الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
(1)
وقول الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 1 (2) .
ــ
(1)
الاستعاذة الإلتجاء والإعتصام والتحرز، وحقيقتها الهرب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه، فالعياذ لدفع الشر، وأما اللياذ فطلب الخير. قال الشاعر:
يا من ألوذ به فيما أؤمله
…
ومن أعوذ به فيما أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره
…
ولا يهيضون عظما أنت جابره
فالعائذ بالله قد هرب إليه، واعتصم واستجار به، ولجأ إليه، والتزم بجنابه مما يخافه.
وهذا تمثيل، وإلا فما يقوم بالقلب من ذلك أمر لا تحيط به العبارة، وقد أمر الله عباده بها في مواضع من كتابه، وتواترت بها السنة عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وهي عبادة من أجل العبادات، فصرفها لغير الله شرك أكبر، وإن استعاذ بالمخلوق الحي الحاضر فيما يقدر عليه فجائز، وسيأتي جواز: أعوذ بالله ثم بك.
وإن قال: أعوذ بالله وبك ولو فيما يقدر عليه كان مشركا شركا أصغر؛ لأن الواو تفيد أن ما بعدها مساو لما قبلها، عكس ثم، فإنها إنما تفيد التعقيب، وإن كان فيما لا يقدر عليه كان مشركا الشرك الأكبر، ولو قال أعوذ بالله ثم بك.
(2)
أخبر عمن استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته رهقا وهو الطغيان.
وذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا نزل واديا أو مكانا موحشا وخاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه. فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم خوفا منهم، زادوهم رهقا، أي خوفا وإرهابا وذعرا. فذمهم الله بهذه الآية =
1 سورة الجن آية: 6.
وعن خولة بنت حكيم (1) قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق (2) ،
ــ
= وأخبر أنهم يزيدونهم رهقا نقيض قصدهم، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقول أحدهم إذا نزل منزلا " أعوذ بكلمات الله التامات من شر كل ما خلق " 1. ووجه الاستدلال بالآية: أن الله حكى عن مؤمني الجن أنهم ذكروا أشياء من الشرك، كانوا يعتقدونها في الجاهلية، من جملتها الاستعاذة بغير الله.
قال المصنف: ((فيه أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية من كف شر أو جلب نفع لا يدل على أنه ليس من الشرك)) .
(1)
ابن أمية بن حارثة السلمية يقال لها أم شريك، ويقال: إنها هي الواهبة، وكانت قبل تحت عثمان بن مظعون. قال عمر بن عبد العزيز:((نعمت المرأة الصالحة)) .
(2)
أي أعتصم بكلمات الله الكاملات، التي لا يلحقها نقص ولا عيب كما يلحق كلام البشر، أو الشافية الكافية، أو الكلمات هنا القرآن. من شر ما خلق، أي من شر كل مخلوق قام به الشر، لا من شر كل ما خلق الله. فإن الجنة والملائكة والأنبياء لا شر فيهم، وما موصولة وليس المراد بها العموم الإطلاقي، بل التقييدي الوصفي، والشر اسم جامع للسوء والفساد والظلم وجميع الرذائل والخطايا، ويقال على شيئين: على الألم، وعلى ما يفضي إليه. وقد شرع الله للمسلمين أن يستعيذوا بأسمائه وصفاته بدلا عما يفعله أهل الجاهلية من الاستعاذة بالجن، والأمر على جهة =
1 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2708)، والترمذي: الدعوات (3437)، وابن ماجه: الطب (3547) ، وأحمد (6/377 ،6/378 ،6/409)، والدارمي: الاستئذان (2680) .
لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك (1) "1. رواه مسلم.
ــ
= الإرشاد إلى ما يدفع به الأذى.
وهذا الحديث مما استدل به أهل السنة على أن كلام الله غير مخلوق؛ لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك، ونهوا عن التعازيم والتعاويذ التي لا يعرف معناها، خشية أن يكون فيها شرك.
ومن ذبح لغير الله أو استعاذ به، أو تقرب إليه بما يحب فقد عبده، وإن لم يسم ذلك عبادة.
(1)
قال القرطبي: ((هذا خبر صحيح، علمنا صدقه دليلا وتجربة منذ سمعته عملت به فلم يضرني شيء، إلى أن تركته فلدغتني عقرب ليلة، فتفكرت فإذا بي نسيته)) . قال المصنف: ((فيه فضيلة هذا الدعاء مع اختصاره)) .
1 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2708)، والترمذي: الدعوات (3437)، وابن ماجه: الطب (3547) ، وأحمد (6/378 ،6/409)، والدارمي: الاستئذان (2680) .