المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا - حاشية كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌كتاب التوحيد

- ‌باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

- ‌باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء فى النشرة

- ‌باب ما جاء في التطير

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌باب قول الله تعالي: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

- ‌باب ما جاء في الرياء

- ‌باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

- ‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

- ‌باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب قول: ما شاء الله وشئت

- ‌باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌باب لا يقال السلام على الله

- ‌باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب لا يقول عبدي وأمتي

- ‌باب لا يرد من سأل بالله

- ‌باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في "لو

- ‌باب النهي عن سب الريح

- ‌باب قول الله تعالى: {يظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}

- ‌باب ما جاء في منكري القدر

- ‌باب ما جاء في المصورين

- ‌باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه

- ‌باب ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب لا يشفع بالله على خلقه

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الفصل: ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

(1)

وقال ابن عباس: " يوشك (2) أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر ".

ــ

(1)

أي شركاء مع الله، كما قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّض لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1. وإنما تجب طاعة الأحبار والرهبان إذا أمروا بطاعة الله، فهي تبع لا استقلال، وأما إذا أمروا بمعصية الله فلا سمع لهم ولا طاعة، " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " 2 كما هو معلوم بالضرورة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولما كانت هذه الطاعة من أنواع العبادة، بل هي العبادة، فإنها طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسن رسله، نبه المصنف بهذه الترجمة على وجوب اختصاص الرب تعالى بها، وأنه لا يطاع سواه إلا حيث كانت طاعته مندرجة تحت طاعة الله، والمقصود هنا الطاعة الخاصة في تحريم الحلال وتحليل الحرام.

(2)

"يوشك" أي يقرب ويدنو ويسرع، وهذا القول من ابن عباس رضي الله عنهما جواب لمن قال له: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لا يريان التمتع بالعمرة إلى الحج، ويريان إفراد الحج أفضل. وكان ابن عباس يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج واجب؛ لحديث سراقة بن مالك حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة، ويحلوا إذا طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة، =

1 سورة التوبة آية: 31.

2 البخاري: أخبار الآحاد (7257)، ومسلم: الإمارة (1840)، والنسائي: البيعة (4205)، وأبو داود: الجهاد (2625) ، وأحمد (1/94 ،1/129 ،1/131) .

ص: 276

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= فقال سراقة: ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: " بل للأبد". وحديث: " افعلوا ما أمرتكم به، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به " 1 في أحاديث. فلهذا قال ابن عباس -لما عارضوا الحديث برأي أبي بكر وعمر- ((يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء)) . الحديث. فإذا كان هذا قول ابن عباس في الخليفتين الراشدين، فكيف بمن ترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول من هو دونهم؟ وقال الشافعي:((أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد)) . وما زال العلماء يجتهدون في الوقائع، لكن إذا استبان لهم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم، وفي عصر الأئمة الأربعة إنما طلب الحديث ممن هو عنده باللقاء والسماع، ويسافر الرجل في طلب الحديث إلى الأمصار عدة سنين، ثم اعتنى الأئمة بالتصانيف، ودونوا الأحاديث، ورووها بأسانيدها، وبينوا صحيحها من حسنها من ضعيفها، وناسخها ومنسوخها، والفقهاء صنفوا في كل مذهب، وذكروا حجج المجتهدين، فسهل الأمر على طالب العلم، فعليه أن ينظر في مذاهب العلماء، وما استدل به كل إمام ويأخذ من أقوالهم ما دل عليه الدليل، إذا كان له ملكة يقتدر بها، كما قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} 2. وإذا لم يكن له ملكة، سأل أعلم من يجده؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 3. وفي كلام ابن عباس ما يدل على أنه من بلغه الدليل فلم يأخذ به تقليدا لإمامه فإنه يجب الإنكار عليه بالتغليظ؛ لمخالفة الدليل، وأجمع الأئمة على هذا، وأنه لا يسوغ التقليد إلا في مسائل الاجتهاد التي قد يخفى دليلها، فهذا هو الذي عناه العلماء بقولهم: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وأما من خالف الكتاب والسنة فيجب الرد عليه بالإجماع، وليس ما خالف الكتاب والسنة مذهبا لأحد من الأئمة، وهم أجل من أن يقال ذلك في حقهم، لتصريحهم بذلك، ونهيهم عن تقليدهم إذا استبانت السنة.

1 البخاري: الحج (1568)، والنسائي: مناسك الحج (2805) ، وأحمد (3/317) .

2 سورة النساء آية: 59.

3 سورة النحل آية: 43.

ص: 277

وقال الإمام أحمد: ((عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته (1) يذهبون إلى رأي سفيان (2) ،

ــ

(1)

أي عرفوا إسناد الحديث، وصحة إسناد الحديث، فإذا صح إسناد الحديث فهو دليل على صحة الحديث عند أهل الحديث وغيرهم من العلماء.

(2)

هو الثوري الإمام الزاهد الثقة الفقيه تقدمت ترجمته، كان له أصحاب يأخذون عنه، ومذهبه مشهور، يذكره العلماء في الكتب التي يذكر فيها مذاهب الأئمة، فقول الإمام أحمد إنكار منه لذلك، وأنه يؤول إلى زيغ القلوب الذي يكون به المرء كافرا، وقد عمت البلوى بهذا المنكر، خصوصا ممن ينتسب إلى العلم، نصبوا الحبائل في الصد عن الكتاب والسنة، كقولهم: لا يستدل بالكتاب والسنة إلا المجتهد والاجتهاد قد انقطع. وقولهم: الذي قلدناه أعلم منك بالحديث وبناسخه ومنسوخه، ونحو ذلك من الأقوال التي غايتها ترك الكتاب والسنة، والاعتماد على قول من يجوز عليه الخطأ، ومعه بعض العلم لا كله، وإن ظنوا أنهم اتبعوا الأئمة، فإنهم في الحقيقة قد خالفوهم واتبعوا غير سبيلهم، وذلك إنما نشأ عن الإعراض عن تدبر الكتاب والسنة، والإقبال على كتب من تأخر، والاستغناء بها عن الوحيين، والواجب على كل مكلف إذا بلغه الدليل أن ينتهي إليه ويعمل به، وإن خالفه من خالفه كائنا من كان، كما قال تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} 1. فإذا قرأ كتب العلماء ونظر فيها، وعرف أقوالهم، وجب عليه أن يعرضها على ما في الكتاب والسنة؛ فإن كل مجتهد من العلماء ومن تبعه وانتسب إلى مذهبه لا بد أن يذكر دليلا، والحق في المسألة واحد، والمنصف يجعل النظر في كلامهم وتأمله طريقا إلى معرفة المسائل، واستحضارها ذهنا، وتمييزا للصواب من الخطأ بالأدلة التي يذكرها المستدلون، وبذلك يعرف من هو أسعد بالدليل من العلماء، فيتبعه، والأئمة -رضي =

1 سورة الأعراف آية: 3.

ص: 278

والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1 (1) أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك (2) ؛

ــ

= الله عنهم- لم يقصروا في البيان، بل نهوا عن تقليدهم إذا استبانت السنة، لعلمهم أن من العلم شيئا لم يعلموه، وقد يبلغ غيرهم، وذلك كثير. وقال مالك:((كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وكلهم قالوا نحو ذلك، بل قال الشافعي:((إذا صح الحديث بما يخالف قولي فاضربوا بقولي الحائط)) . لكن في كلام أحمد إشارة إلى أن التقليد قبل بلوغ الحجة لا يذم، وإنما ينكر على من بلغته الحجة وخالفها لقول إمام من الأئمة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:" كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلوا. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله "2.

(1)

عداه بعن لتضمين معنى الإعراض، أي فليحذر الذين يلوذون عن أمره ويدبرون معرضين،

" أن يصيبهم فتنة " في الدنيا. قال الضحاك: ((يطبع على قلبه فلا يؤمن أن يظهر الكفر بلسانه فتضرب عنقه)) .: {أَوْ يُصِيبَهُمْ} في الآخرة: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} موجع على خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام: ((فإذا كان المخالف أمره قد حذر من الكفر والشرك أو من العذاب الأليم، دل على أنه قد يكون مفضيا إلى الكفر والعذاب الأليم، ومعلوم أن إفضاءه إلى العذاب الأليم هو مجرد فعل المعصية، فإفضاؤه إلى الكفر إنما هو لما يقترن به من الاستخفاف في حق الآمر كما فعل إبليس)) .

(2)

وفي رواية أبي طالب عنه قال: قال الله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} 3 فيدعون الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي.

1 سورة النور آية: 63.

2 البخاري: تفسير القرآن (4547)، ومسلم: العلم (2665)، والترمذي: تفسير القرآن (2994)، وأبو داود: السنة (4598)، وابن ماجه: المقدمة (47) ، وأحمد (6/48 ،6/124 ،6/132 ،6/256)، والدارمي: المقدمة (145) .

3 سورة البقرة آية: 217.

ص: 279

لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك)) (1) .

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه (2)" أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية ": {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} 1 الآية. " فقلت: إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ فقلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم ".

ــ

(1)

أي لعل الإنسان الذي تصح عنده سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رد بعض قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقع في قلبه شيء من الزيغ في ذلك، تنبيه منه رحمه الله أن رد قول الرسول صلى الله عليه وسلم سبب لزيغ القلب، وذلك هو الهلاك في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} 2. وفي رواية الفضل عنه: وجعل يتلو: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} 3 الآية. وإذا كان رفع الصوت فوق صوته سببا لحبوط العمل، فما ظنك برد أحكامه وسننه لقول أحد من الناس كائنا من كان، وإذ علمت أن مخالفة أمره سبب للشرك، علمت أن من رد قوله وخالف أمره لقول أحمد أو غيره له النصيب الكامل، والحظ الوافر من هذه الآية.

(2)

هو الطائي المشهور بالسخاء والكرم، ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي، بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طي بن أدد ابن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان، قدم عدي رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة 9هـ، فأسلم وثبت في الردة، وحضر فتوح العراق، وحروب علي، وعاش مائة وعشرين سنة، ومات سنة 68هـ.

1 سورة التوبة آية: 31.

2 سورة الصف آية: 5.

3 سورة النساء آية: 65.

ص: 280

رواه أحمد والترمذي وحسنه (1) .

ــ

(1)

وروي من طرق تثبت أنه محفوظ، فرواه ابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردوية والبيهقي وغيرهم. وقول عدي:"لسنا نعبدهم". ظن أن العبادة المراد بها التقرب إليهم بأنواع العبادة من السجود والذبح والنذر، وقوله:"أليس يحرمون" الخ صريح في أن طاعتهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام عبادة لهم من دون الله، ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، لقوله:{وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1. وقال: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} 2. وهذا قد وقع فيه كثير من الناس مع من قلدوه؛ لعدم اعتبارهم الدليل إذا خالف المقلد، وهو من هذا الشرك العظيم، والذنب الوخيم، ومنهم من يغلو في ذلك، ويعتقد أن الأخذ بالدليل غير ممكن اليوم كما تقدم. قال شيخ الإسلام: وهؤلاء الذين: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 3 حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وعكسه، يكونون على وجهين:

أحدهما: أنهم يعلمون أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل، اتباعا لرؤسائهم مع علمهم بأنهم خالفوا دين الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركا، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون.

الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال، وتحليل الحرام ثابتا، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص.

فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، ثم اتباع هذا المحرم والمحلل إن كان مجتهدا قصده اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه، ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إذا اتبعه على خطئه، فله نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله، وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزا عن معرفة الحق =

1 سورة التوبة آية: 31.

2 سورة الأنعام آية: 121.

3 سورة التوبة آية: 31.

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= على التفصيل، وقد فعل ما يقدر عليه مثله من الاجتهاد في التقليد، فهذا لا يؤاخذ إن أخطأ، وأما إن قلد شخصا دون نظيره بمجرد هواه، ونصره بيده ولسانه من غير علم أن الحق معه، فهذا من أهل الجاهلية، فإن كان متبوعه مصيبا كان عمله صالحا، وإن كان متبوعه مخطئا كان آثما، كمن قال في القرآن برأيه فإن أصاب فقد أخطأ، وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار. قال المصنف: وفيه تقريب الأحوال إلى هذه الغاية، حتى صارت عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال، وتسمى الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه، ثم تغيرت الأحوال إلى أن عبد من دون الله من ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين، وأما طاعة الأمراء ومتابعتهم بما يخالف ما شرعه الله ورسوله، فقد عمت به البلوى قديما وحديثا في أكثر البلاد، بعد الخلفاء الراشدين، وهلم جرا، وقد قال تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 1.

1 سورة القصص آية: 50.

ص: 282