المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قول الله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك - حاشية كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌كتاب التوحيد

- ‌باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

- ‌باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء فى النشرة

- ‌باب ما جاء في التطير

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌باب قول الله تعالي: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

- ‌باب ما جاء في الرياء

- ‌باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

- ‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

- ‌باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب قول: ما شاء الله وشئت

- ‌باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌باب لا يقال السلام على الله

- ‌باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب لا يقول عبدي وأمتي

- ‌باب لا يرد من سأل بالله

- ‌باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في "لو

- ‌باب النهي عن سب الريح

- ‌باب قول الله تعالى: {يظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}

- ‌باب ما جاء في منكري القدر

- ‌باب ما جاء في المصورين

- ‌باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه

- ‌باب ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب لا يشفع بالله على خلقه

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الفصل: ‌باب قول الله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك

‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} 1.

ــ

(1)

ترجم المصنف رحمه الله بهذه الآية، الدالة على كفر من أراد التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن كان مع ذلك يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله والمرسلين قبله، كما ذكر ذلك في سبب نزولها أنها نزلت في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما، فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد، وذلك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف، كما ذكره المصنف. أو أنها نزلت في جماعة من المنافقين ممن أظهر الإسلام وأبطن الكفر، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية أو غير ذلك، والآية أعم من ذلك كله، فحيث كان التوحيد هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله مشتملا على الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم مستلزما له، نبه المصنف على ما تضمنه التوحيد واستلزمه، من تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع؛ إذ هذا هو مقتضى الشهادة ولازمها، فمن عرفها لا بد له من الانقياد لحكم الله، والتسليم لأمره الذي جاء على يد رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن شهد أن لا إله إلا الله، ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع، فقد كذب في شهادته. ومعنى الآية أن الله أنكر على من يدعي الإيمان بما أنزله الله على رسوله وعلى الأنبياء قبله، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} استفهام إنكار وتبكيت، وذم لمن =

1 سورة النساء آية: 60.

ص: 283

{وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} 1 الآيات (1) .

ــ

= عدل عن الكتاب والسنة، ورغب فيما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت ههنا، كما تقدم من قول ابن القيم: إنه ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فكل من حاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد حاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله عباده المؤمنين أن يكفروا به، أي بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه؛ فإن التحاكم ليس إلا إلى كتاب الله وسنة رسوله، ومن كان يحكم بهما. فمن حاكم إلى غيرهما فقد تجاوز به حده، وخرج عما شرعه الله ورسوله، وكذلك من عبد شيئا دون الله فإنما عبد الطاغوت، فهو الذي دعا إلى كل باطل وزينه لمن فعله، وهذا ينافي التوحيد؛ فإن التوحيد هو الكفر بكل طاغوت عبده العابدون من دون الله. فمن دعا إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد ترك ما جاء به الرسول، ورغب عنه، وجعله شريكا لله في الطاعة، وخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر الله به في قوله:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} 2 الآية. وفي آية الباب أنكر الله زعمهم الإيمان وأكذبهم؛ لما في ضمن (يزعمون) من نفي إيمانهم؛ فإن (يزعمون) إنما يقال غالبا لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب، يحققه قوله:{وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} ؛ لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد، فإذا اختل هذا الركن لم يكن موحدا، ومن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله، والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصح به الأعمال، وتفسد بفساده، كما في قوله:{وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} 3.

(1)

يعني أن الشيطان يريد أن يضل هؤلاء -المتحاكمين إلى الطاغوت- عن سبيل الحق والهدى ضلالا بعيدا، فيجور بهم جورا شديدا، فبين تعالى في هذه الآية أن التحاكم إلى الطاغوت مما يأمر به الشيطان، ويزينه لمن أطاعه، وأن ذلك مما أضل به الشيطان من أضله، وأكده بالمصدر، ووصفه بالبعد، فدل على أن ذلك من أعظم الضلال، والبعد عن الهدى، فلا يمكنهم الرجوع إلى الحق أبدا، =

1 سورة النساء آية: 60.

2 سورة النساء آية: 65.

3 سورة البقرة آية: 256.

ص: 284

وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} 1 (1) .

ــ

= {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} 2. فإن المنافقين يكرهون الحق وأهله، ويهوون ما يخالفه من الباطل، فيمتنعون بذلك من المصير إليك لتحكم بينهم، ويمنعون غيرهم، فبين تعالى صفتهم، وأن من فعل ذلك أو طلبه، وإن زعم أنه مؤمن فإنه في غاية البعد من الإيمان، قال ابن القيم: هذا دليل على أن من دعي إلى تحكيم الكتاب والسنة فأبى أنه من المنافقين، و (يصدون) لازم، وهو بمعنى يعرضون؛ لأن مصدره (صدودا) . وما أكثر من اتصف بهذا الوصف خصوصا من يدعي العلم، فإنهم صدوا عما توجبه الأدلة من كتاب الله وسنة نبيه إلى أقوال من يخطئ كثيرا، ممن ينتسب إلى الأئمة الأربعة في تقليدهم من لا يجوز تقليده، وجعلوا قوله المخالف لنص الكتاب والسنة وقواعد الشريعة هو المعتمد عندهم، الذي لا تصح الفتوى إلا به، بل ومن يجعل المعتمد النظم والقوانين الإفرنجية ويدعي الإسلام. وقال شيخنا:((المرتضي بالسياسات والقوانين كافر يجب قتله، وإن المنافقين أشد من الكفار الخلص، ومن ظن أن حكم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه فهو كافر بإجماع المسلمين فالله المستعان)) .

(1)

قال أبو العالية وغيره: يعني لا تعصوا في الأرض؛ لأن من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية الله فقد أفسد في الأرض، فدلت الآية على أن كل معصية فساد في الأرض. ومناسبة الآية للترجمة أن التحاكم إلى غير الله ورسوله من أعمال المنافقين، وهو من أعظم الفساد في الأرض، ولغرورهم المؤمنين بقولهم الذي لا حقيقة له، وموالاتهم الكافرين، يقولون: نريد أن نداري الفريقين، ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء، وفي الآية التنبيه على عدم الاغترار بأهل الأهواء، وإن زخرفوها =

1 سورة البقرة آية: 11.

2 سورة النساء آية: 61.

ص: 285

وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} 1 (1) .

وقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} 2 الآية (2) .

ــ

= بالدعوى، والتحذير من الاغترار بالرأي ما لم يقم على صحته دليل من كتاب أو سنة، ويترتب عليه من الفساد أمور كثيرة، تخرج صاحبها من الحق، وتدخله في الباطل.

(1)

قال أكثر المفسرين: أفسدوا فيها بالمعاصي، والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله لها ببعثة الرسل، وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله؛ فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به، هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة هو بالشرك بالله، ومخالفة أمره، ولا صلاح للأرض ولأهلها إلا أن يكون الله هو المعبود وحده دون ما سواه، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والإتباع له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وغيره وإنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة. ووجه مطابقة الآية للترجمة أن التحاكم إلى غير الله ورسوله من أعظم ما يفسد في الأرض من المعاصي، فلا صلاح لها إلا بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله وهو سبيل المؤمنين، قال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 3.

(2)

قال ابن كثير: ينكر تعالى على كل من خرج عن حكم الله، المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات والضلالات، كما يحكم به التتار من السياسات المأخوذة عن جنكسخان الذي وضع لهم كتابا مجموعا من أحكام اقتبسه من شرائع شتى، وفيها كثير من الأحكام أخذها عن مجرد نظره، وصار في بنيه شرعا، يقدمونه على الحكم بالكتاب والسنة، ومن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، =

1 سورة الأعراف آية: 56.

2 سورة المائدة آية: 50.

3 سورة النساء آية: 115.

ص: 286

عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "(1) .

ــ

= فلا يحكم بسواه في قليل ولا في كثير. وقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 1. استفهام إنكار، أي لا حكم أحسن من حكمه تعالى، وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس له في الطرف الآخر مشارك، أي ومن أعدل من الله حكما لمن عقل عن الله شرعه، وآمن وأيقن أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها، العليم بمصالح عباده، القادر على كل شيء، والحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.

(1)

الهوى مقصور، مصدر هواه أحبه، وشرعا: ميل النفس إلى مشتهيات الطبع. أي لا يكون مؤمنا كامل الإيمان حتى يكون ما تهواه نفسه وتحبه وتميل إليه. "تبعا" موافقا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يخرج عنه إلى ما يخالفه بحال، فهذه صفة أهل الإيمان الخلص، وأما إن كان بخلاف ذلك أو في بعض أحواله أو أكثرها، فإنه ينتفي عنه من الإيمان كماله الواجب، كما في حديث:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن "2 الحديث. يعني أنه بالمعصية ينتفي عنه كمال الإيمان الواجب وينقص إيمانه، فلا يطلق عليه الإيمان إلا بقيد المعصية أو الفسوق، فيقال: مؤمن عاص، أو يقال: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فيصير معه مطلق الإيمان الذي لا يصح إسلامه إلا به، لا الإيمان المطلق، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وبه جاء الكتاب والسنة، وأن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، خلافا للخوارج والمعتزلة؛ فإن الخوارج يكفرون بالذنوب، والمعتزلة لا يطلقون عليه الإيمان، ويقولون بتخليده في النار، وكلا الطائفتين ابتدع في الدين، وترك ما دل عليه الكتاب والسنة. وقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 3. فقيد ما دون الشرك بالمشيئة، وتواترت الأحاديث بما يحقق ما =

1 سورة المائدة آية: 50.

2 النسائي: الجهاد (3143)، وأبو داود: العتق (3965) ، وأحمد (4/384) .

3 سورة النساء آية: 48.

ص: 287

قال النووي: ((حديث صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح)) (1) .

ــ

= عليه أهل السنة، كما في الصحيحين وغيرهما:" أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، وما يزن خردلة، وما يزن ذرة من إيمان "1.

(1)

هذا الحديث رواه الشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي بإسناد صحيح في كتاب "الحجة على تارك المحجة"، وهو كتاب يتضمن ذكر أصول الدين على قواعد أهل الحديث والسنة. ورواه الطبراني وأبو بكر بن عاصم والحافظ أبو نعيم في الأربعين التي شرط لها أن تكون من صحيح الأخبار، ومعناه صحيح قطعا، وشاهده في القرآن كثير، كقوله تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} 2 الآية، وقوله:{مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} 3، وقوله:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إ} 4. ونحو هذه الآيات. وسمى الهوى المخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إلها، فقال:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} 5 أي لا يهوى شيئا إلا ركبه، ووصف المشركين باتباع الهوى في مواضع كثيرة من كتابه، وسائر البدع إنما تنشأ عن تقديم الهوى على محبة الله ومحبة ما يحبه. والنووي: هو محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن حزام بن محمد بن جمعة، الحزامي الحواربي الشافعي، الإمام المشهور، صاحب المصنفات المفيدة، ولد بنوى قرية من قرى دمشق سنة 631هـ، وتوفي سنة 676هـ.

1 البخاري: المناقب (3611)، ومسلم: الزكاة (1066)، والنسائي: تحريم الدم (4102)، وأبو داود: السنة (4767) ، وأحمد

(1/131) .

2 سورة النساء آية: 65.

3 سورة الأحزاب آية: 36.

4 سورة القصص آية: 50.

5 سورة الجاثية آية: 23.

ص: 288

وقال الشعبي: " كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة (1)، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد، عرف أنه لا يأخذ الرشوة (2) . وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود; لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة، فيتحاكما إليه (3) ،

ــ

(1)

الخصومة الجدل، وتخاصم القوم واختصموا تجادلوا وتنازعوا. والشعبي: هو عامر بن شراحيل الكوفي، عالم زمانه تقدمت ترجمته. قال مكحول:((ما رأيت أفقه منه)) . وروى ابن إسحق وغيره أنه كان بين الجلاس بن الصامت قبل توبته ومعتب بن قشير ورافع بن زيد وبشير، وكانوا يدعون الإسلام فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوهم إلى الكهان، فنزلت الآية. وروي عن ابن عباس أن المنافق اسمه بشر، فالله أعلم.

(2)

هي بتثليث الراء وأصلها من الرشاء الذي يوصل به إلى الماء، الجعل يعطيه أحد الخصمين للقاضي أو غيره ليحكم له، أو يحمل له على ما يريد، ورشاه أعطاه الرشوة، وراشاه مراشاة حاباه وصانعه.

(3)

جهينة حي مشهور من قضاعة، والكاهن: طاغوت يتحاكمون إليه كما في سائر أحياء العرب في الجاهلية، انتهى كلام الشعبي رحمه الله. رواه ابن جرير وابن المنذر بنحوه. وفيه ما يدل على أن المنافق يكون أشد كراهة لحكم الله ورسوله من اليهود والنصارى، وهو أشد عداوة منهم لأهل الإيمان، كما هو الواقع في هذه الأزمنة وقبلها من إعانتهم العدو على المسلمين، وحرصهم على إطفاء نور الإسلام والإيمان، ومن تدبر ما في التاريخ، وما وقع منهم من الوقائع، عرف أن هذا حال المنافقين قديما وحديثا، وقد حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من طاعتهم والقرب =

ص: 289

فنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} 1 " الآية (1) . وقيل: " نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف (2) .

ــ

= منهم، وحضه على جهادهم، فقال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} 2.

(1)

ولابن جرير وغيره في سبب نزولها، تفاخرت النضير وقريظة، فدخلوا المدينة إلى أبي برزة الكاهن الأسلمي، وذكر القصة. وأبو برزة هذا غير أبي برزة الصحابي.

(2)

يهودي من طيئ من بني نبهان، وأمه من بني النضير، وكان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم والأذى له، وقد خرج اللعين إلى مكة يحرض على قتاله صلى الله عليه وسلم، ويرثي قتلى بدر لقريش، ويفضل دين الجاهلية على دين الإسلام، ولما رجع إلى المدينة أخذ ينشد الأشعار، يهجو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم، فانتقض بذلك عهده، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" "من لي بكعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله ورسوله"؟ فقال محمد بن مسلمة: أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم" قال: فأذن لي أن أقول له شيئا، قال: "قل"، فأتاه فقال له: إن هذا الرجل قد سألنا الصدقة، وإنه قد عنانا، قال: وأيضا والله لتملنه، قال: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا، قال: نعم أرهنوني نساءكم، ثم قال: أبناءكم، ووعده أن يرهنه الأمة، فواعده أن يأتيه ليلا، فأتاه هو وأبو نائلة، ومعهما عباد ابن بشر وأبو عبس، فنزل إليهم، فقالت، له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ وفي =

1 سورة النساء آية: 60.

2 سورة التوبة آية: 73.

ص: 290

ثم ترافعا إلى عمر فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذلك؟ قال: نعم. فضربه بالسيف فقتله " (1) .

ــ

= رواية: أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم، قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة، ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب، قال محمد: فإذا جاء فإني مائل بشعره فأشمه، فإذا استمكنت منه فدونكم فاضربوه، فلما نزل متوشحا، قالوا: نجد منك ريح الطيب، قال: نعم تحتي فلانة أعطر نساء العرب، قال: تأذن لي أن أشمه؟ قال: نعم، فاستمكن منه، ثم قال: دونكم فقتلوه، وذلك في السنة الثالثة من الهجرة ".

(1)

هذه القصة رويت من طرق متعددة، فهي مشهورة متداولة بين السلف والخلف تداولا يغني عن الإسناد، وفيها أن المنافق المغموص بالنفاق، إذا أظهر نفاقه قتل، كما في الصحيحين وغيرهما. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك قتل من أظهر نفاقه منهم تأليفا للناس؛ فإنه قال:" لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه "1. وفيها أيضا أن من طعن في شيء من الدين، أو في أحكام النبي صلى الله عليه وسلم قتل، وأن معرفة الحق لا تكفي عن العمل والانقياد؛ فإن اليهود يعلمون أن محمدا رسول الله، ويتحاكمون إليه في كثير من الأمور.

1 البخاري: تفسير القرآن (4905)، ومسلم: البر والصلة والآداب (2584)، والترمذي: تفسير القرآن (3315) ، وأحمد (3/392) .

ص: 291