المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في التطير - حاشية كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌كتاب التوحيد

- ‌باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

- ‌باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء فى النشرة

- ‌باب ما جاء في التطير

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌باب قول الله تعالي: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

- ‌باب ما جاء في الرياء

- ‌باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

- ‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

- ‌باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب قول: ما شاء الله وشئت

- ‌باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌باب لا يقال السلام على الله

- ‌باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب لا يقول عبدي وأمتي

- ‌باب لا يرد من سأل بالله

- ‌باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في "لو

- ‌باب النهي عن سب الريح

- ‌باب قول الله تعالى: {يظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}

- ‌باب ما جاء في منكري القدر

- ‌باب ما جاء في المصورين

- ‌باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه

- ‌باب ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب لا يشفع بالله على خلقه

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الفصل: ‌باب ما جاء في التطير

‌باب ما جاء في التطير

(1)

ــ

(1)

أي من النهي عنه والوعيد فيه، مصدر تطير يتطير، والطيرة اسم مصدر من تطير طيرة، كما يقال تخير خيرة، ولم يجيء في المصادر على هذه الزنة غيرهما، والتطير التشاؤم بالشيء بما يقع من المرئيات أو المسموعات في قلوب أهل الشرك والعقائد الضعيفة، الذين لا يجعلون توكلهم على الله، وأصله التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء والعطاس والنجوم وغير ذلك، فكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر، وإنما هو خواطر وحدوس وتخمينات لا أصل لها. قال المدائني:((سألت رؤبة بن العجاج ما السانح؟ قال: ما ولاك ميامنه، قلت: فما البارح؟ قال: ما ولاك مياسره، والذي يجيء من خلفك فهو القاعد والقعيد)) . اهـ.

ومن العرب من يتشاءم بالبارح، ويتبرك بالسانح وبالعكس، ولم تكن قاطبة تعتقد هذا وتقول به، بل قد جاء عن بعضهم إنكاره ومنه:

وما أنا ممن يزجر الطير همه

أطار غراب أم تعرض ثعلب

ولا السانحات البارحات عشية

أمَرَّ سليم القرن أم مَرّ أعضب

وغير ذلك مما هو مشهور عنهم، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام حين سئل عنه قال:"ذلك شيء يجده أحدكم فلا يصدنه". وقال: "إذا تطيرت فلا ترجع". ولا يضر إلا من أشفق منه وخاف واعتنى به، فيكون أسرع إليه من السيل إلى منحدره، وتفتح له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه، ويفتح له الشيطان من المناسبات القريبة والبعيدة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه، وينكد عليه عيشه، ولما كان التطير من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب؛ لكونه من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، ولكونه يتعلق القلب به خوفا وطمعا، ولكونه منافيا للتوكل على الله، واعتقاد نفع أو ضر بسبب طائر ونحوه، أفرده المصنف رحمه الله بالترجمة، وإن كان من الشرك الأصغر فهو من أقبح الشرك.

ص: 212

وقول الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 1 (2) . وقوله: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} 2 الآية (3) .

ــ

(1)

(ألا) أداة تنبيه، و (إنما) أداة حصر، أي إنما جاءهم الشؤم من قبله، قدره وقضاه عليهم بكفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله، ردا لمقالة آل فرعون الكاذبة الباطلة، حيث قال الله تعالى عنهم:{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} أي الخصب والرخاء والسعة والعافية،:{قَالُوا لَنَا هَذِهِ} أي نحن الجديرون والحقيقون به، ونحن أهله،:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} بلاء وقحط،:{يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} 3 فيقولون: هذا بسبب موسى وأصحابه أصابنا بشؤمهم كما يقول المتطير لمن يتطير به، فأخبر سبحانه أن طائرهم عنده، فقال تعالى:{أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} ، أي ليس شؤمهم إلا عند الله، أي من قبله وحكمه الكوني القدري. قال ابن عباس:((طائرهم ما قضي عليهم وقدر لهم)) . وقال الزجاج: ((الشؤم الذي وعدوا به من العقاب عنده، لا ما ينالهم في الدنيا)) .

(2)

تسجيل على أكثرهم بالجهالة وعدم العلم، وأنهم لا يدرون، ولو فهموا وعقلوا لعلموا أن موسى ما جاء إلا بالخير والبركة والفلاح لمن آمن به واتبعه.

(3)

وهذه الآية أيضا رد على من كذب الرسل، فأصيبوا بالبلاء، فإنهم لما ضاقت عليهم الحيل وعييت عليهم العلل، ادعوا أن سبب البلاء جاء من قبل الرسل وبسببهم، ف:{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} 4، فقالت لهم الرسل:{قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي سبب شؤمكم، أو حظكم وما نالكم من شر معكم بسبب أفعالكم وكفركم، لا من قبلنا كما تزعمون، ولا بسببنا بل ببغيكم وعدوانكم، وسوء عقيدتكم وقبح أعمالكم، فما وقع بكم من الشر فعملكم الخبيث سببه الجالب له، وذلك بقضاء الله وقدره وحكمته وعدله، ويحتمل أن يكون المعنى:{طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي راجع عليكم، فالتطير الذي حصل =

1 سورة الأعراف آية: 131.

2 سورة يس آية: 19.

3 سورة الأعراف آية: 131.

4 سورة يس آية: 18.

ص: 213

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طيرة (1)

ــ

= لكم إنما يعود عليكم، وقوله:{أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} 1 أي من أجل أنّا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله قابلتمونا بهذا الكلام،:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} 2. قال قتادة: أئن ذكرناكم بالله تطيرتم بنا؟ ومناسبة الآيتين للترجمة أن التطير من عمل الجاهلية المشركين، وقد ذمهم الله به ومقتهم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التطير، وأخبر أنه شرك كما سيأتي.

(1)

العدوى الفساد وما يعدي من جرب وغيره، أي يتجاوز من واحد إلى آخر من الإعداء كالدعوى، يقال أعداه الداء يعديه إعداء. إذا أصابه مثل ما بصاحب الداء، وذلك بأن يكون ببعير جرب مثلا فتتقى مخالطته بإبل أخرى حذرا أن يتعدى ما به من الجرب إليها، فيصيبها ما أصابه فأبطله الإسلام؛ لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه وطبعه يتعدى، فأخبر عليه الصلاة والسلام أن الله هو الذي يمرض وينزل الداء. فإن قيل: جاء عنه صلى الله عليه وسلم " وفر من المجذوم كما تفر من الأسد "، وقال:" لا يورد ممرض على مصح "3.

وقال في الطاعون: " من سمع به في أرض فلا يقدم عليه "4. قيل: اختلف العلماء في ذلك، والأولى ما قاله البيهقي وابن القيم وابن رجب وغيرهم من أهل التحقيق في ذلك وهو أن قوله: "لا عدوى" على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله، وأن الأمور تتعدى بطبعها، وإلا فقد يجعل الله بمشيئته وتقديره مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سببا لحدوث ذلك، أو ذريعة إلى إعدائه أو لأذيته بالتوهم والخوف، وذلك سبب لإصابة المكروه به. ولهذا قال: " فر من المجذوم "5. ولما قال عليه الصلاة والسلام: " لا يعدي شيء. قال له أعرابي: النقبة من الجرب تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها، فقال: فمن أجرب الأول؟ لا =

1 سورة يس آية: 19.

2 سورة الأعراف آية: 81.

3 الترمذي: الأشربة (1866)، وأبو داود: الأشربة (3687) .

4 الترمذي: البيوع (1295)، وابن ماجه: الأشربة (3381) .

5 البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (7288)، ومسلم: الحج (1337)، والنسائي: مناسك الحج (2619)، وابن ماجه: المقدمة (1 ،2) ، وأحمد (2/247 ،2/258 ،2/313 ،2/355 ،2/428 ،2/447 ،2/456 ،2/467 ،2/482 ،2/495 ،2/508) .

ص: 214

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، خلق الله كل نفس وكتب حياتها ومصائبها ورزقها ". رواه أحمد وغيره، فأخبر أن ذلك كله بقضاء الله وقدره، ولكن العبد مأمور باتقاء الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء، وفي النار، فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم، فإن هذه أسباب للمرض والتلف.

قال ابن حبيب في المجذومين: يحكم عليهم بتنحيتهم ناحية، إذا كثروا، وهو الذي عليه فقهاء الأمصار، وأرسل عليه الصلاة والسلام إلى المجذوم في وفد ثقيف:" ارجع فقد بايعناك "1. وإذا قوي توكل العبد جاز له، كما أخذ عليه الصلاة والسلام بيد المجذوم، وقال: " كل، بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه "2.

وقوله: "ولا طيرة" يحتمل أن يكون نفيا أو نهيا أي لا تطيروا، والخبر قطعا يدل على أن المراد النفي والإبطال لهذه الأمور التي كانت الجاهلية تعانيها، والنفي في هذا أبلغ من النهي؛ لأن النفي يدل على بطلان ذلك وعدم تأثيره، والنهي إنما يدل على المنع منه، ولما قيل له عليه الصلاة والسلام:" ومنا أناس يتطيرون. قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم "3. فأخبر أن تأثيره وتشاؤمه بالطير إنما هو في نفسه وعقيدته، لا في المتطير به، فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده لما رآه وسمعه، فبين فساد الطيرة، وأن الله لم يجعل فيها دلالة، ولا نصبها سببا. وفي المصباح: ((كانت العرب إذا أرادت المضي لمهم مرت بمجامع الطير وأثارتها لتستفيد هل تمضي أو ترجع؟ فنهى الشارع عن ذلك، وقال: "لا هامة ولا طيرة"، وقال: "أقروا الطير في وكناتها" أي على مجاثمها)) . اهـ. ومر طائر يصيح فقال رجل: - خير خير. فقال ابن عباس: لا خير ولا شر، فأنكر عليه لئلا يعتقد تأثيره، وصاح غراب فقال رجل: خير. فقال طاووس: وأي خير عند هذا؟ لا تصحبني.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام: " إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس "4. ونحوه فالمراد لمن يتشاءم بها، فيكون شؤمها عليه، وإلا فمن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشؤومة عليه =

1 الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2518)، والنسائي: الأشربة (5711) ، وأحمد (1/200)، والدارمي: البيوع (2532) .

2 أبو داود: الجهاد (2716) .

3 الترمذي: البيوع (1289)، والنسائي: قطع السارق (4958)، وأبو داود: اللقطة (1710) والحدود (4390) .

4 مالك: الجهاد (994) .

ص: 215

ولا هامة ولا صفر " أخرجاه (1) .

ــ

= لحديث أنس: " الطيرة على من تطير".

وقال ابن القيم: إخباره بالشؤم ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها الله، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشؤومة على من قاربها وساكنها، وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، كما يعطي الوالدين ولدا مباركا يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولدا مشؤوما يريان الشر على وجهه، والله خالق الخير والشر، فيخلق بعض هذه الأعيان مباركة، ويقضي بسعادة من قاربها، ويخلق بعضها مشؤومة يتضرر بها من قاربها، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، كما خلق سائر الأسباب، وكما خلق المسك وضده، وذلك مدرك بالحس، فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر.

(1)

الهامة بتخفيف الميم وقد تشدد: البومة، إذا وقعت إلى بيت أحدهم يقول: نعت إلي نفسي، أو أحدا من أهل داري، أو يخرب المنزل، وقيل: إن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت، وقيل: روحه تنقلب هامة تطير، ولا تزال تنادي على قبره ونحوه، للأخذ بثأره. قال النووي:((ويجوز أن يكون المراد النوعين، فإنهما جميعا باطلان، وجاءت السنة بنفي ذلك وإبطاله، وضلالة الجاهلية فيما تعتقده من ذلك)) .

و"صفر" بفتح الفاء قيل: المراد تأخيرهم المحرم إلى صفر، وهو النسيء الذي كانوا يفعلونه، يحلون المحرم ويحرمون صفر مكانه، وكانوا يتشاءمون بصفر، ويقولون: إنه شهر مشؤوم، فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك، والتشاؤم به من جنس الطيرة المنهي عنها، وكذلك التشاؤم بيوم من الأيام، وتشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح خاصة. وقيل: صفر حية في البطن، وهي دود تصيب الماشية والناس، وربما قتلت صاحبها، وكانت أعدى من الجرب عند العرب، وهذا المشهور عند أكثر أهل العلم، منهم: سفيان وأحمد والبخاري وجابر بن عبد الله وهو راوي الحديث، ويجوز أن يكونا مرادين معا، وأن الصفرين جميعا باطلان.

ص: 216

زاد مسلم: " ولا نوء ولا غول (1) "1.

ولهما عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل (2) .

ــ

(1)

النوء واحد الأنواء يزعمون أنهم يمطرون به، وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، والغول بالضم اسم وجمعه أغوال وغيلان، قال الجمهور: كانت العرب تزعم أن الغول، وهي جنس من الشياطين في الفلاة، تتراءى للناس وتتلون تلونا في صور شتى، فتضلهم عن الطريق فتهلكهم، فنفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله، ويقال: ليس المراد نفي وجود الغول، بل ما تزعمه العرب من تصرفه في نفسه أو أنها لا تستطيع أن تضل أحدا مع ذكر الله، لحديث:" لا غول ولكن السعالي سحرة الجن "، أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، ومنه الحديث:" إذا تغولت الغيلان، فبادروا بالأذان "، أي ادفعوا شرها بذكر الله، فدل أنه لم يرد بنفيها عدمها.

(2)

الفأل مهموز فيما يسوء ويسر، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء، وإنما أعجبه الفأل لأنه حسن ظن بالله، والعبد مأمور بحسن الظن بالله، وإذا أمل الفائدة منه ورجا العائدة من كل سبب ضعيف أو قوي فهو على خير، والتشاؤم سوء ظن بالله، وإذا قطع الإنسان ظنه بالله كان عمله من الشر، والطيرة فيها سوء ظن بالله، وتوقع للبلاء، والتفاؤل نحو أن يكون الرجل مريضا فيسمع من يقول: يا سالم، أو يا مفلح، أو يكون طالبا ضالة فيسمع من يقول: يا واجد، فيقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه ويجد ضالته، وتفرح نفسه وتنشط من غير اعتماد عليه، وإنما هو حسن ظن بالله، وإن أوجب مضيا أو ردا صار من الطيرة. ولما طلع سهيل بن عمرو عام الحديبية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سهل أمركم ".

1 مسلم: السلام (2220) .

ص: 217

قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة (1) "1.

ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر (2) قال: " ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنها الفأل (3) ،

ــ

(1)

بين صلى الله عليه وسلم أن الفأل يعجبه، فدل على أنه ليس من الطيرة المنهي عنها. قال ابن القيم: ليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة، وموجب الفطرة الإنسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها، والله جعل في غرائز الناس الإعجاب بسماع الاسم الحسن ومحبته، وميل نفوسهم إليه، وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور باسم الفلاح والسلامة والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز والظفر ونحو ذلك، فإذا سمعت الأسماع أضدادها أوجب لها ضد هذه الحال، فأحزنها وأثار لها خوفا وتطيرا وانكماشا، وانقباضا عما قصدته وعزمت عليه، فأورث لها ضررا في الدنيا ونقصا في الإيمان ومقارفة للشرك.

(2)

صوابه عن عروة بن عامر، وكذا رواه العسكري من طريق حبيب بن أبي ثابت عنه، كما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وهو مكي اختلف في نسبه، فقال أحمد: عروة بن عامر القرشي. وقال غير: هـ الجهني. واختلف في صحبته، وقال المزي:((لا صحبة له تصح)) .

(3)

تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ويعجبني الفأل "2. وصحح الترمذي أنه كان إذا خرج لحاجة يحب أن يسمع يا نجيح يا رشيد، ولأبي داود إذا بعث عاملا سأله عن اسمه، فإذا أعجبه فرح به، وإذا كره اسمه رئي كراهية ذلك في وجهه، ففيه استعمال الفأل. قال ابن القيم: ((أخبر أن الفأل من الطيرة، وهو خيرها، فأبطل الطيرة، وأخبر أن الفأل منها، ولكنه خير منها، ففصل بين الفأل والطيرة؛ لما بينهما من الامتياز والتضاد ونفع أحدهما ومضرة الآخر)) .

1 البخاري: الطب (5776)، ومسلم: السلام (2224)، والترمذي: السير (1615)، وأبو داود: الطب (3916)، وابن ماجه: الطب (3537) ، وأحمد (3/118 ،3/130 ،3/154 ،3/173 ،3/178 ،3/251 ،3/275 ،3/277) .

2 البخاري: الجهاد والسير (3073)، والنسائي: الزكاة (2448) .

ص: 218

ولا ترد مسلما (1)، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت (2) ، ولا حول ولا قوة إلا بك (3) " 1.

وعن ابن مسعود مرفوعا: " الطيرة شرك الطيرة شرك (4) .

ــ

(1)

أي لا ترد المسلم عن شيء قصده لإيمانه أنه لا نافع ولا ضار إلا الله، وإنما ترد المشرك الذي يعتقدها، قال الطيبي:((تعريض بأن الكافر بخلافه)) .

(2)

أي لا تأتي الطيرة بالحسنات، ولا تدفع المكروهات بل أنت وحدك لا شريك لك الذي تأتي بالحسنات وتدفع السيئات، والحسنات هنا النعم، والسيئات المصائب. كقوله:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} 2 إلى قوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} 3، ففيه نفي تعليق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر، وهذا هو التوحيد، وفيه التصريح بأنها لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا، فيعد من اعتقدها سفيها مشركا.

(3)

أي ولا تحول ولا انتقال من حال إلى حال، ولا قوة على ذلك إلا بالله وحده لا شريك له، وهذا استعانة به سبحانه على فعل التوكل وعدم الالتفات إلى الطيرة التي قد تكون سببا لوقوع المكروه عقوبة لفاعلها، ومعاملة له بنقيض قصده، وهذا الدعاء إنما يصدر عن حقيقة التوكل الذي هو أقوى الأسباب في جلب الخيرات ودفع المكروهات.

(4)

ولفظ أبي داود: " الطيرة شرك الطيرة شرك الطيرة شرك " 4 ثلاثا. وهذا صريح في تحريم الطيرة، وأنها من الشرك؛ لما فيها من تعلق القلب على غير الله، ولو لم يكن فيها إلا سوء الظن بالله لكفى بها قبحا. قال في شرح السنن:((وإنما جعل الطيرة من الشرك؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن الطيرة تجلب لهم نفعا أو تدفع عنهم ضرا إذا عملوا بموجبها، فكأنهم أشركوا مع الله)) .

1 أبو داود: الطب (3919) .

2 سورة النساء آية: 78.

3 سورة النساء آية: 79.

4 أحمد (5/425) .

ص: 219

وما منا إلا

ولكن الله يذهبه بالتوكل (1) "1. رواه أبو داود والترمذي وصححه (2) ، وجعل آخره من قول ابن مسعود (3) . ولأحمد من حديث ابن عمرو (4) :

ــ

(1)

أي وما منا أحد إلا ويعتريه ويخطر له ويقع في قلبه من الطيرة شيء، فحذف اعتمادا على فهم السامع، ولكن لما توكلنا على الله في جلب النفع ودفع الضر أذهبه الله عنا بتوكلنا عليه، واعتمادنا عليه والاستناد عليه. وللطبراني وغيره من حديث حارثة:" ثلاث لازمة أمتي: الطيرة والحسد وسوء الظن، قيل: وما يذهبهن؟ قال: إذا حسدت فاستغفر الله، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض ". قال المصنف: ((فيه أن الواقع في القلوب مع كراهته لا يضر، بل يذهبه الله بالتوكل)) .

(2)

ورواه ابن ماجه وابن حبان وغيرهم.

(3)

وهو قوله: وما منا إلا إلى آخره، نقله الترمذي عن سليمان بن حرب، ووافقه على ذلك أهل العلم وهو المتعين؛ فإنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الشرك بالإجماع. وقال ابن القيم: وهو الصواب؛ فإن الطيرة نوع من الشرك، كما هو في أثر مرفوع:" من ردته الطيرة فقد قارف الشرك "2.

(4)

هو أبو محمد عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، كان اسمه العاص فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، أحد السابقين المكثرين، وأحد العبادلة الفقهاء، من أحفظ الصحابة، واختلف في وفاته وموضعها، فقيل: مات بالطائف ليالي الحرة سنة 63هـ، وقيل غير ذلك.

1 الترمذي: السير (1614)، وأبو داود: الطب (3910)، وابن ماجه: الطب (3538) ، وأحمد (1/389 ،1/438 ،1/440) .

2 مسلم: البر والصلة والآداب (2577) ، وأحمد (5/160) .

ص: 220

" من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك (1) . قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك (2) "1.

وله من حديث الفضل ابن عباس (3)

ــ

(1)

وذلك أن الطيرة هي التشاؤم بالشيء المرئي أو المسموع، فإذا رده شيء من ذلك عن حاجته التي عزم عليها كإرادة السفر ونحوه، فمنعه عما أراده وسعى فيه ما رأى وما سمع تشاؤما فقد دخل في الشرك؛ لكونه لم يخلص توكله على الله بالتفاته إلى ما سواه، فكان للشيطان منه نصيب.

(2)

أي لا معبود بحق سواك، فإذا قال ذلك وأعرض عما وقع في قلبه، ولم يلتفت إليه كفر الله عنه ما وقع في قلبه ابتداء، لزواله من قلبه بهذا الدعاء المتضمن للاعتماد على الله وحده، والإعراض عما سواه، ففيه أن الطيرة لا تضر من كرهها، ومضى في طريقه، وأما من استرسل مع الشيطان في ذلك فقد يعاقب بالوقوع فيما يكره؛ لأنه أعرض عن واجب الإيمان بالله الذي الخير كله بيديه، يجلبه لعبده بمشيئته وقدرته وإرادته، ويدفع عنه الضر بقدرته وإحسانه، فلا خير إلا منه، وهو الذي يدفع الشر عن عبده، وما أصابه من ذلك فبذنبه، كما قال:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} 2. قال المصنف: الطيرة تعم أنواعا، منها ما لا إثم فيه كما قال عبد الله: وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل، فإذا وقع في القلب شيء وكرهه ولم يعمل به، بل خالفه وقال ذلك لم يضره شيء، فإن عمل من الحسنات شيئا فهو أبلغ وأتم في الكفارة، ولو قدرنا أن تلك الطيرة من الشرك الخفي أو الظاهر ثم تاب، وقال هذا الكلام على طريق التوبة فكذلك.

(3)

أي روى أحمد من حديث الفضل بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فبرح =

1 أحمد (2/220) .

2 سورة النساء آية: 79.

ص: 221

" إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك (1) "1.

ــ

= ظبي فمال في شقه فاحتضنته، فقلت: يا رسول الله تطيرت، فقال:"إنما الطيرة"

"2 إلى آخره، وفي إسناده انقطاع بين ابن مسلمة راويه وبين الفضل، شهد الفضل الفتح وحنينا، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان رديفه في حجة الوداع، وكان أكبر أولاد العباس، وبه يكنى، مات رضي الله عنه سنة 13هـ، وله 22 سنة.

(1)

هذا حد الطيرة المنهي عنها فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقاعدة كلية، وهي ما يحمل الإنسان على المضي فيما أراده أو يمنعه من المضي فيه، فتلك الطيرة، ومن مضى أو امتنع بسببها فقد أشرك، وأما الفأل الذي كان يحبه عليه الصلاة والسلام، ففيه نوع بشارة فيسربه العبد ولا يعتمد عليه، بخلاف ما يمضيه أو يرده؛ فإن للقلب عليه نوع اعتماد، وهذا فرق واضح بين الطيرة والفأل.

1 أحمد (1/213) .

2 أحمد (1/213) .

ص: 222