المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في السحر - حاشية كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌كتاب التوحيد

- ‌باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

- ‌باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء فى النشرة

- ‌باب ما جاء في التطير

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌باب قول الله تعالي: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

- ‌باب ما جاء في الرياء

- ‌باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

- ‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

- ‌باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب قول: ما شاء الله وشئت

- ‌باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌باب لا يقال السلام على الله

- ‌باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب لا يقول عبدي وأمتي

- ‌باب لا يرد من سأل بالله

- ‌باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في "لو

- ‌باب النهي عن سب الريح

- ‌باب قول الله تعالى: {يظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}

- ‌باب ما جاء في منكري القدر

- ‌باب ما جاء في المصورين

- ‌باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه

- ‌باب ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب لا يشفع بالله على خلقه

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الفصل: ‌باب ما جاء في السحر

‌باب ما جاء في السحر

(1)

وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ

ــ

(1)

أي من الوعيد وبيان منافاته للتوحيد، وتكفير فاعله. والسحر في اللغة: الصرف، وهو عبارة عما خفي ولطف سببه، سمي سحرا لأنه بأمور خفية لا تدرك بالأبصار، أو لأنه يصرف الشيء عن جهته، وسحره عمل له السحر، وعن الأمر صرفه. وفي الحديث:" إن من البيان لسحرا "1 شبهه به لكون البيان يحصل منه ما يحصل من السحر، وسمي السحر سحرا لأنه يقع خفيا آخر الليل، وقوله:(سحروا أعين الناس) أخفوا عنهم عملهم، ولا يتوصل إليه إلا بالتقرب إلى الأرواح الخبيثة بشيء مما تحب، والاستعانة بالتحيل على استخدامها بالإشراك بها والاتصاف بهيئاتها الخبيثة، ولهذا لا يعمل السحر إلا مع الأنفس الخبيثة المناسبة لتلك الأرواح، وتأثيره بإذن الله الكوني القدري لا الشرعي الديني، فإن الله لم يأذن فيه. ولما كان من أنواع الشرك ذكره المصنف تحذيرا منه كغيره من أنواع الشرك، وهو عزائم ورقى وكلام يتكلم به، وأدوية وتدخينات وغير ذلك، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه.

قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} 2. وقال: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} 3 يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن في عقدهن، وقد سحر لبيد بن الأعصم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر في بئر ذروان، حتى إنه ليخيل إليه صلى الله عليه وسلم أنه يفعل الشيء وما يفعله، وإنما هو في جسده الشريف، وظاهر جوارحه الكريمة، لا في عقله وقلبه، فلا يقدح في مقام النبوة.

1 البخاري: النكاح (5146)، والترمذي: البر والصلة (2028)، وأبو داود: الأدب (5007) ، وأحمد (2/16 ،2/59 ،2/62 ،2/94)، ومالك: الجامع (1850) .

2 سورة البقرة آية: 102.

3 سورة الفلق آية: 4.

ص: 186

خَلاقٍ} 1 (1) . وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 2 (2) . قال عمر: " الجبت السحر (3) ،

ــ

(1)

أي ولقد علم أهل الكتاب الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به، (لمن اشتراه) أي السحر ورضي به، عوضا عن شرع الله ودينه، لا نصيب له ولا حظ له في الآخرة، وأنه لا دين له، وهذا من أبلغ الوعيد، فدلت الآية على تحريمه، وهو كذلك محرم في جميع أديان الرسل، قال تعالى:{وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} 3. وذهب أكثر السلف إلى أنه يكفر لقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} 4. وقوله: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} 5. وما تلته هو السحر.: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} 6. وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}

وأجمع الأئمة على كفر من تعلمه واستعمله، إلا الشافعي فقال: إذا تعلمه قلنا له: صف لنا سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب، وأنها تفعل ما يلتمس منها، فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر.

وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ المشهور في المذهب يقتل، وفاقا لمالك وقول بعض الصحابة، فإن قتل بسحره قتل إجماعا إلا أبا حنيفة فقال: حتى يتكرر، أو يقر بذلك في حق معين.

(2)

قال الجوهري وغيره: الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك، و (الطاغوت) مجاوزة الحد، وكل شيء جاوز المقدار والحد في العصيان فهو طاغوت.

(3)

تفسير عمر هذا من تفسير الشيء ببعض أفراده، ومراده أن السحر داخل في الجبت، وفي الكليات:((الجبت الشيطان أو الساحر)) . اهـ، والجبت هو الباطل، والسحر منه؛ لأنه باطل خلاف الحق.

1 سورة البقرة آية: 102.

2 سورة النساء آية: 51.

3 سورة طه آية: 69.

4 سورة البقرة آية: 102.

5 سورة البقرة آية: 102.

6 سورة البقرة آية: 102.

ص: 187

والطاغوت الشيطان (1)". وقال جابر: " الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد (2) ".

ــ

(1)

رواه ابن أبي حاتم وغيره، وكذا قال ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وغيرهم، وهو أيضا تفسير له ببعض أفراده. وقال الحافظ:((قوله: الطاغوت الشيطان قوي جدا، فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية، من عبادة الأوثان والتحاكم إليها والاستنصار بها)) اهـ.

والطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد، فمعناه ما قاله ابن القيم:((الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع)) .

(2)

جابر هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه، وأراد أن الكهان من الطواغيت، فهو من أفراد المعنى، وليس المراد الحصر، والشيطان أراد به الجنس لا الشيطان الذي هو إبليس خاصة، بل تنزل عليهم الشياطين ويخاطبونهم، ويخبرونهم بما يسترقون من السمع، فيصدقون مرة ويكذبون مائة كذبة، ويزيدون وينقصون، والحي واحد الأحياء وهم القبائل، أي في كل قبيلة كاهن يتحاكمون إليه ويسألونه عن المغيبات، ويخبرهم من إخبار الشيطان له، فلطاعته لها تنزل عليه، كما قال تعالى:{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} 1. وكذلك كان الأمر قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فأبطل الله ذلك بالإسلام، وحرست السماء بكثرة الشهب. وهذا الأثر رواه ابن أبي حاتم بنحوه عن وهب، قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها قال: إن في جهينة واحدا، وفي أسلم واحدا، وفي هلال واحدا، وفي كل حي واحدا، وهم كهان كانت تنزل عليهم الشياطين. ومطابقة هذا الأثر للترجمة أن الساحر طاغوت، إذ كان يطلق على الكاهن فالساحر أولى.

1 سورة الشعراء آية: 222.

ص: 188

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات (1)، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله (2) ، والسحر (3) ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق (4) ،

ــ

(1)

اجتنبوا ابعدوا، وهو أبلغ من قول لا تفعلوا ودعوا واتركوا؛ لأن النهي عن القربان أبلغ من النهي عن المباشرة، قال تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} 1 والموبقات المهلكات، جمع موبقة، سميت موبقات؛ لأنها تهلك فاعلها في الدنيا، لما يترتب عليها من العقوبات، وفي الآخرة من العذاب. وقال ابن عباس:((هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع)) . وفي رواية: ((إلى السبعمائة)) .

(2)

أي إحدى السبع الموبقات الشرك بالله وهو أن يجعل لله ندا يدعوه ويرجوه ويخافه كما يخاف الله، بدأ به لأنه أعظم ذنب عصي الله به، ولأن فاعله مخلد في النار، قال تعالى:{مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} 2. وقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 3. ولما " سئل عليه السلام أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك "4.

(3)

أصله في اللغة: صرف الشيء عن وجهه كما تقدم، وقال البيضاوي: هو ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان، مما لا يستقل به الإنسان، وهو الشاهد من الحديث للترجمة.

(4)

أي قتل النفس المسلمة المعصومة التي حرم الله قتلها إلا بالحق، أي بأن تفعل ما يوجب قتلها كالشرك، والنفس بالنفس، والزاني بعد الإحصان، واختلفوا في توبته، فقال ابن عباس وغيره: لا تقبل لقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} 5. وقال جمهور السلف والخلف: تقبل توبته لقوله تعالى بعد ذكر الشرك =

1 سورة الأنعام آية: 151.

2 سورة المائدة آية: 72.

3 سورة لقمان آية: 13.

4 البخاري: الأدب (6001)، ومسلم: الإيمان (86)، والترمذي: تفسير القرآن (3183)، والنسائي: تحريم الدم (4013 ،4014 ،4015)، وأبو داود: الطلاق (2310) ، وأحمد (1/380 ،1/431 ،1/434 ،1/462 ،1/464) .

5 سورة النساء آية: 93.

ص: 189

وأكل الربا (1) ، وأكل مال اليتيم (2) ، والتولي يوم الزحف (3) ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (4) ".

ــ

= وقتل النفس: {إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} 1. وعن ابن عباس ما يوافق قول الجمهور، وكذا قتل المعاهد، لقوله عليه السلام: " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة " 2.

(1)

وهو فضل مال بلا عوض، وأكله تناوله بأي وجه كان. قال تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} 3 إلى قوله: (وحرم الربا) قال ابن دقيق العيد: ((وهو مجرب لسوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك)) .

(2)

المراد التعدي فيه، وعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} 4. واليتيم في الأصل: المنفرد، وهو من مات أبوه ولم يبلغ.

(3)

أي الفرار والإدبار عن الكفار وقت التحام القتال، وإنما يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة المسلمين، أو غير متحرف لقتال كما قال تعالى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} 5.

(4)

القذف في الأصل الرمي البعيد، وشرعا الشتم والعيب والبهتان. و (المحصنات) جمع محصنة بفتح الصاد، أي التي أحصنها الله تعالى وحفظها من الزنا، وبالكسر التي حفظت فرجها من الزنا، والمراد بهن الحرائر العفيفات، ولا يختص بالمتزوجات، بل حكم البكر كذلك إجماعا، إلا من دون تسع سنين، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 6. وقذفهن رميهن بزنا أو لواط، والغافلات وصف أغلبي أي عن =

1 سورة الفرقان آية: 70.

2 البخاري: الجزية (3166)، والنسائي: القسامة (4750)، وابن ماجه: الديات (2686) ، وأحمد (2/186) .

3 سورة البقرة آية: 275.

4 سورة النساء آية: 10.

5 سورة الأنفال آية: 16.

6 سورة النور آية: 23.

ص: 190

وعن جندب مرفوعا: (1)" حد الساحر ضربة بالسيف " 1 (2) . رواه الترمذي وقال: (الصحيح أنه موقوف)(3) .

ــ

= الفواحش وما رمين به، فهو كناية عن البريئات؛ لأن الغافل برئ عما بهت به، والمؤمنات بالله احترازا من قذف الكافرات، فإنه ليس من الكبائر، وإن كانت ذمية فمن الصغائر، لا يوجب الحد، وفي الأمة المسلمة التعزير دون الحد، وأورد المصنف رحمه الله هذا الحديث غير معزو، وهو متفق عليه.

(1)

هو جندب بن كعب بن عبد الله بن جزء بن عامر بن مالك بن عامر بن دهمان، الأزدي الغامدي، أبو عبد الله وربما نسب إلى جده، وهو جندب الخير، وفد مع قومه على النبي صلى الله عليه وسلم قاله الكلبي، وقال ابن حبان: صحابي وروى ابن السكن عن بريدة مرفوعا قال: " جندب وما جندب؟ يضرب ضربة فيكون أمة وحده"، وأخرج البخاري في تاريخه أنه كان عند الوليد رجل يلعب، فذبح إنسانا فأبان رأسه، فعجبنا فأعاده، فجاء جندب الأزدي فقتله. زاد البيهقي: إن كان صادقا فليحيي نفسه، قتل جندب رضي الله عنه بصفين.

(2)

روي بالهاء وبالتاء وكلاهما صحيح، وبهذا الحديث أخذ مالك وأحمد وأبو حنيفة فقالوا: يقتل الساحر. ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر إلا إن عمل في سحره ما يبلغ به الكفر كما تقدم، وهو رواية عن أحمد. قال الشارح: والأول أولى؛ ولأثر عمر الذي ذكره المصنف، وعمل به الناس في خلافته من غير نكير فكان إجماعا.

(3)

ورواه الطبراني عن جندب البجلي. وقال الحافظ: ((الصواب أنه غيره)) . وقد رواه ابن قانع والحسن بن سفيان من وجهين عن الحسن عن جندب الأزدي " أنه جاء إلى ساحر فضربه بالسيف حتى مات; وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكره. "

1 الترمذي: الحدود (1460) .

ص: 191

وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة (1) قال: " كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة (2) . قال: فقتلنا ثلاث سواحر "(3) .

وصح عن حفصة رضي الله عنها " أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت "(4) .

ــ

(1)

بجالة بفتحتين وعبدة بفتحتين، العنبري التميمي بصري ثقة، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وكان كاتبا لجزء بن معاوية في خلافة عمر.

(2)

ظاهره أنه يقتل من غير استتابة، وهو المشهور عن أحمد، وبه قال مالك وأبو حنيفة؛ لأن الصحابة لم يستتيبوهم، ولأن علم السحر لا يزول بالتوبة. وعنه يستتاب وفاقا للشافعي، واختاره الشيخ وغيره؛ لأن ذنبه لا يزيد على الشرك، وصحح الشارح الأول لظاهر عمل الصحابة، فلو كانت الاستتابة واجبة لفعلوها أو بينوها، وقياسه على المشرك لا يصح؛ لأنه أكثر فسادا وتشبيها من المشرك وقال الشيخ وغيره: إن رأى الإمام قتله كالزنديق فله ذلك للمصلحة.

(3)

أي قال ذلك بجالة، ولم يذكر البخاري قتل السواحر، ولعل المصنف رحمه الله أراد أصله لا لفظه، ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والبيهقي والقطيعي وغيرهم.

(4)

أي الجارية، وهذا الأثر يؤيد قتل الساحر. وقد رواه عبد الرزاق ومالك في الموطأ في (باب ما جاء في الغيلة والسحر) وقال بعد ذلك: الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره، هو مثل الذي قال الله فيه:{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 1.

وحفصة هي أم المؤمنين ابنة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خنيس بن حذافة سنة 2 أو 3 هـ بعد عائشة، ولدت قبل البعثة بخمس، وماتت سنة 1 أو 45 هـ.

1 سورة البقرة آية: 102.

ص: 192

وكذلك صح عن جندب (1) . قال أحمد: (عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .

(1)

أشار المصنف رحمه الله إلى جندب بن كعب بن عبد الله الأزدي قاتل الساحر المتقدم ذكره، وتعددت الطرق عنه به.

(2)

أي قال أحمد بن حنبل رحمه الله: صح قتل الساحر أو جاء قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني عمر وحفصة وجندب. وروي عن عثمان وابن عمر وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز، وهو المشهور عند أكثر أهل العلم، وعمل به في خلافة عمر من غير نكير.

ص: 193