الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك
(1)
" عن أبي شريح، أنه كان يكنى أبا الحكم (2)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الحكم، وإليه الحكم (3) .
ــ
(1)
أي وجوب احترام أسماء الله تعالى، وهو تعظيمها ووجوب تغيير الاسم لأجل احترام أسماء الله تعالى، وذلك من تحقيق التوحيد. واحترمه: رعى حرمته وهابه، وغير الاسم: حوّله وبدله، وجعل غيره مكانه.
(2)
أبو شريح هو هانئ بن يزيد الكندي، أسلم يوم الفتح، له عشرون حديثا، اتفقا على حديثين منها، وانفرد البخاري بحديث، وروى عنه أبو سعيد المقبري، ونافع بن جبير وطائفة، قال ابن سعد مات بالمدينة سنة 68 هـ. و"يكنى" بسكون الكاف وفتحها، ما صدر بأم أو أب، وقد تكون بالأوصاف كأبي المعالي، أو إلى ما يلابسه كأبي هريرة، وقد تكون للعلمية الصرفة كأبي بكر، واللقب ما أشعر بمدح كـ (زين العابدين) ونحوه، أو ذم كأنف الناقة ونحوه.
(3)
الحكم اسم من أسماء الله تعالى، الذي إذا حكم لا يرد حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير الله تعالى. قال تعالى:{وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} 1. فهو سبحانه الحكم في الدنيا والآخرة، يحكم بين خلقه في الدنيا بوحيه الذي أنزله على أنبيائه ورسله، وما من قضية إلا وله تعالى فيها حكم مما أنزله على نبيه من الكتاب والحكمة، لكن قد يخفى على بعض الناس، وقد يسر الله معرفة أكثر ذلك لأكثر العلماء، فلا تجتمع هذه الأمة على ضلالة، وإن اختلفوا في بعض الأحكام فلا بد أن يكون المصيب فيهم واحدا، فمن رزقه الله قوة الفهم وأعطاه ملكة يقتدر بها على =
1 سورة الرعد آية: 41.
فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين (1) .
ــ
= فهم الصواب من أقوال العلماء ومستنداتهم، أدرك الصواب من ذلك. وإليه سبحانه الحكم، أي الفصل بين العباد في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} 1، وقال:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} 2 فالحكم إلى الله، هو الحكم إلى كتابه وكذا الرد إليه هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته، وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:"بم تحكم"؟ قال: بكتاب الله، قال:"فإن لم تجد؟ "، قال: بسنة رسول الله. قال: "فإن لم تجد"؟ قال: أجتهد رأيي. وهو من أجل علماء الصحابة، فساغ له الاجتهاد بخلاف ما يقع اليوم وقبله من أهل التفريط في الأحكام، ممن يجهل حكم الله ورسوله، فيظن أن الاجتهاد يسوغ له، مع الجهل بالكتاب والسنة. وأما يوم القيامة فلا يحكم بين الخلق إلا الله عز وجل يحكم بينهم سبحانه بعلمه، والحكم إنما هو بالحسنات والسيئات، يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر ظلامته إن كان له حسنات، وإلا أخذ من سيئات المظلوم فطرح على سيئات الظالم، ولا يظلم أحدا مثقال ذرة. وفيه دليل على المنع من التسمي بأسماء الله تعالى المختصة به، والمنع مما يوهم عدم الاحترام لها كالتكني بأبي الحكم ونحوه.
(1)
أي أنا لم أكن نفسي بهذه الكنية، وإنما كنت أحكم بينهم فكنوني بها، والمعنى - والله أعلم- أن أبا شريح كان مرضيا عند قومه، يتحرى ما يصلحهم إذا اختلفوا فيرضون صلحه، فسموه أبا الحكم لذلك، لأن مدار صلحه على الرضا لا على الإلزام، ولا على أحكام الكهان وأهل الكتاب، ولا إلى أوضاع الجاهلية. وأما ما يحكم به الجهلة من الأعراب ونحوهم فليس من هذا الباب، لما فيه من النهي الشديد، والخروج عن حكم الله ورسوله إلى ما يخالفه، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ =
1 سورة الشورى آية: 10.
2 سورة النساء آية: 59.
فقال: ما أحسن هذا! (1) فما لك من الولد؟ قلت: شريح ومسلم وعبد الله، قال فمن أكبرهم؟ قلت: شريح. قال فأنت أبو شريح " 1. رواه أبو داود وغيره (2) .
ــ
= الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} 2. وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 3 وهذا كثير، فمن الناس من يحكم بين الخصمين برأيه وهواه، ومنهم من يتبع في ذلك سلفه، ويحكم بما كانوا يحكمون به، ومنهم من يحكم بالقوانين اليونانية، وهذا كفر إذا استقر وغلب على من تصدى لذلك ممن يرجع الناس إليه إذا اختلفوا، وقد يلتحق بهذا بعض المقلدة لمن لم يسغ تقليده، فيعتمد على قول من قلده، ويدع ما دل عليه الكتاب والسنة.
(1)
أي ما أحسن هذا الحكم بينهم، لما صار صاحب إنصاف وتحر للعدل بينهم، والإرضاء لهم من الجانبين استحسنه صلى الله عليه وسلم، أو ما أحسن ما ذكرته من الكنية، والأول أولى.
(2)
فرواه النسائي والحاكم، وزاد:((فدعا له ولولده)) . وقال ابن مفلح: وإسناده صحيح، وكناه بالكبير فهو السنة، كما جاء في غير ما حديث، وإن لم يكن له ابن فيكنى بأكبر بناته، وكذلك المرأة، وغير كنيته صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله هو الحكم على الإطلاق، ومنه تسمية الأئمة بالحكام، فينبغي ترك ذلك والنهي عنه لهذا الحديث، وفيه الرعاية للأكبر منا في التكريم، وأن استعمال الاسم الشريف الحسن مكروه في حق من ليس كذلك.
1 النسائي: آداب القضاة (5387)، وأبو داود: الأدب (4955) .
2 سورة المائدة آية: 50.
3 سورة المائدة آية: 44.