الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء
(1)
وقول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} 1. وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه
ــ
(1)
أي من النهي عن ذلك والوعيد الشديد، والتغليط الأكيد، وبيان أنه كفر، والاستسقاء طلب السقيا، والمراد به هنا نسبة السقيا ومجيء المطر إلى الأنواء جمع نوء، والنوء في أصله ليس هو نفس الكوكب، فإنه مصدر ناء ينوء نوءا نهض وطلع، فالنوء هو الطالع سمي نوءا؛ لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء مقابله الطالع بالمشرق، وقيل: ناء سقط وغاب، ولا تخالف بين القولين، وهي ثمانية وعشرون نجما، معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها، مشهورة بمنازل القمر، ينزل كل ليلة منزلة منها في كل شهر. قال تعالى:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} 2. تسقط كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت من المشرق، تنقضي جميعها مع انقضاء السنة، وكانت العرب تزعم أن سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر وينسبونه إلى النجم الساقط، ويقولون: مطرنا بنوء كذا.
(2)
أي تجعلون حظكم من شكر الله عليكم إذا أصابكم المطر والبركة والخير: {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} بنسبة النعم لغير الله من الكواكب والمخلوقات التي لا قدرة لها على شيء، وأخرج أحمد والترمذي وغيرهما عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أ} " يقول: شكركم: {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} تقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا " ويأتي عن ابن عباس نحوه، وروي عن جمهور المفسرين، وبه يظهر وجه استدلال المصنف بالآية. ويقال: وتجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون، والآية تشمل المعنيين.
(3)
هو الحارث بن الحارث الشامي صحابي، يكنى أبا طالب وخلطه غير واحد بأبي مالك الأشعري، وهو متقدم الوفاة، وهذا متأخر حتى روى عنه أبو سلام كما في صحيح مسلم.
1 سورة الواقعة آية: 82.
2 سورة يس آية: 39.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن (1) : الفخر بالأحساب (2) ، والطعن في الأنساب (3) ،
ــ
(1)
خرج مخرج الذم نسبة إلى الجهل، أي ستفعلها هذه الأمة إما مع العلم بتحريمها أو مع الجهل بذلك، مع كونها من أعمال الجاهلية المذمومة المكروهة المحرمة، ولكنها تارة تكثر وتارة تقل، وذلك بظهور الإسلام وضعفه، والمراد بالجاهلية هنا ما قبل المبعث، سموا بذلك لفرط جهلهم، وكل ما يخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو جاهلية. قال شيخ الإسلام:((أخبر أن بعض أمر الجاهلية لا يتركه الناس كلهم، ذما لمن لم يتركه، وهذا يقتضي أن ما كان من أمر الجاهلية وفعلهم فهو مذموم في دين الإسلام، وإلا لم يكن في إضافة هذه المنكرات إلى الجاهلية ذم لها، كما قال تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} 1. فإن في ذلك ذما للتبرج، وذما لحال الجاهلية الأولى، وهذا يقتضي المنع من مشابهتهم في الجملة)) .
(2)
أي التشرف بالآباء والتعاظم بعدّ مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم، وذلك جهل عظيم؛ إذ لا شرف إلا بالتقوى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 2،:{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} 3 ولأبي داود: " إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس بنو آدم وآدم من تراب "4. قال المصنف: ((فخر الإنسان بعمله منهي عنه، فكيف افتخاره بعمل غيره)) ؟
(3)
أي الوقوع فيها بالتنقص والعيب وقصد الذم، والحط من الرتبة كليس فلان من ذرية فلان أو آل فلان، قدحا لا لبيان المطلوب شرعا، ويأتي أيضا. ولما عير أبو ذر رجلا بأمه قال عليه الصلاة والسلام:" إنك امرؤ فيك جاهلية "5. متفق عليه، قال شيخ الإسلام: ((فدل على أن الطعن في الأنساب من عمل الجاهلية المذموم، وأن المسلم قد يكون فيه شيء من هذه الخصال المسماة بجاهلية ويهودية ونصرانية، ولا يوجب كفره)) اهـ، والمراد العملية لا الاعتقادية.
1 سورة الأحزاب آية: 33.
2 سورة الحجرات آية: 13.
3 سورة سبأ آية: 37.
4 الترمذي: المناقب (3955)، وأبو داود: الأدب (5116) .
5 البخاري: الإيمان (30)، ومسلم: الأيمان (1661)، وأبو داود: الأدب (5157 ،5158) ، وأحمد (5/161) .
والاستسقاء بالنجوم (1)، والنياحة (2) " 1. وقال: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة (3)
ــ
(1)
أي نسبة السقيا ومجيء المطر إلى النجوم نسبة تأثير أو إيجاد، وهو الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، فأخرج أحمد وغيره " أخاف على أمتي ثلاثا: استسقاء بالنجوم، وحيف السلطان، وتكذيبا بالقدر " 2. فإذا قال: مطرنا بنوء كذا أو بنجم كذا، فلا يخلو إما أن يعتقد أن له تأثيرا في إنزال المطر فهذا شرك أكبر بالإجماع، وهو الذي يعتقده أهل الجاهلية، كاعتقادهم في الأموات والغائبين لجلب نفع أو دفع ضر، وإما أن ينسب إنزال المطر إلى النجم، مع اعتقاد أن الله هو الفاعل، وصحح الشارح أنه يحرم نسبة ذلك إلى النجم، وصرح ابن مفلح في الفروع أنه يحرم قول: مطرنا بنوء كذا، وجزم في الإنصاف بتحريمه، ولم يذكرا خلافا، وهو الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم ونفاه وأبطله، وأخبر أنه من أمر الجاهلية، حماية منه لجناب التوحيد، وسدا لذرائع الشرك ولو بالعبارات الموهمة التي لا يقصدها الإنسان، وذلك لأنه نسب ما هو من فعل الله إلى خلق مسخر لا ينفع ولا يضر، ولا قدرة له على شيء فيكون شركا أصغر، والله أعلم. وفيه التنبيه على ما هو أولى منه كدعاء الأموات وسؤالهم الذي هو عين الشرك، وهذا بخلاف ما لو قال: مطرنا في نوء كذا، فكما لو قال: مطرنا في شهر كذا فلا بأس بذلك.
(2)
أي رفع الصوت بالندب على الميت، وإفراط رفعه بالبكاء، وإن لم يقترن بندب ولا نوح، وضرب الخدود وشق الجيوب ونحو ذلك؛ لأن ذلك تسخط بقضاء الله وقدره، وذلك ينافي الصبر الواجب، وهي من الكبائر لشدة الوعيد والعقوبة، فأما البكاء من غير نياحة ولا ندب وشق جيب فقال شيخ الإسلام:((البكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب، ولا ينافي الرضا بقضاء الله)) .
(3)
أي تبعث من قبرها، وتوقف يوم الحساب والجزاء، وفيه تنبيه على أن التوبة تكفر الذنب وإن عظم، وهو إجماع في الجملة لقوله تعالى:{إِلَاّ مَنْ تَابَ} 3 =
1 مسلم: الجنائز (934) ، وأحمد (5/342 ،5/344) .
2 أحمد (5/89) .
3 سورة مريم آية: 60.
وعليها سربال من قطران (1) ودرع من جرب " 1. رواه مسلم (2) . ولهما عن زيد بن خالد الجهني (3) قال: " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية (4) على إثر سماء كانت من الليل (5) ،
ــ
= الآية، وقوله عليه الصلاة والسلام:" إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" 2، ولذلك لا يجوز إطلاق الوعيد على شخص عرف بفعل ذنوب توعد الشرع عليها بوعيد لذلك، ولأنها تكفر أيضا بالحسنات الماحية والمصائب، ودعاء المسلمين بعضهم لبعض، وبالشفاعة بإذن الله، وعفو الله عمن شاء ممن لا يشرك به شيئا.
(1)
واحد السرابيل وهي الثياب والقمص، يعني أنهن يلطخن بالقطران، فيكون لهن كالقمص حتى يكون اشتعال النار والتصاقها بأجسادهن أعظم، ورائحتهن أنتن، وألمها بسبب الحر أشد، وقال ابن عباس:" القطران هو النحاس المذاب " اهـ. ليكون أشد لحر النار وصليها أعاذنا الله منها.
(2)
الدرع ثوب ينسج من حديد يلبس في الحرب وقاية من سلاح العدو، والجرب داء، ويقال: خلط غليظ يحدث تحت الجلد من مخالطة البلغم الملح للدم، فيحدث منه بثور صغار له حكة شديدة ألبستهما عوضا عن الثوبين الذين مزقتهما في الدنيا من أجل المصيبة.
(3)
المدني صحابي مشهور شهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح، مات سنة 68هـ، وله 85 سنة، وقيل غير ذلك.
(4)
صلى لنا أي صلى بنا، فاللام بمعنى الباء، والحديبية بتخفيف الياء وتشدد تقدم أنها قرية سميت ببئر هناك على مرحلة من مكة، تسمى الآن الشميسي، كان بها الصلح سنة 6 من الهجرة، وهو الفتح المبين.
(5)
إثر بكسر الهمزة وهو ما يعقب الشيء، و"سماء" أي مطر كان في تلك الليلة، سماه بذلك لكونه ينزل من جهة السماء، والسماء يطلق على كل ما ارتفع.
1 مسلم: الجنائز (934)، وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1581) ، وأحمد (5/342 ،5/343 ،5/344) .
2 الترمذي: الدعوات (3537)، وابن ماجه: الزهد (4253) .
فلما انصرف أقبل على الناس (1) قال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ (2) قالوا: الله ورسوله أعلم (3) قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر (4)، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته. فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب (5) ،
ــ
(1)
أي لما التفت إليهم من صلاته بوجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه أراد السلام لا القيام من مكانه، كما يدل عليه قوله: أقبل على الناس أي التفت إلى المأمومين كما هو معلوم من حاله وحال أصحابه، وإتيانهم بالذكر المندوب.
(2)
لفظ استفهام، ومعناه التنبيه. وفي النسائي:" ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة؟ "1، وهذا من الأحاديث القدسية، وفيه إلقاء العالم على أصحابه المسألة ليختبرهم.
(3)
أي من كل عالم، وفيه حسن الأدب للمسئول إذا سئل عما لا يعلم أن يكل العلم إلى عالمه، وذلك واجب.
(4)
يعني إذا اعتقد أن للنوء تأثيرا في إنزال المطر فهذا كفر؛ لأنه شرك في الربوبية، وإن لم يعتقد ذلك فهو من الشرك الأصغر؛ لأنه نسب نعمة الله إلى غيره؛ لأن الله لم يجعل النوء سببا لإنزال المطر فيه، ودل على أنه لا يجوز لأحد أن يضيف أفعال الله إلى غيره، والإضافة في قوله:(عبادي) هنا للعموم؛ لقوله: " مؤمن بي وكافر " 2، كقوله:{فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} 3. قال المصنف: ((وفيه التفطن للإيمان في هذا الموضع، يشير إلى أنه الإخلاص)) .
(5)
أي من نسب المطر إلى الله، واعتقد أنه أنزله بفضله ورحمته من غير استحقاق من العبد على ربه، وأثنى به عليه، فقال: مطرنا بفضل الله ورحمته. وفي رواية: "فأما من حمدني على سقياي، وأثنى علي فذاك من آمن بي". والفضل والرحمة =
1 البخاري: الأذان (846) والجمعة (1038) والمغازي (4147)، ومسلم: الإيمان (71)، والنسائي: الاستسقاء (1525)، وأبو داود: الطب (3906) ، وأحمد (4/116)، ومالك: النداء للصلاة (451) .
2 البخاري: الأذان (846)، ومسلم: الإيمان (71)، والنسائي: الاستسقاء (1525)، وأبو داود: الطب (3906) ، وأحمد (4/117)، ومالك: النداء للصلاة (451) .
3 سورة التغابن آية: 2.
وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب (1) "1.
ولهما من حديث ابن عباس معناه، وفيه: " قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا (2) ، فأنزل الله هذه
ــ
= صفتان لله، ومذهب أهل السنة والجماعة أن ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الذات، كالحياة والعلم، وصفات الأفعال كالرحمة التي يرحم الله بها عباده، كلها صفات لله قائمة بذاته، ليست قائمة بغيره، وفيه أن النعم لله لا يجوز أن تضاف إلا إليه وحده، وهو الذي يحمد عليها، ولا ينافي الدعاء لمن أحسن إليك وذكر ما أولاك من المعروف، إذا سلم دينك، والسر -والله أعلم- أن العبد يتعلق قلبه بمن يظن حصول الخير من جهته وإن كان لا صنع له في ذلك، وذلك نوع شرك خفي فمنع من ذلك.
(1)
يعني نسبة المطر إليه، قال الشافعي وغيره: على ما كان أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه يمطر نوء كذا، فذلك كفر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وقال المصنف: فيه التفطن للكفر في هذا الموضع يشير إلى أن نسبة النعمة إلى غير الله كفر، ولهذا قطع بعض العلماء بتحريمه، وإن لم يعتقد تأثير النوء بإنزال المطر، فيكون من جحد النعم؛ لعدم نسبتها إلى الذي أنعم بها، ونسبتها إلى غيره كما سيأتي. ولما كان إنزال الغيث من أعظم نعم الله وإحسانه إلى عباده لما اشتمل عليه من منافعهم، فلا يستغنون عنه أبدا كان من شكره أن يضيفوه إليه سبحانه ويشكروه؛ فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، والله سبحانه هو المنعم على الإطلاق.
(2)
أي صدق سحاب ومطر النجم الفلاني، ولفظه عن ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر"، قالوا هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد =
1 البخاري: الجمعة (1038)، ومسلم: الإيمان (71)، والنسائي: الاستسقاء (1525)، وأبو داود: الطب (3906) ، وأحمد (4/117)، ومالك: النداء للصلاة (451) .
الآية. {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} 1 إلى قوله: {تُكَذِّبُونَ} (1) .
ــ
= صدق نوء كذا وكذا "2. قال: فنزلت هذه الآية، وفي رواية أخرى: " ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم كافرين " 3.
(1)
هذا قسم من الله سبحانه، يقسم بما شاء من خلقه على ما شاء، والأكثرون أن المراد نجوم السماء، ومواقعها مغاربها ومطالعها، وجوابه:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} 4 فتقديره: ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر وكهانة، بل هو قرآن كريم، وقال ابن عباس: يعني نجوم القرآن، نزل جملة ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقا في السنين بعدد مواقعها، أي وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به عليه،:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} أي إنه وحي الله وتنزيله وكلامه، لا كما يقوله الكفار: إنه سحر أوكهانة أو شعر، بل هو قرآن كريم، أي عظيم كثير الخير؛ لأنه كلام الله:{فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} 5 معظم محفوظ موقر. قيل: هو اللوح المحفوظ، وصحح ابن القيم أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة، وهو المذكور في قوله:{فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} 6. ويدل عليه قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلَاّ الْمُطَهَّرُونَ} 7 يعني الملائكة، وقال جماعة: {لا يَمَسُّهُ إِلَاّ الْمُطَهَّرُونَ} من الجنابة والحدث. والمراد بالقرآن ههنا المصحف؛ لما رواه مالك وغيره أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " أن لا يمس القرآن إلا طاهر "8. وقوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 9 أي هذا القرآن منزل من رب العالمين، لا كما يقولون: إنه سحر وكهانة وشعر، أو مخلوق، بل هو الحق الذي لا مرية فيه، منزل من رب العالمين: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} 10 على قلب محمد صلى الله عليه وسلم بإجماع المسلمين: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ} الذي ذكرت نعوته الموجبة لإعظامه: {أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} متهاونون به. وعن ابن عباس وغيره مكذبون. وقوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكركم التكذيب، وأكثر الروايات أنها نزلت في القائلين بنوء كذا وكذا من غير تعرض لما تقدم.
1 سورة الواقعة آية: 75.
2 مسلم: الإيمان (73) .
3 مسلم: الإيمان (72)، والنسائي: الاستسقاء (1524) ، وأحمد (2/362 ،2/368 ،2/421 ،2/525) .
4 سورة الواقعة آية: 77.
5 سورة الواقعة آية: 78.
6 سورة عبس آية: 13-16.
7 سورة الواقعة آية: 79.
8 مالك: النداء للصلاة (468) .
9 سورة الواقعة آية: 80.
10 سورة الشعراء آية: 193.