الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب من الشرك النذر لغير الله
(1)
وقول الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} 1 (2) . وقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} 2 (3) .
ــ
(1)
لكونه عبادة يجب الوفاء به إذا نذره لله، فإذا صرفه لغير الله كان شركا في هذه العبادة، كالذبح لغير الله. والنذر مصدر نذر ينذر، أي أوجب على نفسه شيئا لم يكن واجبا عليه شرعا، تعظيما للمنذور له، وكل الأبواب التي ذكرها المصنف تدل على أن من أشرك مع الله غيره في القصد والطلب فقد ناقض كلمة الإخلاص.
(2)
مدح الله الذين يتعبدون له بما أوجبوه على أنفسهم من الطاعات، وهو سبحانه لا يمدح إلا على فعل واجب أو مستحب، أو ترك محرم، وذلك هو العبادة، فمن فعل ذلك لغير الله متقربا إليه فقد أشرك.
(3)
يخبر تعالى أن ما أنفقناه من نفقة أو نذرناه من نذر متقربين به إليه أنه يعلمه، ويجازينا عليه، فدل ذلك على أنه عبادة، فالنذور من عباد القبور ليشفعوا لهم شرك؛ لأنه عبادة لهم، فإنه معلوم بالضرورة أن من صرف شيئا من العبادة لغير الله فقد أشرك.
وقال صنع الله الحلبي: ((والنذر لغير الله إشراك مع الله، كالذبح لغير الله)) .
وقال الفقهاء: خمسة لغير الله شرك: الركوع والسجود والنذر والذبح واليمين.
والحاصل أن النذر لغير الله فجور، فمن أين تحصل لهم الأجور.
وقال شيخ الإسلام: وما نذره لغير الله كالأصنام والشمس والقمر ونحو ذلك، بمنزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات، لا وفاء عليه ولا كفارة، وكذلك الناذر للمخلوق =
1 سورة الإنسان آية: 7.
2 سورة البقرة آية: 270.
في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه (2) ،
ــ
= ليس عليه وفاء، فإن كلاهما شرك، والشرك ليس له حرمة، بل عليه أن يستغفر الله ويقول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم " من حلف وقال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله " 1 متفق عليه.
(1)
أي في صحيح البخاري عن أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق أبي بكر رضي الله عنهما، زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأعلم الناس بحديثه، تزوجها وهي ابنة سبع، ودخل بها وهي ابنة تسع، وأفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلا خديجة ففيها خلاف، فلا تفضل إحداهما على الأخرى، فإن لخديجة من الفضائل في بدء الوحي ما ليس لعائشة، من سبقها بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وتأييده في تلك الحال. ولعائشة من العلم بالأحاديث والأحكام ما ليس لخديجة، لعلمها بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن، وبيان الحلال من الحرام، وكان الصحابة يرجعون إليها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فيما أشكل عليهم من أحواله وحديثه، توفيت سنة 57.
(2)
أي يجب عليه الوفاء بذلك النذر الذي نذره خالصا لله، فصار عبادة، وقد أجمع العلماء على أن من نذر طاعة لشرط يرجوه كأن يقول: إن شفى الله مريضي فعلي أن أتصدق بكذا، وجب عليه إن حصل له ما علق نذره على حصوله، حيا كان أو ميتا، فإن كان حيا لزمه الوفاء به، وإن كان ميتا يفعل عنه، لوجوبه في ذمته، إلا أبا حنيفة فقال: لا يلزمه إلا بما جنسه واجب بأصل الشرع، والحديث حجة عليه، والأمر بالوفاء به دال على أنه عبادة، وقد علمنا من الآيتين والحديث أن النذر عبادة، فصرفه لغير الله شرك أكبر، ومنه الذين ينذرون الزيوت والشموع والأطياب للقبور، والمراد نذر الطاعة، لا نذر المجازات الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:" إنه لا يأتي بخير "2.
1 البخاري: تفسير القرآن (4860)، ومسلم: الأيمان (1647)، والترمذي: النذور والأيمان (1545)، والنسائي: الأيمان والنذور (3775)، وأبو داود: الأيمان والنذور (3247)، وابن ماجه: الكفارات (2096) ، وأحمد (2/309) .
2 مسلم: النذر (1639)، والنسائي: الأيمان والنذور (3801) ، وأحمد (2/86) .
ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (1) "1.
ــ
(1)
أي لا يوفي به؛ لأنه نذر معصية، زاد الطحاوي " ليكفر عن يمينه " 2. وقال ابن القطان:((عندي شك في هذه الزيادة، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية)) . وقال الحافظ: ((اتفقوا على تحريم النذر في المعصية، واختلفوا هل ينعقد موجبا للكفارة أولا؟)) وتقدم.
ولمسلم عن عقبة مرفوعا: " كفارة النذر إن لم يسم كفارة يمين "3. وقد يستدل بحديث الباب على صحة النذر في المباح، كما هو مذهب أحمد وغيره، ويؤيده حديث المرأة التي قالت: " نذرت أن أضرب على رأسك بالدف. فقال: أوفي بنذرك " 4. رواه أحمد وغيره. وأما نذر اللجاج والغضب وهو تعليقه بشرط يقصد المنع منه، أو الحمل عليه، أو التصديق أو التكذيب، فيخير بين فعله وكفارة يمين. وقال الشيخ: موجب الحلف بنذر اللجاج والغضب عند الحنث، هو التخيير بين التكفير وبين فعل المنذور، وأكثر أهل العلم على أنه يجزئه كفارة يمين، وهو قول فقهاء الحديث.
وإن نذر مكروها كالطلاق استحب أن يكفر ولا يفعله.
1 البخاري: الأيمان والنذور (6696)، والترمذي: النذور والأيمان (1526)، والنسائي: الأيمان والنذور (3806 ،3807 ،3808)، وأبو داود: الأيمان والنذور (3289)، وابن ماجه: الكفارات (2126) ، وأحمد (6/36 ،6/41 ،6/224)، ومالك: النذور والأيمان (1031)، والدارمي: النذور والأيمان (2338) .
2 البخاري: الحج (1834)، ومسلم: الحج (1353)، والترمذي: السير (1590)، والنسائي: البيعة (4170)، وأبو داود: الجهاد (2480)، وابن ماجه: الجهاد (2773) ، وأحمد (1/226 ،1/315 ،1/355) .
3 البخاري: أحاديث الأنبياء (3456)، ومسلم: العلم (2669) ، وأحمد (3/84 ،3/89) .
4 الترمذي: الأمثال (2863) .