المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} - حاشية كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌كتاب التوحيد

- ‌باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

- ‌باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء فى النشرة

- ‌باب ما جاء في التطير

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌باب قول الله تعالي: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

- ‌باب ما جاء في الرياء

- ‌باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

- ‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

- ‌باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب قول: ما شاء الله وشئت

- ‌باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌باب لا يقال السلام على الله

- ‌باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب لا يقول عبدي وأمتي

- ‌باب لا يرد من سأل بالله

- ‌باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في "لو

- ‌باب النهي عن سب الريح

- ‌باب قول الله تعالى: {يظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}

- ‌باب ما جاء في منكري القدر

- ‌باب ما جاء في المصورين

- ‌باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه

- ‌باب ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب لا يشفع بالله على خلقه

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الفصل: ‌باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

1 الآية (1) .

ــ

(1)

لما كان من المحبة محبة خاصة لا تصلح إلا لله عز وجل، وهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره، ولا يجوز تعليقها بغير الله أصلا، ومتى أحب العبد بها غير هـ تعالى كان مشركا شركا لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وقد سوى المشركون بين الله وبين آلهتهم فيها، ترجم لها المصنف رحمه الله بهذه الآية الكريمة؛ ليظهر ويوضح ما دلت عليه من للشرك باتخاذ الند، وهو المثل والشرك في محبة التأله والتعظيم التي هي أصل دين الإسلام، وبكمالها يكمل، وبنقصها ينقص. قال ابن كثير: يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا، وما لهم في الآخرة من العذاب والنكال، حيث جعلوا لله أندادا، أي أمثالا ونظراء:{يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} أي يساوونهم بالله في المحبة والتعظيم، وهو اختيار شيخ الإسلام في الآية، كما حكى الله هذه التسوية عنهم في قوله:{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} 2. وقال: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} 3. وهذا الند وهذه التسوية وهذا العدل إنما هو في المحبة لا في الخلق والربوبية؛ فإنه ليس أحد من أهل الأرض يثبته، بخلاف المحبة؛ فإن أكثر أهل الأرض قد اتخذوا من دون الله أندادا وساووهم به وعدلوهم بربهم في المحبة والتعظيم.:{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} أي أشد حبا لله من أصحاب الأنداد لله، وقيل لأندادهم، فدلت الآية على أن من أحب شيئا كحب الله فقد اتخذه ندا لله، قال المصنف:((وفيه أن من اتخذ ندا تساوي محبته محبة الله فهو الشرك الأكبر)) . اهـ. والمحبة قسمان: مشتركة ومختصة. والمشتركة ثلاثة أنواع: طبيعية كمحبة الجائع للطعام، ومحبة إجلال وإعظام، ومحبة إشفاق كمحبة الولد لوالده والوالد لولده، ومحبة أنس وإلف كمحبة الشريك =

1 سورة البقرة آية: 165.

2 سورة الشعراء آية: 97-98.

3 سورة الأنعام آية: 1.

ص: 236

وقوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} إلى قوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 1 الآية (1) .

ــ

= في تجارة أو صناعة أو سفر أو غير ذلك، فهذه الثلاثة لا تستلزم التعظيم، ولا يؤاخذ أحد بها، ولا تزاحم المحبة المختصة، فلا يكون وجودها شركا في محبة الله، لكن لا بد أن يكون الله ورسوله أحب إليه من تلك. وأما المختصة فهي محبة العبودية، المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم والطاعة والإيثار على مراد النفس، فهذه لا تصلح إلا لله وحده، ومتى أحب العبد بها غيره فقد أشرك الشرك الأكبر.

(1)

أمر الله نبيه أن يتوعد من أحب هذه الأصناف فآثرها أو بعضها على حب الله ورسوله، وفعل ما أوجب الله عليه من الأعمال التي يحبها ويرضاها، كالهجرة والجهاد ونحو ذلك. وكانت نزلت في المسلمين الذين بمكة، لما أمروا بالهجرة قالوا: إن نحن هاجرنا ضاعت أموالنا، وذهبت تجارتنا، وخربت ديارنا وقطعنا أرحامنا، وكان منهم من يتعلق به أهله وولده، ويقولون: ننشدك بالله أن تضيعنا فيرق لهم ويدع الهجرة، فبدأ الله بالآباء والأبناء والإخوان، وكذا الأصدقاء ونحوهم، وزهدهم فيه، ثم قطع علائقهم عن زخارف الدنيا فقال:{وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} أي اكتسبتموها، وأصل الإقتراف اقتطاع الشيء من مكانه إلى غيره،:{وَتِجَارَةٌ} أي أمتعة اشتريتموها للتجارة والربح: {تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} بفوات وقت رواجها: {وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} أي منازل تعجبكم الإقامة فيها: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ} أي إن كانت هذه الأشياء أحب إليكم: {مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ}

والمراد بالحب هنا الحب الاختياري المستتبع لأثره، الذي هو الملازمة وتقديم الطاعة، لا ميل الطبع؛ فإنه أمر جبلي لا يمكن تركه، ولا يؤاخذ العبد عليه، ولا يكلف بالامتناع منه. {فتربّصوا} أي انتظروا ماذا يحل بكم من عقابه. قال المصنف:((وفيه الوعيد على من كانت الثمانية أحب إليه من دينه)) .

اهـ. وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} 2.

1 سورة التوبة آية: 24.

2 سورة آل عمران آية: 31.

ص: 237

عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين "1. أخرجاه (1) ولهما عنه (2)

ــ

= فإنه لما كثر المدعون لمحبة الله طولبوا بإقامة البينة، فجاءت هذه الآية ونحوها، فمن ادعى محبة الله وهو يحب ما ذكر على الله ورسوله فهو كاذب، كمن يدعي محبة الله وهو على غير طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

أي لا يؤمن الإيمان الواجب، والمراد كماله، ونفي اسم الشيء على معنى نفي الكمال عنه مستفيض في كلام العرب، ولابن حبان:" لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان ". ومعنى الحقيقة هنا الكمال، حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى العبد " من ولده ووالده والناس أجمعين "2؛ لأن بسببه صلى الله عليه وسلم الحياة الأبدية، والإنقاذ من الضلال إلى الهدى، بل ولا يحصل هذا الكمال إلا بأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه، كما في قصة عمر لما قال له:" لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. قال له عمر: فإنك الآن أحب إلي من نفسي. فقال: الآن يا عمر ". رواه البخاري. ومحبته صلى الله عليه وسلم تقتضي طاعته واتباع ما أمر به، وتقديم قوله دون من سواه. قال شيخ الإسلام: وكل مسلم يكون محبا بقدر ما معه من الإسلام، وكل مسلم لا بد أن يكون مؤمنا، وإن لم يكن مؤمنا الإيمان المطلق؛ لأن ذلك لا يحصل إلا لخواص المؤمنين، وفي هذا الحديث أن الأعمال من الإيمان؛ لأن المحبة من عمل القلب، وفيه أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة تابعة لمحبة الله لازمة لها.

(2)

أي وللبخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه.

1 البخاري: الإيمان (15)، ومسلم: الإيمان (44)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5013 ،5014)، وابن ماجه: المقدمة (67) ، وأحمد (3/177 ،3/207 ،3/275 ،3/278)، والدارمي: الرقاق (2741) .

2 مسلم: البر والصلة والآداب (2564) ، وأحمد (2/277) .

ص: 238

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان (1) : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما (2) ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله (3) ،

ــ

(1)

أي ثلاث خصال من وجدن فيه تامة وجد بهن حلاوة الإيمان، لما يحصل به من لذة القلب ونعيمه وسروره وغذائه، والحلاوة هنا هي التي يعبر عنها بالذوق، وهي حلاوة محسوسة، يجدها أهل الإيمان في قلوبهم، أعلى من حلاوة المطعوم الحلو في الفم، فيستلذ الطاعات ويتحمل المشقات في رضى الله، ويحبه بفعل طاعته وترك مخالفته، وقد شبه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} 1، فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة الإيمان، وأغصانها الأمر والنهي، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات، وحلاوة الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتها.

(2)

وفي لفظ: " أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين "2. والمراد بالسوي هنا ما يحبه الإنسان بطبعه، كمحبة المال والولد والأزواج ونحوها، وثنى الضمير هنا لتلازم المحبتين، ومحبة الله تستلزم محبة طاعته؛ فإنه يحب من عبده أن يطيعه، والمحب يحب ما يحب محبوبه ولا بد.

(3)

أي يحب المرء الذي يعتقد إيمانه وعبادته، لا يحبه إلا لله، أي لأجل طاعة الله، وكان الصحابة يؤثر بعضهم بعضا على نفسه محبة في الله ولله وتقربا إليه، قال الله عنهم:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} 3. ومن لازم محبة الله محبة أهل طاعته، كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده، ومحبة الله ومحبة من يحبه الله من كمال الإيمان، وحقيقة الحب في الله أن لا ينقص بالجفاء ولا يزيد بالبر.

1 سورة إبراهيم آية: 24.

2 البخاري: الصلاة (481) والمظالم والغصب (2446) والأدب (6027)، ومسلم: البر والصلة والآداب (2585)، والنسائي: الزكاة (2560) ، وأحمد (4/405) .

3 سورة الحشر آية: 9.

ص: 239

وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار (1) "1.

وفي رواية: " لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى "2 إلى آخره (2) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " من أحب في الله وأبغض في الله (3) ،

ــ

(1)

يعود أي يرجع، فمعناه يصير والعود والرجوع بمعنى الصيرورة، والمقصود أنه يستوي عنده الأمران، كراهة عوده إلى الكفر ككراهة قذفه في النار. وفيه دليل على فضيلة من أكره على الكفر فأبى إلى أن يقتل. قال شيخ الإسلام: أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان؛ لأن وجود الحلاوة للشيء يتبع المحبة له، فمن أحب شيئا واشتهاه، إذا حصل له مراده فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك، والسرور أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهى، فحلاوة الإيمان المتضمنة للذة والفرح تتبع كمال محبة العبد لله، وذلك بثلاثة أمور: تكميل هذه المحبة، وتفريغها ودفع ضدها، فتكميلها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما؛ فإن محبة الله ورسوله لا يكتفى فيها بأصل الحب، بل لا بد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وتفريغها أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، ودفع ضدها أن يكره ضد الإيمان كما يكره أن يقذف في النار.

(2)

هذه الرواية أخرجها البخاري في الأدب من صحيحه، ولفظه:" لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما".

(3)

أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك، فالحب في الله من ثمرات حب الله، ومن موجبات الإسلام. "وأبغض في الله" أي أبغض من كفر بالله وأشرك =

1 البخاري: الإيمان (16)، ومسلم: الإيمان (43)، والترمذي: الإيمان (2624)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (4987 ،4988 ،4989)، وابن ماجه: الفتن (4033) ، وأحمد (3/103) .

2 البخاري: الأدب (6041) .

ص: 240

ووالى في الله وعادى في الله (1) ، فإنما تنال ولاية الله بذلك (2) ، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك (3) ،

ــ

= به وعصاه، لارتكابه ما يسخط الله، وإن كانوا أقرب الناس إليه، كما قال تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ} 1 الآية.

(1)

والى بالمحبة والنصرة بحسب القدرة، وعادى من كان عدوا لله ممن أشرك به وكفر وظاهر بالمعاصي، وهذا والذي قبله من لوازم محبة العبد لله، فمن أحب الله أحب فيه ووالى أولياءه وعادى أهل معصيته وأبغضهم، وكلما قويت محبة العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة عليها، وبكمالها يكمل توحيد العبد، وبضعفها يضعف، وهذه المراتب الأربع هي ثمرة الإيمان ودعائم الملة.

(2)

أي توليه لعبده، والولاية بفتح الواو وتكسر المحبة والنصرة، وبالكسر الإمارة، والمراد هنا الأولى. وأخرج أحمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله، فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استحق الولاية لله "2.

(3)

أي لا يحصل له ذوق الإيمان ولذته وسروره والفرح به، وإن كثرت عبادته حتى يكون كذلك، أي حتى يحب في الله ويبغض في الله، ويعادي في الله ويوالي في الله، قال تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 3. وفي حديث أبي أمامة مرفوعا: " من أحب في الله وأبغض في الله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان " 4 رواه أبو داود، وللترمذي من حديث معاذ =

1 سورة المجادلة آية: 22.

2 أحمد (3/430) .

3 سورة يونس آية: 58.

4 أبو داود: السنة (4681) .

ص: 241

وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا (1)، وذلك لا يجدي على أهله شيئا (2) ". رواه ابن جرير (3) . وقال ابن عباس في قوله:{وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} 1 قال: المودة (4) .

ــ

= نحوه، وزاد أحمد:"ونصح لله"، وله عن عمرو بن الجموح:" لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله "2. ومن حديث البراء: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله "3.

(1)

أي إذا ضعف داعي الإيمان أحب دنياه وأحب لها، وآخى لأجلها، وهذا هو الغالب على أكثر الخلق؛ فإنك لا تجد غالبهم إلا وهو يقدم محبة دنياه، ويؤثر ما يهواه على ما يحبه الله ورسوله، وإذا كانت البلوى قد عمت بهذا في زمن ابن عباس خير القرون، فما زاد الأمر بعد ذلك إلا شدة، حتى وقعت الموالاة على الشرك والبدع والفسوق والعصيان، ووقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من غربة الإسلام، وأنه سيعود غريبا كما بدأ.

(2)

أي لا ينفعهم بل يضرهم، كما قال تعالى:{الأَخِلَاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَاّ الْمُتَّقِينَ} 4.

(3)

وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم الجملة الأولى منه فقط.

(4)

أي الوصل التي كانت بينهم في الدنيا، يتواصلون بها ويتحابون بها، تقطعت بهم، وخانتهم أحوج ما كانوا إليها، وصارت عداوةً يوم القيامة، وتبرأ بعضهم من بعض، ولعن بعضهم بعضا، كما قال تعالى:{إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} 5. وأول الآية: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} 6. فالمتبعون كانوا =

1 سورة البقرة آية: 166.

2 أحمد (3/430) .

3 مسلم: فضائل الصحابة (2504) ، وأحمد (5/64) .

4 سورة الزخرف آية: 67.

5 سورة العنكبوت آية: 25.

6 سورة البقرة آية: 166.

ص: 242

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= على الهدى وأتباعهم ادعوا أنهم على طريقتهم، وهم مخالفون لهم، ويزعمون أن محبتهم لهم تنفعهم مع مخالفتهم، فيتبرؤون منهم يوم القيامة، فإنهم اتخذوهم أولياء من دون الله، وهكذا حال كل من اتخذ من دون الله وليا؛ فإن الله عز وجل أبطل ذلك العمل، وقطع تلك الأسباب، ولم يبق إلا السبب الواصل بين العبد وربه، وهو تجريد عبادته وحده من الحب والبغض والعطاء والمنع والموالاة والمعاداة، وتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو السبب الذي لا ينقطع بصاحبه. وهذا الأثر رواه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه.

ص: 243