الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوصايا
(1)
جمع وصية (2) مأْخوذة من وصيت الشيءَ: إذا وصلته (3) . فالموصى وصل ما كان له في حياته بما بعد موته (4) واصطلاحا: الأمر بالتصرف بعد الموت (5) أَو التبرع بالمال بعده (6) .
(1) هي الأمر بالتصرف بعد الموت، يقال: وصى توصية، وأوصى إيصاء والاسم الوصية، والوصاية بفتح الواو وكسرها.
(2)
أي الوصايا جمع وصية، كالعطايا جمع عطية، والقضايا جمع قضية.
(3)
والشيء بالشيء اتصل.
(4)
من تبرع، وتوكيل على نحو صغير، وقضاء دين وغيره، والوصية لغة الأمر، قال تعالى (ووصي بها إبراهيم بنيه) وقال (ذلكم وصاكم به) وقول الخطيب: أوصيكم بتقوى الله.
(5)
كأن يوصي إلى إنسان بتزويج بناته، أو غسله أو الصلاة عليه، أو تفرقة ثلثه، أو غير ذلك.
(6)
أي أو الوصية: التبرع بالمال بعد الموت، بخلاف الهبة، وقال ابن رشد: الوصية بالجملة هي هبة الرجل ماله لشخص آخر، أو لأشخاص بعد موته، أو عتق غلامه، سواء صرح بلفظ الوصية أو لم يصرح به، وهذا العقد عند أهل العلم من العقود الجائزة. اهـ.
والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى (كتب عليكم إذ حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) .
وقال صلى الله عليه وسلم «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به، يبيت
ليلتين إلا ووصيته مكتوبة» وإذن الشارع بالتصرف عند الموت بثلث المال، من الألطاف الإلهية، والتكثير من الأعمال الصالحة. وفي الخبر:«إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم، عند وفاتكم، زيادة في حسناتكم» وأجمعوا على جوازها.
وتصح الوصية من البالغ الرشيد (1) ومن الصبي العاقل (2) والسفيه بالمال (3) ومن الأَخرس بإِشارة مفهومة (4) وإِن وجدت وصية إنسان بخطه الثابت ببينة أَو إِقرار ورثته صحت (5) ويستحب أَن يكتب وصيته، ويشهد عليها (6) .
(1) سواء كان عدلا أو فاسقا، رجلا أو امرأة، مسلما أو كافرا، ما لم يغرغر، وصوب في الفروع: ما دام عقله ثابتا، ومتى بلغت الروح الحلقوم لم تصح وصيته، ولا غيرها من تصرفاته، باتفاق الفقهاء.
(2)
أي للوصية، لأنها تصرف تمحض نفعا له، فصح كالصلاة، ولا تصح ممن له دون سبع، ومجنون، ومبرسم، ونحوهم، عند جماهير العلماء، وأجازها عمر لشخص له عشر سنين، ولم ينكر.
(3)
لأنها تمحضت نفعا له من غير ضرر، فصحت منه كعباداته.
(4)
لأن تعبيره إنما يحصل بذلك عرفا، فهي كاللفظ من قادر عليه، لا ممن لا تفهم إشارته، ولا ممن اعتقل لسانه بإشارة ولو فهمت، إذا لم يكن مأيوسا من نطقه، كقادر على الكلام.
(5)
وعمل بها؛ اختاره الشيخ وغيره، لقوله «إلا ووصيته مكتوبة» ولأنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه يكتبون إلى الأقطار وإلى عمالهم، ولأنها تنبئ عن المقصود كاللفظ.
(6)
أي ويستحب للإنسان أن يكتب وصيته لخبر «إلا ووصيته مكتوبة عنده»
ويستحب أن يشهد عليها قطعا للنزاع، ولأنه أحوط وأحفظ، ويعمل بها، ما لم يعلم رجوعه عنها، وإن تطاولت مدته، وفي بعض وصايا السلف: وإن حدث به حادث الموت.
وقال أنس: كانوا يكتبون في صدرو وصاياهم (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا ما أوصي به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصي من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله، إن كانوا مؤمنين
…
الخ، وفي وصية أبي الدرداء نحوه.
و (يسن لمن ترك خيرًا، وهو المال الكثير) عرفا (1)(أَن يوصي بالخمس)(2) .
(1) فلا يتقدر بشيء، لأنه لا نص في تقديره، ورجح الموفق: أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية، لقوله «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» . وقال الشعبي: ما من مال أعظم أجرًا من مال يتركه الرجل لولده، يغنيهم به عن الناس. وليست الوصية واجبة عند جمهور العلماء، لأن أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص.
وقال على لرجل: إنما تركت شيئًا يسيرًا، فدعه لورثتك. وإنما تجب على من عليه دين، أو عنده وديعة، أو عليه واجب، يوصي بالخروج منه، ومحله إذا كان عاجزًا عن تنجيزه، ولم يعلم بذلك غيره، ممن يثبت الحق بشهادته. ولا يندب أن يكتب الأشياء المحقرة، ولا ما جرت العادة بالخروج منه، والوفاء به عن قرب.
(2)
أي: يستحب له أن يوصي، لما تقدم. والأفضل بالخمس، فعن العلاء بن زياد، أنه سأل العلماء، فتتابعوا على الخمس. وقال الشعبي: الخمس أحب إليهم من الثلث.
روي عن أَبي بكر وعلي (1) وهو ظاهر قول السلف (2) قال أَبو بكر: رضيت بما رضى الله به لنفسه، يعنى في قوله تعالى:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ} (3) . (ولا تجوز) الوصية (بأَكثر من الثلث لأجنبى)(4) لمن له وارث (5) .
(1) فعن علي: لأن أوصي بالخمس، أحب إلى من أن أوصي بالربع. وقال الموفق: هو الأفضل للغنى.
(2)
وعلماء البصرة قاله الموفق.
(3)
فأوصي رضي الله عنه هو وعلى بالخمس.
(4)
والمراد غير وارث، والأولى أن لا يستوعب الثلث، لقوله «والثلث كثير» مع إخباره بكثرة ماله، وقلة عياله. وقال بعض السلف: لم يكن منا من يبلغ في وصيته الثلث، حتى ينقص منه شيئًا، للخبر. والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون، إذا كانوا فقراء، في قول جمهور العلماء.
وقال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء فيما علمت، إذا كانوا ذوى حاجة، لأن الله كتب الوصية للوالدين والأقربين، فخرج منه الوارثون، بقوله صلى الله عليه وسلم «لا وصية لوارث» وبقي سائر الأقارب على الوصية لهم، وأقله الاستحباب وقال تعالى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} ولأن الصدقة عليهم في الحياة أفضل، فكذلك بعد الموت. فإن أوصي لغيرهم وتركهم صحت، في قول أكثر أهل العلم، وإن لم يكن له قريب فقير، فلمسكين وعالم وديَّنٍ، ونحوهم.
(5)
لتعلق حق الورثة بما زاد على الثلث، سواء كان الإرث بفرض، أو تعصيب.
(ولا لوارث بشيء (1) إِلا بإِجازة الورثة لهما بعد الموت) (2) لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد (3) حين قال: أوصي بمالي كله؟ قال: «لا» قال: بالشطر؟ قال «لا» (4) قال: بالثلث؟ قال «الثلث والثلث كثير» متفق عليه (5) .
(1) نص عليه، وهو مذهب جمهور العلماء، سواء وجدت في صحة الموصي أو مرضه. وتحرم المضارة في الوصية، لقوله {غَيْرَ مُضَارٍّ} وفي الحديث «إن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضره الموت، فيضار في الوصية، فتجب له النار» وقال ابن عباس: الإضرار في الوصية من الكبائر.
(2)
وكذا قبله في مرض الموت، وقال الشيخ: لا تصح لوارث بغير رضى الورثة، ويدخل وارثه في الوصية العامة. اهـ. وإن لم يجز الورثة لأجنبي بأكثر من الثلث بطل، قال الموفق: في قول أكثر العلماء. وقال ابن المنذر وابن عبد البر: في الوصية للوارث: تبطل بإجماع أهل العلم.
(3)
يعنى ابن أبي وقاص رضي الله عنه.
(4)
وذلك أنه قال: يا رسول الله، أما ذو مال، ولا يرثنى إلا ابنة لي واحدة، قاله في حجة الوداع، ثم ولد له بعد ذلك، قيل أكثر من عشرة، ومن البنات اثنتا عشرة، والشطر النصف.
(5)
وصفه بالكثرة بالنسبة إلى ما دونه، وأن الأولى الاقتصار على ما دونه، كما قال ابن عباس: وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع في الوصية. وتقدم أن الأفضل الخمس، ويجوز بالثلث، لهذا الخبر، ولخبر الذي أعتق ستة أعبد عند موته، فأعتق صلى الله عليه وسلم اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولا شديدًا؛ فدل الحديثان أنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، لمن له وارث، وهو قول: جمهور العلماء. وحكاه بعضهم إجماعا.
وقوله عليه السلام: «لا وصية لوارث» رواه أَحمد وأَبو داود، والترمذي وحسنه (1) . وإن وصي لكل وارث بمعين بقدر إِرثه جاز (2) لأَن حق الوارث في القدر لا في العين (3) والوصية بالثلث فما دون لأَجنبي تلزم بلا إجازة (4) .
(1) وله شواهد، قال الحافظ: ولا يخلو، إسناد كل منها من مقال، لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا.
وقال الشيخ: اتفقت الأمة عليه؛ وذكر الشافعي أنه متواتر، فقال: وجدنا أهل الفتيا، ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي، من قريش وغيرهم، لا يختلفون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح:«لا وصية لوارث» ويأثرونه عمن لقوه من أهل العلم.
قال الحافظ: في هذا إجماع العلماء على مقتضاه. وأخرج البخاري عن ابن عباس موقوفا نحوه.
وقال الشيخ: ولما كان ما ذكره تعالى من تحريم تعدي الحدود، عقب ذكر الفرائض المحدودة، دل على أنه لا يجوز أن يزاد أحد من أهل الفرائض على ما قدر له، ودل على أنه لا تجوز الوصية لهم، وكان هذا ناسخا لما أمر به أولا، من الوصية للوالدين والأقربين.
(2)
كرجل خلف ابنا وبنتا، وعبدا قيمته مائة، وأمة قيمتها خمسون، فوصي للابن بالعبد، وللبنت بالأمة صحت.
(3)
كما لو عاوض بعض ورثته أو غيره، فإنه يصح بثمن المثل، سواء كان في الصحة أو المرض.
(4)
لخبر ستة الأعبد، حيث أعتق اثنين، وأرق أربعة، ولإجازته لسعد بالثلث وقال الوزير: أجمعوا على أنه إنما يسحب للموصي أن يوصي بدون الثلث، مع إجازتهم له، أي الثلث، عملا بإطلاق النصوص. وقال أيضا: أجمعوا على أن
الوصية بالثلث لغير وارث جائزة، وأنها لا تفتقر إلى إجازة الورثة، وعلى أن ما زاد على الثلث إذا أوصي به من ترك ابنين أو عصبة، أنه لا ينفذ إلا الثلث، وأن الباقي موقوف على إجازة الورثة، فإن أجازوه نفذ، وإن أبطلوه لم ينفذ، واتفقوا على أن لا وصية لوارث إلا أن يجيز ذلك الورثة.
وإِذا أَجاز الورثة ما زاد على الثلث (1) أَو لوارثٍ (فـ) ـأِنها (تصح تنفيذا)(2) لأَنها إِمضاء لقول المورث (3) بلفظ: أَجزت، أَو أَمضيت، أَو أَنفذت (4) . ولا تعتبر لها أَحكام الهبة (5) .
(1) فإنها تصح هذه الوصية المنهي عنها تنفيذًا.
(2)
قال الموفق: في قول الجمهور من أهل العلم، وقال بعض الأصحاب باطلة، إلا أن يعطوه عطية مبتدأة، وظاهر مذهب أحمد والشافعي: أن الوصية صحيحة في نفسها، لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح، والخبر قد روى فيه:
«إلا أن يجيز الورثة» وحسنه الحافظ، فيكفي: أجزت، ونحوه، وإلا كانت هبة مبتدأة.
(3)
وتنفيذ لما وصي به.
(4)
أي بلفظ: أجزت ما زاد على الثلث، أو ما للوارث، أو أمضيته، أو أنفذته. ونحو ذلك، كرضيت بما فعله؛ فإذا قال ذلك لزمت الوصية، لأن الحق لهم، فلزم بإجازتهم، كما يبطل بردهم، بالإجماع.
(5)
أي: ولا يعتبر للإجازة بما زاد على الثلث، أو ما لوارث أحكام الهبة ابتداء من وارث، فلا تفتقر إلى شروط الهبة، مما تتوقف عليه صحتها، ولا تثبت أحكامها فيما وقعت فيه الإجازة، فلا يرجع أب وارث من موص أجاز وصيته لابنه، ولا يحنث بها من حلف لا يهب، وتلزم بغير قبول وقبض، لأنها تنفيذ لا تبرع بالمال.
(وتكره وصية فقير) عرفا (1)(وارثه محتاج)(2) لأَنه عدل من أَقاربه المحاويج إلى الأَجانب (3)(وتجوز) الوصية (بالكل لمن لا وارث له)(4) روي عن ابن مسعود (5) لأَن المنع فيما زاد على الثلث لحق الورثة فإذا عدموا زال المانع (6) .
(1) وهو ما يتعارف بين الناس أنه فقير، فلا يتقدر بشيء.
(2)
لقوله صلى الله عليه وسلم «إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة، يتكففون الناس» وتقدم أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية.
(3)
وتقدم: أن إعطاء القريب المحتاج أفضل من إعطاء الأجانب؛ فتركه لهم كعطيتهم إياه، فيكون أفضل من الوصية به لغيرهم، ويختلف باختلاف حال الورثة، وكثرتهم وقلتهم، وغناهم وفقرهم.
(4)
لقوله «إنك أن تذر ورثتك أغنياء» الحديث، وهنا لا وارث له يتعلق حقه بماله.
(5)
قال الموفق: ثبت عن ابن مسعود، وبه قال عبيدة السلماني، ومسروق، وإسحاق، وأهل العراق.
(6)
ولأنه لم يتعلق به حق وارث، ولا غريم، أشبه الصحة، وقال ابن القيم: الصحيح أن له ذلك، لأنه إنما منعه الشارع فيما زاد على الثلث، إذا كان له ورثة، فمن لا وارث له لا يعترض عليه فيما صنع في ماله. اهـ. فلو وصى أحد الزوجين للآخر بكل ما له، فله كله، إرثا ووصية، إذا لم يكن وارث غيره. ولو رد أحدهما بطلت في قدر فرضه من ثلثيه، لأنهما لا يرد عليهما، والاعتبار بكون من وصى له وارثا - أولا - عند الموت.
(وإِن لم يف الثلث بالوصايا)(1) أَو لم تجز الورثة (فالنقص) على الجميع (بالقسط)(2) فيتحاصون، ولا فرق بين متقدمها ومتأَخرها (3) والعتق وغيره (4) لأَنهم تساووا في الأصل، وتفاوتوا في المقدار، فوجبت المحاصة، كمسائل العول (5)(وإِن أَوصي لوارث، فصار عند الموت غير وارث) كأَخ حجب بابن تجدد (صحت) الوصية (6) .
(1) تحاصوا في الثلث، فيدخل النقص على الجميع كل بقسطه.
(2)
أي أو لم تجز الورثة ما زاد على الثلث، أو لوارث، فالنقص على الجميع في الوصية، ولو كان وصية بعضهم عتقا، أو عطية معلقة بالموت، بالقسط كمسائل العول.
(3)
لأنها تبرع بعد الموت، فوجد دفعة واحدة.
(4)
أي سواء في ذلك، لا يقدم العتق على غيره. قال الوزير: إذا وهب ثم وهب، أو أعتق ثم أعتق في مرضه، وعجز الثلث، فقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد - في إحدى روايتيه: يتحاصان.
(5)
أي إذا زادت الفروض عن المال فلو وصي لواحد بثلث ماله، ولآخر بمائة، ولثالث بعبد قيمته خمسون، وبثلاثين لفداء أسير، ولعمارة مسجد بعشرين، وكان ثلث ماله مائة، وبلغ مجموع الوصايا ثلاثمائة، نسبت منها الثلث فهو ثلثها، فيعطى كل واحد ثلث وصيته.
(6)
وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وغيرهم. لأنه عند الموت ليس بوارث، أو أوصي لثلاثة إخوة متفرقين، ولم يولد له، لم تصح لغير الأخ من الأب أو ولد له بنت، صحت لغير الأخ من الأبوين.
اعتبارا بحال الموت (1) لأَنه الحال الذي يحصل به الانتقال إلى الوارث والموصي له (2)(والعكس بالعكس) فمن أَوصي لأَخيه مع وجود ابنه، فمات ابنه، بطلت الوصية إِن لم نجز باقي الورثة (3)(ويعتبر) لملك الموصي له المعين، الموصي به (القبول) بالقول (4) أَو ما قام مقامه كالهبة (5)(بعد الموت) لأَنه وقت ثبوت حقه (6) وهو على التراخي، فيصح (وإِن طال) الزمن بين القبول والموت (7)
(1) أي فالاعتبار بكون من وصي له وارثا أو لا عند الموت، قال الموفق: لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت.
(2)
فاعتبرت الوصية به، فلو وصي لأجنبية، وأوصت له، ثم تزوجها، لم تجز وصيتها، وإن أوصي أحدهما للآخر، ثم طلقها جازت، لأنه صار غير وارث.
(3)
لأن أخاه حال موته صار وارثا، فلم تصح الوصية، والعطية ملحقة بالوصية في ذلك.
(4)
بعد الموت، كقبلت، سواء كان واحدا كزيد، أو جمعا محصورا، كأولاد عمرو، لأنه تمليك مال فاعتبر قبوله بالقول، كالهبة.
(5)
أي ويحصل القبول بما قام مقام القول، من الأخذ، والفعل الدال على الرضا، كالهبة، والبيع ونحوهما.
(6)
فاشترط لثبوت الملك، قال الموفق: في قول جمهور الفقهاء، لأنها تمليك مال من هو لمن أهل الملك، متعين، فاعتبر قبوله.
(7)
أي: والقبول باللفظ، أو ما قام مقامه، على الفور والتراخي، قولاً واحدًا، فيصح. وإن طال الزمن بين قبول الموصي له وموت الموصي.
و (لا) يصح القبول (قبله) أي قبل الموت، لأنه لم يثبت له حق (1) وإن كانت الوصية لغير معين كالفقراء (2) أَو من لا يمكن حصرهم كبني تميم (3) أَو مصلحة مسجد ونحوه (4) أَو حج، لم تفتقر إلى قبول، ولزمت بمجرد الموت (5)(ويثبت الملك به) أي بالقبول (عقب الموت)(6) قدمه في الرعاية (7) والصحيح أَن الملك حين القبول كسائر العقود (8) .
(1) ولا يعتبر الرد قبل الموت، لأنه أيضا لم يثبت له حق، بل بعده تبطل بلا خلاف، لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله، وكذا إن لم يرد، ولم يقبل، حكم عليه بالرد، وبطل حقه من الوصية، وترجع للورثة، كأن الوصية لم تكن، وإن عين بالرد واحدا، لم يكن له ذلك، وكان لجميعهم، بخلاف ما لو قبل، فله أن يخص من شاء.
(2)
وكالمساكين، والعلماء، والغزاة، لم تفتقر إلى قبول.
(3)
وبني هاشم ونحوهم، ممن لا يمكن حصرهم، لم تفتقر إلى قبول.
(4)
أي أو كانت الوصية لغير معين، كمسجد، وقنطرة، ورباط، وثغر، لم يشترط القبول، وهذا مذهب مالك، والشافعي.
(5)
لأن اعتبار القبول منهم متعذر، فسقط اعتباره، كالوقف عليهم.
(6)
ذكره أبو الخطاب وجهًا، وهو ظاهر مذهب الشافعي.
(7)
وعبارة المقنع: ولا يثبت الملك للموصي له إلا بالقبول بعد الموت.
(8)
وكذا عبارة المنتهى وغيره قال الموفق: في الصحيح من المذهب، وهو قول مالك وأهل العراق، وروي عن الشافعي.
لأن القبول سبب، والحكم لا يتقدم سببه (1) فما حدث قبل القبول، من نماء منفصل، فهو للورثة (2) والمتصل يتبعها (3)(ومن قبلها) أي الوصية (ثم ردها)(4) ولو قبل القبض (لم يصح الرد)(5) لأَن ملكه قد استقر عليها بالقبول (6) إلا أَن يرضى الورثة بذلك (7) فتكون هبة منه لهم، تعتبر شروطها (8) .
(1) أي: لأن القبول سبب الملك، والحكم على الملك لا يتقدم سببه وهو القبول، فثبت الملك من حينه، ولأنه تملك عين لمعين، يفتقر إلى القبول، فلم يسبق الملك القبول، كسائر العقود.
(2)
أي ورثة الموصي، ككسب، وثمرة وولد، لملكهم العين حينئذ.
(3)
أي يتبع العين الموصي بها، كسمن، وتعلم صنعة، كسائر العقود والفسوخ.
(4)
بعد القبض، لم يصح الرد قولاً واحدا.
(5)
ولو في مكيل وموزون، والوجه الثاني يصح الرد؛ قدمه في المغني، لأنه لا يستقر ملكهم عليه قبل قبضه، ولأنهم لما ملكوا الرد من غير قبول، ملكوا الرد من غير قبض، وغير المكيل والموزون لا يصح الرد، لأن ملكهم قد استقر عليه، فهو كالمقبوض.
(6)
فحصل الملك به ولو من غير قبض، فلم يملك رده كسائر أملاكه، ومشى عليه في الإقناع، والمنتهي، وغيرهما.
(7)
أي برد الموصي له الوصية.
(8)
من اعتبار إيجاب وقبول، ولزوم بالقبض، وغير ذلك مما تقدم.
(ويجوز الرجوع في الوصية)(1) لقول عمر: يغير الرجل ما شاءَ في وصيته (2) فإذا قال: رجعت في وصيتى؛ أَو أَبطلتها، ونحوه بطلت (3) وكذا إن وجد منه ما يدل على الرجوع (4) (وإن قال) الموصي:(إن قدم زيد فله ما وصيت به لعمرو فقدم) زيد (في حياته) أي حياة الموصي (فله) أي فالوصية لزيد (5) لرجوعه عن الأَول، وصرفه إلى الثاني، معلقا بشرط وقد وجد (6) .
(1) باتفاق أهل العلم، فيما وصي به، وفي بعضه، إلا العتق والأكثر على جواز الرجوع فيه، حكاه الموفق وغيره.
(2)
وهو قول عطاء، وجابر، ومالك، والشافعي، وغيرهم، ولأنها عطية تنجز بالموت، فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها.
(3)
كرددتها، أو غيرتها، أو فسختها، لأنه صريح في الجوع، وإن قال في الموصي به: هو لورثتى أو في ميراثي؛ فرجوع، أو: ما وصيت به لفلان فلفلان؛ قال الموفق: لا نعلم فيه مخالفا، لأنه صرح بالجوع عن الأول.
(4)
كالبيع، أو العرض على البيع، أو الهبة، أو الرهن، وكذا لو غزل القطن ونحوه، أو أحبل الجارية، لا إن آجرها، أو زرعها، أو خلطه بما يتميز منه، ونحو ذلك.
(5)
إن قبلها، عاد زيد إلى الغيبة أو لم يعد، لوجود الشرط.
(6)
أي الشرط فاستحقه قال في الإنصاف بلا نزع.
(و) إِن قدم زيد (بعدها) أي بعد حياة الموصي فالوصية (لعمرو)(1) لأَنه لما مات قبل قدومه استقرت له (2) لعدم الشرط في زيد (3) لأَن قدومه إنما كان بعد ملك الأَول، وانقطاع حق الموصي منه (4)(ويخرج) وصى فوارث فحاكم (الواجب كله من دين وحج (5) وغيره) كزكاة، ونذر، وكفارة (من كل ماله بعد موته، وإِن لم يوص به)(6) لقوله تعالى (من بعد وصية يوصي بها أَو دين)(7) .
(1) دون زيد، لانقطاع حقه من الوصية بموت الموصي قبل قدومه، وانتقالها لعمرو.
(2)
أي لعمرو، لثبوته له بالموت والقبول.
(3)
وهو قدومه في حياة الموصي. وإن قال: ثلثي لزيد، وإن رد الوصية فلعمرو، فردها زيد فلعمرو.
(4)
ولم يؤثر وجود الشرط بعد ذلك، كمن علق طلاقا أو عتقا بشرط، فلم يوجد إلا بعد موته.
(5)
من كل ماله بعد موته، والمراد بحج متوفرة شروطه، كأمن طريق ونحوه، كما تقدم.
(6)
سواء كان لله أو لآدمي، لأن حق الورثة بعد أداء الدين بلا نزاع.
(7)
فالإرث مؤخر عنهما إجماعا. والحكمة في تقديم ذكر الوصية: أنها لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض، فكان في إخراجها مشقة على الوارث، فقدمت حثا على إخراجها، وجيء بكلمة «أو» التي للتسوية، فيستويان في الاهتمام وإن كان مقدما عليها.
ولقول علي: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية رواه الترمذي (1)(فإن قال: أَدوا الواجب من ثلثى (2) بدئ به) أي بالوجب (3)(فإن بقي منه) أي من اللث (شيء، أَخذه صاحب التبرع)(4) لتعيين الموصي (5) .
(1) ورواه أحمد وغيره، دل على تقديم الدين على الوصية، وفي الصحيح «اقضوا الله فالله أحق بالوفاء» فإن وصي معه بتبرع، اعتبر الثلث من الباقي بعد أداء الواجب.
(2)
أي فإن قال من عليه واجب: أدوا الواجب من ثلثي. أخرج من الثلث، وكأنه قصد إرفاق ورثته لذلك، وإن وصي بتبرع وقال: أدوا الواجب من ثلث مالي.
(3)
من ثلث المال، وإن قرن به التبرع مثل أن يقول: حجوا عني، وأدوا ديني، وتصدقوا عني، فصحح الموفق وغيره: أن الواجب من رأس المال.
(4)
لأن الدين تجب البداءة به قبل الميراث والتبرع، فإذا عينه في الثلث وجبت البداءة به، وما فضل للتبرع.
(5)
فأخرج له ما بقي، عملا بوصيته.
(وإِلا) يفضل شيء (1)(سقط) التبرع، لأَنه لم يوص له بشيء (2) إلا أَن يجيز الورثة (3) فيعطى ما أَوصي له به (4) وإِن بقي من الواجب شيء (5) تمم من رأْس المال (6) .
(1) أي من الثلث لصاحب التبرع، بعد إخراج الواجب منه.
(2)
حيث لم يبق له بعد الواجب شيء.
(3)
أي إلا أن يجيز الورثة التبرع الموصي به.
(4)
كما تقدم من إجازة الورثة فيما زاد على الثلث، أو لوارث.
(5)
لم يف به ثلث المال الموصي به.
(6)
كما لو لم يوص به، والواجب لا يتقيد بالثلث.