الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1 (2) .
ــ
(1)
أي ما فيها من ذكر عظمة الله، وعلوه على خلقه، وما في معناها من الأحاديث والآثار، قال أهل التفسير: يقول تعالى: ما عظم المشركون الله حق عظمته إذ عبدوا معه غيره، وكفروا نعمه، وكذا قال السدي: ما عظموه حق عظمته. وقال محمد بن كعب: لو قدروا الله حق قدره ما كذبوه. وقال ابن عباس: هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره.
(2)
وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} 2 كطي الكتاب على ما فيه من المكتوب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيمينه "3 الحديث. وقد ذكره المصنف. وعن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ " 4 متفق عليه. واللفظ لأحمد. وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية يوما على المنبر، ويقول هكذا بيده يحركها، يقبل بها ويدبر " يمجد الرب نفسه: أنا الجبار أنا المتكبر، أنا العزيز الحكيم ". فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، حتى قلنا: ليخرن به. وقال عليه الصلاة والسلام: " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، =
1 سورة الزمر آية: 67.
2 سورة الأنبياء آية: 104.
3 البخاري: التوحيد (7413)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2788)، وأبو داود: السنة (4732)، وابن ماجه: المقدمة (198) .
4 البخاري: الرقاق (6519)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2787)، وابن ماجه: المقدمة (192) ، وأحمد (2/374)، والدارمي: الرقاق (2799) .
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات السبع على إصبع (1) ، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى (2) على إصبع،
ــ
= يتكفؤها الجبار بيده، كما يتكفأ أحدكم خبزته "1. وقد جاءت أحاديث كثيرة متعلقة بمعنى هذه الآية، ومذهب السلف فيها وفي أمثالها إمرارها كما جاءت، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وأن لها معان حقيقة، أثبتوها وفسروها بما يوافق دلالتها، وكانوا إذا سئلوا عن شيء من ذلك لم ينفوا معناه، بل يثبتونه، وإنما ينفون الكيفية، كما قال مالك وغيره: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، وتبعهم السلف على ذلك.
(1)
الإصبع واحد الأصابع، يذكر ويؤنث، وفيه خمس لغات، وقيل عشر، فتح الهمزة وضمها وكسرها مع الحركات الثلاث في الباء، والعاشرة أصبوع، وأفصحهن، كسر الهمزة وفتح الباء. والحبر: بفتح الحاء وكسرها واحد أحبار اليهود، قيل: الكسر أفصح. وهو العالم بتحبير الكلام وتحسينه، سمي حبرا لما يبقى من أثر علومه في قلوب الناس، وآثار أفعاله الحسنة المقتدى بها. وقال أبو عبيد: يرويه المحدثون كلهم بالفتح، أي يجد الحبر ذلك الوصف في كتبهم. قال المصنف: وفيه أن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه صلى الله عليه وسلم لم ينكروها ولم يتأولوها. وفيه إثبات الأصابع للرحمن جل وعلا، على ما يليق بجلاله وعظمته، وفي الحديث:" القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن "2
(2)
الثرى التراب الندي، ولعل المراد هنا الأرض، والشجر ما له ساق صلب كالنخل وغيره.
1 البخاري: الرقاق (6520)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2792) .
2 مسلم: القدر (2654) ، وأحمد (2/168 ،2/173) .
وسائر الخلق على إصبع (1)، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (2) " الآية 1.
وفي رواية لمسلم: " والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن، فيقول: أنا الملك أنا الله (3) "2.
وفي رواية للبخاري: " يجعل السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع "3 أخرجاه (4) .
ــ
(1)
أي وباقي المخلوقات على إصبع، وسائر الشيء باقيه باتفاق أهل اللغة.
(2)
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق، وفي رواية:" جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم أبلغك أن الله يحمل الخلائق على إصبع، والسماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه "4. قال: وأنزل الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} 5 الآية. والنواجذ جمع ناجذ، قيل: إنها أقصى الأضراس، وهي أربعة تنبت بعد البلوغ، أي استغرق في الضحك وبالغ فيه حتى بدت، والمراد المبالغة في الضحك، من غير أن يراد ظهور نواجذه، أو هي الأسنان بين الضرس والناب كما في المصباح، أو الضواحك، وقال ثعلب: المراد الأنياب، وهي التي تبدو عند الضحك.
(3)
سبحانه وتعالى، فهو مالك الملك، ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وهززت الشيء من باب قتل، حركته فاهتز.
(4)
هكذا في مسلم، قال الحميدي: وهي أتم. ورواية البخاري: إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين، وتكون السماء بيمينه. وقال ابن عباس - رضي الله =
1 البخاري: تفسير القرآن (4811)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2786)، والترمذي: تفسير القرآن (3238) ، وأحمد (1/378 ،1/429 ،1/457) .
2 البخاري: تفسير القرآن (4811) والتوحيد (7414 ،7415 ،7451 ،7513)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2786)، والترمذي: تفسير القرآن (3238) ، وأحمد (1/378 ،1/429 ،1/457) .
3 البخاري: تفسير القرآن (4811) والتوحيد (7414 ،7415 ،7451 ،7513)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2786)، والترمذي: تفسير القرآن (3238) ، وأحمد (1/378 ،1/429 ،1/457) .
4 البخاري: تفسير القرآن (4811)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2786)، والترمذي: تفسير القرآن (3238) ، وأحمد (1/378 ،1/429 ،1/457) .
5 سورة الأنعام آية: 91.
ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا: " يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع، ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون أين المتكبرون؟ "1. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " ما السماوات السبع، والأرضون السبع، في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم " (1) . وقال ابن جرير: حدثني يونس (2)
ــ
= عنهما -: يطوي الله السماوات السبع بما فيها من الخليقة، والأرضين السبع بما فيها من الخليقة، يطوي ذلك كله بيمينه، يكون ذلك في يده بمنزلة الخردلة، حبة صغيرة جدا. وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على عظمة الله، وعظيم قدرته، وعظيم سلطانه، وقد تعرف إلى عباده بصفات كماله، وعجائب مخلوقاته، وكلها تدل على جلاله وعظمته، وأنه هو المعبود وحده، لا شريك له في ربوبيته، ولا في إلهيته، وتدل على إثبات صفاته، كما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بجلاله وعظمته. وفيها وفي غيرها إثبات اليمين والشمال، وقال عليه الصلاة والسلام:" وكلتا يدي ربي يمين مباركة "2.
(1)
رواه معاذ بن هشام الدستوائي، حدثنا أبي عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، ولفظه:"في يد الله ". قال الشارح: وهذا الإسناد صحيح، وتقدم نحوه. وفيه إثبات الكف للرحمن، وعظمته وصغر السماوات والأرض وما فيهما بالنسبة إلى عظمة الله غاية الصغر، مع ما ترى من كبرهما وسعتهما.
(2)
هو ابن عبد الأعلى أبو موسى الصدفي الثقة، روى عن ابن عيينة وابن وهب وغيرهما، وعنه ابن خزيمة وخلق، مات سنة 264 هـ، وله 92 سنة.
1 البخاري: التوحيد (7413)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2788)، وابن ماجه: المقدمة (198) والزهد (4275) ، وأحمد (2/87) .
2 الترمذي: تفسير القرآن (3368) .
أنبأنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: حدثني أبي (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس (2) ". قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد، ألقيت بين فلاة من الأرض (3) ".
ــ
(1)
هو زيد بن أسلم العدوي، مولى عمر، أبو عبد الله، أو أبو سالم المدني، عالم ثقة مات سنة 136 هـ، وابنه عبد الرحمن يضعف، روى عن أبيه، وابن المنكدر وغيرهما، وعنه ابن وهب وعكرمة ومسروق وغيرهم، مات سنة 182 هـ، ورواه أيضا بهذا الطريق واللفظ: أصبغ بن الفرج وهو مرسل.
(2)
بضم التاء القاع المستدير المتسع الأطلس، كما قيل:
وواجهت ترسا من متون صحاري
…
ويقال: الترس صفحة فولاذ تحمل لاتقاء السيف، والمراد الأول، وفيه صغر السماوات بالنسبة إلى الكرسي. وقال السدي: الكرسي تحت العرش، والسماوات والأرض في جوف الكرسي. قال ابن عباس: الكرسي موضع القدمين.
(3)
الفلاة الصحراء الواسعة، أو المفازة لا ماء فيها، أو القفر. وأبو ذر هو الغفاري الصحابي المشهور، واسمه جندب بن جنادة بن سكن بن قيس بن بياض الغفاري، من السابقين إلى الإسلام، ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة منه، توفي بالربذة سنة 31 هـ. وصنيع المصنف رحمه الله يوهم أن ذلك عطف على قول زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كذلك، فإن حديث أبي ذر رواه يحيى بن سعيد العبشمي، حدثنا ابن جريج عن عطاء عن =
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم "(1) .
ــ
= عبد الله بن عمير، عن أبي ذر:" أي آية أعظم؟ قال: "آية الكرسي، ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة "، قال النووي: يحيى الأموي صدوق، ولعله رحمه الله أراد عطفه على ابن جرير، فقد رواه هو وأبو الشيخ والبيهقي وابن مردويه، عن أبي ذر، أنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال: " يا أبا ذر ما السماوات السبع، والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة ". وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد، وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد قال: " ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة، وما موضع كرسيه من العرش، إلا مثل حلقة في أرض فلاة "، أي وسط فلاة، بل عد بعض أهل العلم أن السماوات السبع والأرضين السبع، وما فيهما وما بينهما بالنسبة إلى العرش، كحلقة في فلاة من الأرض، من المتواتر، وفيه دلالة على عظم العرش بالنسبة إلى الكرسي، وتقدم أنه فوق السماوات كالقبة. قال شيخ الإسلام: العرش مقبب، ولم يثبت أنه مستدير مطلقا، بل ثبت أنه فوق الأفلاك، وأن له قوائم، فيجب أن يعلم أن العالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى الخالق جل وعلا في غاية الصغر.
(1)
فهو سبحانه فوق جميع المخلوقات، مستو على عرشه بائن من خلقه، فله العلو الكامل من جميع الوجوه، علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات. =
أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله (1) .
ــ
= قال شيخ الإسلام: ((وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وسنة نبيه، وكلام الصحابة والتابعين، وكلام سائر الأمة، مملوء بما هو إما نص أو ظاهر أن الله فوق كل شيء، وأنه فوق العرش، فوق السماوات، مستو على عرشه)) . وقال أبو عمرو الطلمنكي في كتاب الأصول: أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته. وقال فيه أيضا: أجمع أهل السنة على أن الله استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز. ثم قال: أجمع المسلمون أن معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} 1. ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمه، وأن الله فوق السماوات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء، وهذا كثير في كلام الصحابة والتابعين، والأئمة المهتدين، أثبتوا ما أثبته الله في كتابه، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بجلال الله وعظمته، ونفوا عنه مشابهة المخلوقين، ولم يمثلوا ولم يكيفوا، وبدعوا وضللوا من خالفه من الجهمية النفاة. وذكر ابن القيم مائة دليل من القرآن، وذكر أن عليه إجماع المرسلين، وليس في كتاب الله، ولا في سنة رسوله، ولا جاء عن أحد من السلف المقتدى بهم حرف واحد يخالفه.
(1)
يعني ابن مسعود. وابن مهدي هو: عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري مولاهم، أبو سعيد البصري، ثقة حافظ، عارف بالرجال والحديث، قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه. روى عن جرير وعكرمة وخلق، وعنه ابن المبارك وابن وهب وخلق، مات سنة 198 هـ. وحماد هو: ابن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة، مولى تميم ويقال قريش، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، روى عن ثابت وقتادة وخلق، وعنه ابن جريج والثوري وابن المبارك وخلائق، مات سنة 160 هـ. وعاصم هو: ابن بهدلة وهو ابن أبي النجود الأسدي مولاهم، الكوفي =
1 سورة الحديد آية: 4.
ورواه بنحوه المسعودي، عن عاصم، عن أبي وائل (1)، قال: وله طرق.
وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ (2)، قلنا: الله ورسوله أعلم (3) .
ــ
= أبو بكر المقرئ، صدوق روى عن زر وأبي وائل وأبي صالح وخلق، وعنه الأعمش والحمادان وجماعة، مات سنة 127 هـ، وزر بكسر الزاي وتشديد الراء بن حبيش ابن حباشة بن أوس بن بلال، الأسدي الكوفي، أبو مريم، ثقة جليل، أدرك الجاهلية، وروى عن عمر وعلي وغيرهما، وعنه إبراهيم النخعي وعاصم وخلق، مات سنة 83 هـ، وله 137 سنة.
(1)
هو سعيد بن سلمة الأسدي الكوفي، أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، روى عن أبي بكر وغيره من الصحابة، أدرك سبعا من الجاهلية، ومات سنة 72 هـ. والمسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي، ثقة روى عن أبي إسحاق السبيعي، وعلقمة والقاسم وغيرهم، وعنه السفيانان وشعبة وعاصم وخلق، مات سنة 166 هـ.
(2)
وأخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة، وابن المنذر، والطبراني، وأبو الشيخ، وأبو عمرو الطلمنكي، واللالكائي، وابن عبد البر، والبيهقي وغيرهم.
(3)
أخرج السؤال بصيغة الإستفهام ليكون أبلغ في النفوس.
فيه حسن الأدب مع الله، وإسناد العلم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حال حياته، وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فيقال: الله أعلم.
قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة (1) ، وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض (2) ، والله فوق ذلك، لا يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم ". رواه أبو داود وغيره (4) .
ــ
(1)
الكثف السمك والغلظ، ضد اللطافة، ويدل على المسافة بينهما ظاهر قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} 1. وفيه عظم السماوات، وسعة ما بينهن، وكذا الأرض مثلهن.
(2)
وتقدم في حديث ابن مسعود: " وبين الكرسي والماء خمسمائة عام ". ولا منافاة بينهما؛ لأن الكرسي فوق السماوات، وهذا من أبهر آيات الله كما أن الأرض مغمورة بالبحر، واليابس منها نحو الربع، وهي محفوفة بعنصر الماء، كأنها عنبة طافية عليه، وهو فوقها ولا يطغى عليها، وإنما انحسر الماء عن بعض جوانبها، لما أراد الله من تكوين الحيوانات فيها، وعمرانها ببني آدم، الذي له الخلافة على سائرها، فكذا السماوات بينها وبين العرش بحر، سمكه طول ما بين السماء والأرض.
(3)
هذا الحديث كأمثاله يدل على علو الله وعظمته، وعظم مخلوقاته، وفيه التصريح بأن الله فوق خلقه على عرشه، بائن من خلقه، كما جاء بذلك الكتاب والسنة، وله شواهد في الصحيحين وغيرهما، وأورده المصنف مختصرا، والذي في سنن أبي داود عن العباس بن عبد المطلب، قال:" كنت في البطحاء، في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة، فنظر إليها فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا: السحاب. قال: " والمزن " قالوا: والمزن قال: =
1 سورة الطلاق آية: 12.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= "والعنان" قالوا: والعنان "1. قال أبو داود: ولم أتقن العنان جيدا.
قال: " هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض؟ قالوا: لا ندري. قال: إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، ثم السماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سماوات، ثم فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أو عال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهم العرش، بين أسفله وأعلاه كما بين سماء إلى سماء، ثم الله فوق ذلك "2. أخرجه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب. وقال الذهبي: رواه أبو داود بإسناد حسن، وروى أحمد والترمذي نحوه من حديث أبي هريرة، وفيه:" بعد ما بين سماء إلى سماء خمسمائة عام، وكذلك الأرضون ". ولفظ أحمد في الأرضين سبعمائة عام، حتى عد سبع أرضين، ولا منافاة بينها؛ لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو بسير القافلة، ونيف وسبعين على سير البريد، وحكى شيخ الإسلام وغيره الإجماع على أنها مستديرة، والمراد كل واحدة فوق الأخرى محيطة بها، والتي تحتها في وسطها، حتى ينتهي الأمر إلى السفلى، وفي وسطها المركز، وقال: الأفلاك مستديرة بالكتاب والسنة والإجماع.
1 الترمذي: تفسير القرآن (3320)، وأبو داود: السنة (4723)، وابن ماجه: المقدمة (193) .
2 الترمذي: تفسير القرآن (3320)، وأبو داود: السنة (4723)، وابن ماجه: المقدمة (193) .
خاتمة
ابتدأ المصنف رحمه الله هذا المصنف القيم الذي لم يسبق إليه ببيان توحيد الإلهية؛ لأن أكثر الأمة ممن تأخر قد جهلوا هذا التوحيد، وأتوا بما ينافيه من الشرك والتنديد، فقرره كما ترى أحسن تقرير وأبينه، ثم ختم كتابه بتوحيد الأسماء والصفات؛ ليكون هذا الكتاب حاويا لأنواع التوحيد الثلاثة التي أشار إليها العلامة ابن القيم بقوله:
والعلم أقسام ثلاث ما لها
…
من رابع والحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله وفعله
…
وكذلك الأسماء للرحمن
والأمر والنهي الذي هو دينه
…
وجزاؤه يوم المعاد الثاني
ولأن هذا العلم قد خاض فيه من ينتسب إليه ممن قد أخذ عن أهل الكلام وغيرهم، لظنهم أنهم على شيء، فقرروا مذهب الجهمية، وألحدوا في توحيد الأسماء والصفات، وخالفوا ما دلت عليه الآيات المحكمات، والنصوص الثابتة عن الثقات من غير التفات، فهدى الله هذا الإمام - قدس الله روحه - إلى معرفة التوحيد، فقرره ووضحه بالأدلة من الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة، ولقد – والله - وضح التوحيد الذي أرسلت من أجله الرسل، وأنزلت الكتب، أحسن توضيح، وبينه أبين تبيين، وزيف الشرك، وحذر منه أبلغ تحذير، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء، ورفع درجته في المهديين، ونظمنا في سلكهم أجمعين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.