المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله - حاشية كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌كتاب التوحيد

- ‌باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

- ‌باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء فى النشرة

- ‌باب ما جاء في التطير

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌باب قول الله تعالي: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

- ‌باب ما جاء في الرياء

- ‌باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

- ‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

- ‌باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب قول: ما شاء الله وشئت

- ‌باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌باب لا يقال السلام على الله

- ‌باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب لا يقول عبدي وأمتي

- ‌باب لا يرد من سأل بالله

- ‌باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في "لو

- ‌باب النهي عن سب الريح

- ‌باب قول الله تعالى: {يظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}

- ‌باب ما جاء في منكري القدر

- ‌باب ما جاء في المصورين

- ‌باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه

- ‌باب ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب لا يشفع بالله على خلقه

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الفصل: ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

(1)

وقول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (2) الآية 1

ــ

(1)

لما ذكر المصنف التوحيد وفضله وتحقيقه وما يوجب الخوف من ضده، نبه بهذه الترجمة على أنه لا ينبغي لمن عرف ذلك أن يقتصر على نفسه، فإن الرجل إذا علم وجب عليه العمل، فإذا علم وعمل وجبت عليه الدعوة إلى الله، حتى يكون من ورثة الأنبياء وعلى طريقهم وطريق أتباعهم، قال الحسن لما تلا:{مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} 2، قال:" هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته "، وقال:{إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 3 هذا خليفة الله. والدعوة إلى الله هي الدعوة إلى توحيده والإيمان به وبما جاءت به رسله، وذلك يتضمن الدعوة إلى أركان الإسلام وأصول الإيمان والإحسان، بل الأمر بما أمر به، والنهي عما نهى عنه، ولا تتم إلا بذلك، وأول ما يبدأ به الدعوة إلى التوحيد الذي هو معنى الشهادة، كما كان شأن المرسلين وأتباعهم كالمصنف رحمه الله، وكل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره.

(2)

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل: يا محمد هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة لله وحده طريقتي ومسلكي ودعوتي إلى الله وحده لا شريك له، لا إلى حظ ولا رياسة، بل إلى الله، على بصيرة بذلك ويقين وبرهان وعلم مني به (أنا ومن =

1 سورة يوسف آية: 108.

2 سورة فصلت آية: 33.

3 سورة فصلت آية: 33.

ص: 54

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= اتبعني) أي ويدعو إليه على بصيرة أيضا من اتبعني وصدقني وآمن بي، والبصيرة المعرفة التي يميز بها بين الحق والباطل، وهي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة وهي أعلى درجات العلماء. (وسبحان الله) أي أنزه الله وأعظمه وأقدسه وأجله عن أن يكون له شريك في ملكه أو نظير أو نديد، تعالى وتقدس عن ذلك علوا كبيرا. {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 1 في الاعتقاد والعمل والمسكن، لست منهم ولا هم مني، بأي نسبة كانوا بحيث لا يعد منهم بوجه من الوجوه، إن نظر في الاجتماعات فليس منهم، وإن جلسوا في المجالس فليس منهم، وإن خرجوا إلى المحافل فليس منهم، فليس منهم في أي حال من الأحوال، وفيه وجوب الهجرة، وهو معلوم بالكتاب والسنة والإجماع، وبذلك يظهر وجه المطابقة بين الآية والترجمة. والنصوص في الدعوة إلى الله كثيرة كقوله:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 2. وقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} 3. وهي واجبة على من اتبعه أن يدعو إلى الله كما دعا إليه. وذكر ابن القيم أن مراتب الدعوة ثلاثة أقسام: وذلك بحسب حال المدعو، فإنه إما أن يكون طالبا للحق محبا له مؤثرا له على غيره إذا عرفه، فهذا يدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظة وجدال، وإما أن يكون مشتغلا بضد الحق لكن لو عرفه آثره واتبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب، وإما أن يكون معاندا معارضا، فهذا يجادل بالتي هي أحسن، فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجلاد إن أمكن.

ولا بد في الدعوة إلى الله من شرطين: أن تكون خالصة لوجه الله، وأن تكون على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون الداعي عارفا بما يدعو إليه، فإن أخل بالأول كان مشركا، وإن أخل بالثاني كان مبتدعا.

وقال الشيخ: يحتاج إلى شروط كما في الحديث، ينبغي لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أن يكون فقيها فيما يأمر به، فقيها فيما ينهى عنه، رفيقا فيما يأمر به، رفيقا فيما ينهى عنه، =

1 سورة الأنعام آية: 79.

2 سورة النحل آية: 125.

3 سورة فصلت آية: 33.

ص: 55

وعن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن (1) . قال له: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب (2) فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله " 1 (3)

ــ

= حليما فيما يأمر به، حليما فيما ينهى عنه، فالفقه قبل الأمر: ليعرف المعروف فيأمر به، ويعرف المنكر فينكره، والرفق عند الأمر: ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود، والحلم بعد الأمر: ليصبر على أذى المأمور المنهي.

وقال المصنف: ((فيه أن الدعوة إلى الله طريق من اتبعه صلى الله عليه وسلم، وفيه التنبيه على الإخلاص؛ لأن كثيرا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه، وأن البصيرة من الفرائض، وأن من دلائل حسن التوحيد كونه تنزيها لله عن المسبة. وأن من دلائل قبح الشرك كونه مسبة لله، وفيه إبعاد المسلم عن المشركين ألا يصير منهم ولو لم يشرك)) .

(1)

أرسله داعيا إلى الله سنة عشر قبل حجه صلى الله عليه وسلم، ولم يزل على اليمن واليا وقاضيا إلى أن قدم في خلافة أبي بكر، ثم توجه إلى الشام فمات بها. قال الشيخ:((ومن فضائله أنه بعثه إلى اليمن مبلغا عنه ومفقها ومعلما وحاكما)) اهـ. وفيه مشروعية بعث الإمام الدعاة إلى الجهات يدعون إلى الله، بل يتعين عليه بتأكد.

(2)

يعني بذلك اليهود والنصارى لأنهم كانوا في اليمن أكثر من مشركي العرب، وقد أوتوا علوما في أصول الأديان وفروعها، وليسوا أميين كسائر العرب، فنبهه على ذلك ليتهيأ لمناظرتهم، يعني خذ أهبتك لهم، فإنهم أهل علم، ليسوا كغيرهم. وقال الحافظ:((هو كالتوطئة للوصية ليجمع همته عليها)) .

(3)

فإنه لا بد أن يأتوك بعلوم وأشياء، ولكن لا يكن همك إلا هذا الشأن. و "شهادة" بالرفع على أنه اسم يكن مؤخر، و"أول" خبرها، ويجوز العكس.

1 البخاري: الزكاة (1395)، ومسلم: الإيمان (19)، والترمذي: الزكاة (625)، والنسائي: الزكاة (2435)، وأبو داود: الزكاة (1584)، وابن ماجه: الزكاة (1783) ، وأحمد (1/233)، والدارمي: الزكاة (1614) .

ص: 56

وفي رواية: " إلى أن يوحدوا الله (1) ، فإن هم أطاعوك لذلك (2)

ــ

(1)

هذه الرواية في كتاب التوحيد من صحيح البخاري، أشار بها المصنف إلى التنبيه على معنى شهادة ألا إله إلا الله، فإن معناها توحيد الله بالعبادة ونفي عبادة ما سواه، وفي رواية:" فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله " 1، وذلك هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، وفي رواية للبخاري:" أدعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله " 2، فهذه الروايات يفسر بعضها بعضا، والمراد بذلك العلم والعمل بما دلت عليه، من إفراد الله بالعبادة، بخلاف من قال: أول واجب النظر في الوجود، أو القصد إلى النظر، فلا واجب على المكلفين أعظم من التوحيد علما وعملا، ومن أدلته هذا النص وغيره؛ فإن قوله:" فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله " 3 مع قوله: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب" يعني أنهم أهل علوم وكتب وحجج، ومع ذلك أمره أن يدعوهم إلى إفراد الله بالعبادة، لكونهم محتاجين إلى أن تبين لهم ذلك، فإن منهم من يجهله، أو يعلمه ولكن الشهوة تمنعه من ذلك، وحب المال والجاه والرياسة والعياذ بالله، وفيه أنه لا يحكم بإسلام شخص إلا بالنطق بالشهادتين كما هو مذهب أهل السنة.

وقال الشيخ: قد علم بالإضرار من دين الرسول، واتفقت الأمة أن أصل الإسلام، وأول ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلما، وإذا لم يتكلم مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين. قال المصنف:((وفيه أن التوحيد أول واجب، والنبي صلى الله عليه وسلم أخذ عشر سنين كلها في الدعوة إلى التوحيد، والنهي عن ضده وهو الشرك، وفيه أن الإنسان قد يكون من أهل العلم، وهو لا يعرفها، أو يعرفها ولا يعمل بها، والتنبيه على التعليم بالتدريج، والبداءة بالأهم فالأهم)) .

(2)

أي شهدوا وانقادوا لذلك، وكفروا بما يعبد من دون الله.

1 البخاري: الزكاة (1458)، ومسلم: الإيمان (19)، وأبو داود: الزكاة (1584)، وابن ماجه: الزكاة (1783) .

2 البخاري: الزكاة (1395)، ومسلم: الإيمان (19)، والترمذي: الزكاة (625)، والنسائي: الزكاة (2435)، وأبو داود: الزكاة (1584)، وابن ماجه: الزكاة (1783) ، وأحمد (1/233)، والدارمي: الزكاة (1614) .

3 البخاري: الزكاة (1458)، ومسلم: الإيمان (19) .

ص: 57

فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة (1) ، فإن هم أطاعوك لذلك (2) فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم (3) ،

ــ

(1)

ثنى بالأعمال بعد التوحيد لأنها لا تصح بدونه، فهو شرط لصحة جميع الأعمال. وفيه أن الصلاة أول واجب بعد الشهادتين، وأن المطالبة بالفرائض في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام، فإن حصل دعي إلى الصلاة، وإلا لم يدع إليها، فإن الصلاة وغيرها من سائر الأعمال لا تصح بدونه، ولا يلزم من ذلك ألا يكون الكفار مخاطبين بها، ويزاد في عذابهم، وجمهور العلماء على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، المأمور بها والمنهي عنها، كالتوحيد إجماعا لقوله:{قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} 1.

(2)

وأقاموا الصلاة الشرعية، وفي رواية الفضل بن العلاء:" فإذا صلوا".

(3)

فيه دليل على أن الزكاة أوجب الأركان بعد الصلاة، وقرنها الله بالصلاة في أكثر من ثمانين موضعا من كتابه، منها:{وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} 2. وعن ابن مسعود مرفوعا: " أمرت بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومن لم يزك فلا صلاة له". وحديث: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة "3. وفيه أنها تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء، وهو محتمل لفقراء المسلمين، وفقراء تلك البلدة، والمحلة، والقبيلة، والطائفة. وأنه يكفي إخراجها في صنف واحد، بل دلت السنة على جواز دفعها إلى شخص واحد، وإنما خص الفقراء لأنهم أكثر من تدفع إليهم، ولأن حقهم آكد من بقية الأصناف الثمانية. وفيه أن الإمام أو نائبه هو الذي يتولى قبضها، ومن امتنع منها أخذت منه قهرا.

1 سورة المدثر آية: 43.

2 سورة البينة آية: 5.

3 البخاري: الإيمان (25)، ومسلم: الإيمان (22) .

ص: 58

فإن هم أطاعوك لذلك (1) ، فإياك وكرائم أموالهم (2) ، واتق دعوة المظلوم (3) ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " (4) . أخرجاه1.

ــ

(1)

أي أدوا الزكاة المشروعة فاقبلها منهم، وفي رواية الفضل:" فإذا أقروا بذلك فخذ منهم "2.

(2)

في أخذ الزكاة، بنصب "كرائم" على التحذير، جمع كريمة خيار المال، وفي المطالع: هي الجامعة للكمال الممكن في حقها، من غزارة لبن، وجمال صورة، أو كثرة لحم وصوف. وفيه أنه يحرم على العامل أخذ كرائم الأموال، ويحرم على صاحبه إخراج شراره، بل الوسط; لأن ذلك سبب لإخراجها بطيب نفس، ونية صحيحة، فإن طابت نفسه بالكريمة جاز.

(3)

أي اجعل العدل وترك الظلم وقاية بينك وبين الله تقيك دعوة المظلوم، والمتقي من اتقى الله في عمله، ففعل كما أمر خالصاً لله. وفيه التنبيه على التحذير من جميع أنواع الظلم، فيجب على كل عامل وغيره أن يتحرى العدل فيما استعمل فيه، فلا يظلم بأخذ زيادة على الحق، ولا يحابي بترك شيء منه.

(4)

أي فإن دعوة المظلوم لا ترد ولا تحجب عن الله (. وفيه مشروعية بعث الإمام العمال لجباية الزكاة، وأنه يعظ عماله وولاته، ويأمرهم بتقوى الله، وينهاهم عن الظلم، ولم يذكر في هذا الحديث الصوم والحج. قال الشيخ: أجاب بعض الناس أن بعض الرواة اختصره وليس كذلك، ولكن ذلك بحسب نزول الفرائض، وأول ما فرض الله الشهادتان ثم الصلاة، ولهذا لم يذكر وجوب الحج في عامة الأحاديث، إنما جاء في الأحاديث المتأخرة، أو أنه يذكر في كل مقام ما يناسبه، فيذكر تارة الفرائض التي يقاتل عليها كالصلاة والزكاة، وتارة الصلاة والصيام لمن لم يكن عليه زكاة، ويذكر تارة الصلاة والزكاة والصوم، فإما أن =

1 البخاري: الزكاة (1395) والمغازي (4347)، ومسلم: الإيمان (19)، والترمذي: الزكاة (625)، والنسائي: الزكاة (2435)، وأبو داود: الزكاة (1584)، وابن ماجه: الزكاة (1783) ، وأحمد (1/233)، والدارمي: الزكاة (1614) .

2 البخاري: التوحيد (7372)، ومسلم: الإيمان (19)، والترمذي: الزكاة (625)، وابن ماجه: الزكاة (1783) ، وأحمد (1/233)، والدارمي: الزكاة (1614) .

ص: 59

ولهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله (2) ،

ــ

= يكون قبل فرض الحج، وإما أن يكون المخاطب لا حج عليه، وأما الصلاة والزكاة فلهما شأن ليس لسائر الفرائض، ولهذا ذكر تعالى في كتابه القتال عليهما؛ لأنهما عبادتان ظاهرتان. ولما بعث معاذا إلى اليمن لم يذكر في حديثه الصوم؛ لأنه تبع وهو باطن، ولا ذكر الحج لأن وجوبه خاص ليس بعام، ولا يجب في العمر إلا مرة.

(1)

ابن مالك بن خالد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري، صحابي شهير، وأبوه صحابي أيضا، ذكر سهل أنه مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة 88، وقيل: 91 هـ، وقد جاوز المائة، روى عنه ابن عباس وأبو هريرة وابن المسيب والزهري وغيرهم.

(2)

أي قال يوم حصار خيبر سنة 7 هـ، وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال: كان علي رضي الله عنه قد تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر، وكان أرمد، وقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!؟ فخرج علي فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله (في صباحها، قال صلى الله عليه وسلم:" لأعطين الراية - أو ليأخذن الراية - غدا رجلا يحبه الله ورسوله، أو قال: يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية، ففتح الله عليه "1. وفي رواية بريدة: " إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله " 2. وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادف الراية واللواء، لكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه =

1 البخاري: المناقب (3702)، ومسلم: فضائل الصحابة (2407) ، وأحمد (4/51) .

2 أحمد (5/353) .

ص: 60

يفتح الله على يديه" (1) . فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها (2)

ــ

= أبيض، وعن أبي هريرة: مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله، والراية علم الجيش، يرجعون إليه عند الكر والفر، جمعها رايات، وكذا لواء الجيش علمه، وهو دون الراية، سمي لواء لأنه يلوى لكبره فلا ينشر إلا عند الحاجة، والغد اليوم التالي ليومك على أثره. والمحبة مواطأة القلب على ما يرضى الرب، وأصلها الميل إلى ما يوافق المحب، وفيه فضيلة علي رضي الله عنه وزيادة منقبته؛ لشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك بخصوصه. قال الشيخ: هذا أصح حديث روي لعلي من الفضائل، وليس هذا الوصف مختصا به، ولا بالأئمة؛ فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي يحب الله ورسوله، لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين لا يتولونه، أو يكفرونه أو يفسقونه كالخوارج، وفيه إثبات صفة المحبة خلافا للجهمية.

(1)

أخبرهم صلى الله عليه وسلم على وجه البشارة بحصول الفتح، وكان قد اشتد عليهم الحصار، فهو علم من أعلام النبوة؛ لإخباره عنه قبل وقوعه في وقت مخصوص، فوقع طبق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.

(2)

بنصب ليلة، ورفع أي على البناء، لإضافتها وحذف صدر صلتها، أي سهروا تلك الليلة يبحثون ويتفاوضون، ويتناظرون فيمن سيعطاها. قال المصنف:"يدوكون" أي يخوضون، يعني فيمن يدفعها إليه، وفيه يقال: داك القوم يدوكون، إذا وقعوا في اختلاط واضطراب ودوران. وخاضوا في الحديث تفاوضوا فيه; وفيه حرص الصحابة على الخير، واهتمامهم به، وعلو مرتبتهم في العلم والإيمان، فينبغي التنافس في الخير، وعلو الهمة في طلبه.

ص: 61

فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو (1) أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ (2) فقيل: هو يشتكي عينيه (3) ، فأرسلوا إليه (4) فأُتي به، فبصق في عينيه (5)

ــ

(1)

حرصًا عليه لكونه محبوبا عند الله، وتفتح هذه البلدة على يديه، ففيه أن فعل الأسباب المباحة أو الواجبة أو المستحبة لا ينافي التوكل. وفي رواية لمسلم: أن عمر قال: ((ما أحببت الإمارة إلا يومئذ; رغبة فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم) . فإن قيل: إذا كان هذا ليس من خصائص علي رضي الله عنه فلم تمناه بعض الصحابة؟ أجاب شيخ الإسلام بأنه إذا شهد النبي صلى الله عليه وسلم لمعين بشهادة، أو دعا له بدعاء، أحب كثير من الناس أن يكون له مثل تلك الشهادة، ومثل ذلك الدعاء، وإن كان يشهد ويدعو لخلق كثير، ولكن تعيينه الشخص من أعظم فضائله. قال المصنف:((وفيه فضيلة علي يعني لشهادته له على التعيين)) .

(2)

هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة الزهراء، الخليفة الرابع، من أسبق السابقين، ومن أهل بدر وبيعة الرضوان، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومناقبه مشهورة، قتله ابن ملجم في رمضان سنة 40 هـ، وفيه سؤال الإمام عن رعيته، وتفقد أحوالهم، وسؤاله عنهم في مجامع الخير.

(3)

أي من الرمد كما تقدم. وفي صحيح مسلم: فأتى به أرمد. وفيه عن سلمة: فأرسلني إلى علي، فجئت به أقوده أرمد، فبصق في عينيه فبرأ.

(4)

من يأتيه به، قال الشارح: وفي نسخة بخط المصنف: فأرسل إليه. مبني للفاعل، ويحتمل أنه لما لم يسم فاعله.

(5)

بفتح الصاد أي بزق، ويقال: بزق ثم تفل ثم نفث ثم نفخ.

ص: 62

ودعا له فبرأ (1) كأن لم يكن به وجع (2)، وأعطاه الراية (3) فقال: انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم (4) ، ثم ادعهم إلى الإسلام (5) ،

ــ

(1)

بفتح الراء والهمزة، أي عوفي في الحال عافية كاملة.

(2)

من رمد ولا ضعف بصر، وذلك بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث:((فدعا له فاستجيب له)) . وللطبراني عن علي: ((فما رمدت ولا صدعت منذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلي الراية)) . وفيه علم من أعلام النبوة.

(3)

أي دفعها إليه مع ما به من وجع العين، ولم يسع في طلبها. قال المصنف: فيه الإيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسع ومنعها ممن سعى.

(4)

بضم الفاء وكسر الراء وسكون السين، أي امض برفق وتؤدة ولين، متمهلا على رسلك، من غير عجلة ولا طيش حتى تنزل بساحتهم، وساحة القوم وسوحهم ما قرب من حصونهم، وفيه الأدب عند القتال، وترك الطيش والأصوات المزعجة، وأمر الإمام عماله بالرفق واللين، من غير ضعف ولا انتقاض عزيمة.

(5)

أي والإيمان فإن الإسلام إذا أفرد دخل فيه الإيمان، كما أنه إذا أفرد الإيمان دخل فيه الإسلام بلا نزاع، والإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والخضوع له، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وأصل الإسلام هو التوحيد، وهو معنى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإن شئت قلت: هو شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وما اقتضته الشهادتان من إخلاص العبادة لله وحده دون ما سواه، فإن من عبد معه غيره لم يكن مسلما، والطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وهذا =

ص: 63

وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه (1) ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " (2) .

ــ

= هو الشاهد للترجمة. وهكذا ينبغي لأهل الإسلام أن يكون قصدهم بجهادهم هداية الخلق إلى الإسلام والدخول فيه، وفيه مشروعية الدعوة قبل القتال، وإن كانوا قد دعوا قبل ذلك، فيندب إعادة الدعوة؛ ليعلم المشركون أن قصد المسلمين لهم بالدعوة والقتال هو دخولهم في الإسلام، ليس المراد التشفي منهم وأخذ أموالهم، لكن إن كانوا قد بلغتهم الدعوة جاز قتالهم ابتداء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون. فالدعوة دعوتان: واجبة وهي دعوة التبليغ، ومندوبة وهي تبليغهم قبل القتال كما فعل علي رضي الله عنه.

(1)

أي في الإسلام إذا أجابوك إليه فأخبرهم بما يجب من حقوقه التي لا بد لهم من فعلها، كالصلاة والزكاة وغيرهما من شرائع الإسلام، بقوله:" فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " 1، فإن امتنعوا عن شيء من حقها فالقتال باق، فالنطق بالشهادتين سبب العصمة، لا أنه نفسه العصمة، أو هو العصمة لكن بشرط العمل؛ فإن لله حقوقا في الإسلام من لم يأت بها لم يكن مسلما. وفيه أيضا بعث الإمام الدعاة إلى الله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه. قال عمر:" والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم ".

(2)

أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر في محل رفع على الابتداء، والخبر خير. وحمر بضم الحاء المهملة وسكون الميم، والنعم بفتح النون والعين، أي هداية رجل على يديك خير لك من الإبل الحمر، وإنما عبر بها لأنها أنفس أموال العرب إذ ذاك. وكانوا يضربون بها المثل، والمراد خير من الدنيا وما عليها. وتشبيه أمور =

1 الترمذي: تفسير القرآن (3341) ، وأحمد (3/295 ،3/300 ،3/332 ،3/394) .

ص: 64

يدوكون أي: يخوضون (1) .

ــ

= الآخرة بأمور الدنيا للتقريب إلى الإفهام، وإلا فذرة من ذرات الآخرة خير من الدنيا بأسرها وأمثالها معها. وفيه الترغيب في الدعوة إلى الله لتحصل للداعي هذه الفضيلة بهداية رجل واحد، ولهذا حلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ولو لم يحلف، ترغيبا في هذا العمل وحضا عليه، ولو لم يهتد بالدعوة إلا رجل واحد، فكيف بهداية الفئام؟ كما وقع للمصنف رحمه الله، وغيره من أئمة الدين. وفيه جواز الحلف على الخبر والفتيا ولو لم يستحلف.

(1)

فسر المصنف رحمه الله هذه اللفظة بأن المراد خوض السامعين، وبحثهم في هذا الخير وتمني حصوله.

ص: 65