الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب لا يقول عبدي وأمتي
(1)
في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقل أحدكم أطعم ربك وضئ ربك (2)، وليقل: سيدي ومولاي (3) .
ــ
(1)
لما في ذلك من إيهام المشاركة في الربوبية.
(2)
لأن الإنسان مربوب متعبد بإخلاص التوحيد لله، منهي عن المضاهاة بهذا الاسم، لما فيه من التشريك في اللفظ، وإن كان يطلق لغة، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه تحقيقا للتوحيد، وسدا لذرائع الشرك، والله تعالى رب العباد جميعهم، فإذا أطلق على غيره شاركه في الاسم، فنهى عن ذلك لذلك، وإن لم يقصد بذلك التشريك في الربوبية التي هي وصف الله تعالى، وإنما المعنى أن هذا مالك له، فيطلق عليه هذا اللفظ بهذا الاعتبار فنهى عنه حسما لمادة التشريك بين الخالق والمخلوق، وتحقيقا للتوحيد، وبعدا عن الشرك حتى في اللفظ، وأما ما لا تعبد عليه من سائر الحيوانات والجماد فلا يمنع منه كقوله: رب الدار، ورب الدابة.
(3)
لأن مرجع السيادة إلى معنى الرئاسة على ما تحت يده، ولذلك يسمى الزوج سيدا، قال تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} 1. وقال عليه الصلاة والسلام: " إن ابني هذا سيد "2. والمولى كثير التصرف من ولي وناصر وابن عم وحليف وعتيق، وأصله من ولاية أمره وإصلاحه، فلا يمنع منه أن يوصف به مالك الرقبة، على أنه جاء في رواية:"ولا يقل العبد: مولاي ". والفرق بين الرب والسيد أن الرب من أسماء الله بالاتفاق واختلف في السيد، فإن قيل: ليس من أسمائه تعالى، فواضح، وإلا فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب، ويأتي قوله:"السيد الله تبارك وتعالى ". ولمسلم أيضا: "ولا مولاي فمولاكم الله ". ولكن قد بين مسلم الاختلاف فيه عن الأعمش، =
1 سورة يوسف آية: 25.
2 البخاري: الصلح (2704)، والترمذي: المناقب (3773)، والنسائي: الجمعة (1410)، وأبو داود: السنة (4662) ، وأحمد (5/37 ،5/44 ،5/47 ،5/49 ،5/51) .
ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي (1) ، وليقل فتاي وفتاتي وغلامي (2) "1
ــ
= وأن منهم من حذفها. وقال عياض: حذفها أصح، وقال الشارح: الجمع ممكن بحمل النهي على الكراهة، أو على خلاف الأولى. وقال النحاس: لا نعلم بين العلماء خلافا أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين مولاي، وإن كان مملوكا، قد حظر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على المملوكين، فكيف بالأحرار.
(1)
لأن هذا الاسم من باب المضاف، ومقتضاه العبودية له، وصاحبه عبد لله متعبد بأمره ونهيه، فإدخال مملوكه تحت هذا الاسم يوهم التشريك؛ لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيما لا يليق بالمخلوق. وعن أبي هريرة مرفوعا:" لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، ولا يقول المملوك: رب وربتي، وليقل المالك: فتاي وفتاتي، وليقل المملوك: سيدي وسيدتي؛ فإنكم المملوكون والرب الله عز وجل "2. رواه أبو داود بإسناد صحيح. والعبيد عبيد الله والإماء إماء الله، {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 3 ففي إطلاق هاتين الكلمتين على غير الله تشريك في اللفظ، فنهاهم عن ذلك تعظيما لله وأدبا معه، وبعدا عن الشرك، وتحقيقا للتوحيد.
(2)
لأنها ليست دالة على الملك كدلالة عبدي وأمتي، وإن كان قد ملكه امتحانا وابتلاء من الله لخلقه، كما قال:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} 4. وقد امتحن الله يوسف بالرق ودانيال حين سباه بختنصر، وله الحكمة البالغة في ذلك، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى ما يؤدي المعنى مع السلامة من الإيهام والتعاظم، مع أنها تطلق على الحر والمملوك، لكن إضافته تدل على الإخلاص، ومن أحسن مقاصد الشريعة ما نهى عنه من هذه التسمية، لما فيها من رائحة الشرك، وإن كان لفظا لم يقصد معناه، وما أرشد إليه مما يقوم مقام تلك الألفاظ، حماية لجناب التوحيد، فلا خير إلا دل الأمة عليه خصوصا في تحقيق التوحيد، ولا شر إلا حذرها عنه خصوصا ما يقرب من الشرك، فصلوات الله وسلامه عليه، قال المصنف: ((وفيه التنبيه للمراد، وهو تحقيق التوحيد حتى في الألفاظ)) .
1 البخاري: العتق (2552)، ومسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (2249) ، وأحمد (2/316) .
2 مسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (2249)، وأبو داود: الأدب (4975) ، وأحمد (2/423) .
3 سورة مريم آية: 93.
4 سورة الفرقان آية: 20.