المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نماذج من تعريفات العلماء والمفكرين لمدلول (الأمة) في الفكر الإسلامي وتحديد مصطلح (الأمة) في البحث - دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه - جـ ١

[إسحاق السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌ في التفسير وعلوم القرآن:

- ‌ وفي السنة النبوية وشروحها:

- ‌ وفي الفقه وما يتصل به:

- ‌ وفي السيرة النبوية:

- ‌ وفي العقيدة والتوحيد:

- ‌ وفي مجال الدراسات المعاصرة المتميزة:

- ‌مقدمة الدراسة: بين يدي تميز الأمة الإسلامية

- ‌المقدمة

- ‌ظاهرة التميز بين التاريخ والدين:

- ‌الدراسات السابقة في تميز الأمة الإسلامية:

- ‌المنهج في دراسة تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه وخطة البحث فيه:

- ‌أولًا: جمع المادة العلمية:

- ‌ثانيًا: خطة البحث:

- ‌فكرة تقسيم الدراسة في خمسة كتب:

- ‌الفصل الأول مفهوم تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌مفهوم تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌اشتقاق التميُّز اللغوي

- ‌من مجموع هذه النقول يتضح الآتي:

- ‌صلة التميُّز بالأمة الإسلامية

- ‌ مصطلح التميُّز

- ‌مدلول (الأمَّة) في معاجم اللغة العربية

- ‌مدلول الأُمَّة في القرآن الكريم

- ‌جاءت الأمة في القرآن الكريم:

- ‌خلاصات لمعاني (الأُمَّة) في اللغة العربية والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف واستنتاجات

- ‌نماذج من تعريفات العلماء والمفكرين لمدلول (الأمَّة) في الفكر الإسلامي وتحديد مصطلح (الأمَّة) في البحث

- ‌مفهوم الأمَّة الإسلامية

- ‌معنى الإسلام

- ‌الإسلام إذا وصفت به الأمة

- ‌منزلة تميُّز الأمة الإسلامية

- ‌كون التميز سنة من سنن اللَّه في خلقه

- ‌الأمر به والثناء على من حققه والوعد المترتب عليه

- ‌التعريض بمن لم يرعَ التميُّز والوعيد المترتب على عدم تحقيقه

- ‌الحالة الأولى: حالة المن والعطاء:

- ‌الحالة الثانية: حالة الجحود، أو موقف بني إسرائيل من هذا المن ومن ذلك العطاء:

- ‌الحالة الثالثة: حالة الانتقام والجزاء:

- ‌النهي عن التشبه بأهل الكتاب وأهل الجاهليَّة

- ‌1 - المراد بالتشبه المنهي عنه

- ‌2 - النهي عن التشبه في مجال العقيدة:

- ‌3 - النهي عن التشبه في مجال العبادة:

- ‌4 - النهي عن التشبه في مجال الشعائر والمظهر العام:

- ‌ضرورة‌‌ إبراز ذاتية الأمة الإسلامية وصقلها وإظهار سمتها وسماتها

- ‌ إبراز ذاتية الأمة الإسلامية وصقلها وإظهار سمتها وسماتها

- ‌تجسيد القدوة في ذاتية الأمة الإسلامية وإظهارها للإنسانية

- ‌بناء قدرة الأمة الإسلامية على مواجهة الصراع الحضاري

- ‌الفصل الثانى الاستشراق والمستشرقين

- ‌مفهوم الاستشراق والمستشرقين

- ‌تعريف الاستشراق:

- ‌أ- تعريفه لغة:

- ‌ب- تعريفه اصطلاحًا:

- ‌مسلمات حول مفهوم الاستشراق والمستشرقين وملحوظات:

- ‌لمحة موجزة عن تاريخه

- ‌جذور نشأة الاستشراق

- ‌ومن هنا نشأت حركة الاستشراق لتحقيق الآتي:

- ‌الاستنتاجات والملحوظات حول نشأة الاستشراق:

- ‌الصلات الثقافية بين الإسلام والغرب في الأندلس وصقيلية

- ‌أثر الاستشراق في الحروب الصليبية وأثرها في الاستشراق

- ‌تطور الاستشراق

- ‌العوامل التي ساعدت على تطور الاستشراق

- ‌وفيما يأتي إبراز لأهم تلك العوامل والتطورات:

- ‌ومن أبرز ما يمثل هذا الاتجاه:

- ‌وفيما يأتي توضيح لأبرز هذه المستجدات:

- ‌دوافع الاستشراق ومظاهر نشاطه

- ‌أولًا: الدوافع الاستشراقية:

- ‌1 - الدافع الديني:

- ‌2 - الدافع السياسي:

- ‌3 - الدافع الاقتصادي:

- ‌4 - الدافع العلمي:

- ‌ثانيًا: مظاهر النشاط الاستشراقي:

- ‌حاضر الاستشراق ومستقبله وعوامل قوته واستمراره

- ‌1 - نقد الساسة الغربيين للاستشراق والمستشرقين

- ‌2 - وجهة نظر الباحث حول حاضر الاستشراق والمستشرقين ومستقبلهم:

- ‌3 - عوامل قوة الحركة الاستشراقية واستمرار المستشرقين:

- ‌العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌تعريف العقيدة لغة واصطلاحًا

- ‌خصائص العقيدة الإسلاميَّة

- ‌أ- كونها عقيدة الفطرة:

- ‌ب- الوضوح واليسر:

- ‌ج- استقلال منهجها في الاستدلال عن الطرائق الفلسفيَّة:

- ‌فالأدلة الكونية:

- ‌والأدلة النفسية:

- ‌والأدلة العقليَّة:

- ‌د- الانضباط وملازمة الحق والانتصار له:

- ‌أثر العقيدة في الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌ويُمكن رصد بعض آثار العقيدة في الأُمَّة الإسلاميَّة في الآتي:

- ‌موقف المستشرقين من العقيدة الإسلامية

- ‌أولًا: صورة العقيدة الإسلاميَّة لدى الغرب في العصور الوسطى:

- ‌ثانيًا: نماذج من آراء المستشرقين في العقيدة الإسلاميَّة:

- ‌ثالثًا: الرد على أقوالهم:

- ‌أمَّا الرد على أقوال المستشرقين السابقة فهو على النحو الآتي:

- ‌الشريعة

- ‌تمهيد

- ‌‌‌تعريف الشريعة لغةواصطلاحًا

- ‌تعريف الشريعة لغة

- ‌تعريف الشريعة اصطلاحًا:

- ‌أهمية النظام في الكون والحياة

- ‌حاجة البشرية إلى النظام

- ‌ويدفع البشر إلى التجمع دوافع عدة من أهمها:

- ‌أولًا: الدافع النفسي:

- ‌ثانيًا: الدافع المادي:

- ‌ثالثًا: الدافع الأمني:

- ‌وهنا يأتي السؤال من الذي ينظم

- ‌قصور العقل البشري عن تشريع النظم

- ‌لمحة موجزة عن حال الأمم في ظل بعض النظم البشرية

- ‌خصائص الشريعة الإسلامية

- ‌موقف المستشرقين من الشريعة الإسلامية

- ‌ويعالج البحث هنا الدعوى من جانبين:

- ‌الجانب الأول:

- ‌أولًا: القانون الروماني:

- ‌ثانيًا: التلمود اليهودي:

- ‌ثالثًا: التعاليم النصرانية:

- ‌رابعًا: أعراف العرب وتقاليدهم قبل الإسلام:

- ‌الجانب الثاني: نقد أقوال المستشرقين حول الشريعة:

- ‌وفي ضوء ما سبق يمكن نقد أقوال المستشرقين واستدلالاتهم في النقاط الآتية:

- ‌نقد الدعوى الأولى: دعوى التأثر بالقانون الروماني:

- ‌نقد الدعوة الثانية: دعوى التأثر بالتلمود اليهودي:

- ‌نقد الدعوى الثالثة: دعوى التأثر بالتعاليم النصرانية:

- ‌الدعوى الرابعة: دعوى التأثر بأعراف العرب وتقاليدهم قبل الإسلام:

- ‌الأخوة ووحدة الأمة الإسلامية

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الأخوة في اللغة والاصطلاح

- ‌منهج الإسلام في تقرير الأخوة، ووحدة الأمة

- ‌أثر الأخوة في تميز الأمة الإسلامية، ووحدتها

- ‌موقف المستشرقين من الأخوة ووحدة الأمة الإسلامية

الفصل: ‌نماذج من تعريفات العلماء والمفكرين لمدلول (الأمة) في الفكر الإسلامي وتحديد مصطلح (الأمة) في البحث

‌نماذج من تعريفات العلماء والمفكرين لمدلول (الأمَّة) في الفكر الإسلامي وتحديد مصطلح (الأمَّة) في البحث

إنَّ المتأمل في استعمال لفظ (أُمَّة) في اللغة، والقرآن الكريم، والحديث النبوي، والتراث الإسلامي، يجده يشتمل على اعتبارات متنوعة قد يُنَصُّ على بعضها، وقد يتضمن بعضها الآخر، وهذه الاعتبارات هي:(الجماعة والاجتماع أو الذات والفعل، أو الوحدة في الأصل، أو المنشأ، أو المرجع والمصير، أو الجهة، أو القصد، أو العلاقة والرابطة، أو الزمان، أو المكان).

لذلك فإنَّ معظم من عرَّف الأمَّة تناولها في بعض معانيها دون بعض، أو ركز على بعض الاعتبارات في مدلولها وغاب عنه بعضها الآخر، وللمثال على هذا استعرض نماذج من تعريفات المفكرين لمدلول (الأمَّة) في الفكر الإسلامي فيما يأتي:

1 -

عرَّفها الراغب الأصفهاني بقوله: (الأمَّة: كل جماعة يجمعهم أمر واحد، أو زمان واحد أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرًا أو اختيارًا، وجمعها أمم)(1).

2 -

عرَّفها الحكيم الترمذي بتعريفات كثيرة، منها قوله:(الأمَّة هي الجماعة التي يؤمَّها الناس ويقصدونها. . فإنَّما صارت الأمَّة في هذا المكان الجماعة لأنَّ الذي يقصده الناس ويبصرونه: إنَّما يبصرون الكثرة المجتمعة حتى يقصدونها)(2).

(1) مفردات ألفاظ القرآن. . ص: (86)، (مرجع سابق). وانظر: الكفوي: الكليات. . ص: (176)، (مرجع سابق).

(2)

الحكيم الترمذي: تحصيل نظائر القرآن. . ص: (82)، تحقيق: حسني نصر زيدان، الطبعة الأولى، 1389 هـ - 1969 م، عن مطبعة دار السعادة، القاهرة.

ص: 91

3 -

عرَّفها أبو البقاء بأنَّها (تسمَّى الجماعة من حيث تؤمُّها الفرق)(1).

4 -

عرَّفها الطبري بأنَّها: (جماعة من الناس تجتمع على دين واحد وملة واحدة. . ثم تستعمل في معانٍ كثيرة ترجع إلى معنى الأصل)(2).

5 -

عرَّفها البغوي في موضع من تفسيره بأنَّها (اتِّباع الأنبياء)(3). وقال في موضع آخر: (وأصل الأمَّة الجماعة التي هي على مقصد واحد، فجعلت الشريعة أمَّة واحدة لاجتماع أهلها على مقصد واحد)(4).

ويوافق البغوي في تعريفه للأمَّة بأنَّها: (اتباع الرسل)، بعض المفكرين المعاصرين مثل علي عبد الحليم محمود إذ قال في تعريفها:(جماعة من الناس لهم رسول)(5) وقال: بأنَّها وردت في القرآن بهذا المعنى.

وعند التأمل يلحظ إنَّ في القرآن الكريم تصنيفًا للخليقة بعامة وللبشرية بخاصة إلى أمم متعددة ومتنوعة، والأمة في معناها البشري من أرسل إليهم رسول من مكذب به ومصدِّق (6)، ولكل أمَّة رسول وكتاب وأجل ومنسك ويوم العرض الأكبر يأتي كل نبي، وتأتي معه أمته وهو عليها شهيد وإمام، ويؤتى معها بكتابها.

وعلى هذا فإنَّ تعريف الأمَّة بجماعة الرسل أو اتباع الرسل ليس تعريفًا جامعًا مانعًا.

(1) أبو البقاء الكفوي: الكليات. .: ص: (181)، (مرجع سابق).

(2)

نقلًا عن: فرحات: الأمَّة. .: ص: (16)، (مرجع سابق).

(3)

معالم التنزيل: (1/ 151)، (مرجع سابق).

(4)

المرجع نفسه: (5/ 353).

(5)

مع العقيدة والحركة والمنهج في خير أمَّة أخرجت للناس: ص: (19)، (مرجع سابق).

(6)

انظر: الكفوي: الكليات. .: ص: (176)، (مرجع سابق).

ص: 92

6 -

وعرَّفها سيد قطب بقوله: (هي الجماعة التي تنتسب إلى عقيدة واحدة من كلِّ جنسٍ ومن كلِّ أرض)(1).

7 -

وعرَّفها محمد المبارك بقوله: (إذا عملت عوامل التوحيد والصهر والانسجام في شعب من الشعوب كالاشتراك في اللغة والحياة المشتركة الطويلة أي التاريخ والثقافة والمعتقدات والمبادئ والأفكار والعادات والأخلاق، قألفط منه وحدة اجتماعية حيَّة نسميها أمَّة)(2).

8 -

عرَّفها فاروق الدسوقي بقوله: (الأمَّة -حسب المصطلح القرآني- هي جماعة من الناس تؤمن بعقيدة واحدة، وتعيش بمنهج حياة واحد. وبعبارة واحدة: هي جماعة تدين بدين واحد)(3).

ثمَّ يواصل الشرح بقوله: (ولا يهم بعد ذلك أن تتمثل هذه الأمَّة في فرد واحد أو عدد قليل من الناس، أو في جماعة أو في دولة أو مجموعة دول وشعوب مختلفة.

ولا يشترط أن تعيش الأمَّة في إقليم جغرافي واحد أو تنتسب إلى أصل عصبي أو قبلي واحد. فالأمَّة إذًا تختلف عن القبيلة أو العشيرة، حيث القبيلة جماعة من الناس يجمعهم انتسابهم إلى جدٍّ، فهذه الأخيرة رابطة عرقية أو عصبية، وكذلك تختلف الأمَّة عن الشعب، حيث الشعب هو جماعة من الناس يجمعهم الإقليم الجغرافي الواحد.

وبذلك يتضح لنا أنَّ اختلاف الناس إلى قبائل وشعوب أمر حتمي جبري، جعله اللَّه من طبائع الناس وأحوالهم على الأرض من حيث إنَّ

(1) في ظلال القرآن: (1/ 117)، (مرجع سابق).

(2)

الأمة والعوامل المكونة لها: ص: (31، 32)، (مرجع سابق).

(3)

مقومات المجتمع المسلم. .: ص: (122)، (مرجع سابق).

ص: 93

اختلاف البيئات الجغرافية يجعل منهم شعوبًا، واختلاف الأجداد الذين تنحدر منهم كل جماعة يجعل منهم قبائل وعشائر) (1).

ويستشهد على ذلك بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحجرات: 13].

9 -

يرى العقاد بأنَّ (مونتجومري وات) في كتابه (الإسلام والجماعة المتحدة) قد أصاب في التنويه بمعنى (أمَّة) في العقيدة الإسلامية، واعتبر أنَّه معنى فريد تميَّز به الإسلام، ولم يكن له مرادف بمعناه في لغة من اللغات قبل الإسلام ولا بعده. . ثم يعقد مقارنة بين الكلمات التي تقابل كلمة (أمَّة) في اللغات الأوروبية وبين كلمة (أُمَّة) في اللغة العربية والإسلام (2) على النحو الآتي:

- فكلمة nation التي تقابل هذه الكلمة في اللغات الأوروبية مأخوذة في أصلها من معنى الولادة، ومفادها أن الولادة في مكان واحد هي الرابطة التي تكسب أبناء الوطن حقوق هذه الوحدة الإجتماعية.

- وكلمة people تقابل عندهم كلمة الشعب أحيانًا باللغة العربية، وترجع في أصلها إلى السكن والإقامة.

وكلا المعنيين -معنى الولادة ومعنى السكن- قاصر عن الدلالة على القومية (3) كما يفهمها علماء التعريفات الاجتماعية والسياسية في عصرنا

(1) مقومات المجتمع المسلم: ص: (122)، (المرجع السابق نفسه).

(2)

انظر ما يقال عن الإسلام: ص: (149)، (مرجع سابق). وانظر: عمر إبراهيم: مفهوم الأمَّة بين لغة وأخرى، مجلة الفكر العربي المعاصر، (مرجع سابق).

(3)

علَّق سيد قطب في الظلال: (3/ 1445)، (مرجع سابق)، على ما نقله عن المودودي: الجهاد في سبيل اللَّه إذ قال: (إنَّما حسبوا المسلمين أُمَّة (nation) بالمعنى الذي تستعمل فيه هذه الكلمة في عامَّة الأحوال) بقوله: (يعني أمَّة قومية وهي التي تطلق على =

ص: 94

الحاضر، وأصبح منها أن تكون رابطة الأُمَّة هي رابطة الاشتراك في وجهة عامَّة كما سبقت بها دلالاتها في الآيات القرآنية.

إلا أننا لا ننسى في هذا المقام أن نعود إلى الناحية اللغوية لنعرف مدلول اللفظ في اللغة ومدلوله في الاصطلاح بعد الدعوة المحمدية (1).

فاستقبال الجهة أصيل في كثير من الكلمات التي تفيد معنى الوحدة الاجتماعية باللغة العربية وإن قلَّ عددها بالنسبة إلى الأقوام الكثيرة:

- فالقبيلة -وهي أصغر من الأمَّة ومن القوم- تطلق على الذين يستقبلون جهة واحدة في السكن والمرعى.

- والفئة -وهي أصغر من القبيلة- تطلق على الذين يفيئون إلى ظلٍّ واحد.

- والقوم -وقد يكونون قبيلة واحدة أو قبائل متعددة على عهد بينهما- هم جماعة يقومون معًا في أمور الحرب والسلم، ويغلب أن يكون قيامهم معًا بأمور الحرب أعم في بداية الأمر من القيام معًا بسائر مهام المعيشة، ولهذا كان المفهوم من القوم أولًا جماعة الرجال دون النساء، قبل أن تعم الرجال والنساء أجمعين.

فمعنى الوجهة أصيل في اللغة العربية للدلالة على وحدة الجماعة،

= اللفظة (السابقة) وإلا فالمسلمون أمَّة بالمصطلح الإسلامي وهي الجماعة من الناس المجتمعة على عقيدة الإسلام، المنتظمة في تجمع قائم على هذا الأساس، الخاضعة لقيادة تنفذ شريعة اللَّه).

(1)

لمسمَّى (المحمدية) في كتابات بعض المستشرقين مدلول معاد لحقيقة الإسلام وسيأتي شرح ذلك في موضعه. وانظر: محمد مهدي شرف الدين: بين الجاهلية والإسلام ص: (43)، الطبعة الثالثة 1407 هـ عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع - بيروت.

ص: 95

ولكن القرآن الكريم قد جاء بكلمة الأمَّة في معارض كثيرة تفيد معنى السبط من القبيلة، كما تفيد معنى الجماعة الكبرى التي تحيط بشعوب كثيرة.

فمن هذه الدلالة القرآنية لزمت وحدة الوجهة معنى الأمَّة في مواضعها الكثيرة، وحق لمؤلف كتاب: الإسلام والجماعة الموحدة، أن يعتبر هذه الفكرة -فكرة القبلة الروحية- عصمة من التفرق وينبوعًا لكل دعوة ترد إلى حظيرة الإسلام كل من يخالفون الجماعة باسم (الوحدة) وسعيًا إلى التوفيق فقد تعلقت آمال المسلمين على الزمن بهذه القبلة الموثوقة، كأنَّها الأفق المشرق الذي لا يغيب عنه الضياء، ولا ينقطع دون الرجاء) (1).

والحقيقة أنَّ فهم (مونتجومري وات) لمعنى (أمَّة) يُعَدُّ من العمق بمكان، وقد أطلق عليها بالإنجليزية dyhamic Imdge وترجمها العقاد بمعنى (الطيف) أو المثال الذي يحفز السائر إلى الحركة والتقدم ويهون عليه مشقة الطريق. . يقول العقاد: وأقرب من ذلك باللغة العربية أن نسميها: (القبلة الموجهة) أو (القبلة المستجابة؛ لأنَّها كلمة موافقة لشعائر الإسلام)(2).

بعد هذه الاقتباسات المتفرقة في تعريف الأمَّة، والتي تؤكد ما سبقت الإشارة إليه من أنَّ من عرَّف الأمَّة قد تناولها من ناحية، أو ركَّز على معنى دون الآخر. . بعد ذلك كله يظهر إنَّ مصطلح (الأمَّة) بحاجة إلى نظرة تأخذ في الاعتبار الآتي:

1 -

الجماعة في معناها الحسي من حيث القلة والكثرة أو الكم والعدد ومن حيث مجيئها بمعنى الفاعل.

2 -

الجماعة حين تأتي بمعنى المفعول باعتبارها تُؤَمُّ وتُقْصد.

(1) ما يقال عن الإسلام: ص: (149، 150)، (المرجع السابق نفسه).

(2)

المرجع السابق نفسه: ص: (148، 149).

ص: 96

3 -

الحين والسنين والآماد؛ باعتبارها الظرف الزمني للأمَّة.

4 -

القوم الذين يقومون في مكان واحد باعتباره الظرف المكاني للأمَّة، ومما يوضح الظرف المكاني للأمَّة ما ورد لدى المفسرين في معنى النسك باعتباره المكان الذي تؤدي الأمَّة فيه الشعائر والعبادات (1).

5 -

الرجل الجامع للخيرات أو الذي لا نظير له. . باعتباره قام مقام الأمَّة.

6 -

الدين والشرعة والمنهاج والملة والسنة والطريقة، باعتبار ذلك فعل الأمَّة أو الرابطة أو الوجهة أو القصد، ونحو ذلك مِمَّا يكون سبب الاجتماع.

إنَّ مصطلح (الأمَّة) في حاجة إلى صياغة تلم بهذه المدلولات الستة.

ومن الممكن أن يتجاوز المصطلح المكان والزمان باعتبارهما يأتيان ضمنًا في تعريفه، إذ هما لازمان من لوازم الجماعة والاجتماع، فلا بدَّ في ذلك من مكان للجماعة والاجتماع، ولابدَّ من زمن تتكون فيه الجماعة ويحدث فيه الاجتماع.

كما إنَّه من الممكن -أيضًا- استبعاد الرجل الجامع للخير. . من التعريف باعتبار أنَّ إطلاق (الأمَّة) عليه كان إطلاقًا معنويًا أو مرحليًّا، حيث إنَّه قام مقامها أو حلَّ محلَّها أو ناب عنها أو كان لها نواةً وأصلًا أو إمامًا أو اندرج في عداد الأمَّة عبر تاريخها الطويل، وفي كل هذه الاعتبارات فإنَّ إطلاق مسمَّى الأمَّة عليه كان معنويًا.

يبقى التركيز في تعريف المصطلح على الجماعة التي تؤم طريقة أو سنة أو ملة أو دينًا، سواءً كانت الجماعة آمّة بمعنى الفاعل أو مأمومة بمعنى

(1) الطبري: (1/ 605)، (مرجع سابق).

ص: 97

المفعول. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى التركيز فى التعريف على الطريقة أو السنة أو الملة أو الدين التي تقصد وتؤم.

قال أحد الباحثين عن هاتين الركيزتين في تعريف مصطلح الأمَّة: (إنَّ الحل المعتمد لهذه الجدلية -بين الطريقة والجماعة- هي تصور الجماعة المتفقة على طريقة واحدة. وفي هذا الحل يتقدم معنى الطريقة على معنى الجماعة، بحيث إن الجماعة تصبح محدودة ومعروفة بالطريقة التي تتبعها)(1).

ويتابع الباحث قوله وفقًا لاستنتاجاته حول (الأمَّة): إنَّ مصدر هذه الجدلية هو: (تردد الأصل الذي خرجت منه كلمة (أمَّة) بين الفعل (الأمّ)؛ الذي يعني القصد بنية الاقتداء واسم الأمّ، الذي يتضمن معنى المصدر أو المرجع) (2).

ثمَّ يؤكد أنَّ كلمة (أمَّة) -مهما كان أصلها- (تجمع بين معنى القصد والاتجاه، ومعنى التحدر والصدور، وتعرض هذين المعنيين كوجهتين للوحدة القائمة بين مجموعة معينة من الناس، ووجهة الوحدة في المصدر ووجهة الوحدة في الاتجاه)(3).

لعل هذه الاستنتاجات وما سبقها من تعريفات متعددة تفضي إلى مصطلح للأمَّة، وهي مجردة عن الوصف والإضافة فيمكن القول بأنَّ الأمَّة: كل جماعة من الناس لها رؤية شاملة للإنسان والحياة والكون ينبثق عنها منهج متكامل يصبغها بصبغته ويميزها بطابعه.

* * *

(1) ناصيف نصار: مفهوم الأمَّة بين الدين والتاريخ: ص: (22)، (مرجع سابق).

(2)

المرجع السابق نفسه: ص: (22).

(3)

المرجع السابق نفسه: ص: (22).

ص: 98