الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء في الرياء
وقول الله تعال: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 1 الآية.
ــ
(1)
أي من النهي والتحذير عنه، وبيان أنه من الشرك الأصغر، ما لم يرد في أصل العمل وإلا كان من الأكبر، ولما كان خلوص العمل من الشرك والرياء شرطا في قبوله، لمنافاة الشرك والرياء للتوحيد، نبه عليه المصنف تحقيقا للتوحيد. والرياء مصدر راءى يرائي مراءاة ورياء، وهو أن يري الناس أنه يعمل عملا على صفة، وهو يضمر في قلبه صفة أخرى، فهو مستحق للذم والعقاب، ولا ثواب له إلا فيما خلصت فيه النية لله تعالى. وقال الحافظ:((الرياء إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدونه عليها)) اهـ. والفرق بينه وبين السمعة، أن الرياء لما يرى من العمل كالصلاة والصدقة، والسمعة لما يسمع كالقراءة والوعظ والذكر، ويدخل في ذلك التحدث به. وهذه الترجمة والتي بعدها في الشرك في النية، وهو البحر الذي لا ساحل له، وقل من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله، أو نوى شيئا غير التقرب إلى الله وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته، والإخلاص أن يخلص لله في أقواله وأفعاله وإراداته ونياته.
(2)
أي (قل) يا محمد: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} فليس لي من الربوبية ولا من الإلهية شيء، بل ذلك لله وحده لا شريك له، أوحي إلي أن توحدوه:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} يخاف المصير إليه، ويأمل لقاء الله ورؤيته. وقال شيخ الإسلام:((فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة، وقالوا: لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه يوم القيامة)) اهـ. وفسر اللقاء بالمعاينة؛ فإنه تعالى أجل وأعظم من أن تحيط به =
1 سورة الكهف آية: 110.
وعن أبي هريرة مرفوعا: " قال الله تعالى: أنا أغني الشركاء عن الشرك (1) ، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه "1. رواه مسلم (2) .
ــ
= الأبصار: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} 2 وهو ما كان موافقا لشرع الله، مقصودا به وجهه،:{وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} أن لا يرائي بعمله، بل لا بد أن يريد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل، أن يكون خالصا لله، وأن يكون صوابا على شريعة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم: أي كما أنه إله واحد لا إله إلا هو، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده لا شريك له، فكما تفرد بالإلهية يجب أن يتفرد بالعبودية، فالعمل الصالح هو الخالص من الرياء، المقيد بالسنة. و (أحدا) نكرة في سياق النهي فتعم، والآية دليل على أن أصل الدين الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم هو إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وتضمنت النهي عن الشرك كله قليله وكثيره صغيره وكبيره.
(1)
أي أنا أغنى عن المشاركة، وذلك أنه لما كان المرائي قاصدا بعمله الله وغيره، كان قد جعل لله شريكا، فإذا كان كذلك فالله هو الغني على الإطلاق، وجميع الخلق فقراء إليه بكل اعتبار، فلا يليق بكرمه وغناه التام أن يقبل العمل الذي جعل له فيه شريك؛ فإن كماله وكرمه وغناه يوجب أن لا يقبل ذلك، وأخرج أحمد وغيره من حديث شداد بن أوس:" من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك، وإن الله يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي، فمن أشرك بي شيئا فإن جدة عمله وقليله وغيره لشريكه الذي أشرك به، أنا عنه غني "3.
(2)
أي من قصد بعمله غيري من المخلوقين تركته وشركه، وفي بعض الأصول وشريكه، وبعضها وشركته. ولابن ماجه:" فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك " 4 أي =
1 مسلم: الزهد والرقائق (2985)، وابن ماجه: الزهد (4202) ، وأحمد (2/301 ،2/435) .
2 سورة الكهف آية: 110.
3 أحمد (4/125) .
4 ابن ماجه: الزهد (4202) ، وأحمد (2/301 ،2/435) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= فمن عمل شيئا لي ولغيري لم أقبله، بل أتركه لذلك الغير، فعمل المرائي باطل لا ثواب له، ويأثم به. والضمير في "تركته" يجوز أن يرجع إلى العمل. قال ابن رجب:((العمل لغير الله أقسام: فتارة يكون رياء محضا كحال المنافقين، قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَاّ قَلِيلاً} 1 وهذا الرياء المحض لا بكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة أو الحج أو غيرهما من الأعمال الظاهرة، أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة، وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه، وإن كان أصله لله ثم طرأ عليه نية الرياء، فإن كان خاطرا ثم دفعه فلا يضره بغير خلاف، وإن استرسل معه فهل يحبط عمله أولا؟ فيجازى على أصل نيته، فيه خلاف، رجح أحمد وغيره لا يبطل بذلك، وأنه يجازى بنيته الأولى)) اهـ. ولا يظن الظان أنه يكتفي فيه بحبوط عمله فلا له ولا عليه، قال الشيخ: بل هو مستحق للذم والعقاب، وقد دل الكتاب والسنة على حبوط العمل بالرياء، وجاء الوعيد عليه، وأما إذا عمل العمل لله خالصا، ثم ألقى الله الثناء الحسن في قلوب المؤمنين، ففرح بفضل الله ورحمته واستبشر بذلك لم يضره، وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه، فقال:" تلك عاجل بشرى المؤمن "2 رواه مسلم. وفي حديث أبي هريرة: يدخل علي الرجل في بيتي وأنا أصلي فيسرني ذلك، فقال:" يرحمك الله، لك أجران: أجر السر وأجر العلانية "3؛ لأنه لم يقصد رؤية أحد عند الشروع، ولا قام بقلبه أن يراه أحد.
1 سورة النساء آية: 142.
2 مسلم: البر والصلة والآداب (2642)، وابن ماجه: الزهد (4225) ، وأحمد (5/156 ،5/168) .
3 ابن ماجه: الزهد (4226) .
وعن أبي سعيد مرفوعا: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ (1) قالوا: بلى يا رسول الله; قال: الشرك الخفي (2) .
ــ
(1)
"أخوف" اسم تفضيل مبني على زيادته على غيره في أصل الفعل، أي أشد خوف خافه صلى الله عليه وسلم على أصحابه أكثر مما خافه عليهم من فتنة المسيح الدجال؛ لخفائه وقوة الداعي إليه، وعسر التخلص منه، لما يزينه الشيطان والنفس الأمارة في قلب صاحبه.
(2)
سماه خفيا؛ لأنه عمل قلب لا يعلمه إلا الله، ولأن صاحبه يظهر أن عمله لله، وقد قصد به غيره، أو شركه فيه بتزيين صلاته لأجله. وعن شداد بن أوس قال:" كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر ". رواه ابن جرير وغيره، وصححه الحاكم. قال ابن القيم: وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله، وقول الرجل: ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا، وقد يكون هذا أكبر بحسب حال قائله ومقصده، ولا خلاف أن الإخلاص شرط لصحة العمل وقبوله، وكذا المتابعة كما قال الفضيل في قوله:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} 1 قال: ((أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة)) . وقوله: بلى، فيه الحرص على العلم، وأن من عرض عليك أن يخبرك بما فيك فلا ينبغي لك رده، بل قابله بالقبول والتعلم.
1 سورة هود آية: 7.