المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في الرقى والتمائم - حاشية كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌كتاب التوحيد

- ‌باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

- ‌باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء فى النشرة

- ‌باب ما جاء في التطير

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌باب قول الله تعالي: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

- ‌باب ما جاء في الرياء

- ‌باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

- ‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

- ‌باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب قول: ما شاء الله وشئت

- ‌باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌باب لا يقال السلام على الله

- ‌باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب لا يقول عبدي وأمتي

- ‌باب لا يرد من سأل بالله

- ‌باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في "لو

- ‌باب النهي عن سب الريح

- ‌باب قول الله تعالى: {يظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}

- ‌باب ما جاء في منكري القدر

- ‌باب ما جاء في المصورين

- ‌باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه

- ‌باب ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب لا يشفع بالله على خلقه

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الفصل: ‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

(1)

في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري (2) أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره (3) " فأرسل رسولا (4) أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر (5)

ــ

(1)

أي من النهي عما لا يجوز من ذلك، وذكر ما ورد عن السلف في ذلك، ولم يجزم بكونهما من الشرك؛ لأن فيهما تفصيلا. (والرقى) جمع رقية، وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع. (والتمائم) جمع تميمة، خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها يتقون بها العين في زعمهم، ويتلمحون من اسمها أنه يتم لهم مقصودهم فأبطلها الشرع.

(2)

رضي الله عنه بفتح الباء وكسر الشين قال ابن سعد: اسمه قيس بن عبد الله، ويقال: ابن عبيد بن الحريث بمهملتين مصغر الحارث، ابن عمرو بن الجعد الساعدي، ويقال المازني، من بني مازن بن النجار. وقال ابن عبد البر وغيره: لا يوقف له على اسم صحيح، شهد الخندق وأحدا وهو غلام، روى عنه عباد وعمارة وغيرهما، ومات بعد الستين، ويقال إنه جاوز المائة، وحديثه في الصحيحين وغيرهما.

(3)

قال الحافظ: ((لم أقف على تعيينه)) .

(4)

هو زيد بن حارثة كما رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده.

(5)

يبقين بالياء المثناة والقاف المفتوحتين، ويحتمل أن يكون بضم الياء وكسر القاف. و "قلادة" فاعل على الأول، ومفعول على الثاني، وهي ما يعلق في رقبة البعير وغيره، من وتر ونحوه، والبعير يقع على الذكر والأنثى، وجمعه أبعرة =

ص: 82

أو قلادة إلا قطعت (1)"1. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " (2) رواه أحمد وأبو داود 2.

ــ

= وأباعر وبعران. والوتر بفتحتين واحد أوتار القوس، وكان أهل الجاهلية إذا اخلولق الوتر أبدلوه بغيره، وقلدوه الدواب، اعتقادا منهم أنه يدفع عن الدابة العين، ويدفع عنهم المكاره، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أنها لا ترد من أمر الله شيئا.

(1)

شك الراوي هل قال شيخه: "قلادة من وتر"، أو قال:"قلادة" وأطلق ولم يقيد. وروي عن مالك أنه سئل عن القلادة فقال: ما سمعت بكراهتها إلا في الوتر. ولأبي داود: "ولا قلادة" بغير شك، فتكون أو بمعنى الواو. قال البغوي: تأول مالك أمره عليه الصلاة والسلام بقطع القلائد على أنه من أجل العين، وذلك أنهم كانوا يشدون تلك الأوتار والتمائم والقلائد، ويعلقون عليها العوذ، يظنون أنها تعصمهم من الآفات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها، وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئا. ووجه الدلالة من الحديث أن الأوتار والتمائم في الحكم شيء واحد، ويؤيده قوله:" من تعلق تميمة فلا أتم الله له "3.

(2)

ولفظه عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود، أن " عبد الله رأى في عنقي خيطا فقال: ما هذا؟ قلت: خيط رقي لي فيه. قالت: فأخذه ثم قطعه، ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الرقى والتمائم والتولة شرك". فقلت: لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي، فإذا رقي سكنت، فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا رقي كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي =

1 البخاري: الجهاد والسير (3005)، ومسلم: اللباس والزينة (2115)، وأبو داود: الجهاد (2552) ، وأحمد (5/216)، ومالك: الجامع (1745) .

2 أبو داود: الطب (3883)، وابن ماجه: الطب (3530) ، وأحمد (1/381) .

3 أحمد (4/154) .

ص: 83

وعن عبد الله بن عكيم مرفوعا (1) : " من تعلق شيئا وُكِل إليه "1. رواه أحمد والترمذي (2) .

ــ

= لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما ". ورواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال: صحيح، وأقره الذهبي.

والمراد بالرقى المنهي عنها ما كان من جنس رقى الجاهلية، والتمائم ما يعلق على الحيوانات، من خرز ونحوه، ويأتي التفصيل فيهما. والتولة ممنوعة مطلقا إجماعا، قال الحافظ: التولة بكسر التاء وفتح الواو، شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها، وهو ضرب من السحر، وإنما كان من الشرك لما يراد به من دفع المضار، وجلب المنافع من غير الله تعالى. وقال علي رضي الله عنه:" إن كثيرا من هذه الرقى والتمائم شرك فاجتنبوها ". رواه وكيع، والإمام أحمد رحمه الله تقدمت ترجمته.

وأبو داود هو الإمام الحافظ سليمان بن الأشعث ابن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني صاحب الإمام أحمد، صنف السنن والمراسيل وغيرها. ولد سنة 202 هـ، وتوفي في شوال بالبصرة سنة 275هـ.

(1)

عكيم بضم العين المهملة مصغر، ويكنى أبا معبد الجهني الكوفي، مخضرم. قال البخاري وغيره: أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له سماع صحيح، ذكر أنه جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهينة قبل وفاته بشهر، قال الخطيب: سكن الكوفة، وقدم المدينة في حياة حذيفة، وكان ثقة، روى عنه ابن أبي ليلى وابن وهب والوزان وغيرهم، مات في إمرة الحجاج.

(2)

وقال: حسن غريب، وأبو داود والنسائي وغيرهما من طرق، والتعلق يكون بالقلب، ويكون بالفعل، ويكون بهما جميعا، فمن تعلق شيئا وكله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلقه، فمن تعلق بالله وأنزل حوائجه به والتجأ إليه، وفوض أمره إليه كفاه، ومن تعلق بغيره، أو سكن إلى رأيه وعقله ودوائه وتمائمه =

1 الترمذي: الطب (2072) .

ص: 84

التمائم شيء يعلق على الأولاد من العين (1) ، لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود رضي الله عنه (2) .

ــ

= ونحو ذلك، وكله الله إلى ذلك وخذله، وهذا أمر معروف بالنصوص والتجارب:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 1. وأخرج أحمد عن وهب: أوحى الله إلى داود: " يا داود أما وعزتي وعظمتي، لا يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات السبع ومن فيهن، والأرضون السبع ومن فيهن، إلا جعلت له من بينهن مخرجا، أما وعزتي وعظمتي، لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني، أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يديه، وأسخت الأرض من تحت قدميه، ثم لا أبالي بأي أوديتها هلك ". وشاهده في الكتاب والسنة.

والأشياء التي يتعلق بها على قسمين:

الأول: ما هو سبب، فهذا ينظر هل أباحه الشرع أو لا؟.

القسم الثاني: ما ليس بسبب، فلا يتعلق به بالكلية، والذي يتعلق به يشترط فيه شرطان:

أحدهما: أن يتحقق أنه سبب.

والثاني: أن يكون مباحا.

(1)

وكذا قال الخلخالي وغيره: التمائم جمع تميمة، وهي ما يعلق بأعناق الصبيان، من خرزات وعظام لدفع العين، وهذا منهي عنه؛ لأنه لا دافع إلا الله، ولا يطلب دفع المؤذيات إلا بالله وأسمائه وصفاته.

(2)

لأن النهي عام، وأما تخصيصه بغير تمائم القرآن فتخصيص بغير مخصص، وقد اختلف السلف في تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته، فروي عن بعضهم تجويز ذلك، منهم عبد الله بن عمرو وأحمد في رواية، وحملوا الحديث على التمائم التي فيها شرك. وقال بعضهم: لا يجوز ذلك، وهو قول ابن مسعود وابن عباس وعقبة وأحمد في رواية اختارها الأكثر؛ لهذا الحديث وما في معناه =

1 سورة الطلاق آية: 3.

ص: 85

والرقى هي التي تسمى العزائم (1) ، وخص منه الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة (2) .

ــ

= وصححه الشارح لوجوه:

(الأول) عموم النهي ولا مخصص للعموم.

(والثاني) أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة وغيرها من الحالات القذرة.

(والثالث) سد الذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك، ولو لم يكن إلا هذه العلة وحدها لكفى بها حجة في المنع، سدا لذرائع الشرك.

(والرابع) أنه صلى الله عليه وسلم قد كان يرقى ورقي، فلو كان تعليق تمائم القرآن جائزا لأمر به. وليس في كتاب الله تعالى، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يدل على إجازة تعليق شيء من القرآن، ولا ثبت عن أحد من الصحابة المقتدى بهم تجويزه ولا فعله مع توفر الدواعي إليه، وما ذاك إلا لأنه ينافي التوكل والإخلاص، ولعل عبد الله بن عمرو يعلقه في الألواح، لا أنه تميمة.

(1)

واحدتها عزيمة وهي الرقية، وعزم الراقي قرأ العزائم، أو العزائم آيات من القرآن تقرأ على ذوي العاهات، وقيل أنواع منها ما ينفث به على المريض، وما يجعل في ماء ويسقاه المريض، ومنها هذه العزائم التي تكتب في صحن ونحوه.

(2)

يشير إلى أن الرقى الموصوفة بكونها شركا هي التي يستعان فيها بغير الله، من دعاء غير الله، والاستغاثة والاستعاذة به، كالرقى بأسماء الملائكة والأنبياء والجن ونحو ذلك، وأما الرقى بالقرآن وأسماء الله وصفاته وما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حسن جائز، أو مستحب كما تقدم، وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك:" كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا" 1. قال الخطابي: وقد رقى ورقي، وأمر بها وأجازها، فإذا كانت بالقرآن وبأسماء الله فهي مباحة =

1 مسلم: السلام (2200)، وأبو داود: الطب (3886) .

ص: 86

والتولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته (1) . وروى الإمام أحمد عن رويفع (2) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا رويفع لعل الحياة ستطول بك (3) ،

ــ

= أو مأمور بها، وإنما جاء المنع فيما كان بغير لسان العرب، فإنه ربما كان كفرا، أو قولا يدخله الشرك.

قال شيخ الإسلام: كل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقى به فضلا عن أن يدعو به، ولو عرف معناه، وإنما يرخص لمن لا يحسنها، فأما جعل الألفاظ الأعجمية شعارا، فليس من دين الإسلام. قال السيوطي: أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون من كلام الله وبأسمائه وصفاته، وباللسان العربي وما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى.

(1)

وكذا قال غيره، وبهذا فسره ابن مسعود رضي الله عنه راوي الحديث، كما في صحيح ابن حبان والحاكم، قالوا:" يا أبا عبد الرحمن، هذه الرقى والتمائم قد عرفناها، فما التولة؟ قال: شيء تصنعه النساء يتحببن به إلى أزواجهن " وتقدم قول الحافظ، أنه من الشرك؛ لما يراد به من دفع ضر، أو جلب نفع من غير الله تعالى، وتسمى الصرف والعطف.

(2)

هو ابن ثابت بن السكن بن عدي بن الحارث، من بني مالك بن النجار الأنصاري، له ثمانية أحاديث، نزل البصرة، وولي برقة وطرابلس، فافتتح أفريقية سنة 47 هـ، وتوفي ببرقة سنة 56 هـ، والحديث رواه أبو داود من طريقين، والنسائي وغيرهما.

(3)

فيه علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم؛ فإن رويفعا طالت حياته إلى سنة 56 هـ.

ص: 87

فأخبر الناس (1) أن من عقد لحيته (2) ، أو تقلد وترا (3) ، أو استنجى برجيع دابة أو عظم (4) ،

ــ

(1)

فيه دليل وجوب إخبار الناس بما أمروا به ونهوا عنه، مما يجب فعله أو تركه، وليس مختصاً برويفع، بل كل من كان عنده علم ليس عند غيره مما يحتاج إليه الناس وجب إعلامهم به. فإن الله قد أخذ العهد على العلماء، فإن اشترك هو وغيره في علم ذلك فالتبليغ فرض كفاية.

(2)

بكسر اللام لا غير، والجمع لحى بالكسر والضم، ويفسر على وجهين:(أحدهما) ما كانوا يفعلونه في الحرب، يعقدون لحاهم، وذلك من زي الأعاجم يفتلونها ويعقدونها تكبرا وعجبا. (والثاني) معالجة الشعر ليتعقد ويتجعد، وذلك من فعل أهل التأنيث. قال ابن العراقي: والأولى حمله على عقد اللحية في الصلاة، كما في رواية محمد بن الربيع:"أن من عقد لحيته في الصلاة"، ويشبه هذا ما يفعله كثير من أهل الفسق والكبر، من فتل أطراف الشوارب وإبقائها مخالفة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال:" أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى "1.

(3)

أي جعله قلادة في عنقه أو عنق دابته، وهذا الشاهد للترجمة، وفيه مع ما تقدم أنه شرك لما كانوا يقصدونه بتعليقه على الدواب وغيرها. وفي رواية محمد بن الربيع:" أو تقلد وترا يريد تميمة "2. وكل دليل يصلح في الأوتار يصلح أن يكون دليلا في التمائم وبالعكس.

(4)

الرجيع العذرة والروث، سمي رجيعا لأنه يرجع من حالته الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا، أي أزال النجو به أو بعظم. وفي صحيح مسلم:" لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام؛ فإنها زاد إخوانكم من الجن "3. والاستنجاء بها كبيرة، وظاهر المذهب لا يجزئ، وفي الحديث "إنهما لا يطهران".

1 البخاري: اللباس (5893)، ومسلم: الطهارة (259)، والترمذي: الأدب (2763 ،2764)، والنسائي: الطهارة (15) والزينة (5045 ،5046 ،5226)، وأبو داود: الترجل (4199) ، وأحمد (2/16 ،2/52 ،2/156)، ومالك: الجامع (1764) .

2 النسائي: الزينة (5067)، وأبو داود: الطهارة (36) ، وأحمد (4/109) .

3 الترمذي: الطهارة (18) ، وأحمد (1/457) .

ص: 88

فإن محمدا بريء منه (1)" 1. وعن سعيد بن جبير قال: " من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة (2)". رواه وكيع (3) . وله عن إبراهيم: " كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن " (4) .

ــ

(1)

وعيد شديد، ويدل على أنه من الكبائر تبرؤه صلى الله عليه وسلم ممن فعل هذه الأمور الأربعة وإجراء أحاديث الوعيد على ظاهرها أبلغ في الزجر، ولا يجوز صرفها عن ظاهرها بالتأويل.

(2)

أي كان له مثل ثواب من أعتق رقبة لأنه مستعبد للشيطان، فإذا قطعها أعتقه من أسر الشيطان، ففيه فضل قطع التمائم وأنها شرك، ومثل هذا الأثر لا يقال بالرأي، وقال الشارح: له حكم الرفع، وهو مرسل تابعي، وألحق ابن العربي بالصحابة ما يجيء عن التابعي مما لا مجال للاجتهاد فيه، فنص على أنه في حكم المرفوع، وذكر أنه مذهب مالك والأكثر على خلافه. ووكيع هو ابن الجراح ابن وكيع بن مليح بن عدي الرؤاسي أبو سفيان، الثقة الحافظ العابد الكوفي، قال الإمام أحمد:((ما رأيت أوعى للعلم، ولا أحفظ منه)) . وقال ابن معين: ((ما رأيت أفضل منه)) . صاحب تصانيف، منها الجامع وغيره، روى عنه الإمام أحمد وطبقته، وكان من كبار التاسعة مات سنة 197 هـ.

(3)

أي ولوكيع بن الجراح عن إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو ابن ربيعة بن ذهل النخعي الكوفي الثقة الفقيه، مفتي أهل الكوفة، من كبار الفقهاء، روى عن الأسود وعبد الرحمن ابني يزيد ومسروق وعلقمة وغيرهم. وعن عائشة ولم يثبت سماعه منها، وعنه الأعمش وحماد وخلق، مات سنة 96 هـ، وله 50 سنة، ومراده رحمه الله أصحاب عبد الله بن مسعود: كعلقمة والأسود وأبي وائل والحارث ابن سويد وعبيدة السلماني ومسروق والربيع بن خثيم وسويد بن غفلة وغيرهم من سادات التابعين.

(4)

وهذه الصيغة يستعملها إبراهيم في حكاية أقوالهم، وفي زمانهم كانوا يطلقون الكراهة على المحرم. وصححه الشارح؛ لأن ما كان من غير القرآن قد تقدم النهي عنه، وما كان من القرآن فإنه يتعين النهي عنه أيضا لما تقدم.

1 النسائي: الزينة (5067)، وأبو داود: الطهارة (36) ، وأحمد (4/109) .

ص: 89