الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك
(1)
عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه (2) قال: " انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)
ــ
(1)
حماية الشيء صونه عما يتطرق إليه من مكروه وأذى، والمصطفى من الصفوة، فهو صفوة الخليقة وأشرفها على الإطلاق، وحمايته حمى التوحيد صونه عما يشوبه من الأقوال والأعمال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقص، وقد اشتمل هذا الكتاب مع اختصاره على ذلك أو أكثره، وعلى النهي عما ينافي التوحيد أو يضعفه، يعرف ذلك من تدبره.
(2)
بكسر الشين وتشديد الخاء، هو ابن عوف بن كعب بن وقدان الحريشي ثم العامري، والد مطرف الفقيه، أسلم يوم الفتح، وله صحبة ورواية.
(3)
أي عامر بن صعصعة من عدنان، وعامر بطون كثيرة، كانوا بعالية نجد، وكان في الوفد عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب، وأربد بن قيس بن جزء، وجبار بن سلمى، رؤساء القوم، وكان عامر يريد الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم أو يشركه في الأمر، أو يكون له من بعده، وواعد أربد على ذلك فعصمه الله منهم، وهلكا ببعض الطريق، أربد بصاعقة، وعامر بطاعون في عنقه، وقيل قرحة، ومات في بيت سلولية.
فقلنا: أنت سيدنا. فقال: السيد الله تبارك وتعالى (1) . فقلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا (2) . فقال: قولوا بقولكم (3) أو بعض قولكم (4) ، ولا يستجرينكم الشيطان "1 رواه أبو داود بسند جيد (5) .
ــ
(1)
يريد عليه الصلاة والسلام أن السؤدد حقيقة لله عز وجل وأن الخلق كلهم عبيد له، والسيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى المالك والمولى والرب. قال ابن عباس:{اللَّهُ الصَّمَدُ} 2 أي السيد الذي كل في جميع أنواع السؤدد) . وقوله: " وقوموا إلى سيدكم "3 لعله لم تواجه به سعدا، وكذا قوله:" أنا سيد ولد آدم "4 إظهارا للشجاعة، فيكون فيه تفصيل، أو يدلان على الجواز، وحديثا الباب ونحوهما يدلان على الأدب مع الله عز وجل.
(2)
الفضل الخير، خلاف النقيصة، وفضل فلان على غيره إذا غلبه بالفضل، وطال يطول طولا من باب قال، إذا فضل، والطول الفضل والعطاء والقدرة والغنى.
(3)
أرشدهم إلى الأدب في ذلك فأمرهم أن يقولوا بقولهم من قبل هذه المقالة، ولا يتكلفوا الألفاظ التي ربما أدت إلى الغلو، أو ما لا يحسن، وأمرهم أن يدعوه بمحمد رسول الله، كما سماه الله عز وجل.
(4)
فيه حذف، أي: أودعوا بعض قولكم واتركوه، يريد بذلك الاقتصار في المقال، وذلك أنهم كانوا مدحوه فكره لهم المبالغة ونهاهم عنه.
(5)
يستجرين بفتح المثناة التحتية، وسكون السين، وفتح المثناة الفوقية، وسكون الجيم، وكسر الراء، أي لا يتخذنكم جريا، ويقال: الوكيل. وفي النهاية: فيتخذكم جريا، أي رسولا وكيلا.
1 أبو داود: الأدب (4806) ، وأحمد (4/25) .
2 سورة الإخلاص آية: 2.
3 البخاري: الجهاد والسير (3043)، ومسلم: الجهاد والسير (1768)، وأبو داود: الأدب (5215) ، وأحمد (3/22 ،3/71) .
4 مسلم: الفضائل (2278) ، وأحمد (2/540) .
وعن أنس رضي الله عنه " أن ناسا قالوا: يا رسول الله يا خيرنا، وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا (1) فقال: يا أيها الناس قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان (2) ، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل "1. رواه النسائي بسند جيد (3) .
ــ
(1)
الخير ضد الشر، واسم تفضيل، والخيرة من القوم الأفضل، وهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار.
(2)
أي يستهيمنكم، أو يذهب بعقولكم، أو يزين لكم هواكم، كره ذلك لهم لئلا يكون وسيلة إلى الغلو فيه والإطراء، وتقدم قوله:" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله "2. ونهى عن المدح وشدد القول فيه، وقال: " ويحك قطعت عنق صاحبك "3. وقال: " إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب "4. فمواجهة الممدوح بمدحه ولو بما فيه من عمل الشيطان، لما قد تفضي محبة المدح إليه من تعاظم الممدوح في نفسه، وذلك ينافي كمال التوحيد، ويوقع في أمر عظيم ينافي العبودية الخاصة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أكمل الله له مقام العبودية، صار يكره أن يمدح صيانة لهذا المقام، وإرشادا للأمة إلى ترك ذلك نصحا لهم، وحماية لمقام التوحيد عن أن يدخله ما يفسده أو يضعفه من الشرك ووسائله.
(3)
أرشدهم أن يصفوه بصفتين هما أعلى مراتب العبد، وقد وصفه الله بهما في مواضع من كتابه، وهما قوله: عبد الله ورسوله، ولم يحب أن يرفعوه فوق ما أنزله الله عز وجل من المنزلة التي رضيها له، ومع هذا التواضع أجمع أهل العلم على أنه أشرف الخلق، وأفضلهم على الإطلاق.
1 أحمد (3/249) .
2 البخاري: أحاديث الأنبياء (3445) ، وأحمد (1/23 ،1/24 ،1/47) .
3 البخاري: الشهادات (2662) والأدب (6061 ،6162)، ومسلم: الزهد والرقائق (3000)، وأبو داود: الأدب (4805)، وابن ماجه: الأدب (3744) ، وأحمد (5/41 ،5/45 ،5/47) .
4 مسلم: الزهد والرقائق (3002)، والترمذي: الزهد (2393)، وأبو داود: الأدب (4804)، وابن ماجه: الأدب (3742) ، وأحمد (6/5) .