ليعلم عذره.
و (دعا) استحبابا (وانصرف)(1) لحديث أبي هريرة يرفعه «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليدع، وإن كان مفطرا فليطعم» رواه أبو داود (2)(و) الصائم (المتنفل) إذا دعي أَجاب (3) و (يفطر إن جبر) قلب أخيه المسلم (4) وأَدخل عليه السرور (5) .
(1) ومنه «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وذكركم الله فيمن عنده» .
(2)
فدل الحديث على أن من كان صائما لا يعتذر بالصوم، بل يجيب، وليدع لأهل الطعام بالبركة والمغفرة.
(3)
ظاهره: وجوبا. لما تقدم.
(4)
إن كان في تركه الأكل، كسر قلب أخيه المسلم.
(5)
بفطره وأكله، فاستحب له ذلك، وإلا كان تمام الصوم أولى من الفطر، قال الشيخ: وهذا أعدل الأقوال، وقال: لا ينبغي لصاحب الدعوة الإلحاح في الطعام للمدعو، إذا امتنع من الفطر في التطوع، أو الأكل إن كان مفطرا، فإن كلا الأمرين جائز.
وإذا ألزمه بما لا يلزمه كان من نوع المسألة المنهي عنها، ولا يحلف عليه ليأكل، ولا ينبغي للمدعو إذا رأى أنه يترتب على امتناعه مفاسد أن يمتنع، فإن فطره جائز، وإن كان ترك الجائز مستلزما لأمور محذورة، فينبغي أن يفعل ذلك الجائز، وربما يصير واجبا.
لقوله صلى الله عليه وسلم لرجل اعتزل عن القوم ناحية، وقال: إني صائم. «دعاكم أخوكم، وتكلف لكم (1) كل يوما، ثم صم يوما مكانه إن شئت» (2)(ولا يجب) على من حضر (الأَكل) ولو مفطرا (3) لقوله عليه السلام «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن شاء أكل، وإن شاء ترك» قال في شرح المقنع: حديث صحيح (4) ويستحب الأكل لما تقدم (5)(وإباحته) أي إباحة الأَكل (متوقفة على صريح إذن (6) أو قرينة) (7) .
(1) بصنع الوليمة.
(2)
ولعله: كل ثم صم يوما مكانه إن شئت، وإن أحب تمام الصيام دعا لهم، وأخبرهم بصيامه، ليعلموا عذره.
(3)
إذ الواجب الإجابة إلى الدعوة، لأنه الذي أمر به، وتوعد على تركه، لا الأكل.
(4)
فدل الحديث، على عدم وجوب الأكل.
(5)
من قوله «كل ثم صم يوما مكانه» ولما فيه من جبر قلب أخيه، وإدخال السرور عليه، ولأن له الخروج من الصوم، وإن أحب إتمام الصيام جاز.
(6)
فيحرم الأكل بلا إذن صريح من رب الطعام، لأن أكل مال الغير بغير إذنه محرم.
(7)
تدل على إذنه، كتقديم طعام، ودعاء إليه.
ولو من بيت قريب أو صديق لم يحرزه عنه (1) لحديث ابن عمر «من دخل على غير دعوة، دخل سارقا، وخرج مغيرا» (2) والدعاء إلى الوليمة، وتقديم الطعام إذن فيه (3) ولا يملكه من قدم إليه (4) .
(1) فيباح الأكل من بيت القريب والصديق، من مال غير محرز عنه، إذا علم أو ظن رضى صاحبه بذلك، نظرا إلى العادة والعرف، قال في الآداب: هذا هو المتوجه، وما يذكر عن أحمد من الاستئذان، محمول على الشك في رضى صاحبه، أو الورع، وجوزه ابن الجوزي، واستظهره في الفروع، واختاره الشيخ.
(2)
رواه أبو داود، وقال ابن عدي: هذا حديث منكر، لا يعرف إلا بابن طارج، وقوله «دخل سارقا» لأنه دخل بغير إذن و «خرج مغيرا» من: أغار. نهب مال غيره، شبهه به.
(3)
أي الدعاء إلى الوليمة إذن في الطعام، وتقديمه إذن فيه، فالواو هنا بمعنى "أو" كما عبر بها غير واحد، فأحدهما إذن في الأكل صحيح، لحديث أبي هريرة «إذا دعي أحدكم إلى طعام، فجاء مع الرسول، فلذلك إذن» رواه أحمد، وأبو داود، فلا يشترط إذن ثان للأكل.
وقال في الإنصاف: «الدعاء إلى الوليمة إذن فيه، هذا المذهب، نص عليه، وعليه الأصحاب، وكذا تقديم الطعام إليه بطريق الأولى» اهـ. وهذا فيما إذا وضعه ولم يلحظ انتظار من يأتي، وينظر إلى العرف والعادة في ذلك البلد، وجزم به في الغنية.
(4)
أي لا يملك الطعام من قدم إليه، ولا يملك التصرف فيه بغير إذنه،
وفي الفروع: يحرم أخذه. فإن علم بقرينة رضى مالكه، فيتوجه: يباح. ويكره مع ظنه رضاه.
بل يهلك على ملك صاحبه (1)(وإن علم) المدعو (أن ثم) أي في الوليمة (منكرا) كزمر وخمر (2) وآلات لهو (3) وفرش حرير، ونحوها (4) فإن كان (يقدر على تغييره حضر وغيره)(5) لأنه يؤدي بذلك فرضين إجابة الدعوة، وإزالة المنكر (6) .
(1) لأنه لم يملكه شيئًا، وإنما أباحه الأكل، قال في القواعد: أكل الضيف إباحة محضة، لا يحصل الملك، على المشهور عندنا.
(2)
حضر وغيره، بكسر عود الزمر، وإراقة الخمر.
(3)
كالعود، والطبل، والجنك، والرباب.
(4)
كآنية ذهب وفضة، وفي الاختيارات: الخلاف في كسوة الحيطان، إذا لم تكن حريرا وذهبا، فأما الحرير والذهب فيحرم، كما تحرم سيور الحرير والذهب على الرجال، والحيطان، والأبواب التي يشترك فيها الرجال والنساء، ينبغي أن تكون كآلة الرجال، وأما الحيطان، والأبواب التي تختص بالمرأة، ففي كون ستورها وكسوتها كفرشها نظر، إذ ليس هو من اللباس.
ولا ريب في تحريم فرش الثياب تحت دابة الأمير، ويكره تعليق الستور على الأبواب من غير حاجة، لوجود غيرها من أبواب الخشب ونحوها وما زاد عن الحاجة فهو سرف.
(5)
أي لزمه الحضور إجابة للدعوة، والإنكار لمنكر يشاهده، وينكره بحسبه.
(6)
أي لأنه يؤدي بحضوره الدعوة، إجابة الدعوة المأمور بإجابتها، ويؤدي بحضوره، فرضية إزالة المنكر، المأمور بإنكاره.
(وإلا) يقدر على تغييره (أَبى) الحضور (1) لحديث عمر مرفوعا «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر» رواه الترمذي (2)(وإن حضر) من غير علم بالمنكر (ثم علم به أَزاله) لوجوبه عليه، ويجلس بعد ذلك (3)(فإن دام) المنكر (لعجزه) أي المدعو (عنه انصرف)(4) لئلا يكون قاصدا لرؤيته، أو سماعه (5) .
(1) بل يحرم عليه الحضور مع مشاهدة المنكر.
(2)
ولأحمد، وأبي داود، والنسائي، وغيرهم نحوه، من حديث جابر، وابن عمر، ولابن ماجه عن علي: صنعت طعاما، فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في البيت تصاوير فرجع، ولحديث «من رأى منكم منكرا فليغيره» الحديث.
وإن رأى ستورا معلقة، فيها تصاوير حيوان، لم يجلس إلا أن تزال، وهو مذهب الجمهور، وقال ابن عبد البر: هذا أعدل المذاهب، ولأنه يكون قاصدًا لرؤية المنكر أو سماعه، بلا حاجة.
(3)
أي بعد إزالة المنكر، لما تقدم، ولأبي داود عن ابن عمر، أنه سمع زمارة راع، فوضع إصبعيه في أذنيه، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخرج أحمد من وليمة فيها آنية فضة، فقال الداعي: نحولها. فأبى أن يرجع.
(4)
وهذا مذهب الشافعي، وغيره.
(5)
فيكون سببا لحضور الزور، وشهود الباطل، وظاهر كلام جماعة أنه يحرم
دخول بيعة، وكنيسة مع وجود صورة، قاله الشيخ وغيره، وأنها كالمسجد على القبر، وقال: يحرم حضور أعياد المشركين، وأن يفعل كفعلهم، والتشبه بهم منهي عنه إجماعًا، وتجب عقوبة فاعله، ولا ينبغي إجابة هذه الدعوة، ولا نزاع في النهي عن وضع الرأس عند الكبراء، وتقبيل الأرض، بل مجرد الانحناء بالظهر لغير الله منهي عنه، ولما صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم قياما، أمرهم بالجلوس، فكيف بما فيه السجود، ووضع الرؤوس، وتقبيل الأيدي.
والقيام، والقعود، والركوع، والسجود، حق للواحد المعبود، وما كان حقا له لم يكن لغيره فيه نصيب، قال: وتقبيل الأرض ووضع الرأس قدام الملك لا يجوز، بل الانحناء كالركوع لا يجوز، ومن فعله قربة وتدينا يبين له، فإن تاب وإلا قتل، ومن فعل لقصد فضول الرياسة والمال، كره.
(وإن علم) المدعو (به) أي بالمنكر (ولم يره ولم يسمعه، خير) بين الجلوس والأكل، والانصراف (1) لعدم وجوب الإنكار حينئذ (2)(وكره النثار، والتقاطه)(3) .
(1) لإسقاط الداعي حرمة نفسه، بإيجاد المنكر.
(2)
وهو كونه لم ير المنكر، ولم يسمعه، والذي يظهر أنه إذا علم بالمنكر وجب إنكاره، كما قرره الشيخ وغيره، فترجح ترك الحضور إذا لم ينكر المنكر، بل يأثم بترك الإنكار مع القدرة.
(3)
النثار: شيء يطرح في أيام التزويج، من دراهم أو غيرها، فيكره فعله، وسئل أحمد عن الجوز ينثره، فكرهه، وقال: يعطون، أو يقسم عليهم، وفي رواية: لا يعجبني انتهاب الجوز، وأن يؤكل، والسكر كذلك، وكره التقاطه في عرس أو غيره.
لما يحصل فيه من النهبة، والتزاحم (1) وأَخذه على هذا الوجه فيه دناءة، وسخف (2)(ومن أَخذه) أي أَخذ شيئا من النثار (3)(أو وقع في حجره) منه شيء (فـ) ـهو (له) قصد تملكه أولا، لأنه قد حازه (4) ومالكه قصد تمليكه لمن حازه (5) .
(1) والقتال عليه، وفي حديث زيد بن خالد: نهى عن النهبة والخلسة. رواه أحمد، وحديث عبد الله بن زيد، عند البخاري: نهى عن المثلة والنهبى. وبه قال مالك، والشافعي، وقال القاضي: يكره الأكل مما التقط من النثار، سواء أخذه، أو أخذه ممن أخذه.
وعنه: ليس بمكروه، والخلاف في الكراهة، وأما الإباحة والالتقاط فلا خلاف فيهما، وقال أحمد: هذه نهبة تقتضي التحريم، وهو قوي، وأما الرخصة المحضة فتبعد جدًا، كما حكاه في الاختيارات، وهو ظاهر الأحاديث.
(2)
بالسين المهملة، والخاء المعجمة، إسقاط مروءة، والله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها.
(3)
ملكه، لأن مالكه قصد تمليكه لمن أخذه.
(4)
كالصيد إذا أغلق عليه داره أو خيمته، وإن لم يقصده، فلا يجوز لغيره أخذه منه.
(5)
فليس لأحد أخذه منه، وإن قسمه على الحاضرين لم يكره، وكذا إن وضعه بين أيديهم، وأذن لهم في أخذه، على وجه لا يقع فيه تناهب، وتباح المناهدة، وهي أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئًا من النفقة، ويدفعونه إلى من ينفق عليهم منه، ويأكلونه جميعا، فلو أكل بعضهم أكثر، أو تصدق جاز، ولم يزل الناس يفعلونه.
(ويسن إعلان النكاح)(1) لقوله عليه السلام «أعلنوا النكاح» وفي لفظ «أَظهروا النكاح» رواه ابن ماجه (2)(و) يسن (الدف) أي الضرب به (3) إذا كان لا حلق به، ولا صنوج (4)(فيه) أَي في النكاح (للنساء)(5) وكذا ختان، وقدوم غائب، وولادة، وإملاك (6) لقوله عليه السلام «فصل ما بين الحلال والحرام الصوت، والدف في النكاح» رواه النسائي (7) .
(1) أي إظهاره، وإشاعته.
(2)
من حديث عائشة، وفي المسند: كان يكره نكاح السر. وجاء غير ذلك مما يدل على سنية إعلان النكاح، وتقدم.
(3)
على ضربة غير ملهية كدف العرب، على شكل الغربال.
(4)
قطع من نحاس، تجعل في إطار الدف، من النحاس المدور.
(5)
خاصة، قاله الشيخ، وظاهر نصوص أحمد وأصحابه: التسوية.
(6)
بكسر الهمزة، والمراد به عقد التزويج، حتى يعرف ويشتهر، أي يسن الضرب بالدف المباح فيها، قيل لأحمد: ما ترى الناس اليوم، تحرم الدف في إملاك أو بناء بلا غناء؟ فلم يكره ذلك. وقيل له: يكون فيه جرس؟ قال: لا. وقال الموفق وغيره أصحابنا كرهوا الدف في غير العرس وكرهه القاضي وغيره في غير عرس وختان.
(7)
ورواه أحمد، والترمذي وحسنه، وفي المسند: يكره نكاح السر حتى يضرب بدف. ولابن ماجه عن عائشة «أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالغربال» وظاهره سواء كان الضارب رجلا أو امرأة.
وتحرم كل ملهاة سوى الدف كمزمار، وطنبور، وجنك، وعود (1) ؛ قال في المستوعب والترغيب: سواء استعمل لحزن أو سرور (2) .
"تتمة"
في جمل من أدب الأكل، والشرب (3)
تسن التسمية جهرا على أكل، وشرب (4) .
(1) ورباب، وناي ومعزفة، وزمارة الراعي ونحوها، وقضيب، قال في تصحيح الفروع: الصواب يحرم.
(2)
فيحرم استعمال تلك الملاهي، واللعب بالشطرنج على عوض قمار لا يجوز، حكاه ابن عبد البر إجماعًا، ولذلك لو اشتمل اللعب بها على ترك واجب، أو فعل محرم، حرم بالإتفاق، وكذا لو شغل عن واجب، من مصلحة النفس، أو الأهل، أو الأمر بالمعروف، وصلة الرحم، أو ما يجب فعله من نظر في ولاية، أو إمامة، أو غير ذلك، أو استعملت في محرم، أو اشتملت على محرم.
(3)
أوردها الشارح، تكميلا للفائدة.
(4)
أي تسن التسمية، بأن يقول: بسم الله، وقال الشيخ: لو زاد «الرحمن الرحيم» عند الأكل، لكان حسنا، فإنه أكمل، بخلاف الذبح، وقيل بوجوبها، اختاره ابن أبي موسى، وكونها جهرا تنبيها للغافل على أكل، لحديث «يا غلام سم الله» وحديث «إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر في أوله، فليقل: بسم الله أوله وآخره» وعلى الشرب، للعموم، وقياسًا على الأكل.
والحمد إذا فرغ (1) وأكله مما يليه، بيمينه (2) بثلاث أصابع (3) وتخليل ما علق بأسنانه (4) .
(1) أي ويسن أن يحمد الله تعالى إذا فرغ من أكله وشربه، لحديث «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها» رواه مسلم، ولغير ذلك، وينبغي أن يقول «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وآوانا، وجعلنا مسلمين» ويسن الدعاء لصاحب الطعام، ومنه «أفطر عندكم الصائمون» وتقدم.
(2)
أي ويسن أكله مما يليه، إن لم يكن أنواعا، أو فواكه، أو يأكل وحده، ويسن بيمينه، لحديث عمر بن أبي سلمة: كانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي «يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» متفق عليه، ولحديث ابن عمر «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه» الحديث، وغيره، وكره أكله بشماله بلا ضرورة، لأنه تشبه بالشيطان، وذكره النووي في الشرب إجماعًا، لخبر «فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله» متفق عليه.
(3)
ويكره بما دونها، وبما فوقها، ما لم تكن حاجة، أو يتناول عادة وعرفا بإصبع أو أصبعين أو أكثر، فإن العرف يقتضيه، كما في الآداب، ولا يكره الأكل بالملعقة، والسنة أن يأكل بيده، ولا يمسح يده حتى يلعقها، لحديث كعب: كان صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها؛ وإذا صادف قوما يأكلون فدعوه، لم يكره له الأكل، وقيل لأحمد: الإناء يؤكل فيه، ثم تغسل فيه اليد، قال: لا بأس به. وقيل: تغسل اليد بالنخالة؟ قال: لا بأس به. واستدل الخطابي بقوله للمرأة «اجعلي مع الماء ملحا» في غسل الحيضة.
(4)
مما لا يأخذه اللسان، وقيل: لا يبتلعه.
ومسح الصحفة (1) وأكل ما تناثر (2) وغض طرفه عن جليسه (3) وشربه ثلاثا مصا (4) ويتنفس خارج الإناء (5) وكره شربه من فم سقاء (6) وفي أثناء طعام بلا عادة (7) .
(1) التي أكل فيها، لخبر «تستغفر له الصحفة» رواه الترمذي.
(2)
أي من الطعام، وأكله عند حضور رب الطعام وإذنه.
(3)
أي يسن لمن أكل مع غيره غض طرفه عن جليسه، لئلا يستحي منه، وإيثاره على نفسه، لقوله تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .
وقال أحمد: يأكل بالسرور مع الإخوان، وبالإيثار مع الفقراء، وبالمروءة مع أبناء الدنيا، ومع العلماء بالتعلم.
(4)
لما روي «مصوا الماء مصا، ولا تعبوه عبا، فإن الكباد من العب» ويعب اللبن لأنه طعام.
(5)
لئلا يعود إليه شيء فيقدّره، ولخبر «ولا يتنفس في الإناء» لأن النفس يخرج كرب القلب، وكدر البدن، فكره الشارع أن يعود في الماء، فيؤذي الشارب، ولا ينفخ فيه للخبر.
(6)
للنهي عنه، ولأنه قد يخرج من فم القربة ما ينغصه، ومن ثلمة الإناء، واختناث الأسقية، هو قلبها إلى خارج.
(7)
لأنه مضر، إلا إذا صدق عطشه، فينبغي من جهة الطب، يقال: إنه دباغ المعدة.
وإذا شرب ناوله الأَيمن (1) ويسن غسل يديه قبل طعام (2) متقدما به ربه، وبعده، متأخرًا به ربه (3) وكره رد شيء من فمه إلى الإناء (4) وأكله حارا (5) أو من وسط الصحفة أو أعلاها (6) وفعله ما يستقذره من غيره (7) .
(1) ولو صغيرًا، أو مفضولاً، للخبر، ولا يكره شربه قائما، نص عليه، وعنه: يكره لغير حاجة. اختاره الشيخ، وكذا الأكل، اختاره الشيخ.
(2)
لخبر رواه ابن ماجه، ولا بأس بتركه، لفعله صلى الله عليه وسلم، وعنه: يكره. اختاره القاضي، وفاقًا لمالك، والشافعي.
(3)
أي متقدمًا رب الطعام بغسل يديه قبل الضيف، وبعد الطعام، متأخرًا رب الطعام بغسل يديه، حتى يغسل الضيف يديه، ثم يغسل رب الطعام يديه.
(4)
من طعام أو شراب، لأنه يقذره، ولا يمسح يده بالخبز، ولا يستبذله، ولا يخلط طعاما بطعام، لأنه يستقذره غيره.
(5)
أي وكره أكله الطعام حارا، وفي الإنصاف: عند عدم الحاجة، لأنه لا بركة فيه، وكره نفخه ليبرد، وكذا الشراب، وقال الآمدي: لا يكره، والطعام حار. وصوبه في الإنصاف، إن كان ثم حاجة للأكل.
(6)
لما روى ابن ماجه «إذا جاء أحدكم طعاما، فلا يأكل من أعلى الصحفة، ولكن من أسفلها، فإن البركة تنزل من أعلاها» وقوله «كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها، يبارك فيها» .
(7)
أي يكره فعل ما يستقذره من غيره كتمخط، وذكر قذر رديء، أو كلام يضحكهم أو يحزنهم.
ومدح طعامه، وتقويمه (1) وعيب الطعام (2) وقرانه في تمر مطلقًا (3) وأن يفجأ قوما عند وضع طعامهم تعمدا (4) وأكله كثيرًا بحيث يؤذيه (5) أو قليلا، بحيث يضره (6) .
(1) لأنه دناءة، ويشبه المن به، وحرمهما في الغنية، ولا بأس بمدح الطعام من غيره، ولغير ضيف، وقد يصير من التحدث بالنعمة.
(2)
أي ويكره عيب الطعام، واحتقاره، بل إن اشتهاه أكله، وإلا تركه للخبر.
(3)
أي وكره قرانه في تمر ونحوه، مما جرت العادة بتناوله أفرادا، لما فيه من الشره، وحرمه في الغنية، وقوله: مطلقًا. أي سواء كان وحده أو مع غيره صححه في تصحيح الفروع، وقيل: يكره مع شريك لم يأذن، قاله في الرعاية، لا وحده، ولا مع أهله، ولا مع من أطعمهم ذلك، قال الشيخ: ومثله قران ما العادة جارية بتناوله أفرادا، واختلف كلامه في أكل الإنسان حتى يتخم: هل يكره أو يحرم: وجزم في موضع آخر بتحريم الإسراف، وفسره بمجاوزة الحد.
(4)
لقوله تعالى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} وكذا من غير أن يدعى، وهو الطفيلي، وفي الشرح: لا يجوز. وإن فجأهم بلا تعمد أكل، نص عليه، وقيل: إلا ممن عادته السماحة.
(5)
أي وكره أكله كثيرًا، بحيث يؤذيه، فيبلغ به حد التخمة ونحوها، فإن لم يؤذه جاز، وكره الشيخ أكله حتى يتخم، وصوبه في الإنصاف، ويحرم الإسراف، وهو مجاوزة الحد، لعموم الآيات.
(6)
أي وكره أكله قليلا، بحيث يضره، سواء أكل مع غيره أو وحده،
لحديث «لا ضرر ولا ضرار» وليس من السنة ترك أكل الطيبات، والسنة أثلاثًا، لقوله صلى الله عليه وسلم «بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» ومن السرف أن يأكل كل ما اشتهى ومن أذهب طيباته في حياته الدنيا، واستمتع بها، نقصت درجاته في الآخرة، للأخبار.
وكره نفض يده في القصعة، وأن يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فمه، وأن يغمس اللقمة الدسمة في الخل، أو الخل في الدسم، فقد يكرهه غيره، وينبغي أن يحول وجهه عند السعال والعطاس عن الطعام، أو يبعد عنه، أو يجعل على فيه شيئًا، لئلا يخرج منه ما يقع في الطعام، ويكره أن يغمس بقية اللقمة التي أكل منها في المرقة.
ويستحب للآكل أن يجلس على رجله اليسرى، وينصب اليمنى، أو يتربع، وينبغي لمن أكل مع جماعة أن لا يرفع يده قبلهم حتى يكتفوا، وأن يخرج مع ضيفه إلى باب الدار، ويحسن أن يأخذ بركابه، وينبغي للضيف – بل لكل أحد – أن يتواضع في مجلسه، وإذا حضر أن لا يتصدر، وإن عين له صاحب البيت مكانا لم يتعده.
.......................................................................
باب عشرة النساء (1)
العشرة بكسر العين الاجتماع (2) يقال لكل جماعة: عشرة ومعشر (3) وهي هنا: ما يكون بين الزوجين، من الأُلفة والانضمام (4)(يلزم) كلا من (الزوجين العشرة) أي معاشرة الآخر (بالمعروف)(5) فلا يمطله بحقه (6) ولا يتكره لبذله (7) ولا يتبعه أذى ومنة (8) .
(1) والقسم، وما يتعلق بهما، وقوله: عشرة النساء. أي عشرة النساء الرجال، أو عشرة الرجال النساء، ليصح تفسيره بقوله: وهي
…
الخ.
(2)
والمخالطة، وعاشره معاشرة؛ وتعاشروا تخالطوا.
(3)
كمسكن، وعشرة بكسر العين، وفي الآية الكريمة {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} وقال عليه الصلاة والسلام «يا معشر قريش» .
(4)
الألفة بالضم، أي والعشرة المبوب لها: هي ما يكون بين الزوجين من الائتلاف، والاجتماع، وقال الحارث المحاسبي: ثلاثة أشياء قليلة، أو معدومة حسن الوجه مع الصيانة، وحسن الخلق مع الديانة، وحسن الإخاء مع الأمانة.
(5)
من الصحبة الجميلة، وكف الأذى.
(6)
مع قدرته على أدائه.
(7)
أي بما عليه من حق الآخر، بل ببشر وطلاقه.
(8)
لأن هذا من المعروف المأمور به.
لقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1) وقوله {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وينبغي إمساكها مع كراهته لها، لقوله تعالى {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (3) .
(1) أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم، قال صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله» وكان من أخلاقه أنه جميل العشر، دائم البشر. وقال ابن زيد: تتقون الله فيهن، كما عليهن أن يتقين الله فيكم.
(2)
قال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي، وحقه عليها أعظم من حقها عليه، لقوله تعالى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} وقوله صلى الله عليه وسلم «لو كنت آمرا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» لعظم حقه عليها؛ وقال «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى تصبح» .
ويسن لكل منهما تحسين الخلق لصاحبه، والرفق به، واحتمال أذاه، لقوله تعالى {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} قيل: هو كل واحد من الزوجين، ولقوله صلى الله عليه وسلم «استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم» وقوله «خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تقيمه كسرته» .
وقال ابن الجوزي: معاشرة المرأة بالتلطف، مع إقامة هيبة، ولا ينبغي أن يعلمها قدر ماله، ولا يفشي إليها سرًا، يخاف إذاعته، ولا يكثر من الهبة لها، وليكن غيورا من غير إفراط، لئلا ترمى بالشر من أجله. اهـ. وعليها أن تبدي له كل ما يدعوه إليها، ويزيدها في مودته، وتصطاد به قلبه.
(3)
أي فعسى أن يكون صبركم، في إمساككم لهن مع الكراهة، فيه خير
كثير لكم، في الدنيا والآخرة، ندب تعالى إلى إمساك المرأة مع الكراهة، لأن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح، فرب مكروه عاد محمودا، أو محمود عاد مذموما، ولا تكاد تجد محبوبًا ليس فيه ما تكره، فليصبر على ما يكره لما يحب.
قال ابن عباس: ربما رزق منها ولدا فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا (1)(ويحرم مطل كل واحد) من الزوجين (بما يلزمه لـ) لمزوج ا (لآخر (2) والتكره لبذله) أي بذل الواجب، لما تقدم (3)(وإذا تم العقد لزم تسليم) الزوجة (الحرة التي يوطأُ مثلها)(4) وهي بنت تسع (5) ولو كانت نضوة الخلقة (6)
(1) وفي الصحيح «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقا رضي منها آخر» .
(2)
المطل الدفع عن الحق، بوعد، وبابه قتل.
(3)
أي من وجوب المعاشرة بالمعروف، وعدم التكره لبذله، للآيات والأخبار.
(4)
إن طلبه، لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم العوض، كما تستحق تسليم الصداق إن طلبته، ونصه: التي يمكن الاستمتاع بها. واعتبار الحرية، لما يأتي في الأمة.
(5)
لأنه صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي ابنة تسع، وليس على التحديد، وإنما ذكروه لأنه الغالب، وفي هذا الوقت لا يمكن تقييدها بالتسع، بل التي يوطأ مثلها.
(6)
أي مهزولة الجسم، لكن إن خافت على نفسها بالإفضاء من عظمه، فلها منعه من جماعها، وعليه النفقة، ولا يثبت له خيار الفسخ.
ويستمتع بمن يخشى عليها، كحائض (1)(في بيت الزوج) متعلق بتسليم (2)(إن طلبه) أي طلب الزوج تسليمها (3)(ولم تشترط) في العقد (دارها، أو بلدها) فإن اشترطت عمل بالشرط، لما تقدم (4) ولا يلزم ابتداء تسليم محرمة، ومريضة، وصغيرة، وحائض، ولو قال لا أطأ (5) وإن أنكر أن وطأه يؤذيها، فعليها البينة (6) .
(1) أي يستمتع بها كما يستمتع من الحائض بما دون الفرج، ويقبل قول امرأة ثقة في ضيق فرجها، وعبالة ذكره، ونحو ذلك، ويجوز أن تنظرهما وقت اجتماعهما للحاجة.
(2)
أي وإذا تم العقد، لزم تسليم الزوجة الحرة، في بيت الزوج.
(3)
لأن الحق له، فلا يجب بدون طلبه.
(4)
أي في الشروط في النكاح، ولم يكن له طلبها إلى بيته، وفي المبدع: فإن شرطته لزم الوفاء به، وإنما يلزم على قول الشيخ، وعليه فله طلبها، ولها الفسخ بمخالفته، ويجب تسليم نفسها في دارها، ويلزم الزوج تسلمها إن بذلته إذا كانت ممن يجب تسليمها، وتلزمه النفقة، تسلمها أو لا.
(5)
لم يقبل قوله، وذلك لأن هذه الأعذار تمنعه الاستمتاع بها، ويرجى زوالها، وإن كانت غير مرجوة الزوال وجب التسليم، لئلا يؤدي إلى عدم التسليم، بخلاف ما لو كانت عنده أولا، ثم مرضت، أو حاضت، فإنه يلزم تسليمها إليه، ويلزمه تسليمها إذا طلبته.
(6)
لأن الأصل عدم ذلك، أشبه سائر الدعاوي، وهذا فيما إذا كانت ممن يجب تسليمها.
(وإذا استمهل أَحدهما) أي طلب المهلة ليصلح أَمره (أُمهل العادة وجوبًا)(1) طلبا لليسر والسهولة (2)(لا لعمل جهاز) بفتح الجيم وكسرها (3) فلا تجب المهلة له (4) لكن في الغنية: تستحب الإجابة لذلك (5)(ويجب تسليم الأَمة) مع الإطلاق (ليلا فقط)(6) لأنه زمان الاستمتاع للزوج (7) وللسيد استخدامها نهارا، لأنه زمن الخدمة (8) وإن شرط تسليمها نهارًا، أو بذله سيد، وجب على الزوج تسلمها نهارا أيضًا (9) .
(1) كاليومين والثلاثة، كذا ذكره في الإقناع وغيره، والمرجع في ذلك إلى العرف، لأنه لا تقدير فيه، فيرجع فيه إلى العادة.
(2)
لأن ذلك من حاجتهما، فإذا منعا منه كان تعسيرا، فوجب إمهالهما.
(3)
ما تجهز به إلى بيت الزوج.
(4)
أي لعمل الجهاز، وكذا لو سأل هو ذلك.
(5)
إن استمهلت هي أو أهلها ما تتهيأ به، من شراء جهاز وتزين، أو استمهل هو وولي من به صغر أو جنون مثله، إذا طلب المهلة، على التفصيل السابق.
(6)
حيث لم يكن هناك شرط.
(7)
أي لأن الليل هو زمن الاستمتاع في الغالب.
(8)
ولأنها مملوكته، عقد الزوج على إحدى منفعتيها، فلم يجب تسليمها في غير وقتها، كما لو آجرها لخدمة النهار.
(9)
لأن الزوجية تقتضي وجوب التسليم والتسلم مع البذل ليلاً ونهارًا، وإنما منع منه في حق الأمة نهارا لحق السيد، فإذا بذله فقد ترك حقه، فعاد إلى الأصل في الزوجية.
(ويباشرها) أي: للزوج الاستمتاع بزوجته في قبل، ولو من جهة العجيزة (1)(ما لم يضر) بها (2)(أو يشغلها عن فرض) باستمتاعه (3) ولو على تنور، أو ظهر قتب (4)(وله) أي للزوج (السفر بالحرة) مع الأَمن (5) لأنه عليه السلام وأصحابه كانوا يسافرون ينسائهم (6)(ما لم تشترط ضده) أي أن لا يسافر بها، فيوفي لها بالشرط (7) .
(1) لقوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فجاز كل وقت، على أي صفة كانت، وإنما التحريم مختص بالدبر دون ما سواه.
(2)
أي باستمتاعه بها، لأنه ليس من المعاشرة بالمعروف، ومن زاد عليها في الجماع صولح على شيء، لأنه غير مقدر، فرجع إلى اجتهاد الحاكم، قال الشيخ: فإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم، كالنفقة وكوطئه إذا زاد. اهـ. وجعل ابن الزبير أربعا بالليل، وأربعا بالنهار، وصالح أنس رجلا على ستة.
(3)
فليس له ذلك، وحيث لم يضرها، ولم يشغلها عن فرض، فله الاستمتاع بها، ولا يجوز لها تطوع بصوم، ولا صلاة، وهو شاهد إلا بإذنه.
(4)
أي وله الاستمتاع بها، ما لم يضرها أو يشغلها، ولو كانت على تنور، لما رواه أحمد وغيره «أو كانت على ظهر قتب» يعني راكبة.
(5)
بلا إذنها إذا كان الطريق، أو البلد الذي يريده غير مخوف.
(6)
كما هو مستفيض عنه صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه رضي الله عنهم.
(7)
لقوله صلى الله عليه وسلم «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» .
وإلا فلها الفسخ كما تقدم (1) والأَمة المزوجة ليس لزوجها ولا سيدها سفر بها بلا إذن الآخر (2) ولا يلزم الزوج لو بوأَها سيدها مسكنا أن يأتيها فيه (3) ولسيد سفر بعبده المزوج، واستخدامه نهارا (4)(ويحرم وطؤها في الحيض)(5) لقوله تعالى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} الآية (6) وكذا بعده قبل الغسل (7)(و) في (الدبر)(8) لقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله لا يستحي من الحق، لا تأْتوا النساء في أَعجازهن» رواه ابن ماجه (9) .
(1) أي فيما إذا شرطت بلدها.
(2)
لما في ذلك من تفويت حقه عليه.
(3)
أي الزوج في ذلك المسكن، لأن السكنى للزوج، لا لها.
(4)
ولو منعه من التكسب، لتعلق المهر والنفقة بذمة سيده.
(5)
وكذا نفاس إجماعًا، وتقدم في باب الحيض.
(6)
فدلت الآية على تحريم وطء الحائض حال جريان دم الحيض، وهو إجماع.
(7)
لقوله تعالى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي اغتسلن أو تيممن لعدم الماء، أو عجز عن استعماله.
(8)
أي ويحرم وطؤها في الدبر، بالإجماع.
(9)
وله عن أبي هريرة «لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها»
وعنه «من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد» قال الشيخ: وطء المرأة في الدبر حرام، بالكتاب والسنة، وقول جماهير السلف والخلف، بل هو اللوطية الصغرى، وقوله تعالى {أَنَّى شِئْتُمْ} أي في صمام واحد كما تقدم، فإن فعل عزر إن علم تحريمه، وإن تطاوعا فرق بينهما، قال الشيخ: كما يفرق بين الرجل الفاجر، وبين من يفجر به من رقيقه.
ويحرم عزل بلا إذن حرة (1) أو سيد أمة (2)(وله إجبارها) أي للزوج إجبار زوجته (على غسل حيض) ونفاس (3) وجناية، إذا كانت مكلفة (4) .
(1) قال الوزير وغيره: أجمعوا على أنه ليس له العزل عن الحرة إلا بإذنها، ولأحمد: نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها. وثبت عن ابن عباس نحوه، ولمسلم عن عائشة قال «ذلك الوأد الخفي» ولأن لها في الولد حقا، وعليها في العزل ضرر، فلم يجز إلا بإذنها، والجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل، ومعناه أن ينزع إذا قرب الإنزال، فينزل خارجا عن الفرج.
(2)
أي ويحرم عزل عن أمة، إلا بإذن سيدها عند الجمهور، لأن الحق في الولد له، وله أن يعزل عن سريته بلا إذنها، ويعزل وجوبا عن الكل بدار حرب بلا إذن.
(3)
سواء كانت زوجة، أو أمة، أو سرية، لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له، فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه.
(4)
لا إجبار من دون البلوغ، ولا ذمية كما سيأتي، لأن الوطء لا يقف عليه، لإباحته بدونه، جزم به في الإقناع، وصحح في الإنصاف إجبار الذمية المكلفة، وهو مقتضى المنتهى.
(و) غسل (نجاسة)(1) واجتناب محرمات (2) وإزالة وسخ ودرن (وأَخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره) كظفر (3) ومنعها من أكل ما له رائحة كريهة، كبصل وكراث (4) لأنه يمنع كمال الاستمتاع (5) وسواء كانت مسلمة أو ذمية (6) ولا تجبر على عجن، أو خبز، أو طبخ، أو نحوه (7)(ولا تجبر الذمية على غسل الجنابة) في رواية (8) .
(1) أي وللزوج إجبار زوجته، على غسل نجاسة، لأنه واجب عليها.
(2)
أي وله إجبارها على اجتناب المحرمات، وأداء الواجبات، فلو امتنعت عن الصلاة أدبها، فإن صلت وإلا حرم عليه الإقامة معها، كما سيأتي.
(3)
فإن احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه، لأنه لحقه.
(4)
وثوم، ونتن، إذا تأذى به.
(5)
فكان له منعها منه.
(6)
فهما سواء في حقه.
(7)
كطحن، وكنس بيت، وغير ذلك، وقال الشيخ: يجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف، من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة، وقاله طائفة من الأصحاب.
(8)
وهو ما جزم به في الإقناع، وقدمه غير واحد.
والصحيح من المذهب له إجبارها عليه، كما في الإنصاف وغيره (1) وله منع ذمية من دخول بيعة، وكنيسة (2) وشرب ما يسكرها (3) لا ما دونه (4) ولا تكره على إفساد صومها، أو صلاتها، أو سبتها (5) .
(1) وهو مقتضى المنتهى وغيره.
(2)
فلا تخرج إلا بإذن الزوج.
(3)
لأنه محرم عليها، وله منعها من تناول محرم.
(4)
أي ولا تمنع من دون ما يسكرها، لاعتقادها حله في دينها، وأقرت عليه، وله إجبارها على غسل فمها من سائر النجاسات، لأنه يمنع من القبلة.
(5)
بوطء أو غيره، لأنه يضر بها، ولأنها بذلت الذمة، وعقدت على إقرارها على دينهم، ولا يشتري لها ولا لأمته الذمية زنارا، لأنه إعانة على إظهار شعارهم، بل إن أرادت فتشتري هي لنفسها.
فصل (1)
(ويلزمه) أي الزوج (أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع) ليال، إذا طلبت (2) لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاثا مثلها (3) وهذا قضاء كعب بن سوار عند عمر بن الخطاب واشتهر ولم ينكر (4) .
(1) في أحكام الميت، والجماع، ولزومها المنزل، وما يتعلق بذلك.
(2)
ذلك، لأن الحق لها، ولم يكن ثم عذر.
(3)
هذا التعليل نظره الشيخ، كما يأتي.
(4)
وذلك في امرأة أثنت على زوجها، بقيام الليل، وصيام النهار، فقال إنها جاءت تشكوه. وأرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة، وهي رابعتهن، فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن، يتعبد فيهن، ولها يوم وليلة، فقال نعم القاضي أنت، رواه سعيد، ولم ينكر، فكان كالإجماع، وهكذا ذكر الأصحاب رحمهم الله.
وفي الاختيارات: يتوجه أن لا يقدر قسم الابتداء الواجب، كما لا يتقدر الوطء، بل يكون بحسب الحاجة، فإنه قد يقال: التزوج بأربع لا يقتضي أنه إذا تزوج بواحدة، يكون حال الإنفراد كحال الاجتماع، وعلى هذا فتحمل قصة كعب، على أنه تقدير شخص لا يراعى.
وقول أصحابنا: يجب على الرجل المبيت عند امرأته ليلة من أربع. هذا المبيت يتضمن شيئين، أحدهما المجامعة في المنزل، والثاني في المضجع؛ وقوله تعالى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} مع قول صلى الله عليه وسلم «ولا يهجر إلا في المضجع» دليل على وجوب المبيت في المضجع، ودليل على أنه لا يهجر المنزل، ونص أحمد في الذي يصوم النهار، ويقوم الليل، يدل على وجوب المبيت في المضجع، وكذا ما ذكروه في النشوز، إذا نشزت هجرها في المضجع، دليل على أنه لا يفعله بدون ذلك.
وعند الأَمة ليلة من سبع (1) لأَن أكثر ما يجمع معها ثلاث حرائر، وهي على النصف (2)(و) له أَن (ينفرد إذا أراد) الإنفراد (في الباقي)(3) إذا لم يستغرق زوجاته جميع الليالي (4) فمن تحته حرة، له الإنفراد في ثلاث ليال من كل أربع، ومن تحته حرتان له أَن ينفرد في ليلتين، وهكذا (5)
(1) أي ويلزمه أن يبيت عند الزوجة الأمة ليلة من سبع ليال، فلها ليلة وللحرة ليلتان، هذا فيما إذا تزوج أمة بحيث أبيح له، بخلاف سريته.
(2)
أي والزوجة الأمة على النصف من الزوجة الحرة، ومحله إن طلبت ذلك، لأن الحق لها، فلا يجب بدونه.
(3)
بنفسه، أو مع سريته، وقال أحمد: لا يبيت وحده، وتقدم تقرير الشيخ وجوب المبيت في المضجع، وأنه لا يهجر المنزل، وفي الصحيحين «وإن لزوجك عليك حقا» .
(4)
الأربع، على ما قرروه، رحمهم الله.
(5)
ومن تحته حرة وأمة، قسم لهن ثلاث ليال من ثمان، وله الإنفراد في خمس، وإن كانت تحته حرتان وأمة، فلهن خمس، وله ثلاث، وهكذا،
وأما العبد فقياس قولهم: أن يقسم للحرة ليلة من ليلتين، والأمة ليلة من ثلاث وأربع، ولا يتصور أن يجمع عنده أربعا عند الجمهور، وفي الاختيارات: يأثم إن طلق إحدى زوجتيه وقت قسمها، وتعليلهم يقتضي أنه إذا طلقها قبل مجيء نوبتها، كان له ذلك.
ويتوجه أن له الطلاق مطلقا، لأن القسم إنما يجب ما دامت زوجة، كالنفقة، فليس هو شيء مستقر في الذمة قبل مضي وقته، حتى يقال: هو دين، نعم: لو لم يقسم لها حتى خرجت الليلة التي لها، وجب عليه القضاء، فلو طلقها قبله كان عاصيًا.
قال الشيخ: وقياس المذهب جواز أخذ العوض، عن سائر حقوقها من القسم وغيره، لأنه إذا جاز للزوج أن يأخذ العوض عن حقه منها، جاز أن تأخذ العوض عن حقها منه، لأن كلا منهما منفعة بدنية.
(ويلزمه الوطء إن قدر) عليه (كل ثلث سنة مرة)(1) بطلب الزوجة، حرة كانت أَو أَمة، مسلمة أو ذمية (2) لأن الله تعالى قدر ذلك في أربعة أَشهر في حق المولي، فكذلك في حق غيره (3) .
(1) ولم يكن ثم عذر، وإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم، كما تقدم، واختار الشيخ وجوبه بقدر كفايتها، ما لم ينهك بدنه، أو يشغله عن معيشة من غير تقدير مدة.
(2)
لأن الحق لها في ذلك، فلا يجب بدون طلبه.
(3)
أي غير المولي، فلا يلزمه إلا في كل ثلث سنة مرة.
لأَن اليمين لا توجب ما حلف عليه، فدل أَن الوطء واجب بدونها (1)(وإن سافر فوق نصفها) أي نصف سنة، في غير حج أَو غزو واجبين، أو طلب رزق يحتاجه (2)(وطلبت قدومه وقدر لزمه) القدوم (3)(فإن أبى أحدهما) أي الوطء في كل ثلث سنة مرة (4) أو القدوم إذا سافر فوق نصف سنة وطلبته (فرق بينهما بطلبها)(5) وكذا إن ترك المبيت، كالمولي (6) .
(1) ولأنه لو لم يكن واجبا، لم يصر باليمين على تركه موليا، كسائر ما لا يجب، ولأن النكاح شرع لمصلحتهما، ودفع الضرر عنهما، فكان حقا لهما جميعا.
(2)
لم يلزمه القدوم، لأن صاحب العذر يعذر من أجل عذره.
(3)
إن لم يكن عذر من تلك الأعذار ونحوها.
(4)
فرق بينهما، قال الشيخ: وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد، ولو مع قدرته وعجزه، كالنفقة وأولى، للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعًا.
(5)
والأولى بعد مراسلة الحاكم إليه، وهو المفتى به، لأنه ترك حقا عليه، تضرر به، أشبه المولي، وقال أبو محمد المقدسي: القول في امرأة الأسير والمحبوس – ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به – إذا طلبت فرقته، كالقول في امرأة المفقود بالإجماع.
(6)
أي وكذا إن ترك الزوج المبيت عندها، من الليالي المتقدم ذكرها فكالمولي.
ولا يجوز الفسخ في ذلك كله (1) إلا بحكم حاكم، لأَنه مختلف فيه (2)(وتسن التسمية عند الوطء (3) وقول الوارد) (4) لحديث ابن عباس مرفوعا «لو أَن أحدكم حين يأْتي أهله، قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا (5) فولد بينهما ولد، لم يضره الشيطان أَبدا» متفق عليه (6) .
(1) أي في ترك الوطء، أو المبيت، أو القدوم.
(2)
وهذه قاعدة ما اختلف فيه، لا يفسح العقد إلا بحاكم، يرتفع به الخلاف، ويمنع التلاعب بالعقود.
(3)
أي يسن قول: بسم الله. حال مجلس الرجل من امرأته، قال ابن نصر الله: وتقوله المرأة أيضًا.
(4)
من الدعاء المأثور.
(5)
وفي رواية: إذا أراد أن يأتي أهله، يقول ذلك، طلبا للبركة والعصمة من الشيطان، وقال عطاء في قوله تعالى {وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} : هو التسمية عند الجماع.
(6)
ولابن أبي شيبة عن ابن مسعود «إذا أنزل يقول: اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبا» واستحسنه في الإنصاف، وينبغي أن يلاعبها قبل الجماع، لتنهض شهوتها، وكلام القاضي يقتضي أن التمكين من القبلة ليس بواجب عليها.
وقال الشيخ: ما أراه صحيحًا، بل تجبر على تمكينه من جميع أنواع الاستمتاع المباحة. اهـ. وقيل: تتخذ خرقة تناولها الزوج بعد فراغه، سوى التي تمسح بها فرجها، وأنه لا بأس بالنخر حالته، وقاله مالك.
(ويكره) الوطء متجردين (1) لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه في حديث عتبة بن عبد الله، عند ابن ماجه (2) وتكره (كثرة الكلام) حالته (3) لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء، فإن منه يكون الخرس والفأْفأَة» (4)(و) يكره (النزع قبل فراغها)(5) لقوله صلى الله عليه وسلم «ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها» (6)(و) يكره (الوطء بمرأَى أَحد) أَو مسمعه، أَي بحيث يراه أَحد أَو يسمعه (7) .
(1) أي عاريين، حال الجماع.
(2)
ولفظه «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردا تجرد العيرين» شبههما بهما تنفيرا عن تلك الحالة.
(3)
أي حالة الجماع.
(4)
رواه أبو حفص، والخرس انعقاد اللسان عن الكلام، والفأفاء مردد الكلام، ومكثر الفاء في كلامه، وتقدم.
(5)
أي فراغ شهوتها.
(6)
رواه أبو حفص من حديث أنس، ولأن في ذلك ضررا عليها، ومنعا لها من قضاء شهوتها.
(7)
أي يسمع حسهما.
غير طفل لا يعقل، ولو رضيا (1)(و) يكره (التحدث به) أي بما جرى بينهما (2) لنهيه عليه السلام عنه، رواه أبو داود وغيره (3) وله الجمع بين وطء نسائه أو مع إمائه بغسل واحد (4) .
(1) أي الزوجان، قال أحمد: كانوا يكرهون الوجس، يعني سمع الصوت الخفي، هذا إذا كانا مستوري العورة، وإلا حرم مع رؤيتهما، لحديث «احفظ عورتك» وتقدم.
(2)
والأولى التحريم، وقطع به جماعة، واستظهره في الفروع، وصوبه في الإنصاف.
(3)
وذلك لما قيل له: إنهم يفعلون ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم «إن مثل من فعل ذلك، مثل شيطان وشيطانة، لقي أحدهما صاحبه بالسكة، فقضى حاجته منها، والناس ينظرون إليه» ولمسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال «شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه، فينشر سرها، وتنشر سره» فدل الحديثان على تحريم إفشاء أحد الزوجين، لما يقع بينهما من أمور الجماع ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري فيه بينهما من قول أو فعل، وأما مجرد ذكر الجماع فإذا لم يكن لحاجة فمكروه.
وإن كان لحاجة كذكر إعراضها عنه، أو تدعي عليه العجز عن الجماع، ونحو ذلك فلا، لقوله «إني لأفعله أنا وهذه» يعني الكسل، وقوله لجابر «الكيس الكيس» والتي ادعت عليه العنة: إنه لينفضها نفض الأديم، ونحو ذلك، ويكره أن يقبلها أو يباشرها عند الناس، لأنه دناءة.
(4)
كما أنه له إتمام الجماع، وإعادته.
لقول أنس: سكبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه غسلا واحدا، في ليلة واحدة (1)(ويحرم جمع زوجتيه في مسكن واحد بغير رضاهما)(2) لأَن عليهما ضررا في ذلك، لما بينهما من الغيرة، واجتماعهما يثير الخصومة (3)(وله منعها) أي منع زوجته (من الخروج من منزله)(4) ولو لزيارة أبويها أو عيادتهما (5) أو حضور جنازة أحدهما (6)
(1) ولأحمد، والنسائي، وغيرهما: طاف على نسائه في ليلة، بغسل واحد.
(2)
فإن رضيا جاز، أو رضيا بنومه بينهما في لحاف واحد جاز، لأن الحق لهما، وليس المراد الدار التي فيها منازل، كل واحدة منهما في منزل منها، إذا كان مسكن مثلها، لأنه لا جمع في ذلك.
(3)
فكره لأجل ذلك، لأن كل واحدة منهما تسمع حسه إذا أتى الأخرى، أو ترى ذلك، قال الشيخ: وتهجر زوجها في المضجع لحق الله، بدليل قصة الذين خلفوا، وينبغي أن تملك النفقة في هذه الحال، لأن المنع منه، كما لو امتنع من أداء الصداق.
(4)
إلى ما لها منه بد، قال الشيخ: ولا تترك المرأة تذهب حيث شاءت، بالاتفاق.
(5)
قال أحمد في امرأة لها زوج، وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها.
(6)
وفي الاختيارات: للزوج منع الزوجة من الخروج من منزله، فإذا
نهاها لم تخرج لعيادة مريض محرم لها، أو شهود جنازته، فأما عند الإطلاق، فهل لها أن تخرج لذلك إذا لم يأذن ولم يمنع؟ كعمل الصناعة أو لا تفعل إلا بإذن، كالصيام؟ تردد فيه أبو العباس رحمه الله.
ويحرم عليها الخروج بلا إذنه، لغير ضرورة (1)(ويستحب إذنه) أي إذن الزوج لها في الخروج (إن تمرض محرمها)(2) كأَخيها وعمها (3) أَو مات لتعوده (وتشهد جنازته)(4) لما في ذلك من صلة الرحم (5) وعدم إذنه يكون حاملا لها على مخالفته (6) وليس له منعها من كلام أبويها (7) .
(1) كاضطرارها لمطعم ومشرب، لعدم من يأتيها به، لأن حق الزوج واجب، فلا يجوز تركه، لما ليس بواجب.
(2)
بكسر الهمزة، وفتح التاء والميم والراء.
(3)
وأختها، وعمتها، وغيرهم من محارمها.
(4)
أي أو مات محرمها، فيستحب إذنه لتعوده إن مرض، وتشهد جنازته إن مات.
(5)
وفي منعها من ذلك قطيعة رحم.
(6)
وينبغي مداراتها، والتغافل إلا فيما يضر، قال أحمد: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل.
(7)
لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولا منعهما من زيارتها (1)(وله منعها من إجارة نفسها) لأَنه يفوت بها حقه، فلا تصح إجارتها نفسها إلا بإذنه (2) وإن أَجرت نفسها قبل النكاح صحت ولزمت (3)(و) له منعها (من إرضاع ولدها من غيره (4) إلا لضرورته) أي ضرورة الولد، بأن لم يقبل ثدي غيرها (5) .
(1) إن لم يخف ضررا، ويعرف ذلك بقرائن الأحوال، وقال بعضهم: إن لم يفسداها عليه بسبب زيارتهما، فله منعهما إذًا من زيارتها، دفعا للضرر، ولا يلزمها طاعة أبويها في فراقه، ولا في زيارة ونحوها، بل طاعة زوجها أحق، لوجوبها عليها.
ولأحمد وغيره: أن عمة حصين أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال «أذات زوج أنت؟» قالت نعم. قال «انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك» ولا يستحب له أن يأذن لها في الخروج، لزيارة أبويها مع عدم المرض، لعدم الحاجة إليه، ولئلا تعتاده.
(2)
ولأنه عقد يفوت به حق من ثبت له الحق بعقد سابق، فلم يصح، كإجارة المؤجر، فأما مع إذن الزوج فإن الإجارة تصح، ويلزم العقد، لأن الحق لهما، لا يخرج عنهما.
(3)
أي صحت الإجارة، ولزم عقدها، ولم يملك الزوج فسخها، لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه.
(4)
ومن ولد غيرها، لأن اشتغالها بذلك، يفوت عليه كمال الاستمتاع بها.
(5)
أو لا توجد مرضعة سواها، أو تكون قد شرطته عليه.
فليس له منعها إذًا، لما فيه من إهلاك نفس معصومة (1) وللزوج الوطء مطلقا، ولو أضر بمستأْجر أو مرتضع (2)
(1) فوجب بذله، وليس له منعها من إرضاع ولدها منه، لأنه حق لها، فلا يمنعها، كسائر حقوقها.
وقال الوزير: اتفقوا على أن الأم لا تجبر على إرضاع ولدها بحال، إلا مالك، فإنه قال: يجب على الأم إرضاع ولدها، ما دامت في زوجية أبيه، إلا أن يكون مثلها لا ترضع، لشرف وغيره، أو ليسار، أو سقم، أو لقلة لبن، فحينئذ لا يجب عليها.
(2)
أي سواء أضر الوطء بالمرتضع أو لا، لأنه يستحقه بعقد التزويج، وليس له فسخ النكاح، إن لم يعلم أنها مؤجرة.
فصل في القسم (1)
(و) يجب (عليه) أي على الزوج (أن يساوي بين زوجاته في القسم)(2) لقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (3) وتمييز إحداهما ميل (4) ويكون ليلة وليلة، إلا أن يرضين بأكثر (5) ولزوجة أمة مع حرة ليلة من ثلاث (6)(وعماده) أي القسم (الليل لمن معاشه النهار (7)
(1) أي بين زوجاته، وهو توزيع الزمان عليهن، إن كن اثنتين فأكثر.
(2)
في المبيت، والنفقة، وغير ذلك، مما يأتي تفصيله.
(3)
وقال تعالى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} أي لا تتبعوا أهواءكم وأفعالكم، فتذروها كالملعقة، إذا ملتم إلى واحدة منهن.
(4)
يدع الأخرى كالمعلقة، قال ابن عباس: لا ذات بعل، ولا مطلقة، فدلت الآيتان وغيرهما على وجوب التسوية بين الزوجات في المبيت، واختار الشيخ: وفي الكسوة والنفقة.
(5)
أي من ليلة ليلة، كليلتين ليلتين، أو ثلاث ثلاث، ونحو ذلك.
(6)
لأن الأمة على النصف من الحرة.
(7)
لأن الليل يأوي فيه الإنسان إلى منزله، ويسكن إلى أهله، وينام على
فراشه مع زوجته عادة، قال تعالى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} يخرج فيه إلى قضاء حوائجه وحقوق الناس، وما جرت العادة به، ولصلاة العشاء، والفجر، ولو قبل طلوعه، كصلاة النهار، لكن لا يعتاد الخروج قبل الأوقات، إذا كان عند واحدة دون الأخرى، لأنه غير عدل بينهما إلا لعارض ولو تعذر عليه المقام عندها ليلا، لشغل ونحوه، قضاه لها، ويدخل النهار تبعا لليلة الماضية.
والعكس بالعكس) فمن معيشته بليل كحارس، يقسم بين نسائه بالنهار (1) ويكون النهار في حقه، كالليل في حق غيره وله أَن يأْتيهن (2) وأَن يدعوهن إلى محله (3) وأَن يأتي بعضا ويدعو بعضا، إذا كان مسكن مثلها (4)(ويقسم) وجوبا (لحائض ونفساء (5) .
(1) لأنه محل سكنه، ويكون الليل تبعا للنهار في حقه.
(2)
أي وللزوج أن يأتي نساءه في محالهن.
(3)
إن اتخذ مسكنا غير مساكن زوجاته، والأولى أن يكون لكل واحدة منهن مسكنا يأتيها فيها، لفعله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أصون لهن، وأستر، حتى لا يخرجن من بيوتهن، وإن أقام عند واحدة، ودعا الباقيات إلى بيتها، لم تجب عليهن الإجابة.
(4)
لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء.
(5)
لأنه للأنس، ولإباحة المباشرة من وراء الإزار، كما تقدم.
ومريضة ومعيبة) بنحو جذام (1)(ومجنونة مأْمونة وغيرها)(2) كمن آلى أو ظاهر منها (3) ورتقاء، ومحرمة، ومميزة (4) لأَن القصد السكن والأُنس، وهو حاصل بالمبيت عندها (5) وليس له بداءة في قسم (6) ولا سفر بإحداهن بلا قرعة، إلا برضاهن (7) .
(1) كبرص، ويجب الوطء إذا لم يجز الفسخ، وكذلك يجب عليها تمكين الأبرص والأجذم، وإلا فلا نفقة لها، وإذا لم يستمتع بها فلها الفسخ، ويكون المثبت للفسخ هنا عدم الوطء، فهذا يقوده إلى وجوبه.
(2)
كزمنه، وأما المجنونة غير المأمونة، فلا قسم لها.
(3)
أي يقسم لمن ذكر، كما يقسم لمن آلى منها، ولمن ظاهر منها.
(4)
يمكن وطؤها، ويقسم المريض، والمجنون، والعنين، والخصي، كالصحيح، وقال صلى الله عليه وسلم في مرضه «أين أنا غدا؟» رواه البخاري.
(5)
ولو لم يطأ.
(6)
بإحداهن بلا قرعة إلا برضاهن، لأن البداءة بها تفضيل لها، والتسوية واجبة، ولأنهن متساويات في الحق، ولا يمكن الجمع بينهن، فوجب المصير إلى القرعة إن لم يرضين.
(7)
ولا بأكثر من واحدة منهن إلا بقرعة، أو رضاهن ورضاه، لأنه صلى الله عليه وسلم، إذا أراد السفر أقرع بين نسائه، فمن خرج سهمها خرج بها معه وسئل أحمد عن الرجل يكون له امرأتان، وهو يريد أن يخرج بإحداهما، قال: يقرع بينهما، فتخرج إحداهما، أو تخرج برضى الأخرى، ولا يريد القرعة، قال: إذا خرج بها فقد رضيت. وإلا أقرع بينهما. وقال الأصحاب: يأثم إن سافر بإحداهن بغير قرعة ولا رضى، ويقضي، وفي الاختيارات: الأقوى أنه لا يقضي، وهو مذهب الحنفية، والمالكية.
(وإن سافرت) زوجته (بلا إذنه، أو بإذنه في حاجتها (1) أو أبت السفر معه، أو) أَبت (المبيت عنده في فراشه، فلا قسم لها، ولا نفقة) لأَنها عاصية كالناشز (2) وأما من سافرت لحاجتها ولو بإذنه فلتعذر الاستمتاع من جهتها (3) ويحرم أن يدخل إلى غير ذات ليلة فيها إلا لضرورة (4) وفي نهارها إلا لحاجة (5) .
(1) سقط حقها، من قسم ونفقة.
(2)
أما الممتنعة من السفر، أو المبيت معه فلأنها عاصية، وكذا من سافرت بغير إذنه، وإن كان له زوجات، واستدعاهن أو بعضهن إلى مسكنه، ولم يخله من الضرة، لم تجب إجابته، ولا يسقط حق الممتنعة من القسم والنفقة، وإن أمكنته من الوطء فقط فلا نفقة لها.
(3)
لأن القسم للأنس، والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها، فسقط كما قبل الدخول بها، وإن بعثها لحاجته، أو انتقلت من بلد إلى بلد بإذنه، لم يسقط حقها من نفقة، ولا قسم، لأن تعذر استمتاعه بسبب من جهته.
(4)
مثل أن تكون منزولا بها، أو توصي له، أو ما لا بد منه، عرفا، لأن ذلك حال ضرورة، فأبيح به ترك الواجب، لإمكان قضائه في وقت آخر.
(5)
كدفع نفقة، وعيادة، أو سؤال عن أمر يحتاجه، أو زيارتها لبعد عهده
بها، وإن لم يلبث مع ضرورة أو حاجة لم يقض، لأنه لا فائدة فيه لقلته، ولو قبل أو باشر ونحوه، لم يقض ذلك لذات الليلة.
فإن لبث أو جامع لزمه القضاء (1)(ومن وهبت قسمتها لضرتها بإذنه) أي بإذن الزوج جاز (2)(أو) وهبته (له، فجعله لـ) زوجة (أُخرى جاز)(3) لأَن الحق في ذلك للزوج والواهبة، وقد رضيا (4)(فإن رجعت) الواهبة (قسم لها مستقبلا)(5) لصحة رجوعها فيه، لأنها هبة لم تقبض (6) بخلاف الماضي فقد استقر حكمه (7) .
(1) لأن التسوية واجبة، ولا تحصل إلا بذلك.
(2)
فسودة وهبت قسمها لعائشة، فكان يقسم لها يومين، ومن وهبته لضرائرها بإذنه جاز، ويجعله من شاء منهن.
(3)
ولو أبت الموهوب لها.
(4)
والحق لا يخرج عنهما، وحق الزوج في الاستمتاع، ثابت في كل وقت، على كل واحدة منهن، وإنما منعته المزاحمة في حق صاحبتها، فإذا زالت المزاحمة بهبتها، ثبت حقه في الاستمتاع بها وإن كرهت، كما لو كانت منفردة.
(5)
ولو في بعض ليلة، ويقضيه إن علم قبل فراغها، وإلا فلا، لتفريطها.
(6)
فجاز الرجوع فيها.
(7)
لأنه قد اتصل به القبض.
ولزوجة بذل قسم ونفقة لزوج ليمسكها (1) ويعود حقها برجوعها (2) وتسن تسوية زوج في وطء بين نسائه، وفي قسم بين إمائه (3)(ولا قسم) واجب على سيد (لإمائه، وأُمهات أَولاده)(4) لقوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (5)(بل يطأُ) السيد (من شاء) منهن (متى شاء)(6) .
(1) لقوله {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} قالت عائشة: هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها، فيريد طلاقها، تقول: أمسكني، ولا تطلقني، وأنت في حل من النفقة علي والقسم. وسودة حين أسنّت، وخشيت أن يفارقها، قالت: يومي لعائشة، رضي الله عنهما.
(2)
في المستقبل، لأنها هبة لم تقبض، بخلاف الماضي.
(3)
ليكون أطيب لنفوسهن، وأما المودة، وميل القلب، فأمر غير مقدور للعبد، بل هو من الله تعالى، وكان صلى الله عليه وسلم يساوي بين نسائه في البيتوتة، ويقول «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» يعني القلب.
(4)
بل إن شاء ساوى بينهن، وإن شاء فضل، وإن شاء استمتع ببعضهن دون بعض.
(5)
يعني السراري، لأنه لا يلزم فيهن من الحقوق ما يلزم في الحرائر، فلا قسم لهن، ولا وقف في عددهن، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية وريحانة، فلم يكن يقسم لهما، ولأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع.
(6)
أي لا يستمتع بهن كيف شاء، كالزوجات، أو أقل، أو أكثر.
وعليه أن لا يعضلهن، إن لم يرد استمتاعا بهن (1) (وإن تزوج بكرا) ومعه غيرها (2) (أقام عندها سبعا) ولو أمة (3) (ثم دار) على نسائه (4) (و) إن تزوج (ثيبا) أقام عندها (ثلاثا) ثم دار (5) لحديث أبي قلابة عن أنس: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب، أقام عندها سبعا وقسم (6) وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم (7) .
(1) فلا يمنعهن من التزوج، إن لم يرد الاستمتاع بهن، وإن احتجن إلى النكاح وجب عليه إعفافهن، إما بوطئهن، أو تزويجهن، أو بيعهن، لأن إعفافهن وصونهن عن احتمال الوقوع في المحظورات واجب.
(2)
حرائر أو إماء، أو تزوج أمة ومعه غيرها، حرائر أو إماء.
(3)
لعموم ما يأتي، ولأنه يراد للأنس، وإزالة الاحتشام، والأمة والحرة سواء في الاحتياج إلى ذلك، فاستويا فيه كالنفقة.
(4)
أي بعد السبع، ولا يحتسب عليها بما أقام عندها.
(5)
أي على نسائه، بعد انتهاء مدة إقامته عند الجديدة، ثم يعود إلى القسم بين زوجاته، كما كان قبل أن يتزوج الجديدة، ودخلت الجديدة بينهن، فصارت آخرهن نوبة.
(6)
خص الشارع البكر بالسبع، لأن حياءها أكثر.
(7)
وللدارقطني عن أنس مرفوعا «للبكر سبع، وللثيب ثلاث» ولما تزوج
صلى الله عليه وسلم أم سلمة أقام عندها ثلاثا، كما سيأتي، وقال النووي: يستحب إذا لم يكن عنده غيرها، وإلا فيجب، والإيثار يكون بالمبيت، والقيلولة، لا استغراق ساعات الليل والنهار، وتجب الموالاة في السبع والثلاث. فلو فرق وجب الاستئناف.
قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الشيخان (1)(وإن أحبت) الثيب أن يقيم عندها (سبعا، فعل وقضى مثلهن) أي مثل السبع (للبواقي) من ضراتها (2) لحديث أُم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها، أقام عندها ثلاثة أيام، وقال «إنه ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي» رواه أحمد، ومسلم وغيرهما (3) .
(1) ورواه جماعة عن أنس: وقالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: الأحاديث المرفوعة على ذلك، وليس مع من خالف حديث مرفوع، والحجة مع من أدلى بالسنة، ويكره أن تزف إليه امرأة في حق امرأة زفت إليه قبلها، وعليه أن يتمم للأولى، ثم يقضي حق الثانية.
(2)
سبعا سبعا، ثم يبتدي القسم، ليلة ليلة، أو ليلتين ليلتين كما تقدم.
(3)
فدل الحديث على جواز التسبيع للثيب بشرط القضاء لضراتها، ولو سافر بإحدى زوجتيه بقرعة أو رضى، ثم تزوج في سفره بأخرى وزفت إليه، فعليه تقديمها بأيامها، ثم يقسم بينها وبين ضرتها كما تقدم.