الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشروط والعيوب في النكاح
(1)
والمعتبر من الشروط ما كان في صلب العقد (2) أو اتفقا عليه قبله (3) وهي قسمان: صحيح (4) وإليه أشار بقوله (إذا شرطت طلاق ضرتها (5) .
(1) أي ما يشترطه أحد الزوجين في العقد على الآخر مما له فيه غرض؛ وما يثبت به الخيار من العيوب، وما لا يثبت به.
(2)
أي والصحيح – اللازم ثبوت الخيار عند عدمه – ما كان حالة العقد، كزوجتك بنتي بشرط كذا، ويقبل، وعلم منه أن الشروط إنما تلزم في النكاح الذي وجدت في عقده.
(3)
أي أو اتفق الزوجان على الشرط قبل العقد، قاله الشيخ وغيره، وذكر أنه جواب أحمد في الحيل، وأنه ظاهر المذهب، وقول قدماء الأصحاب المحققين من المتأخرين، وصوبه في الإنصاف، وقطع به في المنتهى وغيره، ولا يلزم بعد العقد، ولزومه لفوات محله، وقال ابن رجب: يتوجه صحة الشرط، لاسيما والنكاح تصح الزيادة فيه في المهر بعد عقده.
(4)
أي الشروط في النكاح قسمان: صحيح. وهو نوعان: أحدهما ما يقتضيه العقد، كتسليم الزوجة إليه، وتمكينه من الاستمتاع بها، ونحو ذلك، مما هو من مقتضى العقد، والثاني ما تنتفع به المرأة، مما لا ينافي العقد.
(5)
قال أبو الخطاب: هو صحيح، لأنه شرط لا ينافي العقد، ولها فيه فائدة، واختار الموفق وغيره بطلان الشرط، لما في الصحيح: نهى صلى الله عليه وسلم
أن تشترط طلاق أختها، لتكفأ ما في صحفتها. وصححه الناظم، وابن رزين، قال الموفق: ولم أره لغير أبي الخطاب، قال في تصحيح الفروع، والإنصاف: هو الصحيح من المذهب للخبر، والنهي يقتضي الفساد، ولأنها شرطت عليه فسخ عقده، وإبطال حقه، وحق امرأته، فلم يصح، ولعله فيما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك، لنحو ريبة، أو على سبيل النصيحة المحضة، أو لضرر، أو غير ذلك من المقاصد المسوغة لطلبها ذلك.
أو أن لا يتسرى (1) أو أن لا يتزوج عليها (2) أو) أن (لا يخرجها من دارها أو بلدها)(3) .
(1) أي عليها، فيصح الشرط، فإن وفى وإلا فلها الفسخ، لحديث «إن أحق ما وفيتم به من الشروط، ما استحللتم به الفروج» وهو قول عمر، وغيره من الصحابة، ولا يعلم لهم مخالف في عصرهم.
(2)
قال الشيخ: فإن تزوج عليها فلها فراقه.
وقال بعضهم: إذا أراد أن يتزوج عليها أو يتسرى، وقد شرط لها عدم ذلك، فقد يفهم من إطلاقهم جوازه بدون إذنها، لكونهم إنما ذكروا أن لها الفسخ، ولم يتعرضوا لمنعه.
وقال الشيخ: وما أظنهم قصدوا ذلك، وظاهر الأثر والقياس يقتضي منعه، كسائر الشروط الصحيحة، اهـ. وإذا فعل ذلك ثم قبل أن تفسخ طلق، فقياس المذهب أنها لا تملك الفسخ.
(3)
أو أن لا يسافر بها، قال الشيخ: لو خدعها فسافر بها، ثم كرهته، لم يكن له أن يكرهها بعد ذلك، وهذا ما لم تسقط حقها، وإن شرطت أن يسافر بها إذا أرادت انتقالا لم يصح، كما لو شرطت عليه أن تستدعيه إلى النكاح وقت حاجتها إليه.
أو أن لا يفرق بينها وبين أولادها أو أبويها (1) أو أن ترضع ولدها الصغير (2)(أو شرطت نقدًا معينًا) تأْخذ منه مهرها (3)(أو) شرطت (زيادة في مهرها، صح) الشرط (4) وكان لازمًا (5) فليس للزوج فكه بدون إبانتها (6) ويسن وفاؤه به (7)
(1) فإن خالفه فلها الفسخ.
(2)
صح الشرط، وكذا لو شرطت نفقته وكسوته مدة معينة، وقال الشيخ: لو شرطت مقام ولدها عندها، ونفقته على الزوج، كان مثل اشتراط الزيادة في الصداق، ويرجع إلى العرف، كالأجير بطعامه وكسوته.
(3)
صح الشرط.
(4)
وكذا لو شرطت زيادة في النفقة الواجبة، فقياس المذهب وجوب الزيادة وكذا لو شرطت زيادة على المنفعة التي يستحقها بمطلق العقد، مثل أن تشترط أن لا يترك الوطء إلا شهرا، أو أن لا يسافر عنها أكثر من شهر، وقال القاضي وغيره: يلزم الزوج الوفاء به، لأنها شرطت عليه شيئًا لا يمنع المقصود من عقد النكاح ولها فيه منفعة.
(5)
بمعنى أنه يثبت لها الخيار بعدمه.
(6)
أي الزوجة، فإن بانت منه انفكت الشروط، فلو تزوجها ثانيًا لم تعد الشروط، لأن زوال العقد زوال لما هو مرتبط به.
(7)
تقدم قول الشيخ: إن ظاهر الأثر والقياس منعه، كسائر الشروط الصحيحة. وقال ابن القيم: يجب الوفاء بهذه الشروط، التي هي أحق أن يوفى بها، وهو مقتضى الشرع، والعقل، والقياس الصحيح، فإن المرأة. لم ترض ببذل بضعها للزوج إلا على هذا الشرط، ولو لم يجب الوفاء به لم يكن العقد عن تراض، وكان إلزامًا لها بما لم تلتزمه، وبما لم يلزمها الله به ورسوله.
(فإن خالفه فلها الفسخ) على التراخي (1) لقول عمر – للذي قضى عليه بلزوم الشرط حين قال: إذًا يطلقننا (2) -: مقاطع الحقوق عند الشروط (3) وإن شرط أن لا يخرجها من منزل أبويها (4) فمات أحدهما بطل الشرط (5) .
(1) لأنه لدفع ضرر، ما لم يوجد منها ما يدل على الرضى، من قول، أو تمكين منها، مع العلم بفعله ما شرطت أن لا يفعله، فإن فعل ثم طلق قبل فسخها لم تملك الفسخ.
(2)
وذلك في الرجل الذي شرطت عليه دارها، ثم أراد نقلها، فقال عمر رضي الله عنه: لها شرطها.
(3)
ولخبر «المؤمنون على شروطهم» وغيره، وتقدم أنه قول عمر، وغيره من الصحابة، ولا يعلم لهم مخالف، وقال ابن القيم – في قصة ابنة أبي جهل – يؤخذ منها أن المشروط عرفًا كالمشروط لفظًا، وأنه يملك به الفسخ، فقوم لا يخرجون نساءهم من ديارهم عرفا وعادة، أو امرأة من بيت قد جرت عادتهم أن الرجل لا يتزوج على نسائهم، أو يمنعون الأزواج منه، أو يعلم عادة أن المرأة لا تمكن من إدخال الضرة عليها، كان ذلك كالمشروط لفظًا، وهذا عرف مطرد. إلى آخر كلامه، رحمه الله.
(4)
فتعذر، بخراب أو غيره، سكن بها حيث شاء، فإن عمر أو صلح عادت الصفة.
(5)
لأن المنزل صار لأحدهما، بعد أن كان لهما، فاستحال إخراجها من منزل أبويها، فبطل الشرط، وقال الشيخ: الظاهر أن الشرط يبطل، ويحتمل أن لا يخرجها من منزل أمها إلا أن تتزوج الأم، وقال – فيمن شرط لامرأته أن يسكنها بمنزل أبيه، فسكنت ثم طلبت النقلة عنه، وهو عاجز – لا يلزمه ما عجز عنه، بل لو كان قادرًا فليس لها عند مالك، وأحد القولين في مذهب أحمد وغيرهما غير ما شرط لها.
وقال: لو شرطت نوعًا من السكنى، أو عينًا غير دارها، كالأمصار دون القرى، أو ببلد يغلب على أهله الخير، أو دارًا فيها ماء، أو الدار الفلانية. وذكر نحوًا من ذلك، ثم قال: فينبغي أنه يجب الوفاء بهذا الشرط.
القسم الثاني: فاسد (1) وهو أنواع (2) أحدها: نكاح الشغار (3) وقد ذكره بقوله (وإذا زوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته (4) ففعلا) أي زوج كل منهما الآخر وليته (ولا مهر) بينهما (بطل النكاحان)(5) .
(1) أي القسم الثاني – من الشروط في النكاح – فاسد، وهو نوعان: نوع منهما يبطل النكاح من أصله، ونوع يبطل الشرط وحده، وأفرده بفصل.
(2)
أي ثلاثة، نكاح الشغار، ونكاح المحلل، ونكاح المتعة.
(3)
بكسر الشين، سمي شغارًا لخلوه عن العوض، ومنه قولهم: شغر المكان. إذا خلا، وقيل: من شغر الكلب. إذا رفع رجله يبول، شبه قبحه بقبح بول الكلب، واستظهرها الشيخ، وفسره أحمد بأنه فرج بفرج، وكما لا تورث، ولا توهب، فلأن لا تعاوض ببضع أولى، وأجمعوا على تحريمه.
(4)
أي أن يزوج رجل رجلاً بنته، أو أخته، ونحوهما، على أن يزوجه الآخر بنته، أو أخته.
(5)
سواء سكتا عنه، أو شرطا نفيه، قال ابن رشد: اتفقوا على أن صفته
هو أن ينكح الرجل وليته رجلاً آخر، على أن ينكحه الآخر وليته، ولا صداق بينهما، إلا بضع هذه ببضع الأخرى، واتفقوا على أنه نكاح غير جائز، لثبوت النهي عنه.
لحديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته، على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق» متفق عليه (1) .
(1) ولمسلم عنه «لا شغار في الإسلام» وللترمذي – وصححه – عن عمران بن حصين نحوه، وأحمد من حديث أبي هريرة، وله أن العباس بن عبد الله أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، فكتب معاوية إلى مروان، ففرق بينهما، وقال معاوية: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والتحريم ليس مختصا بالبنات، فقد أجمع العلماء على أن غير البنات من الأخوات، وبنات الأخ، وغيرهن، كالبنات، كما حكاه النووي وغيره.
قال الشيخ: وعلته إشغاره عن المهر، فلما اشترطا إشغار النكاحين عن المهر بطلا، وذكر الأخبار وأقوال الناس، ثم قال: وفصل الخطاب أن الله حرم نكاح الشغار، لأن الولي يجب عليه أن يزوج موليته إذا خطبها كفؤ، ونظره لها نظر مصلحة، لا نظر شهوة، والصداق حق لها لا له، وليس للولي ولا للأب أن يزوجها إلا لمصلحتها، وليس له أن يزوجها لغرضه، لا لمصحتها، وبمثل هذا تسقط ولايته، ومتى كان غرضه أن يعاوض فرجها بفرج الأخرى لم ينظر في مصلحتها، وصار كمن زوجها على مال له، وكلاهما لا يجوز.
وعلى هذا فلو سمى صداقًا حيلة، والمقصود المشاغرة لم يجز، كما نص عليه أحمد، لأن مقصوده أن يزوجها بتزوجه بالأخرى، والشرع بين أنه لا يقع هذا
إلا لغرض الولي، لا لمصلحة المرأة، سواء سمي مع ذلك صداق أو لم يسم، كما قاله معاوية وغيره، وأحمد جوزه مع الصداق المقصود دون الحيلة، مراعاة لمصلحة المرأة في الصداق، وقد يصدق صداق المثل، لكن الولي إنما رغب في الخاطب لغرضه لا لمصلحتها، وقد يكون هناك خاطب أصلح منه.
قال: والظاهر أن هذا وإن لم يسم شغارا فهو في معناه، من جهة أن الولي زوجها لغرض يصلح له من الزوج، كما يحصل له إذا زوجه موليته، وذكر أن لها حقين، حقا في مال الزوج وهو الصداق، فإذا أسقط هذا بالشغار صار حراما باطلا، وحقا في بدن الزوج، وهو كفاءته، فلو زوجها الولي بغير كفء لغرض له لم يجز ذلك، وإن أذنت له، لجهلها بحقيقة الأمر، فوجود هذا الإذن كعدمه، ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر، فصار فساده أنه وقفه على شرط فاسد، ولأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج، فإنه جعل تزويجه إياها مهرا للأخرى، فكأنه ملكه إياها بشرط انتزاعها منه.
وكذا لو جعلا بضع كل واحدة مع دراهم معلومة مهرا للأُخرى (1)(فإن سمي لهما) أي لكل واحدة منهما (مهر) مستقل (2) غير قليل بلا حيلة (صح) النكاحان (3) .
(1) فلا يصح، لما تقدم.
(2)
بأن لم يذكر معه البضع، فإن جعل المسمى دراهم وبضع الأخرى لم يصح.
(3)
يحتمل أن يفسر القليل بالنقص عن مهر المثل، لهذا الشرط، ويحتمل أن يفسر بأن يكون العوض المقصود هو الفرج الآخر، ويظهر ذلك بأن يكون الصداق لا يزوج به لمثل هذا الرجل قط، لولا ابنته معه، وظاهره: إن كان كثيرًا
صح ولو حيلة؛ وعبارة المنتهى كالتنقيح تقتضي فساده، لبطلان الحيل، وإن كان قليلا، ولم يكن حيلة صح، كما هو ظاهر الإقناع وغيره، وعبارة الفروع: غير قليل حيلة به.
ولو كان المسمى دون مهر المثل (1) وإن سمي لإحداهما دون الأُخرى، صح نكاح من سمي لها فقط (2) والثاني: نكاح المحلل (3) وإليه أشار بقوله: (وإن تزوجها بشرط أنه متى حللها للأول طلقها (4) أو نواه) أي التحليل (بلا شرط) يذكر في العقد (5) .
(1) وإن كان قليلا حيلة لم يصح.
(2)
لأن فيه تسمية وشرطا، أشبه ما لو سمي لكل واحدة منهن مهر بلا حيلة وإن قال: زوجتك جاريتي هذه، على أن تزوجني ابنتك، وتكون رقبتها صداقا لابنتك؛ لم يصح تزويج الجارية، في قياس المذهب، وإذا زوجه ابنته، على أن يجعل رقبة الجارية صداقا لها صح، لأن الجارية تصلح أن تكون صداقا.
(3)
أي النوع الثاني – من الثلاثة أشياء التي يبطل بها النكاح – نكاح المحلل سمي محللا لقصده الحل، في موضع لا يحصل فيه الحل.
(4)
أي متى حلل المطلقة ثلاثا للزوج الأول طلقها الثاني، بطل النكاح الثاني، قال الموفق: نكاح المحلل باطل حرام، في قول عامة أهل العلم، منهم مالك، والشافعي، سواء قال: زوجتكها إلى أن تطأها. أو أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما. وقال الشيخ: أجمعوا على تحريم نكاح المحلل، واتفق أئمة الفتوى على أنه إذا شرط التحليل في العقد كان باطلا.
(5)
بطل النكاح، وهو قول مالك، وأكثر العلماء، وقال الموفق: هو قول
من سمينا من الصحابة، ولا مخالف لهم، فكان إجماعا، ولأنه قصد به التحليل، فلم يصح، كما لو شرطه، وقال الشيخ: لا يصح نكاح المحلل، ونية ذلك كشرطه وقال: لا يحصل بالتحليل الإحصان، ولا الإباحة للزوج الأول، ويلحق فيه النسب، ومن عزم على تزويجه بالمطلقة ثلاثا، ووعدها، كان أشد تحريما من التصريح بخطبة المعتدة إجماعا، لا سيما إذا أنفق عليها، وأعطاها ما تحلل به.
أو اتفقا عليه قبله ولم يرجع، بطل النكاح (1) لقوله عليه السلام «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال «هو المحلل، لعن الله المحلل، والمحلل له» رواه ابن ماجه (2) .
(1) أي اتفق الزوجان على أنه نكاح محلل قبل العقد، ولم يذكر في العقد، ولم يرجع الثاني، بطل النكاح، وقال الشيخ: إن اتفقا عليه قبل العقد، ولم يرجع عن نيته، بطل النكاح، ولو لم يذكر في العقد لم يصح العقد؛ وقال: الصحابة، والتابعون، وأئمة الفتوى، لا فرق عندهم بين الشرط المتقدم والعرف، وهو قول أهل المدينة، وأهل الحديث. اهـ. فإن رجع عن نيته، ونوى حال العقد أنه نكاح رغبة صح، لخلوه عن نية التحليل.
(2)
ورواه الحاكم وغيره، وكلهم من حديث عقبة، وللخمسة من حديث ابن مسعود: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل، والمحلل له. وصححه الترمذي وغيره، وقال: العمل عليه عند أهل العلم، منهم عمر، وعثمان، وابن عمر، وهو قول الفقهاء من التابعين، فدل الحديث وغيره: على تحريم التحليل، لأنه لا يكون اللعن إلا على فاعل المحرم، وكل محرم منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد.
ورجح الخلوتي: أن المرأة ووليها، وولي الزوج، كالزوج نية واشتراطا، ووكيل كموكل، وهو ظاهر قول المنقح، وترجيحهم عدم الإحلال في مسألة لم يوجد فيها نية، ولا شرط من الزوج، لكن قال ابن القيم وغيره: إنما تؤثر نيته وشرط الزوج، ولا أثر لنية الزوجة ولا الولي، وإنما التأثير لنية الزوج الثاني، فإنه إذا نوى التحليل كان محللا، فيستحق اللعنة، ويستحق الزوج المطلق اللعنة إذا رجعت إليه بهذا النكاح الباطل، فأما إذا لم يعلم الزوج الثاني ولا الأول، بما في قلب المرأة أو وليها من التحليل، لم يضر ذلك العقد شيئًا، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم من امرأة رفاعة: أنها كانت تريد أن ترجع إليه، ولم يجعل ذلك مانعا من رجوعها إليه، وإنما جعل المانع عدم وطء الثاني، فقال «حتى تذوق عسيلته» .
وإذا ادعى الزوج الثاني: أنه نوى التحليل أو الاستمتاع، فينبغي أن لا يقبل منه في بطلان نكاح المرأة، إلا أن تصدقه، أو تقوم بينة إقرار على التواطيء قبل العقد، ولا ينبغي أن يقبل على الزوج الأول، فتحل في الظاهر بهذا النكاح، إلا أن يصدق على إفساده، أو أن الثاني ممن يعرف بالتحليل، فإن غلب على ظن الأول صدق الزوج الثاني، حرمت عليه فيما بينه وبين الله، ومن المكر والحيل، واتخاذ آيات الله هزوا، من إذا طلق ثلاثا قدح في صحة النكاح، وهو من الكبائر، وأكبر المحرمات، وقد كان صحيحًا لما كان مقيما معها.
(أو قال) ولي (زوجتك إذا جاء رأس الشهر (1) أو إن رضيت أمها) أو نحوه (2) .
(1) لم ينعقد النكاح، لتعليقه في ابتدائه على شرط مستقبل غير مشيئة الله.
(2)
كإن رضي فلان. أو: أن لا يكره فلان. أو إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها.
مما علق فيه النكاح على شرط مستقبل (1) فلا ينعقد النكاح (2) غيره: زوجت أو قبلت إن شاء الله. فيصح (3) كقوله: زوجتكها إذا كانت بنتي (4) أو إن انقضت عدتها (5) وهما يعلمان ذلك (6) أو إن شئت، فقال: شئت وقبلت. ونحوه، فإنه صحيح (7) (أو) قال ولي: زوجتك و (إذا جاء غد)(8)
(1) أي علق النكاح في ابتداء العقد على شرط مستقبل غير مشيئة الله، أو شرط ماض أو حاضر.
(2)
لأنه عقد معاوضة كالبيع، فلم يصح تعليقه على شرط، وعنه: يصح. قال الشيخ: والأنص من كلامه جوازه، وقال ابن رجب: رواية الصحة أقوى. وقال في الإنصاف: وهو المختار. لأنه يصح في الجهل بالعوض، فلم يبطل بالشرط الفاسد كالعتق، ويبطل الشرط.
(3)
أي غير: زوجت إن شاء الله، أو: قبلت إن شاء الله. فيصح قولا واحدا.
(4)
أو كنت وليها. صح النكاح.
(5)
صح، والتعليق في الثلاث الصور ونحوها على شرط ماض.
(6)
أي والعاقدان يعلمان أنها بنته، وأنه وليها، وأنها انقضت عدتها.
(7)
أي أو: إن شئت زوجتكها. فقال: شئت وقبلت النكاح. ونحو ذلك مما هو على شرط حاضر، فإن العقد صحيح، لأنه ليس بتعليق حقيقة، بل توكيد وتقوية.
(8)
أي فطلقها، بطل النكاح.
أو وقت كذا (فطلقها (1) أو وقته بمدة) (2) بأن قال: زوجتكها شهرا، أو سنة (3) أو يتزوج الغريب بنية طلاقها إذا رجع (4)(بطل الكل)(5) وهذا النوع هو نكاح المتعة (6) قال سبرة «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة (7) .
(1) أي أو شرط الولي على الزوج: إذا جاء وقت كذا فطلقها. ولو مدة مجهولة فكالمتعة.
(2)
أي أو وقت نكاحها بمدة معلومة أو مجهولة، وهو نكاح المتعة المنهي عنه.
(3)
أو إلى انقضاء الموسم، أو قدوم الحاج، أو يقول: أمتعيني نفسك، أو نوى بقلبه فكالشرط.
(4)
أي إلى وطنه، قال أحمد: هو شبيه بالمتعة؛ لا، حتى يتزوجها على أنها امرأته ما حييت، وقال أبو محمد: صحيح لا بأس به، وقال الشيخ: لم أر أحدا من أصحابنا ذكر أنه لا بأس به تصريحا، إلا أبا محمد، وأما القاضي فسوى بين نية طلاقها في وقت بعينه، وبين نية التحليل، وكذا الجد وأصحاب الخلاف.
(5)
أي فيما ذكر الماتن، والشارح.
(6)
أي وهذا النوع من أنواع الشروط الفاسدة في النكاح هو نكاح المتعة، يعني في الجملة، لأن منه ما هو شبيه بها كما بين، وسميت بذلك لأنه يتزوجها ليتمتع بها إلى أمد، قال الوزير: أجمعوا على أن نكاح المتعة باطل، لا خلاف بينهم في ذلك.
(7)
سنة ثمان من الهجرة، وفي رواية: أقمنا بها خمسة عشر، فأذن لنا
في متعة النساء؛ وسبرة -هو ابن معبد- بن عوسجة الجهني، صحابي، نزل المدينة، وشهد الخندق وما بعدها، وتوفي في خلافة معاوية رضي الله عنهما.
ثم لم نخرج حتى نهانا عنها» رواه مسلم (1) .
(1) وفي رواية: قال يوم فتح مكة «أيها الناس إني أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة» قال الحافظ: ولا يصح من روايات الإذن في المتعة بغير علة إلا في غزوة الفتح، وحرمت فيه، قال: والإذن الواقع منه منسوخ بالنهي المؤبد.
وقال الشيخ: الروايات المستفيضة المتواترة، متواطئة على أن الله تعالى حرم المتعة بعد إحلالها، والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل، وأنها لما حرمت عام فتح مكة لم تحل بعد ذلك، ولم تحرم عام خيبر، وذكر ابن القيم أن النهي لم يقع عام خيبر، قال القرطبي: الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل، وأنه حرم، ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها، إلا من لا يلتفت إليه من الروافض.
فصل (1)
(وإن شرط أن لا مهر لها (2) أو) أن (لا نفقة) لها (3)(أو) شرط (أن يقسم لها أقل من ضرتها، أو أكثر) منها (4) . (أو شرط فيه) أي في النكاح (خيارا (5)
(1) أي في النوع الثاني من الشروط الفاسدة، ويصح معها النكاح.
(2)
بطل الشرط، وصح العقد، واختار الشيخ فساد العقد، وأنه قول أكثر السلف.
(3)
بطل الشرط، وقال الشيخ: يحتمل صحة شرط عدم النفقة، لا سيما إذا قلنا: إنه إذا أعسر، ورضيت به، أنها لا تملك المطالبة به بعد، وفي الاختيارات لو شرطت زيادة في النفقة الواجبة، فقياس المذهب وجوب الوفاء به.
(4)
أو أن يشرطا عدم وطء، أو أن يشترطه أحدهما بطل الشرط، واختار الشيخ الصحة كشرطه ترك ما تستحقه، أو أن يشرط عزله عنها، أو أن لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل، أو أن تنفق عليه، أو إن فارق رجع بما أنفق، ونحو ذلك، بطل الشرط، وصح العقد.
(5)
كزوجتك بشرط الخيار أبدا، أو مدة ولو مجهولة بطل الشرط، وصح العقد، وعنه: أن الشرط والعقد جائزان، لقوله «المسلمون على شروطهم» واختار الشيخ صحة شرط الخيار، وقال: إن بطل الشرط لم يلزم العقد بدونه، فإن الأصل في الشروط الوفاء بها، وشرط الخيار له مقصود صحيح.
أو) شرط (إن جاء بالمهر في وقت كذا، وإلا فلا نكاح بينهما)(1) أو شرطت أن يسافر بها (2) أو أن تستدعيه لوطء عند إرادتها (3) أو أن لا تسلم نفسها إلى مدة كذا ونحوه (4)(بطل الشرط)(5) لمنافاته مقتضى العقد (6) وتضمنه إسقاط حق يجب به قبل انعقاده (7)(وصح النكاح)(8) لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد، لا يشترط ذكره، ولا يضر الجهل به فيه (9) .
(1) بطل الشرط، وقيل: يصح، وقطع في المغني والشرح بصحة النكاح، وصوبه في الإنصاف، وعنه: يبطل العقد، في ذلك كله، وهو قول الشافعي، ونحوه عن مالك.
(2)
أو يسكن بها حيث شاءت، أو شاء أبوها أو غيره.
(3)
أو وقت حاجتها، وقال الشيخ: قياس المذهب صحته.
(4)
كإنفاقه عليها كل يوم عشرة دراهم مثلا، وكذا لو شرطت عليه أن تنفق عليه، أو تعطيه شيئا ونحوه.
(5)
في هذه الصور كلها، وتقدم قول الشيخ: إن قياس المذهب صحة بعض ما تقدم، ويقاس عليه ما هو مثله.
(6)
أي لأن الشرط ينافي مقتضى العقد، فبطل.
(7)
فلم يصح، كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع.
(8)
عند الجمهور.
(9)
كشرط صداق محرم فيه، ولكونه يصح في المجهول، فلم يبطل بالشرط الفاسد، ومن طلق بشرط خيار وقع، لوقوعه من أهله في محله، ولغى الشرط.
(وإن شرطها مسلمة)(1) أو قال وليها: زوجتك هذه المسلمة (2) . أو ظنها مسلمة، ولم تعرف بتقدم كفر (فبانت كتابية) فله الفسخ، لفوات شرطه (3)(أو شرطها بكرا (4) أو جميلة، أو نسيبة (5) أو) شرط (نفي عيب لا ينفسخ به النكاح)(6) .
(1) أي وإن تزوج امرأة وشرطها مسلمة فبانت كتابية، فله الخيار في فسخ النكاح.
(2)
فبانت كتابية، فله الخيار في الفسخ.
(3)
صححه الموفق وغيره، واختاره ابن عبدوس وغيره، وقيل: لا، قال الناظم: وهو بعيد، وإن عرفت بكفر فلا، لتفريطه، ولا خيار له إن شرطها كتابية، فبانت مسلمة، أو أمة فبانت حرة، لأنه زيادة خير فيها.
(4)
أي أو شرطها بكرا فبانت ثيبا فله الخيار، وإن قال: ظننتها بكرًا؛ فلا. وروى الزهري عن عائشة أن الحيضة تذهب بالعذرة، وروي عن الحسن وغيره، وكذا بالوثبة، والتعنس، وحمل الثقيل.
(5)
أي أو شرطها فبانت شوهاء، أو شرطها ذات حسب رفيع، أو شرطها بيضاء، أو طويلة، فبانت بخلافه، فله الخيار وقال: الشيخ لو قال: ظننتها أحسن مما هي. أو: ما ظننت فيها هذا. لم يلتفت إلى قوله، وكان هو المفرط، حيث لم يسأل، ولم يرها، ولا أرسل إليها من رآها له، وإذا فرط فله التخلص بالطلاق.
(6)
كالعمى، والخرس، والشلل، والعرج، والعور، ونحوه.
بأن شرطها سميعة أو بصيرة (فبانت بخلافه، فله الفسخ) لما تقدم (1) وإن شرط صفة فبانت أعلى منها فلا فسخ (2) . ومن تزوج امرأة وشرط أو ظن أنها حرة (3) ثم تبين أنها أمة (4) فإن كان ممن يحل له نكاح الإماء فله الخيار (5) وإلا فرق بينهما (6) وما ولدته قبل العلم حر (7) .
(1) من فوات ما شرطه في هذه الصور، نص عليه أحمد وغيره، واختاره الشيخ وغيره، وصوبه في تصحيح الفروع، لأنه شرط وصفا مقصودا فبانت بخلافه، وإذا عرف أنه لم يرض بها، لاشتراطه صفة فبانت بخلافها وبالعكس، فإلزامه بما لم يرض به لم يأت به شرع ولا عرف، بل هو مخالف للأصول والعقول ولا شيء عليه إن فسخ قبل الدخول، وبعده يرجع بالمهر على الغار، قاله الشيخ وغيره.
(2)
كما لو شرطها شوهاء فبانت حسناء، أو قصيرة فبانت طويلة، أو سوداء فبانت بيضاء، لأن ذلك زيادة خير فيها، اختاره وصححه أكثر الأصحاب.
(3)
أي حرة الأصل، فإن ظن أنها عتيقة فلا خيار له، لأنه ظن خلاف الأصل المتيقن فيها، وهو الرق، ولا عبرة بظنه المخالف للأصل.
(4)
سواء كان هو حر الأصل أو عتيقا.
(5)
أي فإن كان حال العقد ممن يحل له نكاح الإماء، لعدم الطول، وخوف العنت، فله الخيار. إن اختار الفسخ، لأنه عقد غر فيه، فثبت به الخيار.
(6)
أي وإن كان ممن لا يجوز له نكاح الإماء، بأن يكون غير عادم الطول، خائف العنت، فالنكاح غير صحيح، ويفرق بينهما.
(7)
أي حملت به وولدته التي غر بها حيا، لوقت يعيش به، فهو حر، قال
الموفق: بلا خلاف، لأنه اعتقد حريتها، فكان ولده حرا، لاعتقاده ما يقتضي حريته.
يفديه بقيمته يوم ولادته (1) وإن كان المغرور عبدا فولده حر أيضًا (2) يفديه إذا عتق (3) ويرجع زوج بالفداء (4) والمهر على من غره (5) ومن تزوجت رجلاً على أنه حر (6) أو تظنه حرا، فبان عبدا، فلها الخيار (7) .
(1) أي يفدي ما ولدته حيا بقيمته، قضى به عمر، وعلي، وابن عباس، وهو قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولأنه نماء المملوكة، فسبيله أن يكون مملوكا، وقد فوت رقة باعتقاده الحرية، فلأمه ضمانه. بقيمته يوم ولادته، وهو قول أكثر الفقهاء، لحديث «من أعتق شقصا قوم عليه» .
(2)
لأنه وطئها معتقدًا حرية أولادها، فأشبه الحر.
(3)
أي يفديه من الأمة التي غر بها، بقيمته يوم ولادته، قضى به عمر وغيره، وهو مذهب الشافعي، وقال ابن القيم: إذا شرط على السيد حرية أولاده صح، وما ولدته فهم أحرار، وإن رضي بالمقام فما ولدت بعد فرقيق.
(4)
أي ويرجع زوج – عبدا كان أو حرا – على من غره، إن لم يختر إمضاء النكاح، وشرط رجوعه على الغار: أن يكون قد شرط له أنها حرة، ولو لم يقارن الشرط العقد، حتى مع إبهامه حريتها، ولا يملك مطالبة الغار قبل الغرم.
(5)
بشرطه، لأنها مغرورة، إن لم يختر إمضاء النكاح حيث يكون له الإمضاء، وكذا إن غرم أجرة خدمتها.
(6)
فبان عبدا فلها الخيار، لاعتقادها أنه حر.
(7)
بين الفسخ والإمضاء إن صح النكاح، بأن كملت شروطه، وكان بإذن
سيده، وهو المذهب، ومقتضاه صحة العقد، كما لو تزوج أَمة على أنها حرة، وإن شرطت صفة ككونه نسيبا، أو عفيفا، أو جميلا، فبان أقل فلا فسخ، لأنه ليس بمعتبر في صحة النكاح، إلا بشرط حرية، أو صفة يخل فقدها بالكفاءة، كما لو شرطته عربيا فبان عجميًا.
(وإن عتقت أَمة (تحت حر فلا خيار لها)(1) لأنها كافأَت زوجها في الكمال (2) كما لو أسلمت كتابية تحت مسلم (3)(بل) يثبت لها الخيار إن عتقت كلها (تحت عبد) كله (4) لحديث بريرة، وكان زوجها عبدًا أَسود (5) رواه البخاري وغيره، عن ابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم (6) .
(1) أو عتقت كلها وبعضه حر، فلا خيار لها، هذا مذهب الجمهور، وبه قال ابن عمر، وابن عباس والحسن، وغيرهم.
(2)
فلم يثبت لها خيار، وعنه: لها الخيار. وهو مذهب أصحاب الرأي، واختاره الشيخ وغيره، لحديث بريرة، ولأنها ملكت رقبتها وبضعها، فلا يملك ذلك عليها إلا باختيارها.
(3)
من أنه لا خيار لها، لأنها كافأت زوجها في الدين.
(4)
حكاه ابن المنذر، وابن عبد البر، وابن رشد، وغيرهم إجماعا، فإن عتقت قبل فسخها، أو رضيت المقام معه، لم يكن لها فراقه.
(5)
لبني المغيرة، يقال له "مغيث".
…
(6)
وقالته صفية بنت أبي عبيد، قال أحمد: برواية علماء المدينة وعملهم
ولأن عليها ضررا في كونها حرة تحت عبد، فكان لها الخيار، كما لو تزوج حرة على أنه حر، فبان عبدا، فإن اختارت الفسخ فلها فراقه، وإن رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد ذلك، لأنها أسقطت حقها، قال الموفق: وهذا مما لا خلاف فيه.
فتقول: فسخت نكاحي. أو اخترت نفسي (1) ولو متراخيا (2) ما لم يوجد منها دليل رضى (3) كتمكين من وطء، أو قبلة ونحوها (4) ولو جاهلة (5) .
(1) أو: أخترت فراقه، ولو قالت: طلقت نفسي، ونوت المفارقة، كان كناية عن الفسخ، وليس فسخها لنكاحها – وإن نوت به الفرقة – طلاقا، لقوله صلى الله عليه وسلم «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» وكما لو أرضعت من ينفسخ به نكاحها.
(2)
كخيار عيب.
(3)
أي بالمقام معه بعد العتق، فلا خيار لها.
(4)
أو كمباشرة بطل خيارها، لما في خبر بريرة: فخيرها، وقال «إن قربك فلا خيار لك» وروي عن ابن عمر وحفصة، وقال ابن عبد البر: لا أعلم لهما مخالفًا في الصحابة.
(5)
أي بالعتق، أو ملك الفسخ، نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا عتقت الأَمة فهي بالخيار، ما لم يطأها، إن شاءت فارقت، وإن وطئها فلا خيار لها» رواه أحمد، وعنه: العذر بالجهل فيهما، اختاره جماعة من الأصحاب، وقيل: ما يخالفه ظاهر، وصوبه في الإنصاف، ويجوز للزوج الإقدام على الوطء، إذا كانت غير عالمة، ولو بذل لها عوضا على أن تختاره جاز،
ولو شرط المعتق عليها دوام النكاح تحت حر أو عبد – إذا أعتقها – ورضيت، لزمها ذلك، قال الشيخ: وهو الذي يقتضيه مذهب أحمد.
ولا يحتاج فسخها لحاكم (1) فإن فسخت قبل دخول فلا مهر (2) وبعده هو لسيدها (3) .
(1) لأنه مجمع عليه، وأما المختلف فيه فلا ينفسخ إلا بفسخ حاكم، وإن أعتق الزوجان معا فلا خيار لها، وقال الموفق: هذا المذهب، وعنه: لها، وعنه: ينفسخ نكاحهما.
قال ابن القيم: وللبطلان وجه، وهو أنه إنما زوجهما بحكم الملك لهما، وقد زال. ويستحب البداءة بعتق الرجل، قاله صلى الله عليه وسلم لعائشة؛ ولمالك زوجين بيعهما، وأحدهما، ولا فرقة بذلك.
(2)
لمجيء الفرقة من قبلها، فسقط بذلك مهرها.
(3)
لوجوبه بالعقد، وهي ملكه حالته.
فصل في العيوب في النكاح (1)
وأَقسامها ثلاثة (2) قسم يختص بالرجال (3) وقد ذكره بقوله (ومن وجدت زوجها مجبوبا) قطع ذكره كله (4)(أو) بعضه و (بقي له ما لا يطأُ به؛ فلها الفسخ (5) وإن ثبتت عنته بإقراره (6)
(1) أي في بيان ما يثبت به الخيار منها، وما لا خيار به، كالعور والخرس.
(2)
أي وأقسام المثبتة للخيار ثلاثة: وثبوتها لأحد الزوجين إذا وجد بالآخر عيبا في الجملة، روي عن عمر، وابنه، وابن عباس، وغيرهم، وهو مذهب الشافعي، لأنه يمنع الوطء، فأثبت الخيار، ولأن المرأة أحد العوضين في النكاح، فجاز ردها بعيب كالصداق، ولأن الرجل أحد الزوجين، فيثبت له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة.
(3)
وهو ثلاثة أشياء.
(4)
فلها الفسخ في الحال.
(5)
في الحال، فإن أمكن وطؤها بالباقي، وادعاه وأنكرته، قبل قولها مع يمينها، لأنه يضعف بالقطع، والأصل عدم الوطء، وكذا إن وجدته أشل فلها الفسخ، وأما قطع خصيتيه أو رض بيضتيه فيأتي، وإنما أخره لأنه مما اختلف فيه، وهو الشيء الثاني.
(6)
وهو الشيء الثالث، وهو العاجز عن إيلاج ذكره، مأخوذ من: عنَّ
يعن إذا اعترض، لأن ذكره يعن. أي يعترض إذا أراد أن يولجه، فيعجز عن الوطء، وربما اشتهاه ولا يمكنه.
أو) ثبتت (ببينة على إقراره (1) أُجل سنة) هلالية (منذ تحاكمه)(2) روي عن عمر، وعثمان، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة (3) لأنه إذا مضت الفصول الأربعة (4) ، ولم يزل، علم أنه خلقه (5)(فإن وطئ فيها) أي في السنة (6) .
(1) أي أو ثبتت عنته ببينة على إقراره، أو بنكوله عن اليمين، وفي المبدع: إن كان للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة عمل بها.
(2)
لا من العقد، ولا من الدخول، قال الوزير: اتفاقا. وقال الموفق وغيره: هو قول علماء الأمصار، ولو عبدا، لتمر به الفصول الأربعة، فإن كان من يبس زال في فصل الرطوبة، وعكسه، وإن كان من برودة، زال في فصل الحرارة، وإن كان من احتراق زال في فصل الإعتدال، والمعتبر في التأجيل هي الهلالية، وتعليلهم بالفصول يوهم خلافه، لكن ما بينهما متقارب، فيضرب لها المدة، ولا يضربها غير الحاكم، ولا تعتبر عنته إلا بعد بلوغه.
(3)
ولا مخالف لهم، وعليه فتوى فقهاء الأمصار.
(4)
فصل الربيع، وفصل الصيف، وفصل الخريف، وفصل الشتاء، فإذا مضت عليه هذه الفصول الأربعة، واختلفت عليه الأهوية.
(5)
لا لمرض ونحوه، وذكر بعض أهل الطب: أن الداء لا يستجن في البدن أكثر من سنة، ثم يظهر.
(6)
فليس بعنين.
(وإلا فلها الفسخ)(1) ولا يحتسب عليه منها ما اعتزلته فقط (2)(وإن اعترفت أنه وطئها) في القبل (3) في النكاح الذي ترافعا فيه، ولو مرة (فليس بعنين)(4) لاعترافها بما ينافي العنة (5) وإن كان ذلك بعد ثبوت العنة فقد زالت (6) .
(1) أي وإن لم يطأ في السنة التي ضربت له المدة ليختبر فيها، ويعلم حاله، فلها الفسخ، قال ابن عبد البر: على هذا جماعة القائلين بتأجيله.
(2)
أي ما اعتزلته بنشوز أو غيره، ولو عزل نفسه، أو سافر احتسب عليه ذلك.
(3)
ولو في مرض يضرها فيه الوطء، أو في حيض ونحوه، أو في إحرام، أو صائمة، لا في دبر، فلا تزول به العنة، أشبه الوطء فيما دون الفرج، أو وطئها في نكاح سابق، أو وطئ غيرها، لم تزل العنة.
(4)
قال الموفق وغيره: أكثر أهل العلم يقولون: متى وطئ امرأته ثم ادعت عجزه لم تسمع دعواها، ولم تضرب له مدة.
(5)
وإن كان عجزه لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه، ضربت له المدة، وإن علم أن عجزه لعارض، من صغر، أو مرض مرجو الزوال، لم تضرب له المدة.
(6)
أي عنته، لإقرارها بما يتضمن زوالها، وهو الوطءن ومجنون ثبتت عنته كعاقل في ضرب المدة، صوبه في تصحيح الفروع، ومن حدث بها جنون فيها حتى انقضت ولم يطأ فليس لها الفسخ، ويسقط حق زوجة عنين، ومقطوع بعض ذكره بتغييب الحشفة أو قدرها، وصححه في تصحيح الفروع، وقال: هو أقوى وأولى.
(ولو قالت في وقت: رضيت به عنينا. سقط خيارها أبدا)(1) لرضاها به (2) كما لو تزوجته عالمة عنته (3) .
(1) ولا يسقط بدون قولها: أسقطت حقي من الفسخ. أو: رضيت به، ونحوه.
(2)
لا بتمكينها من وطء، لأنه واجب عليها، لتعلم أزالت عنته أم لا، واستظهر في تصحيح الفروع، من كلام أكثر الأصحاب، بطلان الخيار بما يدل على الرضا، من وطء، أو تمكين، وصرح به الزركشي، وقال الشيخ: لم نجد هذه التفرقة لغير المجد.
(3)
فإنه يسقط خيارها، لدخولها على بصيرة.
فصل (1)
(و) القسم الثاني يختص بالمرأة (2) وهو (الرتق)(3) بأن يكون فرجها مسدودًا، لا يسلكه ذكر بأَصل الخلقة (4)(والقرن) لحم زائد ينبت في الفرج فيسده (5)(والعفل) ورم في اللحمة التي بين مسلكي المرأة، فيضيق منها فرجها، فلا ينفذ فيه الذكر (6) .
(1) أي في بقية العيوب، التي ينفسخ بها النكاح.
(2)
أي القسم الثاني من العيوب الثمانية، المثبتة للخيار، ما يختص بالمرأة، وهو ثلاثة.
(3)
بفتح الراء والتاء، والفعل منه كتعب.
(4)
أي ملتصقا، فالرتق تلاحم الشفرين خلقه، وقيل: تمكن إزالته، بكسر العظم الملتصق بالعظم، قال الشيخ: فإذا كان زوال هذا العيب ممكنا فينبغي أن لا يثبت الفسخ، إذا زال عن قرب.
(5)
قاله صاحب المطلع، والزركشي، وغيرهما.
(6)
وفي المطلع: شيء يخرج من الفرج، شبيه بالأدره التي للرجل في الخصية، وحكاه الأزهري وغيره، فهما متغايران، وظاهر كلام القاضي، والخرقي: أن القرن والعفل شيء واحد، وهما بمعنى الرتق، وهو كون فرجها مسدودًا لا بأصل الخلقة، وقيل: هي رطوبة تمنع الرجل لذة الجماع، وعلى كل
الأقوال يثبت به الخيار، لأنه يمنع الوطء المقصود من النكاح، وهو مذهب مالك والشافعي.
(والفتق) انخراق ما بين سبيليها (1) أو ما بين مخرج بول ومني (2)(واستطلاق بول (3) ونجو) أي غائط منها، أو منه (4)(وقروح سيالة في فرج)(5) واستحاضة (6)(و) من القسم الثالث وهو المشترك (7)(باسور وناصور) وهما داآن بالمقعدة (8)(و) من القسم الأول (خصاء) أي قطع الخصيتين (9) .
(1) أي القبل والدبر من المرأة، جزم به الموفق وغيره.
(2)
أي وقيل: هو الفتق، وكلاهما يمنع لذة الوطء وفائدته.
(3)
أي ويثبت الخيار لكل منهما باستطلاق بول.
(4)
أي ويثبت الخيار باستطلاق نجو – بموحدتين – من الزوج أو الزوجة.
(5)
أي فرج المرأة، لمنع لذة الوطء.
(6)
قال الشيخ: يثبت بالإستحاضة الفسخ في أظهر الوجهين، وترد المرأة بكل عيب ينفر عن كمال الإستمتاع.
(7)
أي يكون في الزوج أو الزوجة، ويثبت به الخيار لكل منهما.
(8)
فالباسور منه ما هو ناتئ كالعدس، أو الحمص، أو العنب، أو التوت ومنه ما هو غائر، داخل المقعدة، وكل من ذلك إما سائل، أو غير سائل، والناصور قروح غائرة، تحدث في المقعدة، يسيل منها صديد، وينقسم إلى نافذة وغير نافذة، وعلامة النافذة: أن يخرج الريح والنجو من غير إرادة.
(9)
أي ومن القسم الأول – المثبت للخيار المختص بالرجال – قطع الخصيتين، فإذا وجدته مقطوعهما، فلها الخيار في الفسخ.
(وسل) لهما (1)(ووجاء) لهما (2) لأن ذلك يمنع الوطء أو يضعفه (3)(و) من المشترك (كون أحدهما خنثى واضحا)(4) أما المشكل فلا يصح نكاحه، كما تقدم (5)(وجنون ولو ساعة (6) وبرص، وجذام) (7) وقرع رأْس له ريح منكرة (8) .
(1) أي البيضتين من غير قطع الجلدة، فيثبت به لها خيار الفسخ.
(2)
أي للبيضتين وهو رضهما، وفي المطلع: رض عرق البيضتين، حتى ينفسخ فيكون شبيها بالخصاء، والوجاء بكسر الواو، والمد.
(3)
أي لأن في ذلك نقصا يمنع الوطء، أو يضعف الوطء، وقال عمر لابن سندي – وكان تزوج وهو خصي – أعلمتها؟ قال: لا، قال: أعلمها، ثم خيرها.
(4)
أي ومن العيب المشترك بين الزوج والزوجة، المثبت للخيار، كون أحد الزوجين خنثى واضحا، غير مشكل، فللآخر الخيار.
(5)
حتى يتضح أمره، وتقدم في باب المحرمات في النكاح.
(6)
لأن النفس لا تسكن إلى من تلك حاله، فيثبت به الخيار، وإن زال العقل بمرض فإغماء لا خيار به، فإن زال المرض ودام فجنون.
(7)
البرص – بفتح الباء والراء – مصدر: برص. بكسرها ابيض جلده، أو اسود، والجذام داء معروف، تتهافت منه الأطراف، ويتناثر منه اللحم، يثبت بأحدهما الفسخ، فإن اختلفا في بياض بجسده، هل هو بهق أو برص، أو في علامات الجذام من ذهاب شعر الحاجبين هل هو جذام؟ فإن كان للمدعي بينة، وإلا حلف المنكر، والقول قوله.
(8)
لما فيه من النفرة، وألحق ابن رجب روائح الإبط المنكرة، التي تثور عند الجماع.
وبخر فم (1)(يثبت لكل واحد منهما الفسخ)(2) لما فيه من النفرة (3) .
(1) البخر – بفتحتين – نتن رائحة فم أحدهما، وكذا نتن فرج امرأة يثور بالوطء، ويستعمل للبخر في الفم السواك، وإمساك الذهب فيه، والتغرغر بالصبر، ثم يتمضمض بالخردل.
(2)
أي في هذه العيوب المتقدمة، كلها، فأما القطع، والعنة، والرتق، والقرن، والعفل، والفتق، والجنون، والبرص، والجذام، فقولا واحدا، وهو مذهب مالك، والشافعي، واختلف الأصحاب فيما عدا ذلك، كالبخر، واستطلاق البول، والنجو، والباسور، والناصور، والخصاء، وكون أحدهما خنثى، فجزم بثبوت الخيار في الوجيز، وصححه في تصحيح الفروع، واختاره ابن القيم وغيره.
(3)
المانعة من الوطء أو خوف أذاه، أو تعدي نجاسته، وقال ابن القيم: كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح، يوجب الخيار، وإنه أولى من البيع، وقال في الإنصاف: ما هو ببعيد، وعن عمر أنه قال: أعلمتها أنك عقيم؟ وقال شيخ الإسلام: قد علم أن عيوب الفرج المانعة من الوطء، لا يرضى بها في العادة، بخلاف اللون، والطول، والقصر، والعرج، ونحو ذلك مما ترد به الأمة المعيبة.
فإن الحرة لا تقلب كما تقلب الأمة، والزوج قد رضي بها رضى مطلقا، بخلاف البيع، وهو مع هذا لم يشترط فيها صفة فبانت دونها، والشرط إنما يثبت شرطا وعرفا، وما أمكن معه الوطء وكماله فلا ينضبط فيه أغراض الناس، والنساء يرضى بهن في العرف والعادة، مع الصفات المختلفة، والمقصود من النكاح المصاهرة والإستمتاع، وذلك يختلف باختلاف الصفات، فهذا فرق شرعي، معقول في عرف الناس.
وقال: وأما الرجل فأمره ظاهر، يراه من شاء، فليس فيه عيب يوجب الرد، والمرأة إذا فرط الزوج في بصرها أو لا، فله طريق إلى التخلص منها بالطلاق، فإنه بيده دون المرأة.
(ولو حدث بعد العقد) والدخول، كالإجارة (1)(أو كان بالآخر عيب مثله)(2) أو مغاير له (3) لأن الإنسان يأْنف من عيب غيره، ولا يأْنف من عيب نفسه (4) .
(1) لأنه عيب في النكاح، يثبت به الخيار مقارنا، فأثبته طارئا كالإعسار، ولأنه عقد على منفعة، فحدوث العيب فيها يثبت الخيار، كما يثبته في الإجارة.
(2)
أي مثل العيب الذي فسخ به لوجود سببه.
(3)
أي أو كان بالفاسخ عيب مغاير لعيب الذي فسخ به، كالأجذم يجد المرأة برصاء، إلا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء فلا، وكذا إن لم يطأ لنضو بها فكرتقاء.
(4)
فثبت له الخيار، ولو بان الزوج عقيما، ففي الإختيارات: قياس قولنا بثبوت الخيار للمرأة، أن لها حقا في الولد، ولهذا قلنا: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، وعن أحمد ما يقتضيه، وتقدم قول عمر: أعلمتها؟ قال: لا. قال فأعلمها، ثم خيرها.
ولا خيار في عيب زال بعد عقد، ولا بغير ما ذكر، ونحوه مما لا يمنع الإستمتاع، ولا يخشى تعديه، كعور، وعرج، وخرس، وطرش، وسمن، وكسح، ونحوها.
(من رضي بالعيب) بأن قال: رضيت به (1)(أو وجدت منه دلالته) من وطء، أو تمكين منه (مع علمه) بالعيب، (فلا خيار له)(2) ولو جهل الحكم، أو ظنه يسيرا فبان كثيرًا (3) لأَنه من جنس ما رضي به (4)(ولا يتم) أي لا يصح (فسخ أحدهما إلا بحاكم)(5) .
(1) أي وإن كان أحد الزوجين – الذي لا عيب فيه – عالما بالعيب في الآخر، وقت العقد أو بعده، وقال: رضيت به فلا خيار له، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، وكذا إن كان به عيب مثله.
(2)
أي أو وجدت دلالة على الرضا بالعيب، من وطء، أو تمكين، من أحد الزوجين، مع العلم بالعيب قبل العقد أو بعده، فلا خيار له، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، وخيار عيب على التراخي، على الصحيح من المذهب، لأنه خيار لدفع ضرر متحقق، فكان على التراخي، كخيار القصاص.
(3)
كمن ظن البرص في قليل من جسده فبان كثيرًا، أو زاد العيب بعد العقد، فلا خيار له، وإن كان الزوج صغيرًا، أو به جنون أو برص، أو جذام، فلها الفسخ في الحال، وعلى قياسه الزوجة إذا كانت صغيرة، أو مجنونة، أو عفلاء، أو قرناء، قاله الشيخ، وله الفسخ في الحال، ولا ينتظر إمكان الوطء، لأن الأصل بقاؤه بحاله.
(4)
ورضاه به رضى بما يحدث منه، وإن ادعى الجهل بالخيار، ومثله يجهله، كعامي لا يخالط الفقهاء كثيرا، فقال الشيخ: الأظهر ثبوت الفسخ، عملا بالظاهر.
(5)
لأنه فسخ مجتهد فيه، أشبه الفسخ للإعسار بالنفقة.
فيفسخه الحاكم بطلب من ثبت له الخيار (1) أو يرده إليه فيفسخه (2)(فإن كان) الفسخ (قبل الدخول فلا مهر) لها (3) سواء كان الفسخ منه أو منها (4) لأن الفسخ إن كان منها فقد جاءت الفرقة من قبلها (5) .
(1) ويكون كحكمه، على ما يأتي في كتاب القضاء.
(2)
أي أو يرد الفسخ إلى من له الخيار، فيفسخه هو، لأنه مجتهد فيه، وقال الشيخ: ليس هو الفاسخ، وإنما يأذن ويحكم به، فمتى أذن، أو حكم باستحقاق عقد، أو فسخ، لم يحتج ذلك إلى حكم بصحته بلا نزاع، وخرج جواز الفسخ بلا حكم في الرضا، بعاجز عن الوطء، كعاجز عن النفقة.
وخرج أيضًا أن جميع الفسوخ لا تتوقف على حاكم، واختاره، وقال: لو قيل: إن الفسخ بتراضيهما تارة، وبحكم الحاكم أخرى، أو بمجرد فسخ المستحق، ثم الآخر إن أمضاه، وإلا أمضاه الحاكم؛ لتوجه، قال: وهو الأقوى.
ويصح الفسخ من المرأة – حيث ملكته – في غيبة زوج، والأولى مع حضوره، ومتى زال العيب قبل الفسخ فلا فسخ، ولو فسخت بعيب فبان أن لا عيب، بطل الفسخ، واستمر النكاح، والفسخ لا ينقص عدد الطلاق، إلا فرقة اللعان، فتحرم على الأبد.
(3)
ولا متعة.
(4)
أي من الزوج لأجل عيبها، أو منها لأجل عيبه، وهذا مذهب الشافعي.
(5)
فسقط المهر، كما لو فسخته بإرضاع زوجة له أخرى.
وإن كان منه فإنما فسخ لعيبها الذي دلسته عليه (1) فكأنه منها (2)(و) إن كان الفسخ (بعده) أي بعد الدخول أو الخلوة (3) فـ (لها) المهر (المسمى) في العقد (4) لأنه وجب بالعقد، واستقر بالدخول، فلا يسقط (5)(ويرجع به على الغار إن وجد)(6) لأنه غره، وهو قول عمر (7) .
(1) أي بإخفائه على الزوج.
(2)
أي الفسخ فلم تستحق عليه شيئًا ولم يجعلوه منه، لأن العوض منه في مقابلة منافعها، فإذا اختارت فسخ العقد مع سلامة ما عقد عليه، رجع العوض إلى العاقد معها، وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج، وإنما ثبت لها الخيار، لما يلحقها من الضرر.
(3)
ونحوهما مما يقرر المهر، كلمس لشهوة، وتقبيلها بحضرة الناس.
(4)
هذا الصحيح من المذهب، لأنه نكاح صحيح، وقيل: مهر المثل. وفاقا للشافعي. وقيل: في فسخ الزوج بعيب قديم، أو بشرط، ينسب قدر نقص المثل لأجل ذلك إلى مهر المثل كاملا، فيسقط من المسمى بنسبته، فسخ أو أمضى، اختاره ابن عقيل، ورجحه الشيخ، وقواه في الإنصاف، قال الشيخ: وكذا إن ظهر الزوج معيبًا، فلها الرجوع عليها بنقص مهر المثل، وكذا في شرطها وهو العدل.
(5)
بحادث بعده، ولذلك لا يسقط بردتها، لا بفسخ من جهتها.
(6)
أي ويرجع زوج – حيث غرم – بالمهر على الغار، إن وجد الغار، إلا إن أبرئ الزوج.
(7)
أي لأنه غر الزوج بالعيب، فكان الغرم عليه، ولقول عمر رضي الله
عنه: أيما رجل تزوج امرأة بها جنون، أو جذام، أو برص فمسها فلها صداقها، وذلك لزوجها على وليها. رواه مالك، ومال إليه أحمد، وكما لو غر بحرية أمة.
والغار من علم العيب وكتمه، من زوجة عاقلة (1) وولي، ووكيل (2) وإن طلقت قبل دخول (3) أَو مات أَحدهما قبل الفسخ، فلا رجوع على غار (4)(والصغيرة والمجنونة، والأَمة لا تزوج واحدة منهن بمعيب) يرد به في النكاح (5) لأَن وليهن لا ينظر لهن إلا بما فيه الحظ والمصلحة (6) .
(1) ظاهره: ولو دون البلوغ، حيث كانت مميزة، بخلاف طفلة ومجنونة.
(2)
فأيهم انفرد بالغرر ضمن، لانفراده بالسبب الموجب، وإن كان التغرير من زوجة وولي فالضمان على الولي، ومن المرأة والوكيل الضمان بينهما، ويقبل قول ولي في عدم علمه بالعيب، وكذا قولها إن احتمل، ومثل ذلك – في الرجوع – لو زوج امرأة فأدخلوا عليه غيرها.
(3)
أي وإن طلقت المعيبة قبل دخول أو خلوة ونحوهما، ثم علم أنه كان بها عيب يقتضي الفسخ، فعليه نصف الصداق، لا يرجع به على أحد، لأنه قد رضي بالتزامه بطلاقها.
(4)
لأن سبب الرجوع الفسخ، ولم يوجد، ولها الصداق كاملاً، لتقرره بالموت.
(5)
وكذا ولي حرة مكلفة بلا رضاها، قال الموفق: بلا خلاف نعلمه.
(6)
ولا حظ ولا مصلحة في هذا العقد.
فإن فعل لم يصح إن علم (1) والأصح، ويفسخ إذا علم (2) . وكذا ولي صغير أو مجنون، ليس له تزويجهما بمعيبة ترد في النكاح (3) فإن فعل فكما تقدم (4)(فإن رضيت) العاقلة (الكبيرة مجبوبا، أو عنينا لم تمنع)(5) لأن الحق في الوطء لها، دون غيرها (6)(بل) يمنعها وليها العاقد (7)(من) تزوج (مجنون، ومجذوم، وأَبرص)(8) .
(1) لأنه عقد لهم عقدا لا يجوز عقده.
(2)
أي وإن لم يعلم الولي عيبه صح النكاح، ويجب عليه الفسخ إذا علم، جزم به الموفق، والزركشي، وغيرهما، وليس للولي تزويج كبيرة بغير رضاها بلا خلاف، لأنها تملك الفسخ إذا علمت به بعد العقد، فالإمتناع أولى.
(3)
لوجوب نظره لهما بما فيه الحظ والمصلحة، وانتفاء ذلك في هذا العقد.
(4)
أي من أنه لا يصح النكاح مع العلم، وإلا صح، وعليه الفسخ، وعند الموفق وغيره: يجب الفسخ.
(5)
أي لم يمنعها وليها من نكاحه.
(6)
وقال الموفق وغيره: الأولى منعها، قال أحمد: ما يعجبني، وإن رضيت الساعة تكره إذا دخلت عليه، لأن من شأنهن النكاح، ويعجبهن من ذلك ما يعجبنا.
(7)
لا البعيد، لأن ذلك غير مخل بالكفاءة.
(8)
أي إن اختارت المكلفة أن تتزوج بأحدهم فلوليها منعها منه، كمنعها من تزوجها بغير كفء.
لأن في ذلك عارا عليها، وعلى أهلها (1) وضررا يخشى تعديه إلى الولد (2)(ومتى) تزوجت معيبا لم تعلمه، ثم (علمت العيب) بعد عقد، لم تجبر على فسخ (3)(أو) كان الزوج غير معيب حال العقد، ثم (حدث به) العيب بعده (لم يجبرها وليها على الفسخ) إذا رضيت به (4) لأن حق الولي في ابتداء العقد، لا في دوامه (5) .
(1) فكان له منعها منه.
(2)
وقال الموفق: ويحتمل أن يملك سائر الأولياء الإعتراض عليها، ومنعها من هذا التزويج، لأن العار يلحق بهم، وينالهم الضرر، فأشبه ما لو كان تزوجها بغير كفء.
(3)
من ولي أو غيره، إذا رضيت بذلك العيب.
(4)
أي بالعيب الحادث بعد العقد.
(5)
لأنها لو دعت وليها أن يزوجها بعبد، لم يلزمه إجابته، ولو عتقت تحت عبد، لم يملك إجبارها على الفسخ، فكذا العيب الحادث.
باب نكاح الكفار
من أهل الكتاب وغيرهم (1)(حكمه كنكاح المسلمين) في الصحة (2) ووقوع الطلاق (3) .
(1) كالمجوس، والوثنيين، وما يتعلق به، والمراد: بيان حكمه، وما يقرون عليه، لو أسلموا أو ترافعوا إلينا.
(2)
أي حكم نكاح الكفار فيما يجب، ويترتب في الصحة أي النفوذ، وترتب أحكام الزوجية عليه، كحكم نكاح المسلمين، فيحرم عليهم ما يحرم على المسلمين، وجمهور العلماء – كأبي حنيفة، ومالك، وأحمد – على أن أنكحة الكفار صحيحة، وتتعلق بها الأحكام المتعلقة بأحكام النكاح، لقوله تعالى {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} و {امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ} وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة.
ولقوله صلى الله عليه وسلم «ولدت من نكاح، لا من سفاح» فلو تزوج المرتد كافرة ثم أسلما، فالذي ينبغي أن يقال هنا: أن نقرهم على نكاحهم أو مناكحهم، كالحربي إذا نكح نكاحا فاسدا ثم أسلم، فإن المعنى واحد، وهذا جيد في القياس.
(3)
لصدوره من أهله في محله، كطلاق المسلم، فلو طلق كافر ثلاثا، لم تحل له إلا بعد وطء زوج آخر، قال الشيخ: الصواب أن أنكحتهم المحرمة في دين الإسلام حرام مطلقًا، إذا لم يسلموا عوقبوا عليها، وإن أسلموا عفي لهم عنها، لعدم اعتقادهم تحريمها، وأما الصحة والفساد، فالصواب أنها صحيحة من وجه، فاسدة من وجه، فإن أريد بالصحة إباحة التصرف، فإنما يباح لهم بشرط الإسلام وإن أريد نفوذه، وترتب أحكام الزوجية عليه، من حصول الحل به للمطلق ثلاثا، ووقوع الطلاق فيه، وثبوت الإحصان به، فصحيح.
والظهار، والإيلاء (1) ووجوب المهر، والنفقة (2) والقسم، والإحصان، وغيرها (3) ويحرم عليهم من النساء من تحرم علينا (4)(ويقرون على فاسده) أي فساد النكاح (5)(إذا اعتقدوا صحته في شرعهم)(6) .
(1) فإذا ظاهر كافر من زوجته، ثم أسلما وقد وطئها، فعليه كفارة الظهار، وكذا الذمي، وأما صحة الإيلاء، فإذا آلى من زوجته، فحكمه كالمسلم.
(2)
أي بنكاحهم، كوجوبه بنكاح المسلمين.
(3)
كلزوم ما يلزم من الشروط، والفسوخ، لنحو عنة أو إعسار، بواجب نفقة، وإباحة للمطلق ثلاثا، وأما الإحصان به فبشرطه، وهو ما إذا وطئها وهما حران مكلفان.
(4)
سواء كان بنسب، أو سبب، أو رضاع، على ما تقدم في باب المحرمات في النكاح.
(5)
وإن خالف أنكحة المسلمين، بهذين الشرطين الآتيين.
(6)
ولو كانت محرمة في شرعنا، لاعتقادهم صحتها، فنكاح خامسة، وأخت على أختها صحيح، ثم إذا أسلموا يحكم بما لم يمكن الإقرار عليه بعد الإسلام، قال الشيخ: قد يقال، معنى الصحة: هو حل الإنتفاع إذا أسلموا، فيكون الإسلام هو المصحح لها، كما أنه المسقط لقضاء ما وجب عليهم من العبادات، أما إذا كانوا مقيمين على الكفر، فمعنى الصحة إقرارهم على ما فعلوا، وأما كونهم يعاقبون على ذلك فكأكل الربا، فمعنى الصحة في أحكامهم، غير معنى الصحة في عقود المسلمين.
بخلاف ما لا يعتقدون حله، فلا يقرون عليه (1) لأنه ليس من دينهم (2)(ولم يرتفعوا إلينا)(3) لأنه عليه السلام أَخذ الجزية من مجوس هجر (4) ولم يعترض عليهم في أَنكحتهم، مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم (5)(فإن أتونا قبل عقده عقدناه على حكمنا)(6) بإيجاب، وقبول، وولي، وشاهدي عدل منا (7) .
(1) كالزنا والسرقة.
(2)
ولا هو من دين الإسلام.
(3)
وهو الشرط الثاني، قال تعالى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} فدلت الآية: على أنهم يخلون وأحكامهم إذا لم يجيئوا إلينا.
(4)
قدم بها عليه أبو عبيدة، رضي الله عنه.
(5)
وأسلم خلق كثير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فأقرهم على أنكحتهم ولم يكشف عن كيفيتها، ولأنا صالحناهم على الإقرار على دينهم، وإذا لم يرتفعوا إلينا لم نتعرض لهم.
(6)
أي فإن أتى الكفار إلينا معشر المسلمين، قبل عقد النكاح بينهم، عقدناه على حكمنا، كأنكحة المسلمين.
(7)
لأنه لا حاجة إلى عقد يخالف ذلك.
قال تعالى {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} (1)(وإن أتونا بعده) أي بعد العقد فيما بينهم (2)(أَو أَسلم الزوجان) على نكاح، لم نتعرض لكيفية صدوره، من وجود صيغة، أو ولي، أو غير ذلك (3)(و) إذا تقرر ذلك (4) فإن كانت (المرأة تباح إذًا) أي وقت الترافع إلينا، أو الإسلام (5) كعقد في عدة فرغت (6) أو على أُخت زوجة ماتت (7) .
(1) فدلت الآية على وجوب عقده على حكمنا، وإن كان في إثباته لا يتعرض في كيفية عقدهم، ولا تعتبر له شروط أنكحة المسلمين، بلا خلاف بين المسلمين.
(2)
لم نتعرض لكيفية صدوره.
(3)
وقد أسلم خلق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم نساؤهم، فأقروا على أنكحتهم، ولم يسألهم صلى الله عليه وسلم عن شروط النكاح، ولا كيفيته، وهذا أمر علم بالتواتر، والضرورة فكان يقينا.
(4)
أي ما تقدم من نفوذ نكاحهم، وترتب أحكامه.
(5)
فلا يخلو من حالتين، جواز إقرار نكاحها أو عدمه.
(6)
أي عقد عليها وهي في العدة، وفي حال الترافع وهي قد فرغت، أقرّا. قال الشيخ: إذا أسلم وتحته معتدة، فإن كان لم يدخل بها، منع من وطئها حتى تنقضي العدة، وإن كان دخل بها لم يمنع من وطئها، وعلى التقديرين لا ينفسخ النكاح.
(7)
بأن يعقد على أخت زوجته، ثم تموت قبل الترافع.
أو كان وقع العقد بلا صيغة، أو ولي، أَو شهود، (أُقرّا) على نكاحهما (1) لأن ابتداء النكاح حينئذ لا مانع منه، فلا مانع من استدامته (2)(وإن كانت) الزوجة (ممن لا يجوز ابتداء نكاحها) حال الترافع، أو الإسلام (3) كذات محرم (4) أو معتدة لم تفرغ عدتها (5) أو مطلقة ثلاثا قبل أن تنكح زوجا غيره، (فرق بينهما)(6) .
(1) قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا في حالة واحدة، أن لهما المقام على نكاحهما، ما لم يكن بينهما نسب، أو رضاع.
(2)
أي بطريق الأولى.
(3)
لم يقرا عليه.
(4)
من نسب، أو رضاع، أو مصاهرة، فإن عمر كتب: أن فرقوا بين كل ذي رحم من المجوس.
(5)
من غيره، ولو من كافر، أو حبلى، ولو من زنا، أو شرط الخيار فيه مطلقًا، أو مدة لم تمض، قال في الإنصاف: هذا المذهب، وتقدم ذكر صحة النكاح المشروط فيه الخيار، وفساد الشرط، وأن المذهب صحته من مسلم، فهنا أولى، وإن مضت مدة الخيار أقرا، قولا واحدا، لاعتقادهم صحته.
(6)
يعني أنه إذا عقد على مطلقته ثلاثا، واستمر معها على ذلك إلى أن أسلما، أو ترافعا إلينا، فإنهما لا يقران على ذلك، بل يفرق بينهما، لتحريم ابتداء نكاحها إذًا، وإن كان طلقها ثلاثا، أو خالعها ولم يفارقها، فلا يتوهم أنه يقر عليه.
لأن ما منع ابتداء العقد منع استدامته (1)(وإن وطئ حربي حربية فأَسلما) أَو ترافعا إلينا (وقد اعتقداه نكاحا، أُقرا) عليه (2) لأنا لا نتعرض لكيفية النكاح بينهم (3)(وإلا) يعتقده نكاحا (فسخ) أي فرق بينهما (4) لأنه سفاح، فيجب إنكاره (5)(ومتى كان المهر صحيحًا أخذته) لأنه الواجب (6)(وإن كان فاسدًا) كخمر، أو خنزير، (وقبضته استقر)(7) فلا شيء لها غيره، لأنهما تقابضا بحكم الشرك (8) .
(1) فيفرق بينهما في تلك الصور ونحوها، للمنع منه حال ابتداء العقد.
(2)
وكذا ذمي، وتقييده بالحربي والحربية ليس بمراد، وإنما المراد اعتقاد الحل، والحربي وغيره في ذلك سواء، وأما الذمية فلا يتأتى، لعصمتها.
(3)
وهو نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها، فأقرا عليه، كالنكاح بلا ولي.
(4)
لأنه ليس من أنكحتهم.
(5)
وقال بعضهم: قهر الذمية لا يتأتى لعصمتها، وقال الشيخ: إن قهر ذمي ذمية، لم يقرا مطلقا.
(6)
بالعقد، قال في الإنصاف: بلا نزاع.
(7)
لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} فأمر بترك ما بقي، دون ما قبض.
(8)
فبرئت ذمة من هو عليه منه، ولأن التعرض للمقبوض إبطاله يشق، لتطاول الزمان، وكثرة تصرفاتهم في الحرام، ففيه تنفيرهم عن الإسلام، فعفي عنه، كما عفي عن ترك ما تركوه من الفرائض.
(وإن لم تقبضه) ولا شيئا منه (1) فرض لها مهر المثل (2) لأن الخمر ونحوه لا يكون مهرا لمسلمة، فيبطل (3) وإن قبضت البعض، وجب قسط الباقي من مهر المثل (4)(و) إن (لم يسم) لها مهر، (فرض لها مهر المثل)(5) لخلو النكاح عن التسمية (6) .
(1) بطل، ولم يحكم به.
(2)
إن كان قبل الدخول، ونصفه إن وقعت الفرقة قبل الدخول، وهو مذهب الشافعي.
(3)
ولا يكون في نكاح مسلم، ولا قيمة له في الإسلام، ويجب لها مهر المثل كالمسلمة.
(4)
أي وإن قبضت البعض من الحرام، كالخمر إذا قبضت منه بعضه قبل الإسلام، أو الترافع إلينا، وجب قسط الباقي من مهر مثلها، لاستقرار ما قبضته، وإلغاء ما لم تقبضه، وصوبه في الإنصاف، وصوب رجوعه بنصف المهر لو طلق قبل الدخول.
(5)
جزم به أحمد، والشيخ، وغيرهما، ولأنه إنما تقرر تقابض الكفار إذا كان من الطرفين، فإن كان مهر مثلها محرما، مثل أن كان عادتهم التزويج على خمر، أو خنزير، يحتمل وجهين، إما أن يجعل وجوده كعدمه، وينظر في عادة أهل البلد، أو تعتبر قيمة ذلك عندهم، قال: ويتوجه إن كان بعد الدخول فإيجاب مهرها فيه نظر، فإن الذين أسلموا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض أنكحتهم شغار، ولم يأمر أحد منهم بإعطاء مهر.
(6)
فوجب فيه مهر المثل كالمسلمة، لئلا تصير كالموهوبة.
فصل (1)
(وإن أَسلم الزوجان معا)(2) بأَن تلفظا بالإسلام دفعة واحدة، فعلى نكاحهما (3) لأَنه لم يوجد منهما اختلاف دين (4)(أَو) أَسلم (زوج كتابية)(5) كتابيا كان أو غير كتابي، (فعلى نكاحهما)(6) لأَن للمسلم ابتداء نكاح الكتابية (7) .
(1) أي في حكم ما إذا أسلم الزوجان معا، أو سبق أحدهما، أو أسلم وتحته أكثر من أربع، أو أختان، وغير ذلك.
(2)
قبل الدخول أو بعده، فعلى نكاحهما بلا خلاف، قال الشيخ: ويدخل في المعية لو شرع الثاني قبل أن يفرغ الأول.
(3)
قال الموفق وغيره: بلا خلاف، وقيل: هما على نكاحهما إن أسلما في المجلس، وصوبه في الإنصاف، لأن تلفظهما بالإسلام دفعة واحدة فيه عسر، فلو اعتبر لوقعت الفرقة بين كل مسلمين قبل الدخول، إلا في النادر، فبطل الإجماع.
(4)
ولأبي داود عن ابن عباس، أن رجلا جاء مسلما، ثم جاءت امرأته بعده، فقال: يا رسول الله إنها كانت أسلمت معي، فردها عليه، ويأتي أنها تحل له ما لم تنكح زوجا غيره.
(5)
أبواها كتابيان، وهو المذهب، وتقدم أن الإعتبار بها.
(6)
قبل الدخول أو بعده، ذكره ابن عبد البر، والشارح، وغيرهما إجماعا.
(7)
فملك استدامته بطريق الأولى.
(فإن أَسلمت هي) أي الزوجة الكتابية تحت كافر (1) قبل دخول انفسخ النكاح (2) لأن المسلمة لا تحل لكافر (3)(أَو) أَسلم (أحد الزوجين غير الكتابيين) كالمجوسيين يسلم أحدهما (قبل الدخول بطل) النكاح (4) لقوله تعالى {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (5) وقوله {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (6)(فإن سبقته) بالإسلام (فلا مهر) لها، لمجيء الفرقة من قبلها (7) .
(1) كتابي أو غيره.
(2)
قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم.
(3)
قال تعالى {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} .
(4)
لأنه اختلاف دين، يمنع الإقرار على النكاح.
(5)
{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} فلا تحل المسلمة لكافر، فحرم تعالى نكاح المشركات، وتقدم أن اختلاف الدين سبب العداوة والبغضاء، ومقصود النكاح الإفاق والإئتلاف.
(6)
وإذا أسلمت قبله، فاختار الشيخ بقاء نكاحه قبل الدخول وبعده، ما لم تنكح غيره، وقال: الأمر إليها، ولا حكم له عليها، ولا حق لها عليه، لأن الشارع لم يستفصل، وكذا إن أسلم قبلها، وليس له حبسها، ومتى أسلمت – ولو قبل الدخول وبعد العدة – فهي امرأته إن اختار، وكذلك فيما إذا ارتد أحدهما.
(7)
أشبه ما لو ارتدت، وعنه: لها نصف المهر، قال في الإنصاف: وهو أولى.
(وإن سبقها) بالإسلام (فلها نصفه) أي نصف المهر، لمجيء الفرقة من قبله (1) وكذا إن أسلما وادعت سبقه (2) أو قالا: سبق أَحدنا ولا نعلم عينه (3)(وإن أَسلم أحدهما) أي أحد الزوجين غير الكتابيين (4) أَو أَسلمت كافرة تحت كافر (بعد الدخول، وقف الأمر على انقضاء العدة)(5) لما روى مالك في موطئه، عن ابن شهاب قال: كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة (6) .
(1) بإسلامه كما لو طلقها، وعنه: لا مهر لها، وصوبه في الإنصاف.
(2)
أي سبقه لها بالإسلام، وقال الزوج: هي السابقة. فتحلف أنه السابق بالإسلام، وتأخذ نصف المهر، لثبوت المهر في ذمته إلى حين الفرقة، ولا تقبل دعواه بسقوطه، لأن الأصل خلافه.
(3)
أي أو قال الزوجان بعد إسلامهما: سبق أحدنا بالإسلام، ولا نعلم عينه. فلها نصف المهر، لأن الأصل بقاؤه في ذمته، وإن قال: أسلمنا معا، فنحن على النكاح. فأنكرت، فقولها، لأنه الظاهر، وهذا المشهور من الوجهين، والثاني: القول قوله. صححه في التصحيح، وتصحيح المحرر، وصوبه في تصحيح الفروع.
(4)
وقف الأمر على انقضاء العدة، وأما إن أسلم زوج الكتابية، فتقدم بقاؤهما على نكاحها.
(5)
اختاره الموفق والشارح، وصححه في التصحيح، وصوبه في تصحيح الفروع.
(6)
أخت خالد بن الوليد، رضي الله عنهما.
نحو من شهر، أسلمت يوم الفتح، وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر، ثم أسلم، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما (1) واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح (2) قال ابن عبد البر: شهرة هذا الحديث أقوى من إسناده (3) . وقال ابن شبرمة: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة، والمرأة قبل الرجل، فأيهما أَسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته (4) فإن أَسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما (5) .
(1) لكونه أسلم وهي في العدة.
(2)
فدل الأثر على بقاء النكاح.
(3)
وروى مالك أيضًا قال ابن شهاب: أسلمت أم حكيم، وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن، فارتحلت إليه، ودعته إلى الإسلام، فأسلم وقدم، فبايع النبي صلى الله عليه وسلم، فبقيا على نكاحهما.
(4)
وقال الزهري: لم يبلغنا أن امرأة هاجرت وزوجها مقيم بدار الكفر، إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها، إلا أن يقدم مهاجرًا، قبل انقضاء عدتها.
(5)
وهذا قول الجمهور، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على أبي العاص بنكاحها الأول، رواه أبو داود، واحتج به أحمد، ولما قيل له: أليس يروى أنه ردها بنكاح مستأنف؟ قال: ليس لذلك أصل. وقيل: كان بين إسلامها وردها إليه ست سنين، ولا ذكر
للعدة في حديث، ولا أثر لها في بقاء النكاح، ولم ينجز الشارع الفرقة في حديث، ولا حدد نكاحها.
وقال ابن القيم: اعتبار العدة لم يعرف في شيء من الأحاديث، ولا كان صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة، هل انقضت عدتها أم لا؟ وقد دل حكمه على أن النكاح موقوف، فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته، وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت، وإن أحبت انتظرته، وإذا أسلم كانت زوجته، من غير تجديد نكاح: ولا نعلم أحدا جدد بعد الإسلام نكاحه ألبته.
(فإن أَسلم الآخر فيها) أي في العدة (دام النكاح) بينهما، لما سبق (1)(وإلا) يسلم الآخر حتى انقضت (بان فسخه) أي فسخ النكاح (منذ أَسلم الأول) من الزوج أو الزوجة (2) ولها نفقة العدة إن أسلمت قبله، ولو لم يسلم (3) .
(1) أي من الآثار، وهو قول جماهير العلماء.
(2)
لأن سبب الفرقة اختلاف الدين، فوجب أن تحسب الفرقة منه، ولا تحتاج لعدة ثانية، فلو وطئ ولم يسلم الثاني فيها، فلها مهر مثلها، زائدا على المهر الذي وقع عليه العقد، قال الشارح: ويؤدب، لأنه وطئها بعد البينونة.
(3)
لتمكنه من الإستمتاع بها، وإبقاء نكاحها بإسلامه في عدتها، أشبهت الرجعية، وإن أسلم قبلها فلا، وإن اختلفا في السابق، أو جهل الأمر فقولها، ولها النفقة، ويجب الصداق بكل حال، لاستقراره بالدخول، وسواء كانا بدار الإسلام أو الحرب، أو أحدهما، وقال الشيخ: قياس المذهب فيما أراه أن الزوجة إذا أسلمت قبل الزوج فلا نفقة لها، لأن الإسلام سبب يوجب البينونة، والأصل عدم إسلامه في العدة، فإذا لم يسلم حتى انقضت العدة تبينا وقوع البينونة بالإسلام، ولا نفقة عندنا للبائن.
(وإن كفرا) أي ارتدا (1)(أَو) ارتد (أحدهما بعد الدخول، وقف الأَمر على انقضاء العدة)(2) كما لو أسلم أحدهما (3) فإن تاب من ارتد قبل انقضائها فعلى نكاحهما (4) وإلا تبينا فسخه منذ ارتد (5)(و) إن ارتدا أو أحدهما (قبله) أي قبل الدخول (بطل) النكاح، لاختلاف الدين (6) .
(1) يعني الزوجين معا، فلم يسبق أحدهما الآخر، فكارتداد أحدهما.
(2)
وهذا مذهب الشافعي، ويمنع من وطئها عند عامة أهل العلم، لأن الردة اختلاف دين بعد الإصابة، فلا يوجب فسخه في الحال، كإسلام كافرة تحت كافر، وتسقط نفقة العدة بردتها وحدها، وإن انتقل أحدهما إلى دين لا يقر عليه فكردة، وصوبه في تصحيح الفروع.
(3)
فإنه يوقف الأمر على انقضاء العدة.
(4)
كما لو أسلم أحدهما، وهو مذهب الشافعي.
(5)
عند الجمهور، وخرجت بذلك من عصمته.
(6)
عند عامة أهل العلم، حكاه الموفق وغيره، لقوله {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وقوله {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} لأن الإرتداد، واختلاف الدين، وقع قبل الدخول، فأوجب فسخ النكاح، كإسلامها تحت كافر، ولها نصف المهر إن سبقها، أو ارتد وحده، وتقدم كلام الشيخ رحمه الله، وقال: إذا ارتدا ارتدادا يوجب انفساخ النكاح، وأقاما على ذلك، معتقدين بقاؤه، أو أنشآ في الردة عقدًا يعتقدان صحته، فإن الذي ينبغي أن نقرهم بعد الإسلام على هذا النكاح، كما نقر الكافر الأصلي على ما اعتقد صحته من النكاح، وعلى هذا يحمل تقرير الصحابة للمرتدين على مناكحهم بعد الإسلام، فإنه مثل تقرير الكفار الأصليين.