المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خصائص الشريعة الإسلامية - دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه - جـ ١

[إسحاق السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌ في التفسير وعلوم القرآن:

- ‌ وفي السنة النبوية وشروحها:

- ‌ وفي الفقه وما يتصل به:

- ‌ وفي السيرة النبوية:

- ‌ وفي العقيدة والتوحيد:

- ‌ وفي مجال الدراسات المعاصرة المتميزة:

- ‌مقدمة الدراسة: بين يدي تميز الأمة الإسلامية

- ‌المقدمة

- ‌ظاهرة التميز بين التاريخ والدين:

- ‌الدراسات السابقة في تميز الأمة الإسلامية:

- ‌المنهج في دراسة تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه وخطة البحث فيه:

- ‌أولًا: جمع المادة العلمية:

- ‌ثانيًا: خطة البحث:

- ‌فكرة تقسيم الدراسة في خمسة كتب:

- ‌الفصل الأول مفهوم تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌مفهوم تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌اشتقاق التميُّز اللغوي

- ‌من مجموع هذه النقول يتضح الآتي:

- ‌صلة التميُّز بالأمة الإسلامية

- ‌ مصطلح التميُّز

- ‌مدلول (الأمَّة) في معاجم اللغة العربية

- ‌مدلول الأُمَّة في القرآن الكريم

- ‌جاءت الأمة في القرآن الكريم:

- ‌خلاصات لمعاني (الأُمَّة) في اللغة العربية والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف واستنتاجات

- ‌نماذج من تعريفات العلماء والمفكرين لمدلول (الأمَّة) في الفكر الإسلامي وتحديد مصطلح (الأمَّة) في البحث

- ‌مفهوم الأمَّة الإسلامية

- ‌معنى الإسلام

- ‌الإسلام إذا وصفت به الأمة

- ‌منزلة تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌كون التميز سنة من سنن اللَّه في خلقه

- ‌الأمر به والثناء على من حققه والوعد المترتب عليه

- ‌التعريض بمن لم يرعَ التميُّز والوعيد المترتب على عدم تحقيقه

- ‌الحالة الأولى: حالة المن والعطاء:

- ‌الحالة الثانية: حالة الجحود، أو موقف بني إسرائيل من هذا المن ومن ذلك العطاء:

- ‌الحالة الثالثة: حالة الانتقام والجزاء:

- ‌النهي عن التشبه بأهل الكتاب وأهل الجاهليَّة

- ‌1 - المراد بالتشبه المنهي عنه

- ‌2 - النهي عن التشبه في مجال العقيدة:

- ‌3 - النهي عن التشبه في مجال العبادة:

- ‌4 - النهي عن التشبه في مجال الشعائر والمظهر العام:

- ‌ضرورة‌‌ إبراز ذاتية الأمة الإسلامية وصقلها وإظهار سمتها وسماتها

- ‌ إبراز ذاتية الأمة الإسلامية وصقلها وإظهار سمتها وسماتها

- ‌تجسيد القدوة في ذاتية الأمة الإسلامية وإظهارها للإنسانية

- ‌بناء قدرة الأمة الإسلامية على مواجهة الصراع الحضاري

- ‌الفصل الثانى الاستشراق والمستشرقين

- ‌مفهوم الاستشراق والمستشرقين

- ‌تعريف الاستشراق:

- ‌أ- تعريفه لغة:

- ‌ب- تعريفه اصطلاحًا:

- ‌مسلمات حول مفهوم الاستشراق والمستشرقين وملحوظات:

- ‌لمحة موجزة عن تاريخه

- ‌جذور نشأة الاستشراق

- ‌ومن هنا نشأت حركة الاستشراق لتحقيق الآتي:

- ‌الاستنتاجات والملحوظات حول نشأة الاستشراق:

- ‌الصلات الثقافية بين الإسلام والغرب في الأندلس وصقيلية

- ‌أثر الاستشراق في الحروب الصليبية وأثرها في الاستشراق

- ‌تطور الاستشراق

- ‌العوامل التي ساعدت على تطور الاستشراق

- ‌وفيما يأتي إبراز لأهم تلك العوامل والتطورات:

- ‌ومن أبرز ما يمثل هذا الاتجاه:

- ‌وفيما يأتي توضيح لأبرز هذه المستجدات:

- ‌دوافع الاستشراق ومظاهر نشاطه

- ‌أولًا: الدوافع الاستشراقية:

- ‌1 - الدافع الديني:

- ‌2 - الدافع السياسي:

- ‌3 - الدافع الاقتصادي:

- ‌4 - الدافع العلمي:

- ‌ثانيًا: مظاهر النشاط الاستشراقي:

- ‌حاضر الاستشراق ومستقبله وعوامل قوته واستمراره

- ‌1 - نقد الساسة الغربيين للاستشراق والمستشرقين

- ‌2 - وجهة نظر الباحث حول حاضر الاستشراق والمستشرقين ومستقبلهم:

- ‌3 - عوامل قوة الحركة الاستشراقية واستمرار المستشرقين:

- ‌العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌تعريف العقيدة لغة واصطلاحًا

- ‌خصائص العقيدة الإسلاميَّة

- ‌أ- كونها عقيدة الفطرة:

- ‌ب- الوضوح واليسر:

- ‌ج- استقلال منهجها في الاستدلال عن الطرائق الفلسفيَّة:

- ‌فالأدلة الكونية:

- ‌والأدلة النفسية:

- ‌والأدلة العقليَّة:

- ‌د- الانضباط وملازمة الحق والانتصار له:

- ‌أثر العقيدة في الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌ويُمكن رصد بعض آثار العقيدة في الأُمَّة الإسلاميَّة في الآتي:

- ‌موقف المستشرقين من العقيدة الإسلامية

- ‌أولًا: صورة العقيدة الإسلاميَّة لدى الغرب في العصور الوسطى:

- ‌ثانيًا: نماذج من آراء المستشرقين في العقيدة الإسلاميَّة:

- ‌ثالثًا: الرد على أقوالهم:

- ‌أمَّا الرد على أقوال المستشرقين السابقة فهو على النحو الآتي:

- ‌الشريعة

- ‌تمهيد

- ‌‌‌تعريف الشريعة لغةواصطلاحًا

- ‌تعريف الشريعة لغة

- ‌تعريف الشريعة اصطلاحًا:

- ‌أهمية النظام في الكون والحياة

- ‌حاجة البشرية إلى النظام

- ‌ويدفع البشر إلى التجمع دوافع عدة من أهمها:

- ‌أولًا: الدافع النفسي:

- ‌ثانيًا: الدافع المادي:

- ‌ثالثًا: الدافع الأمني:

- ‌وهنا يأتي السؤال من الذي ينظم

- ‌قصور العقل البشري عن تشريع النظم

- ‌لمحة موجزة عن حال الأمم في ظل بعض النظم البشرية

- ‌خصائص الشريعة الإسلامية

- ‌موقف المستشرقين من الشريعة الإسلامية

- ‌ويعالج البحث هنا الدعوى من جانبين:

- ‌الجانب الأول:

- ‌أولًا: القانون الروماني:

- ‌ثانيًا: التلمود اليهودي:

- ‌ثالثًا: التعاليم النصرانية:

- ‌رابعًا: أعراف العرب وتقاليدهم قبل الإسلام:

- ‌الجانب الثاني: نقد أقوال المستشرقين حول الشريعة:

- ‌وفي ضوء ما سبق يمكن نقد أقوال المستشرقين واستدلالاتهم في النقاط الآتية:

- ‌نقد الدعوى الأولى: دعوى التأثر بالقانون الروماني:

- ‌نقد الدعوة الثانية: دعوى التأثر بالتلمود اليهودي:

- ‌نقد الدعوى الثالثة: دعوى التأثر بالتعاليم النصرانية:

- ‌الدعوى الرابعة: دعوى التأثر بأعراف العرب وتقاليدهم قبل الإسلام:

- ‌الأخوة ووحدة الأمة الإسلامية

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الأخوة في اللغة والاصطلاح

- ‌منهج الإسلام في تقرير الأخوة، ووحدة الأمة

- ‌أثر الأخوة في تميز الأمة الإسلامية، ووحدتها

- ‌موقف المستشرقين من الأخوة ووحدة الأمة الإسلامية

الفصل: ‌خصائص الشريعة الإسلامية

‌خصائص الشريعة الإسلامية

تبينت مما سبق أهمية النظام في الكون والحياة وحاجة البشر إلى ذلك، واتضح عجز الإنسان عن الإتيان بتشريع يتوافر له الشمول والكمال الذي يكفل للإنسانية ما يسعدها وينسجم مع غاياتها العلياء وحقيقة وجودها، وتبين بالأدلة ضرورة الوحي الرباني وأهميته للاضطلاع بهذه المهمة، ومن أبرز ما يجلي ذلك هو ما وقع في تاريخ الإنسانية حيث كانت شريعة اللَّه هي المنهاج الذي سلكه الرسل عليهم السلام وأتباعهم على مر العصور حتى جاءت شريعة الإسلام فكانت هي مسك الختام كاملة لا يعتريها نقص، شاملة لا يلحقها قصور.

وفي هذا يقول الشاطبي: (إنَّ هذه الشريعة المباركة معصومة، كما أنَّ صاحبها صلى الله عليه وسلم معصوم، وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة)(1)، وساق الأدلة على ذلك، وصنفها على وجهين:

الأول: ما دلَّ على ذلك تصريحًا أو تلويحًا، واستدل بآيات من القرآن الكريم كقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وكقوله تعالى:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: 1]، وقوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، واستدل على هذا الوجه -أيضًا- ببعض أقوال السلف وما صاحب نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم وصونه عن تخليط الشياطين على الرسول صلى الله عليه وسلم واستراقهم السمع (2).

الثاني: ما توافر للأمة الإسلامية من وعي وفكر وعمل ونحوها من

(1) الموافقات: (2/ 44)، (مرجع سابق).

(2)

انظر: الموافقات: (2/ 45)، (المرجع السابق نفسه).

ص: 328

دواعي المحافظة على الشريعة والذب عنها، بدءًا بعنايتها بالقرآن الكريم وعلومه والستة النبوية وعلومها، واللغة العربية وعلومها (1)، وفي ذلك قال: (الاعتبار الوجودي الواقع من زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وذلك أنَّ اللَّه عز وجل وفَّر دواعي الأمة للذب عن الشريعة والمناضلة عنها بحسب الجملة والتفصيل.

أما القرآن الكريم فقد قيض اللَّه له حفظه بحيث لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر، فضلًا عن القراء الأكابر، وهكذا جرى الأمر في جملة الشريعة، فقيض اللَّه لكل علم رجالًا حفظه على أيديهم) (2).

وتختص الشريعة الإسلامية إلى جانب ذلك بخصائص كثيرة جعلت منها نظامًا يصلح لكل زمان ومكان، ويعلو ولا يعلى عليه، ومن أهم هذه الخصائص الآتي:

أولًا: تنبثق الشريعة في الإسلام من عقيدة التوحيد الخالص للَّه وترتبط بها وتلازمها؛ لذلك فإنَّ ما سبق ذكره، من أنَّ الشريعة تطلق على مجموعة الأنظمة والقوانين التي اتصفت بالانسجام لانبعاثها عن روح واحدة لا ينطبق إلا على الشريعة الإسلامية عند التحقيق؛ لأنها صادرة عن اللَّه، وانبثقت من عقيدة التوحيد التي تميَّزت عن سائر العقائد برؤيتها الشاملة للكون والحياة، ولا يمكن أن يتحقق الانسجام التام في جميع النظم إلا في الشريعة الإسلامية، حيث لا يقتصر شمولها على تناولها جميع جوانب حياة الإنسان دينًا وآخرة -فحسب- بل ينسجم مع سياق النظام الشامل للكون والحياة.

(1) انظر: المرجع السابق نفسه: ص: (45 - 47).

(2)

المرجع السابق نفسه: ص: (45).

ص: 329

أمَّا من حيث ارتباطها بالعقيدة فإنَّ الآيات الواردة في تقرير أمور العقيدة كثيرًا ما تتناول قضية الحقوق والواجبات والأخلاقيات والآداب مثل قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].

قال بعض المفسرين في تفسيرها: (دخل في ذلك حقوق اللَّه كلها، لكون اللَّه ألزم بها عباده والتزموها، ودخلوا تحت عهدتها، ووجب عليهم أداؤها، وحقوق العباد، التي أوجبها اللَّه عليهم، والحقوق التي التزمها العبد. . .)(1).

وعندما ينطق المسلم: (لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه)، (تأتي أهمية الشهادة الثانية وخطورتها وضرورتها وهي محمد رسول اللَّه، فمعناها عهد من الناطق بها على أنَّه يلتزم بالخضوع للَّه حسب ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فقط، ونبذ كل ما على الأرض من أساليب الخضوع للَّه سواء كانت وضعية أو سماوية؛ لأن ذلك كله باطل من ناحية، كما أنَّه من الناحية العملية لا يحقق إفراد اللَّه تعالى بالخضوع، كما لا يحقق الخضوع التام اللائق بألوهيته تعالى، لذلك لا تنفصل الشهادتان عن بعضهما، فلو أخذ فرد أو مجتمع الشهادة الأولى (لا إله إلا اللَّه) وترك الثانية، لما كان موحدًا ولما أفرد اللَّه بالألوهية ولما قصر الخضوع له إلا قولًا فقط، وشأنه شأن الظمآن الذي يريد أن يرتوي بالاقتصار على التلفظ بكلمة ماء، فلا سبيل ولا كيفية عملية لإفراد اللَّه تعالى بالألوهية، أو لتحقيق الشهادة الأولى إلا بالإيمان

(1) السعدي: تيسير الكريم الرحمن. . .: (1/ 212)، (مرجع سابق)

ص: 330

والعمل بمقتضى الشهادة الثانية (محمد رسول اللَّه)، أي: قصر التلقي والطاعة على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ورفض التلقي عن غيره والطاعة لمن سواه، باعتباره المبلغ الوحيد عن اللَّه ولديه الوحي الأخير الذي لم يصبه تغيير أو تشويه أو تحريف، ففي الشهادة الأولى نبذ للأديان الوضعية والمذاهب الفلسفية والنظم الاجتماعية الجاهليَّة؛ لأن إفراد اللَّه بالألوهية هو رفض الخضوع لغير أمره وتنظيمه، وفي الثانية نبذ للأديان السماوية المحرفة التي تدعي نسبتها للَّه سبحانه وتعالى كاليهودية والنصرانية) (1).

ومن مقتضى شهادة (محمد رسول اللَّه) تنبثق الشريعة الإسلامية (فالعلاقة إذًا بين العقيدة والنظم في المجتمع المسلم علاقة وطيدة وثيقة. . . ولذلك لا يوجد مجتمع مسلم بدون عقيدة التوحيد الإسلامية، ولو تغيرت عقيدة التوحيد لانتهت النظم الإسلامية أو أصابها التغير بقدر الانحراف عن التوحيد في نفوس الأفراد. . كما أنَّه من الخطأ البين وصف مجتمع بأنَّه مسلم. . أو موحد دون أن تكون نظمه إسلامية، أي: دون تطبيق الشريعة الإسلامية في شتى جوانب حياته)(2). وأما من حيث الانسجام مع النظام الشامل للكون والحياة، (فإنَّ جميع الموجودات في هذا العالم -من أكبر الأجرام الفلكية إلى أصغر الذرات- يخضع كل منها لقانونه الخاص الذي ينبع من ماهيته الذاتية ووجوده الخاص، كما أنَّ هذا العالم المخلوق ككل وفي مجموعه يخضع أيضًا لناموس كلِّي يسير حسبه أيضًا. . . وإلى تلك الربوبية الشاملة للكون المخلوق تشير الآية الأولى من فاتحة الكتاب:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]. . . فكل شيء في

(1) فاروق الدسوقي: مقومات المجتمع المسلم: ص: (75، 76)، (مرجع سابق).

(2)

فاروق الدسوقي: مقومات المجتمع المسلم: ص: (177، 178)، (المرجع السابق نفسه).

ص: 331

الكون خاضع لقاعدة معينة، ويسير في نشأته ونموه وفنائه حسب هذه القاعدة، سواء فلكًا أو جبلًا أو بحرًا أو حيوانًا أو إنسانًا، وهذا معنى قوله تعالى:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. . . [ومما تعنيه أيضًا، الكفالة والإصلاح والإدارة وتسيير الأمور وتنظيمها والسيادة والحكم وحيازة السلطة والأمر النافذ. . .، والإيمان بالربوبية يقتضي بالضرورة إفراد اللَّه سبحانه وتعالى بالتشريع والتدبير والتنظيم في حياة البشر الفردية والاجتماعية، وذلك يعني رفض أي نظام جاهلي وضرورة الاقتصار على النظام الاجتماعي الإسلامي، وموحد الربوبية هو من يرفض أن يتعامل مع الناس بغير التشريع الإلهي) (1).

ثانيًا: أنها ملزمة، ولا يصح لأحد الخروج منها، قال اللَّه تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، وقال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله:"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"(2)،

(1) فاروق الدسوقي: المرجع السابق نفمه: ص: (78 - 83)، ولمزيد من الاطلاع انظر: صلاح الصاوي: تحكيم الشريعة وصلته بأصل الدين: ص: (23 - 29)، الطبعة الأولى:(1413 هـ - 1993 م)، عن دار الإعلام الدولي، القاهرة. انظر: مناع خليل القطان: وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية. .: ص: (195، 327 - 330)، بحث مدرج في: وجوب تطبيق الشريعة والشبهات التي تثار حول تطبيقها، من البحوث المقدمة لمؤتمر الفقه الإسلامي الذي عقدته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة:(1396 هـ) ونشر عن إدارة الثقافة والنشر بالجامعة: (1451 هـ - 1981 م)، الرياض.

(2)

أدرجه ابن رجب في كتابه: جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، الحديث الحادي والأربعون: ص: (417)، وقال عنه:(حديث حسن صحيح)، وهو مروي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وفي رواية أخرى زيادة =

ص: 332

وقوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. . . "(1).

والآيات الواردة في ذلك والأحاديث مستفيضة (2)؛ قال ابن القيم في تفسير قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} الآية: (أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل، ولم يكتف في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق بقضائه وحكمه، ولم يكتف منهم بذلك أيضًا حتى يسلموا تسليمًا، وينقادوا انقيادًا)(3).

وذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب من نواقض الإسلام: (الاعتقاد بأن غير هدي الإسلام أكمل من هديه، وأن حكم غيره أحسن من حكمه،. . . ومن اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم)(4).

= (ولا يزيغ عنه) في آخره، وللمزيد الاطلاع على ما قيل في صحة هذا الحديث وضعفه راجع: المرجع نفسه ص: (418 - 419)، طبعة:(1407 هـ - 1987 م)، عن دار الجبل، بيروت، وانظر: السيوطي: مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة: ص: (98)، تحقيق: بدر بن عبد اللَّه البدر، (مرجع سابق).

(1)

رواه البخاري: صحيح البخاري: (1/ 304)، الحديث رقم:[853]، تحقيق: مصطفى ديب البُغا، (مرجع سابق)، جزء من حديث رواه عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنه، وأخرجه البخاري: صحيح البخاري في مواطن كثيرة من صحيحه منها ما ورد في: (1/ 304)، كتاب الجمعة، الحديث رقم:[853]، وتكرر بألفاظ متقاربة في الأحاديث ذات الأرقام الآتية [2278، 2416، 2892، 4904، 6719]، تحقيق: مصطفى ديب البغا، (مرجع سابق).

(2)

انظر: مناع خليل القطان: وجوب تطبيق الشريعة: ص: (200 - 208)، (المرجع السابق نفسه).

(3)

بدائع التفسير: (2/ 32 - 37)، (مرجع سابق). وانظر: ابن رجب جامع العلوم والحكم، (المرجع السابق نفسه)، ص:(417 - 421).

(4)

الرسالة التاسعة (نواقض الإسلام): الناقض الرابع والناقض التاسع: ص: (386، 387)، من مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب القسم الأول (العقيدة =

ص: 333

ومقتضى ذلك أن تكون ناسخة لما قبلها (1)، كفيلة بإيجاد الحلول الملائمة لكل ما يجد في حياة الأمة الإسلامية من قضايا ومشكلات.

ثالثًا: (الجزاء في الشريعة دنيوي وأخروي)(2):

تقترن الأنظمة البشرية بجزاء توقعه عندما يقتضي الأمر ذلك في حق من يخرج عليها، وتتعدد صور ذلك الجزاء ولكنه جزاء دنيوي (3)، أما الشريعة الإسلامية فإنها (تختلف معها في أن الجزاء فيها أخروي ودنيوي، بل أن الأصل في أجزيتها هو الجزاء الأخروي، ولكن مقتضيات الحياة، وضرورة استقرار المجتمع، وتنظيم علاقات الأفراد على نحو واضح بين مؤثر، وضمان حقوقهم، كل ذلك دعا إلى أن يكون مع الجزاء الأخروي جزاء دنيوي. . .)(4).

والأمثلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة مثل قوله تعالى بعد ذكر أحكام المواريث:

{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ

= والآداب الإسلامية)، من مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب:(1398 هـ) - الرياض)، تصنيف وإعداد: عبد العزيز زيد الرومي، محمد بلتاجي، سيد حجاب، (بدون تاريخ).

(1)

لمزيد من الاطلاع على هذا الجانب وما أثير حوله من آراء: انظر: عبد الرحمن بن عبد اللَّه الدرويش: الشرائع السابقة ومدى حجيتها في الشريعة الإسلامية: ص: (147، 148)، الطبعة الأولى:(1410 هـ، وأصله رسالة دكتوراه مقدمة لقسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، نوقشت عام: 1398 هـ).

(2)

عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (38)، (مرجع سابق).

(3)

انظر: المرجع السابق نفسه: ص: (38).

(4)

المرجع السابق نفسه: ص: (38).

ص: 334

وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 13 - 14]، وفي جزاء قطاع الطريق قال تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]، ومما يترتب على الجزاء في الشريعة الإسلامية الخضوع لأحكامها (خضوعًاا ختياريًا في السر والعلن خوفًا من عقاب اللَّه)(1) في حالة النهي والتحذير والطمع في الثواب في حالة الأمر والندب، إلى جانب ما يبعثه الجزاء في النفوس (من الهيبة والتأثير)(2).

رابعًا: (الشمول والإحاطة: فما من عمل يعمله الإنسان أو قول يقوله إلا والشريعة الإسلامية قد اتخذت منه موقفًا بعينه، تأمر به، أو تنهى عنه، أو تندب إليه، أو تكرهه، أو تجعله من المباحات، ومن هنا كانت الأخلاق والعادات والأعمال، صغيرها وكبيرها مما تعنى به الشريعة الإسلامية أشد عناية حتى تلك الأمور التي يهتدي إليها الإنسان بفطرته كالأكل والنوم واللباس تضع الشريعة لها حدودًا، وترسم لها أبعادًا، وما من علاقة تسود المجتمع بين أفراده، أو المجتمع المسلم من المجتمعات الأخرى إلا وضعت الشريعة لها نظامًا، وحددت لها آدابًا، وما من قضية تتصل بنظام الاجتماع الإنساني، من سياسة أو اقتصاد أو إدارة إلا وبينت الشريعة الإسلامية فيها الرأي الصائب والموقف السديد)(3)، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي

(1) انظر: فاطمة السيد علي سباك: الشريعة والتشريع: ص: (14)، من سلسلة دعوة الحق، عن رابطة العالم الإسلامي بمكة، العدد:[173]، جمادى الأولى:(1417 هـ). انظر عبد الكريم زيدان: المرجع السابق نفسه: ص: (36، 37، 38).

(2)

فاطمة علي سباك: المرجع السابق نفسه ص: (15).

(3)

علي عبد الحليم محمود: الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام، ص:(66)، (بحث مدرج بهذا العنوان ضمن البحوث المقدمة في المؤتمر الذي عقدته جامعة الإمام =

ص: 335

الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وقال تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].

وانطلاقًا من هذا الشمول وتلك الإحاطة قسَّم بعض العلماء أحكام الشريعة إلى ثلاث مجموعات:

الأولى: الأحكام المتعلقة بالعقيدة كالإيمان باللَّه واليوم الآخر. . .، وهذه هي الأحكام الاعتقادية، ومحل دراستها في علم الكلام أو التوحيد. والثانية: الأحكام المتعلقة بالأخلاق كوجوب الصدق والأمانة والوفاء بالعهد، وحرمة الكذب والخيانة ونقض العهد، وهذه هي الأحكام الأخلاقية، ومحل دراستها في علم الأخلاق والتصوف.

الثالثة: الأحكام المتعلقة بأقوال وأفعال الإنسان في علاقاته مع غيره، وهذه هي الأحكام العملية، وقد سميت فيما بعد بـ (الفقه) ومحل دراستها علم الفقه.

والأحكام العملية بالنسبة إلى ما تتعلق به تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: العبادات كالصلاة والصوم، والمقصود بها تنظيم علاقة الفرد بربه.

القسم الثاني: العادات أي المعاملات، وهي التي يقصد بها تنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم، وهذه تشمل جميع روابط القانون العام والخاص في الاصطلاح الحديث. . .) (1).

= محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة: (1396 هـ)، مؤتمر الفقه الإسلامي)، ونشر عنها، 1404 هـ - 1984 م الرياض.

(1)

عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (50)، (مرجع سابق)، ولمزيد من التفصيل انظر: المرجع نفسه: ص: (49 - 53)، وانظر: محمد رأفت سعيد: المدخل لدراسة النظم الإسلامية: ص: (52، 53)، (مرجع سابق).

ص: 336

ولا يعني هذا التقسيم أو أي تقسيم نحوه استقلال جانب عن غيره من جوانب الشريعة، بل تتسم بالإحاطة والشمول من جانب آخر، وهو (شمول الأخذ والتطبيق فمن خصائصها أنها لا تقبل التجزئة لأنها كل مترابط متداخل، كترابط الإنسان وتداخله في كيان واحد)(1)، يؤثر بعضه في بعضه الآخر، ولا يصح (أن يؤخذ ببعضه ويترك بعضه؛ لأنه كل متكامل لا يمكن الاستغناء عن شيء منه بحال، ولا يستطيع نظام آخر من أنظمة البشر أن يحل محله أو محل بعضه أو يشاركه في تحقيق مصالح الناس)(2).

وقد أنكر اللَّه على الذين يلتزمون ببعض أحكام الشريعة ويطبقونها ويفرطون في بعض أحكامها الأخرى ولا يلتزمون بها، بل ربما عملوا بضدها، فقال تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85].

قال ابن كثير في تفسيرها: (يقول اللَّه تبارك وتعالى منكرًا على اليهود الذين كانوا في زمان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج. . . فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه فيقتل اليهودي أعداءه، وقد يقتل اليهودي الآخر. . وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم. . . ثم إذا وضعت الحرب أوزارها استفكوا الأسارى من الفريق المغلوب عملًا بحكم التوراة)(3)، فدلَّ ذلك على أن الشريعة لا تقبل التجزئة، وأنها ملزمة ومرتبطة بالإيمان.

خامسًا: الثبوت والتحول اشتملت الشريعة الإسلامية على أحكام ثابتة

(1) محمد رأفت سعيد: المدخل لدراسة النظم الإسلامية: ص: (51)، (مرجع سابق).

(2)

علي عبد الحليم محمود: الغزو الفكري. .: ص: (66)، (المرجع السابق نفسه).

(3)

تفسير القرآن العظيم: (1/ 120)، (مرجع سابق).

ص: 337

قطعية وأخرى متغيرة واسعة مما حقق للشريعة خصيصة المرونة والسعة إلى جانب الثبوت والاستقرار (1)، وقد كفلت هذه الخصيصة صلاح الشريعة لكل زمان ومكان؛ لأنَّها (تلائم كافة متطلبات الحياة ومختلف متغيرات الاجتماع البشري)(2).

وقد انقسمت أحكامها من أجل ذلك إلى قسمين:

أحدهما: (قسم ثابت قطعي لا يتأثر بتغير الزمان والمكان والناس، وهو يتمثل بالأمور الثلاثة التالية:

1 -

الأحكام القطعية الصريحة الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة، كحرمة الزنى والخمر والميسر والربا، وكأنصبة الورثة من مورثهم، وكالحدود: وهي العقوبات المقدرة على جرائم بعينها؛ كحد السرقة، وحد الزنى، وحد القذف، وما إلى ذلك.

(1) خصص يوسف القرضاوي قسمًا من كتابه مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (147 - 229)، للحديث عن عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية، طبعة دار وهبة:(1990 م)، القاهرة، ويبدو أن أساسه مقدم لمؤتمر الفقه الإسلامي ضمن بحوث: وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية. . .: ص: (67 - 140)، (المرجع السابق نفسه)، وتبين هذه العوامل بشكل تفصيلي هذه الخصيصة من خصائص الشريعة الإسلامية، في عدة نقاط هي:

1 -

سعة منطقة العفو المتروكة قصدًا.

2 -

اهتمام النصوص بالأحكام الكلية.

3 -

قابلية النصوص لتعدد الأفهام.

4 -

رعاية الضرورات والأعذار والظروف الاستثنائية.

5 -

تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأعراف، وانظر: عبد الحميد محمود طهماز: ميزات الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية: ص: (53 - 58)، الطبعة الأولى:(1411 هـ - 1991 م)، عن دار القلم - دمشق.

(2)

علي عبد الحليم محمود: الغزو الفكري: ص: (68)، (مرجع سابق).

ص: 338

2 -

الضوابط العامة التي لا يجوز لمسلم أن يتجاوزها في تصرفاته وأعماله كحد عدد الزوجات بأربع، وحد الطلاق بثلاث مرات، وحد الثلث للوصية، وغير ذلك.

3 -

القواعد العامة التي يعرف بها الحلال من الحرام، مثل حرمة كل شيء مسكر، وحرمة كل بيع لا يتم فيه تبادل منفعة بين الجانبين على تراضٍ منهما، ومثل قوامة الرجال على النساء) (1).

فهذه الأحكام ثابتة لا تتأثر باختلاف الزمان والمكان ولا تتحول.

والآخر: (قسم متغير متطور يخضع للمتطلبات الآتية في كل زمان ومكان، وهذا القسم يتمثل في الأمور التالية:

1 -

تفسير الأحكام: أو تأويلها من لدن رجال الفقه الإسلامي بحيث يسوغ هذا التفسير اليوم، وربما يسوغ غدًا ما دام التفسير مؤيدًا بالقرائن والدلائل وهو باب اتسع وما يزال يتسع في مختلف العصور التي مرت على المسلمين.

2 -

القياس: وهو تطبيق حكم شرعي ثبت في قضية ما، على قضية أخرى تماثل تلك القضية أو قياسها عليها (2)، وهو باب رئيس في هذه [الأحكام] المتغيرة المتطورة.

3 -

الاجتهاد: وهو فهم قواعد الشريعة وأصولها العامة فهمًا دقيقًا واعيًا، ثمَّ تطبيق هذه القواعد والأصول على قضايا جديدة لم تكن لها نظائر في السابق (3).

(1) المرجع السابق نفسه: ص: (69).

(2)

وضابطه عند علماء الأصول: (حمل فرع على أصل في حكم، بجامع بينهما). الطوفي: شرح مختصر الروضة: (3/ 219)، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، (مرجع سابق).

(3)

وضابطه عند علماء الأصول: (بذل المجهود في العلم بأحكام الشرع). المرجع السابق نفسه: (3/ 576).

ص: 339

4 -

الاستحسان: وهو وضع ضوابط جديدة. . تحقق مصلحة عامة المسلمين جميعًا أو مصلحة عامة لبعض الأفراد منهم بحيث لا تتعارض تلك المصلحة مع شيء من قواعد الإسلام وأصوله وروحه.

(هذا القسم المتغير المتطور هو الذي يتيح لأهل الرأي وأصحاب الحل والعقد من المسلمين أن يضعوا من النظم لكل عصر ما يناسبه، ولكل زمان ما يليق به متجاوبين في ذلك مع مصالح المسلمين المتجددة المتغيرة)(1).

وبهذه الخصيصة حققت الشريعة الإسلامية الملاءمة التامة لحياة الأمة الإسلامية؛ فما كان ثابتًا في حياتها، فأحكامه في الشريعة ثابتًا، وما كان متطورًا فإن الشريعة تحدث له حلولًا تلائمه، ومن الأمثلة على ذلك:(أن الفتوى تتغير باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد والنيات)(2).

(من هنا فإنَّ الشريعة الإسلامية نظام لا يعيش في فراغ، ولا يمعن في الخيال، وإنما يتميَّز بالواقعيَّة وسهولة التطبيق)(3) واتصاله التام بحياة الأفراد والأمة وطبيعة الحياة.

ومن جانب آخر فإن مصادر التشريع الإسلامي (الكتاب والسنَّة والإجماع والقياس) مجال رحب يعمل المجتهد فكره في إطارها للكشف عن حكم شرعي أو إيجاد حل لما قد يعتور مسيرة الأمة، ويجد في

(1) من معانيه عند علماء الأصول: (أحد القياسين لكن سمي استحسانًا، إشارة إلى أنه الوجه الأولى في العمل، وأن العمل بالآخر جائز). المرجع السابق نفسه: (3/ 199)، وانظر: الشاطبي: الاعتصام: (2/ 635 - 668)، تحقيق الهلالي، (مرجع سابق).

(2)

علي عبد الحليم محمود: الغزو الفكري. .: ص: (69، 70)، (المرجع السابق نفسه).

(3)

ابن قيم الجوزية: أعلام الموقعين عن رب العالمين: (3/ 11 - 38)، ترتيب وضبط وتخريج: محمد عبد السلام إبراهيم، الطبعة الأولى:(1411 هـ - 1991 م) عن دار الكتب العلمية - بيروت.

ص: 340

حياتها، وذلك وفق ضوابط شرعية مقررة تتميَّز بها الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم، ممَّا جعل الشريعة الإسلامية تنطوي على عوامل البقاء والاستمرار على كر الجديدين محفوظة بحفظ اللَّه، ومحققة للخير والسعادة والفلاح للأمة في العاجل والآجل) (1).

سادسًا: العدل والإحسان والمساواة، فاللَّه أنزل شريعته الإقامة العدل بين الناس ورفع الظلم عنهم، فلا مجال فيها لأدنى ميل وانحراف عن ميزان العدل) (2)، والذي صدرت عنه الشريعة جل جلاله (حرم الظلم على نفسه لكماله وغناه وحكمته، وحرمه بين الناس، كما جاء في الحديث القدسي الشريف: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا" (3)،. . . وأمر سبحانه بالعدل، وجعله أعظم الأمانات ومسؤوليات الحاكم المسلم فقال:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58](4)، والعدل مطلوب حتى مع العدو. . . قال تعالى:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة: 2].

وتطبق المساواة في الشريعة الإسلامية بالصفة الصحيحة (فلا امتياز لأحد في ظل الشريعة الإسلامية، فاللَّه سبحانه هو الذي شرعها، وهو

(1) علي عبد الحميد محمود: المرجع السابق نفسه: ص: (66، 67).

(2)

عن أثر الاجتهاد في المحافظة على منهاج الأمة وعقيدتها. إنظر عابد السفياني: بهذا العنوان نفسه، مجلة البيان، العدد:[25]، رجب:(1410 هـ) في الصفحات: (16 - 20)، تصدر عن المنتدى الإسلامي، لندن.

(3)

عبد الحميد محمود طهماز: ميزات الشريعة الإسلامية: ص: (75)، (مرجع سابق).

(4)

رواه مسلم: صحيح مسلم: (4/ 1994) كتاب البر - رقم الحديث [2577]، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).

ص: 341

المالك الخالق لجميع المخلوقات، والناس كلهم عبيده، وهم سواء أمام شرعه) (1).

والأمثلة على هذه الخصيصة كثيرة جدًا في تاريخ الأمة الإسلامية، وقد سطر التاريخ ذلك الموقف الفذ لرسول الأمة وقدوتها صلى الله عليه وسلم حينما سرقت المرأة المخزومية، وتحركت فيها الشفاعة لشرف قبيلتها ومنزلتها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد رضي الله عنه وهو (حب الرسول وابن حبه):"أتشفع في حدٍّ من حدود اللَّه. . . وأيم اللَّه لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"(2).

(وتمتاز الشريعة أيضًا أنها سنت إلى جاذب العدل الإحسان والفضل، وهي مرتبة رفيعة ندبت إليها الشريعة، وحثت عليها)(3). . وبهذا حققت المثل الأخلاقية الرفيعة التي دعت الناس إليها، كالعفو والإيثار والتسامح،. . . والإحسان والفضل مقترن مع كثير من أحكام الشريعة (4). .، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]،

(1) عبد الحميد محمود طهماز: المرجع السابق نفسه: ص: (79).

(2)

أخرجه مسلم: صحيح مسلم: (3/ 1315)، كتاب الحدود - باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود، الحديث رقم:[1688]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).

(3)

عبد الحميد محمود طهماز: ميزات الشريعة الإسلامية: ص: (77)، (مرجع سابق).

(4)

انظر: المرجع السابق نفسه: ص: (77 - 79)، ولمزيد من الاطلاع على ما تتسم به الشريعة من التزام بالقيم الخلقية. انظر: محمد عبد اللَّه دراز: دستور الأخلاق في القرآن: ص: (21 - 134)، تعريب وتحقيق وتعليق: عبد الصبور شاهين، الطبعة الأولى:(1393 هـ - 1973 م)، عن دار البحوث العلمية، الكويت. وانظر: يوسف القرضاوي: مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (152 - 118)، (مرجع سابق)، وقد أورد أمثلة كثيرة تدل على أخلاقيات الشريعة، وأن هذه الأخلاق تشمل حتى =

ص: 342

وقال تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178].

وقد قرر بعض الباحثين -في مقارنة أجراها بين الشريعة والقانون- أن الشريعة (جاءت بتقنين الأخلاق، أي: جعل الأوامر والأحكام الأخلاقية قوانين ملزمة)(1)، بخلاف القانون الذي جاء على (أساس تقنين العادات، أي: صياغة ما تعارف عليه الناس من أوضاع وتقاليد في صورة قوانين)(2).

وهنا يلحظ الفارق الكبير بين نظام ينظر للواقع، وينقاد لما فيه أخلاط الخير والشر والفضيلة والرذيلة والحق والباطل، وبين نظام يرتقي بالواقع وينطلق من تربية الناس على الفضيلة ومحاربة الرذيلة، وتنمية الخير ومكافحة الشر، ولزوم الحق ومدافعة الباطل، وإذا كان هذا هو نظام شريعة الإسلام فإنها أقرب إلى نفوس الناس من جانب آخر؛ لأنهم يلتزمونها باعتبارها من الدين (فيلتزمون بها التزامًا طوعيّا نابعًا من أعماق قلوبهم، ولا يساقون إليها بعصا السلطان وقهر الحكام، بل بصوت من القلب ورهبة من الدَّيَّان، ورغبة في النعيم المقيم فتكون الطاعة إرهاقًا للإحسان، وإيقاظًا للمشاعر، وتنمية لنوازع الخير وتطهيرًا للنفس من نوازع الشر. . . إنَّ ربط القانون الإسلامي بالدين جعله مرتبطًا كل الارتباط بقانون الأخلاق)(3).

ومن مظاهر الفضل والإحسان في الشريعة الإسلامية واتسامها

= الحيوان والرفق به، كما أن الشريعة الإسلامية لا تقتصر على تشريع أحكام للأخلاق والآداب، بل تربي الأمة عليها وتأخذ بيدها لتتحلى بالفضائل، وتبتعد عن الرذائل.

(1)

يوسف القرضاوي: مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (104)، (مرجع سابق).

(2)

المرجع السابق نفسه: ص: (104).

(3)

عبد الحميد محمود طهماز: ميزات الشريعة الإسلامية. .: ص: (100)، (مرجع سابق).

ص: 343

بالأخلاق النبيلة، ما قرره فقهاؤها من (عدم جواز تسليم الأجنبي في الدولة الإسلامية إلى دولته ولو على سبيل المفاداة بأسير مسلم؛ لأن الأجنبي دخل بأمان، وعلى الدولة الإسلامية أن تفي بعهدها له فيبقى آمنًا لا يمسه سوء، وتسليمه بدون رضاه غدر بالأمان لا رخصة فيه فلا يجوز)(1).

ومن مظاهر العناية بالأخلاق، (أن الأجنبي الداخل إلى دار الإسلام بأمان تؤخذ منه ضريبة على أمواله التجارية بمقدار ما تأخذه دولته من المسلم إذا دخل إليها بأموال تجارية، ولكن إذا كان المأخوذ من المسلم كل ماله فإنَّ الدولة الإسلامية لا تفعل فلك بالنسبة لرعايا تلك الدولة، ويعلل الفقهاء هذا المسلك بأنَّ أخذ أموال الأجنبي ظلم ولا متابعة بالظلم، وإننا لا نتخلق بأخلاقهم وإن تخلقوا هم بها بل نهينا عنه، كما لو قتلوا الداخل إليهم منَّا بأمان لا نقابلهم بالمثل، فلا نقتل من دخل إلينا منهم بأمان)(2).

ومن مظاهر عناية الأمة الإسلامية بالأخلاق في تعاملها مع أهل الذِّمَّة تحقيقًا لما تأمر به الشريعة ما روي (أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة بالبصرة: أمَّا بعد. . . وانظر من قبلك من أهل الذمة ممن

(1) عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (51)، (الحاشية)، (مرجع سابق)، ولمزيد من الاطلاع على سماحة الإسلام في التعامل مع الآخرين وما تتسم به تشريعاته من وفاء بالعهد ورعاية الأنفس والأموال؛ انظر: الإمام محمد بن الحسن الشيباني: السير الكبير وشرحه للإمام السرخسي: (2/ 355)، وقبلها:(1/ 70، 71، 72)، تحقيق: مصطفى زيد، ومحمد أبو زهرة، طبعة جامعة القاهرة:(1958 م)، وانظر: عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (51، 52)، (مرجع سابق).

(2)

عبد الكريم زيدان: المرجع السابق نفسه: ص: (46): ص: (51)، (الحاشية).

ص: 344

كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فقد بلغني: أن عمر بن الخطاب مرَّ بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه) (1).

سابعًا: أنَّها (مبنيَّة على مصالح العباد)(2)، قال ابن قيم الجوزية: (هذا فصل عظيم النفع جدًّا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإنَّ الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل اللَّه بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته

(1) عبد الكريم زيدان: المرجع السابق نفسه: ص: (46)، وانظر: القاضي أبو يوسف: كتاب الخراج: ص: (126)، أورد قصة عمر بن الخطاب مع ذلك الرجل المسن من أهل الذمة وما تفضل به أمير المؤمنين رضي الله عنه من عطاء له ولأمثاله من أهل الذمة. . ولكن لم أجد لكتاب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه المشار إليه أي ذكر على الرغم من البحث المتقصي في سائر الكتاب، ولكن توجد مواقف كثيرة تدل على الإحسان بأهل الذمة؛ انظر: المرجع نفسه: ص: (122 - 126)، طبعة دار المعرفة، بيروت، (بدون تاريخ)، وانظر: أبو عبيد القاسم بن سلم: كتاب الأموال: ص: (46 - 54)، تحقيق: محمد خليل هراس، الطبعة الأولى:(1406 هـ - 1986 م)، عن دار الكتب العلمية، بيروت.

(2)

ابن قيم الجوزية: أعلام الموقعين عن رب العالمين: (3/ 11)، (مرجع سابق)

ص: 345

الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها وهي نوره الذي أبصر به المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم. . .) (1).

وقال العز بن عبد السلام: (والشريعة كلها مصالح، إمَّا تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح)(2)، والمستقرئ لأحكام الشريعة الإسلامية يخلص إلى هذه النتيجة من وجوه:

الأول: أنَّ رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعامة جاءت رحمة للعالمين، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فيدخل في ذلك ضمنًا (رعايا مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم)(3).

الثاني: مجيء أحكام الشريعة -في جملتها- معلِّلة بكونها تحقق مصالح الأمة وتدرأ عنهم المفاسد (4)، كقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179]، وكقوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، وكقول الرسول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض

(1) أعلام الموقعين. . .: (3/ 11)، (المرجع السابق نفسه).

(2)

قواعد الأحكام في مصالح الأنام: (1/ 9)، طبعة دار المعرفة - بيروت، (بدون تاريخ).

(3)

انظر: الشاطبي: الموافقات: (2/ 29)، (مرجع سابق)، وانظر: عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (40)، (مرجع سابق).

(4)

انظر: عبد الكريم زيدان: المرجع السابق نفسه: ص: (40)، وانظر: محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية: ص: (45)، (مرجع سابق)، وقد بين أن من أحكام الشريعة ما هو معلل ومنها ما هو تعبدي محض لم يهتد إلى حكمته ومنها ما هو متوسط بين النوعين، وشرح ذلك في الصفحات:(45 - 48)، (المرجع السابق نفسه).

ص: 346

للبصر وأحصن للفرج" (1)، هذه الأحكام في مجملها لم تأت في مواد محددة تنص على فعل أو ترك، وإنما جاءت معلِّلَة بما به حياة النفوس وذكر الغاية من التشريع، وأنَّه في مصلحة الأمة إمَّا بجلب مصلحة أو دفع مفسدة في العاجل أو الآجل الإعلام المكلفين إنَّ تحقيق المصالح هو مقصود الشارع) (2).

الثالث: اتسام أحكام الشريعة باليسر ورفع الحرج، ومن الأمثلة على ذلك (تشريع الرخص عند وجود مشقة في تطبيق الأحكام من ذلك إباحة النطق بكلمة الكفر عند الإكراه عليها حفظًا لمصلحة بقاء النفس، وإباحة المحرم عند الضرورة كأكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر، وإباحة الفطر في رمضان للمسافر والمريض ونحو ذلك. ولا شك أن دفع المشقة ضرب من ضروب رعاية المصلحة ودرء المفسدة)(3).

ومن يسر الشريعة التدرج في التشريع والتمهيد له وتخفيف بعض الأحكام بالنسخ ونحوه (4).

وقد تواصل الفقهاء إلى وضع ضوابط فقهيَّة تنطلق في مجملها، وتتسم

(1) أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (5/ 1950)، كتاب النكاح، الحديث رقم:[4779]، تحقيق: مصطفى ديب البغا، (مرجع سابق)، وأخرجه مسلم: صحيح مسلم: (2/ 1518)، كتاب النكاح، الحديث رقم:[1400]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).

(2)

عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (41)، (مرجع سابق)، وانظر: محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة. .: ص: 73 - 77)، (مرجع سابق).

(3)

عبد الكريم زيدان: المرجع السابق نفسه: ص: (41)، ولمزيد من الاطلاع انظر الشاطبي: الموافقات: (1/ 131، 223، 268)، ناقش فيها العزائم والرخص باستفاضة وتفصيل، (مرجع سابق).

(4)

انظر: محمد يوسف موسى: الإسلام وحاجة الإنسانية إليه، ص:(193 - 196)، الطبعة الرابعة:(1400 هـ - 1980 م)، مكتبة الفلاح - الكويت.

ص: 347

تفاصيلها باليسر ورفع الحرج عن المكلفين، وخصصوا لها كتبًا مستقلة من أبرزها:(كتاب تأسيس النظر للدبوسي الحنفي، وكتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعز الدين بن عبد السلام الشافعي، وكتاب القواعد لابن رجب الحنبلي)(1)، (والقواعد الفقهية. . تصوير جميل للمبادئ الفقهية وضبط الفروع، وقد اكتسبت هذه القواعد صياغتها عن طريق التداول بين الفقهاء)(2).

ومن أبرز هذه القواعد الآتي:

- اليقين لا يزول بالشك.

- المشقة تجلب التيسير.

- الضرر يزال.

- العادة محكمة (3).

الرابع: التفاوت في النظر إلى الأحكام وتقسيمها من حيث مقاصدها، (وجد بالاستقراء أنَّ مصالح العباد تتعلق بأمور ضرورية أو حاجية أو تحسينية، فالأولى هي التي لا قيام لحياة الناس بدونها، وإذا فاتت حلَّ الفساد وعمت الفوضى واختل نظام الحياة، وهذه الضرورات هي: (حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل)(4)،. . . والحاجيات هي التي

(1) كتاب تأسيس النظر، تأليف: أبي زيد عبد اللَّه بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي، الطبعة الثانية:(1415 هـ - 1994 م)، عن مكتبة الخانجي، القاهرة وكتاب قواعد الأحكام. . لعز الدين. . . يتكون من جزءين في مجلد واحد، الطبعة الثانية:(1408 هـ - 1988 م)، عن دار الجبل - بيروت.

(2)

كامل موسى: المدخل إلى التشريع الإسلامي: ص: (47)، الطبعة الأولى:(1410 هـ - 1989 م)، عن مؤسسة الرسالة - بيروت.

(3)

انظر: كامل موسى: المدخل إلى التشريع الإسلامي: ص: (47، 48، 50، 52)، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: مناع خليل القطان: الشريعة الإسلامية: ص: (59، 60)، الطبعة الثانية:(1404 هـ - 1984 م)، عن الدار السعودية للنشر. .، جدة.

(4)

الشاطبي: الموافقات: (2/ 8)، (مرجع سابق).

ص: 348

يحتاج إليها الناس ليعيشوا بيسر وسعة، وإذا فاتتهم لم يختل نظام الحياة ولكن يلحق (المكلفين -على الجملة- الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة. . . أما التحسينات فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق)(1)،. . . وإذا فاتت هذه -أيضًا- فلا يختل نظام الحياة ولا يصيب الناس حرج ولكن تخرج حياتهم عن النهج الأقوم وما تستدعيه الفطر السليمة والعادات الكريمة، والشريعة جاءت لتحقيق وحفظ الضروريات والحاجيات والتحسينات، وبهذا حفظت مصالحهم) (2).

وبناءً على ذلك فإنَّ الأحكام الشرعية تتفاوت بصفة أو أخرى بحسب درجة تلك المقاصد (3)، وتسعى لتحقيقها في عامة الأمة (بدون حرج ولا مشقة، فتجمع بين مناحي مقاصدها في التكاليف والقوانين مهما تيسر الجمع، فهي ترتقي بالأمة من الأدون من نواحي تلك المقاصد إلى الأعلى بمقدار ما تسمح به الأحوال وتيسر حصولها؛ وإلا فهي تتنازل من الأصعب إلى الذي يليه مما فيه تعليق الأهم من المقاصد)(4)، وهذا الوجه يسهم في (دوام أحكام الشريعة للعصور والأجيال)(5).

(1) الشاطبي: المرجع السابق نفسه: (2/ 8).

(2)

عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (41)، (مرجع سابق).

(3)

انظر: يوسف القرضاوي: مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (81، 82)، (مرجع سابق)، وقد ساق نماذج من ذلك التفاوت بدءًا بما حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم في عهد الخلفاء الراشدين، ثم في عهد عمر بن عبد العزيز، ثم ما أفتى به الفقهاء وكان متفاوتًا في الأحكام بالنظر إلى مقاصد الشريعة.

(4)

محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية، ص:(76، 77)، (مرجع سابق).

(5)

المرجع السابق نفسه: ص: (15).

ص: 349

ومهما تشعبت آراء الفقهاء في تفاصيل المقاصد وتطبيقاتها (1) إلا أنَّ هناك قدرًا مشتركًا -في الأعم الأغلب- فيما بينهم حول (أهمية الاعتماد على الكليات التشريعية وتحكيمها في فهم النصوص الجزئية وتوجيهها، وهو نوع من رد المتشابهات إلى المحكمات، والجزئيات إلى الكليات، فكليات الشريعة ومقاصدها العامة، هي أصول قطعية لكل اجتهاد، ولكل تفكير إسلامي)(2).

ويرى بعض الباحثين أنَّ ما أقدم عليه علماء الأمة بعد الصدر الأول من تاريخها من (بيان علل الأحكام وغايات الإسلام ومقاصد الشريعة وأهدافها، فبينوا أن لكل حكم من أحكام الإسلام وظيفة يؤديها وغاية يحققها وعلَّة ظاهرة أو كامنة يعمل لإيجاده، ومقصدًا وهدفًا يقصده ويستهدفه لتحقيق مصلحة للإنسان، أو دفع مفسدة ومضرة عنه)(3)، إنَّ ذلك كله وما دار في إطاره يمكن الاعتماد عليه كمنهج في فهم الشريعة الإسلامية وبخاصة ما تميَّز به الشاطبي في هذا المضمار، وأنَّ ما سمي بـ (نظرية المقاصد عند الشاطبي)(4) يمكن أن يعاد لها الاعتبار (ولابدَّ من وضعها في المقام الأول، ثم يرتب ماعداها عليها. وهذه خطوة ضرورية لإعادة تشكيل العقل المسلم، ولإعادة ترتيب موازينه وأولوياته، ذلك أن

(1) انظر: خلاصة آراء الفقهاء بصدد تعديل الأحكام الشرعية على أساس المصلحة العامة لدى: أحمد زكي يماني: الشريعة الخالدة ومشكلات العصر: ص: (41 - 46)، الطبعة الثالثة:(1402 هـ - 1983 م)، عن الدار السعودية للنشر والتوزيع - جدة.

(2)

طه جابر العلواني: مقدمة كتاب: أحمد الريسوني: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي: ص: [د]، الطبعة الثانية:(1412 هـ - 1992 م)، عن الدار العالمية للكتاب الإسلامي - الرياض.

(3)

المرجع السابق نفسه، ص:[أ].

(4)

انظر: أحمد الريسوني: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، (المرجع السابق نفسه).

ص: 350

من أهم مظاهر أزمة العقل المسلم: اختلال الموازين والأولويات التي وضعها الإسلام في نصابها، فوقع فيها -على مرِّ العصور- تقديم وتأخير، وتفخيم وتقزيم، على خلاف وضعها الحق) (1).

وفي ختام هذا يحسن الربط بين الشريعة الإسلامية بخصائصها ومنطلقاتها وغاياتها وبين ما قاله ابن منظور في معناها اللغوي من أنَّ (العرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماء عدًّا لا انقطاع له، ويكون ظاهرًا معينًا لا يسقى بالرِّشاء)(2)، فإنَّ هذا المعنى متحقق في الشريعة الإسلامية وهي بخصائصها التي سبق شرح مجملها تعد من مقومات تميُّز الأمة الإسلامية ذلك التميُّز الذي تسنَّم القمة في تاريخ الأمم والشرائع عندما أنزل الحق سبحانه وتعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وكانت حكومة الرسول صلى الله عليه وسلم النموذج الأمثل في تطبيق الشريعة، والسلطة السياسية التي تنفذها وتشرف على تطبيقها (3)؛ دستورها كتاب اللَّه وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم سارت الأمة منذ عهد الصحابة والسلف الصالح وحتى العصر الحاضر، وإلى أن يأتي أمر اللَّه في ظل هذه الشريعة الخالدة، (ومن الحقائق المسلمة أن الشريعة الإسلامية قد وسعت العالم الإسلامي كله على تنائي أطرافه وتعدد أجناسه، وتنوع بيئاته الحضاريَّة، وتجدد مشكلاته الزمنيَّة. . . وأنَّها -بمصادرها ونصوصها وقواعدها- لم تقف يومًا من الأيام مكتوفة اليدين أو مغلولة الرجلين، أمام وقائع الحياة المتغيِّرة. . وأنَّها ظلت القانون المقدس المعمول به في بلاد الإسلام

(1) طه جابر اللواني: مقدمة المرجع السابق نفسه: ص: [د].

(2)

لسان العرب: مادة (شرع)، (مرجع سابق).

(3)

انظر: علي عبد الحليم محمود: الغزو الفكري. .: ص: (67، 68)، (مرجع سابق).

ص: 351

حوالي ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، إلى أن جاء عهد الاستعمار الغربي الذي استبدل بها تشريعاته الوضعية. . .) (1)، ثم استمرت بعض تلك القوانين كأثر من آثار الاستعمار ولأسباب أخرى، منها الاعتماد على بعض التأويلات للنصوص الشريعة التي تنص على وجوب تطبيق الشريعة بما يبرر هذا الواقع (2)، ومنها الجهل بمكانة الشريعة وشمولها وكمالها، ومنها التأثر بالثقافة الغربية والغزو الفكري ومخططات أعداء الأمة الإسلامية (3).

على أنَّ هناك أسبابًا أخرى تعود لما أصاب الفقه الإسلامي في بعض أطواره من (الضعف والركود والتوقف عن سيرة الأول شيئًا فشيئًا، [والجنوح] إلى التقليد والتزام مذاهب معيَّنة لا يحيد عنها، ولا يميل حتى وصل الحال إلى الإفتاء بسد باب الاجتهاد)(4).

وممَّا ينبغي ذكره في هذا الصدد أنَّه على الرغم من هذا الواقع فإنَّ هناك جهودًا قام بها الفقهاء ومجتهدي الأمة حفظت للأمة الإسلامية تميُّزها من خلال المؤلفات التي أنجزوها، والتجديد الذي سلكوه (5).

(1) يوسف القرضاوي: وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية (ضمن بحوث): وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية والشبهات التي تثار حول تطبيقها: ص: (71)، (من البحوث المقدمة لمؤتمر الفقه الإسلامي الذي عقدته جامعة الإمام بالرياض سنة:(1396 هـ)، (مرجع سابق).

(2)

انظر: خلاصة تلك التأويلات ونقدها لدى: أحمد محمد جمال: وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، ص:(317، 319)، (المرجع السابق نفسه).

(3)

انظر: مناع القطان: وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية: ص: (213 - 216)، (المرجع السابق نفسه)، ولمزيد من المعرفة بذلك. انظر: مناع القطان: معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى:(1411 هـ - 1991 م)، عن مكتبة وهبة - القاهرة.

(4)

عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: ص: (122)، (مرجع سابق).

(5)

انظر: محمد الدسوقي وأمينة الجابر: مقدمة في دراسة الفقه الإسلامي: ص: (234، =

ص: 352

وفي العصر الحديث ظهرت اهتمامات تمثلت في (دراسة الفقه الإسلامي دراسة مقارنة وإظهار مزاياه وخصائصه وكثرة التأليف في مباحثه وظهور المبرزين فيه الجامعين بين الثقافة القانونية والثقافة الشرعية)(1)، وعلى الرغم مما يكتنف هذه الاهتمامات من المخاوف والمحاذير إلا أن الأمل معقود في (أن يزداد الاهتمام بالشريعة الإسلامية وفقهها حتى تعود إلى مكانتها الأولى وتسترد سيادتها القانونية، وتمد هي والفقه الإسلامي [الأمة الإسلامية] بالتشريعات اللازمة في جميع شؤونها كما كان الأمر في السابق)(2).

وكما شهد بعض رجال الديانة النصرانية ورعاياها بفضل الشريعة الإسلامية، وما تتسم به من الرحمة والعدل والإحسان والمساواة في بداية انتشار الإسلام فقد دار التاريخ دورته، وعاد المنصفون من الغربيين ليؤكدوا الشهادة ذاتها.

فأمَّا في بداية انتشار الإسلام، و (لمَّا بلغ الجيش الإسلامي وادي الأردن بقيادة أبي عبيدة كتب أهالي هذه البلاد المسيحيون إلى العرب يقولون: يا معشر المسلمين! أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا، إنَّكم أوفى لنا وأرأف بنا، وأكف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا) (3).

= 235)، (مرجع سابق)، "حيث أوردا نماذج من علماء الأمة مثل ابن تيمية وابن قيم الجوزية والعز بن عبد السلام. .، وغيرهم، وألمحا لجهودهم في الاجتهاد ومحاربة التقليد).

(1)

عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة. .: ص: (129)، (المرجع السابق نفسه).

(2)

المرجع السابق نفسه: ص: (128).

(3)

محمد يوسف موسى: الإسلام وحاجة الإنسانية إليه: ص: (282)، (مرجع سابق). ذكره الأزدي في كتابه: تاريخ فتوح الشام: ص: (155، 156)، تحقيق عبد المنعم =

ص: 353

وأما في العصر الحديث: (فهذا مؤتمر القانون المقارن المعقود في لاهاي سنة 1937 م الذي حضره مفكرون وباحثون من الغرب ومن مختلف أنحاء العالم وشاركوا فيه، يقرر:

1 -

اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا من مصادر التشريع العام.

2 -

اعتبار الشريعة الإسلامية شريعة حيَّة.

3 -

اعتبارها قائمة بذاتها ليست مأخوذة عن غيرها) (1).

وإذا كانت المملكة العربية السعودية الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تطبق الشريعة الإسلامية تطبيقًا كاملًا، ويستمد الحكم فيها (سلطته من كتاب اللَّه وسنة رسوله، وهما الحكمان على جميع أنظمة الدولة)(2)، وأنَّ الحكم فيها يقوم (على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية)(3)، فإنها قد حققت تميُّزًا لفت نظر العالم من

= عبد اللَّه عامر، طبعة مؤسسة سجل العرب، القاهرة، (1970 م)، وذكر البلاذري عن أهل حمص أنهم قالوا للمسلمين (لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغش ولندفعن جند هرقل مع عاملكم)، فتوح البلدان: ص: (143)، تحقيق رضوان محمد رضوان، عن دار الكتب العلمية، (1412 هـ - 1991 م)، بيروت، وانظر: أحمد محمود الحوفي: سماحة الإسلام، العدد الرابع من سلسلة: دراسات إسلامية، عن مكتبة نهضة مصر بالفجالة القاهرة (بدون تاريخ): ص: (90).

(1)

السيد محمد علوي مالكي: كمال التشريع الإسلامي، محاضرة مدرجة في ندوة المحاضرات (مجموعة محاضرات ثقافية للموسم:(1393 هـ/ 1394 هـ و 1394 هـ/ 1395 هـ، برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة): ص: (4)، عن دار عكاظ للطباعة والنشر - جدة، وانظر: كامل موسى: المدخل إلى التشريع الإسلامي: ص: (189، 190)، (مرجع سابق).

(2)

النظام الأساسي للحكم، الرقم [أ / 90]، التاريخ:(27/ 8/ 1412 هـ)، الباب الثاني، المادة السابعة، منشور بملحق المجلة العربية:(1414 هـ - 1993 م): ص: (13).

(3)

المرجع السابق نفسه: ص: (13)، المادة الثامنة.

ص: 354

حولها وأظهر كبار رجال القانون والفكر في الغرب إعجابهم بذلك، يقول المستر (ماك برايد):(من هنا ومن هذا البلد الإسلامي [أي: المملكة العربية السعودية] يجب أن تعلن حقوق الإنسان لا من غيره من البلدان، وإنَّه يتوجب على العلماء المسلمين أن يعلنوا هذه الحقائق المجهولة عند الرأي العام العالمي، والتي كان الجهل بها سببًا لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين والحكم الإسلامي عن طريق أعداء الإسلام والمسلمين. . .)(1).

وقال آخر: (إني بصفتي مسيحيًا أعلن أنَّه هنا في هذا البلد الإسلامي يعبد اللَّه حقيقة، وأنَّ أحكام القرآن في حقوق الإنسان: هي بلا شك تفوق على ميثاق حقوق الإنسان)(2).

* * *

(1) نقلًا عن: ندوة علمية فيما بين فريق من كبار علماء المملكة العربية السعودية وبين فريق من كبار رجال القانون والفكر في أوروبة حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام، يلحق بها مذكرة حكومة المملكة العربية السعودية حول شريعة حقوق الإنسان في الإسلام وتطبيقها في المملكة، الموجهة للهيئات الدولية المختصة: ص: (41، 42)، الطبعة الثانية:(1407 هـ - 1986 م)، نشر وزارة الإعلام - المملكة العربية السعودية من وقائع الندوات الثلاث التي نظمتها وزارة العدل في المملكة العربية السعودية، ابتداء من يوم الأربعاء: 7 صفر 1392 هـ - الموافق 22 مارس 1972 م. وانظر: ص: (3 - 6)، المرجع السابق نفسه، لمزيد الاطلاع على أسماء المشاركين في الندوة من الطرفين والتعريف بهم.

(2)

نقلًا عن المرجع نفسه: ص: (42).

ص: 355