الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العتق
(1)
وهو لغة: الخلوص (2) وشرعا: تحرير الرقبة (3) وتخليصها من الرق (4)(وهو من أَفضل القرب)(5) لأَن الله تعالى جعله كفارة للقتل (6) .
(1) أي بيان فضله وأحكامه، وتعليقه، وكتابة الرقيق، وأحكام أمهات الأولاد، وما يتعلق بذلك، لما ذكر إرث المبعض، والإرث بالولاء، ناسب أن يعقبه العتق.
(2)
ومنه عتاق الخيل، وعتقا الطير، أي خالصها، وسمي البيت الحرام: العتيق، لخلوصه من أيدي الجبابرة.
(3)
أي من الرق، وخصت الرقبة مع وقوعه على جميع البدن، لأن ملك السيد له، كالغل في رقبته، المانع له من التصرف، فإذا عتق فكأن رقبته أطلقت من ذلك.
(4)
عطف تفسير، وتحرر الرقيق: خلص من الرق. وعتق العبد، وأعتقته فهو عتيق ومعتق، وأجمعوا على أنه يصح عتق المالك التام الملك، الصحيح الرشيد، الغني غير العديم.
(5)
بالكتاب والسنة، والإجماع، كقوله تعالى {فَكُّ رَقَبَةٍ} وقوله صلى الله عليه وسلم «من أعتق رقبة مؤمنة أعتقه الله من النار» وحكى الوزير وغيره: الاتفاق على أن العتق من القرب، المندوب إليها.
(6)
قال تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} جعله تعالى كفارة
لقتل الخطأ، لعظم الأجر في تحريرها، وقوله {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي إعتاقها، وإطلاقها فداء له من النار.
والوطء في نهار رمضان (1) والأَيمان (2) وجعله النبي صلى الله عليه وسلم فكاكًا لمعتقه من النار (3) وأَفضل الرقاب أَنفسها عند أَهلها (4) وذكر، وتعدد أَفضل (5) .
(1) بالنسة الصحيحة، وكفارة للظهار، قال فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا.
(2)
أي وكفارة للأيمان، قال تعالى:{أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} إلى قوله: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} .
(3)
فقال «من أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار» وفي لفظ «بكل إرب منها إربا منه من النار» ولما فيها من تخليص الآدمي المعصوم، من ضرر الرق، وملك نفسه ومنافعه، وتكميل أحكامه، وتمكينه من التصرف في نفسه، ومنافعه، على حسب اختياره.
(4)
أي أعظمها وأعزها في نفوس أهلها، لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها، وأغلاها ثمنا» وللبخاري «أعلاها» ونص عليه أحمد، نقله الجماعة، وعتق مثل ذلك ما يقع غالبا إلا خالصا. وقيل: ولو كافرة، وأنه يثاب على عتقه، وفي الفنون: لا يختلف الناس فيه. واحتج به، وبرق الذرية، على أن الرق ليس بعقوبة، بل محنة وبلوى، وقيل: لا أجر له إلا أن انتهى أمره إلى الإسلام.
(5)
أي وأفضل الرقاب ذكر، لخبر «من أعتق رجلا مسلما كان فكاكه من النار، وامرأتين كانتا فكاكه من النار» ولو كان المعتق أنثى؛ وهما سواء في الفكاك من النار، إذا كانا مؤمنين لخبر «من أعتق رقبة مؤمنة» وتعدد في العتق أفضل من عتق واحد، ولو من إناث، والمراد - والله أعلم - أنه لو كان مع شخص ألف درهم أراد أن يشترى به رقابا يعتقها، فوجد رقبة نفيسة، ورقبتين مفضولتين، فالثنتان أفضل، أما من أراد أن يعتق رقبة واحدة، فالأكثر قيمة، كما تقدم، وربما يختلف بإختلاف الأشخاص، فلو كان شخص، بمحل عظيم من العلم والعمل، وانتفاع المسلمين به، فعتقه أفضل من عتق جماعة ليس فيهم هذه الصفات، فيكون الضابط: اعتبار الأكثر نفعا.
(ويستحب عتق من له كسب) لانتفاعه به (1)(وعكسه بعكسه) فيكره عتق من لا كسب له (2) .
وكذا من يخاف منه زنا أَو فساد (3) وإِن علم ذلك منه أَو ظن حرم (4) وصريحه نحو: أَنت حر أَو محرر أَو عتيق أَو معتق (5) أَو حررتك أَو أَعتقتك (6) .
(1) أي بملك كسبه بالعتق، ومن له دين يمنعه من الفساد.
(2)
لسقوط نفقته بإعتاقه، فيصير كلا على الناس، ويحتاج إلى المسألة.
(3)
كقطع طريق، وسرقة، لأنه عون على الفساد، أو يخاف لحوقه بدار الحرب، أو ردته عن الإسلام.
(4)
أي وإن علم من الرقيق ما ذكر، أو ظن وقوعه، حرم عتقه، لأن الوسيلة إلى الحرام حرام، وإن أعتقه مع علمه بذلك، أو ظنه صح، ونفذ، لصدوره في محله.
(5)
فيصح العتق ممن تصح وصيته، بالقول والملك، لا بنية مجردة، وصريح القول: لفظ الحرية، ولفظ العتق، نحو: أنت حر؟ أو أنت محرر. فيعتق ولو لم ينوه، ما لم ينو بالحرية عفته، وكرم خلقه، ونحوه.
(6)
فهذه الألفاظ تلزم السيد بإجماع العلماء، ومتى أعتق عبده، وهو
صحيح جائز التصرف، عتق بلا نزاع، وكذا: أنت حر في هذا الزمان، أو في هذا المكان، أو في هذه البلدة؛ عتق مطلقا، ولو قال: أعتقتك هازلاً؛ عتق، ولو تجرد عن النية، لا من نائم ونحوه، ولا بأمر، أو مضارع، أو اسم فاعل. واتفقوا على أن من أعتق ما في بطن أمته، فهو حر دون الأم.
وكنايته، نحو: خليتك، والحق بأَهلك (1) ولا سبيل أَو لا سلطان لي عليك (2) وأَنت لله أو مولأي (3) وملكتك نفسك (4) ومن أَعتق جزءًا من رقيقه سرى إلى باقيه (5) .
(1) أي وكناية العتق التي يقع بها مع نية أو قرينة كسؤال عتق، نحو: خليتك وأطلقتك، واذهب حيث شئت، وحبلك على غاربك.
(2)
أي ولا سبيل لي عليك، أو لا سلطان لي عليك، أو لا ملك لي عليك، أو لا رق لي عليك، أو لا خدمة لي عليك.
(3)
أي وكنايته كقوله: أنت لله، أو وهبتك لله، أو رفعت يدي عنك إلى الله، أو أنت لمولاي، أو أنت سائبة
(4)
فيقع بهذه الكنايات مع النية عند الجمهور. والجمهور: أن الأبناء تابعون في العتق والعبودية للأم، حكاه ابن رشد وغيره.
(5)
أي ومن أعتق جزءا من رقيقه معينا أو مشاعا، غير سن وشعر ونحوه، سرى العتق إلى باقيه، فعتق كله، لما روي «من أعتق جزءا من مملوك فهو حر من ماله» قال ابن رشد: هذا متقق عليه. وفي موضع: جمهور علماء الحجاز والعراق، مالك، والشافعي، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وابن أبي ليلى، ومحمد بن الحسن، وأبو يوسف، يقولون: يعتق عليه كله؛ لما ثبتت به السنة في إعتاق نصيب الغير على الغير، لحرمة العتق، فأحرى أن يجب ذلك عليه في ملكه.
ومن أَعتق نصيبه من مشترك، سرى إِلي الباقي (1) إِن كان موسرا، مضمونًا بقيمته (2) ومن ملك ذا رحم محرم (3) عتق عليه بالملك (4) .
(1) أي ومن أعتق نصيبه من عبد مشترك، بينه وبين غيره، سرى العتق إلى الباقي.
(2)
أي إن كان المعتق موسرا، بقيمة باقيه يوم عتقه، مضمونا عليه بقيمته، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، لما في الصحيحين «من أعتق شركا له في عبد، وكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد» واختاره الشيخ: يعتق بدفعها، وأنه إن أعتق الشريك قبل الدفع صح عتقه، «وإلا فقد عتق عليه ما عتق» أي: وإن كان معسرا، فقد عتق عليه ما عتق واختار الشيخ وغيره: يستسعى في باقيه، للخبر.
وإذا أعتق عبيده في مرضه، ولا مال له غيرهم، ولم يجز الورثة جميع العتق، عتق الثلث بالقرعة، لحديث عمران، في الأعبد الستة، فإن المريض قصد تكميل الحرية في الجميع، ولكن منع لحق الورثة، فكان تكميلا في البعض موافقا لقصد المعتق، وقصد الشارع، والقياس، وأصول الشريعة، وكذا إذا أعتق عبدا من عبيده أقرع بينهم.
(3)
وهو الذي لو قدر أحدهما ذكرا والآخر أنثى، حرم نكاحه عليه للنسب، بخلاف ولد عمه، وخاله، ولو كان أخاه من الرضاع، فإنه لا يعتق عليه، ولو كان ذا الرحم مخالفا له في الدين.
(4)
لما رواه الخمسة مرفوعا «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» حسنه الترمذي؛ وقال: العمل عليه عند أهل العلم. وقال ابن رشد: جمهور العلماء على أنه يعتق عليه بالقرابة إلا داود. وإن ملك بغير الميراث سهما ممن يعتق عليه، وهو موسر بقيمة باقيه، عتق عليه كله، ويقوم عليه كاملا لا عتق فيه، اختاره الشيخ، وإن كان معسرا فلا. وإن ملك جزءا منه بالميراث، لم يعتق عليه إلا ما ملك، ولو كان موسرا، وأما المحارم من غير ذوي الأرحام، فقال الموفق: لا خلاف أنهم لا يعتقون.
ويصح معلقا بشرط فيعتق إِذا وجد (1)(ويصح تعليق العتق بموت وهو التدبير)(2) سمي بذلك لأَن الموت دبر الحياة (3)
(1) أي الشرط، كقدوم زيد، ورأس الحول، ونحوه، ولا يملك إبطاله، وعلى مال معلوم إذا أداه عتق. أو أن تخدم ولدي حتى يستغني، فاستغنى عن رضاع. أو أن تخدم زيدًا مدة حياتك عتق، ولخبر «المؤمنون على شروطهم» ولقصة سفينة: اشترطت عليه أم سلمة أن يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاش، ولأن منافعه لسيده، فإذا أعتقه واستثنى منافعه، فقد أخرج الرقبة، وبقيت المنفعة. وإذا أعتقه وله مال، فماله لسيده عند الجمهور.
(2)
أجمع العلماء على صحته في الجملة، وإنما يعتق إذا خرج من الثلث، قال الموفق: في قول أكثر أهل العلم لما في الصحيحين أن رجلا أعتق مملوكا له عن دبر، فاحتاج، فباعه صلى الله عليه وسلم ودفع ثمنه إليه.
(3)
ويقال: دابر يدابر إذا مات. وقال ابن عقيل: مشتق من إدباره من الدنيا، ويعتبر كونه ممن تصح وصيته. وصريحه، لفظ «عتق، وحرية» معلق بموته، ولفظ «تدبير» قال ابن رشد: أجمع المسلمون على جواز التدبير، وهو أن يقول السيد لعبده: أنت حر عن دبر مني؛ أو يطلق فيقول: أنت مدبر. وهذا عندهم، وهو لفظ التدبير باتفاق.
واتفقوا على أن الذي يقبل هذا العقد، هو كل عبد صحيح العبودية، ليس
يعتق على سيده، سواء ملكه كله أو بعضه، وأن من شروط المدبر، أن يكون مالكا تام الملك، غير محجور عليه، سواء كان صحيحا أو مريضا، وأن من شرطه أن لا يكون أحاط الدين بماله، لأنهم اتفقوا على أن الدين يبطل التدبير.
ولا يبطل بإِبطال ولا رجوع (1) ويصح وقف المدبر (2) وهبته، وبيعه، ورهنه (3) وإِن مات السيد قبل بيعه عتق إِن خرج من ثلثه (4) وإِلا فبقدره (5) .
(1) أي ولا يطل التدبير بإبطال، كقوله: إن دخلت الدار فأنت حر. ولا يبطل برجوع، لأنه تعليق للعتق بالموت، فلا يملك إبطاله، وينجز عتقه بالموت.
(2)
ويبطل به التدبير.
(3)
قال الجوزجانى: صحت أحاديث بيع المدبر باستقامة الطرق، ولأنه عتق بصفة، ويثبت بقول المعتق، فلم يمنع البيع، والوقف والهبة، ونحوهما كالبيع، وإن مات السيد وهو رهن عتق إن خرج من ثلث المال، وأخذ من تركته قيمته رهنا مكانه، وإن كان حالا وفي دينه، وإن عاد المدبر بعد بيعه، أو هبته ونحوه، عاد إليه التدبر.
(4)
أي إن خرج المدبر من ثلث مال المدبَِر، عند جمهور أهل العلم، أو أجاز الورثة.
(5)
أي وإلا عتق من المدبر بقدر الثلث، وهو قول جمهور العلماء.
وقالوا: ولد المدبرة الذي تلده بعد تدبير سيدها، من نكاح أو زنا، بمنزلتها، يعتق بعتقها، ويرق برقها، وأجمعوا على أنه إذا أعتقها سيدها في حياته، أنهم يعتقون بعتقها.