الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - الدافع الاقتصادي:
ومن الدوافع لدراسات المستشرقين دافع اقتصادي يُعنَي بوسائل كسب الأموال وتنميتها وفتح أسواق للصناعات الغربية في الشرق والحصول على المواد الخام منه، وهذه المصالح دفعت إلى دراسات عدة قام بها المستشرقون عن الشرق وأهله وعاداتهم وطبائعهم وطرائق معيشتهم، وأدى هذا الدافع من جانب آخر إلى البحث عن مصادر المواد الخام والطاقة ونحوها، وإذا كانت مثل هذه الدراسات الاقتصادية تهدف من حيث الأصل إلى الانتفاع بها في أسلوب التعامل مع شعوب العالم الإسلامي في مجالات التبادل التجاري والصناعي والتنمية دون ربط ذلك بالأغراض السياسية إلا أن الاستشراق تجاوز ذلك كله، وانطلق في هذا المجال بروح عنصرية طاغية وأساليب سياسية ملتوية، وقد عبر أحد المفكرين المسلمين عن ذلك بقوله:(ومن الدوافع التي كان لها أثرها في تنشيط الاستشراق، رغبة الغربيين في التعامل معنا لترويج بضائعهم، وشراء مواردنا الطبيعية الخام بأبخس الأثمان ولقتل صناعتنا المحلية التي كان لها مصانع قائمة مزدهرة في مختلف بلاد العرب والمسلمين)(1).
4 - الدافع العلمي:
لا يمكن للباحث في الاستشراق أن يتجاهل الدافع العلمي النزيه لدى نفر من المستشرقين توافروا على دراسة الإسلام ولغته بغية معرفة الحقيقة والتجرد من كل مؤثر، ولكن المناخ الاستشراقي العام في مسار حركته الطويلة لا يساعد هؤلاء على الظهور والانتشار.
وأقصى ما يتحقق في هذا أن يبرز أفراد اتسمت دراساتهم أن بعضها بالتجرد ووصلت إلى نتائج أقرب لحقيقة الإسلام وأكثر إنصافًا للمسلمين،
(1) السباعي: الاستشراق والمستشرقون: ص: (18)، مرجع سابق.
وربما أسلم بعضهم. . . وثمة أسباب جعلت هذا الدافع ضعيفًا وغير منتج في تاريخ الاستشراق والمستشرقين، ومن أبرزها:
أ- العداء الشديد للإسلام الذي سيطر على الشعور العام في الغرب عبر مراحله التاريخية، وقد أسهم الاستشراق فيه بقدر كبير، فإذا ظهر بين الحين والآخر من ينصف الإسلام فإن بحوثه لا تجد (رواجًا لا عند رجال الدين ولا عند رجال السياسة ولا عند عامة الباحثين)(1).
بل رُبَّما أدَّى ذلك إلى أن يعني ذلك المستشرق صنوفًا من الأذى والمتاعب (2).
(1) المرجع السابق نفسه: (19)، وللمثال على محاربة الكنيسة لمن تجرد عن الغرض في دراسته للإسلام انظر: شوقي أبو خليل: كارل بروكلمان في الميزان ص: (5، 6)، مرجع سابق.
وانظر: محمود حمدي زقزوق: الاستشراق ص: (31 - 38)، مرجع سابق، فقد أورد عددًا ممن أنصف الإسلام في بعض القضايا أو سلك مسلكًا جديدًا في دراسة الإسلام أقرب إلى الموضوعية والإنصاف نسبيًا بغض النظر عن المقاصد الحقيقة لذلك التوجه، ومع ذلك فإن أصحاب ذلك الاتجاه حوربوا من قبل الكنيسة.
(2)
والحقيقة إن هذه عادة جرت حتى في العصر الحديث حيث يحارب أولئك الذين يتجردون فيما يكتبون عن الإسلام عن الموروثات البيئية في الغرب وينصفون الإسلام، وللمثال على ذلك ما حدث لرجاء جارودي قبل عقد من الزمان من محاكمة ومضايقات؛ لأنه دافع عن بعض قضايا الأمة الإسلامية، وأعلن إسلامه وقبل فترة وجيزة رفعت دعاوى ضد مراد هوفمان فحواها أنه يقوم في كتاباته بدعاية للإسلام في المجتمع الألماني، انظر: في ذلك صوت البلاد ص: (42 - 45): غارودي في حديث (للبلاد) عن تاريخ فلسطين العدد: (34)، السنة الأولى، الأربعاء:(27)، فبراير:(1985)، عن مؤسسة الديار للطباعة والنشر - قبرص. وانظر: مراد هوفمان: الإسلام هو البديل، نقلًا عن مجلة النور، العدد:(106)، ربيع الأول:(1414 هـ)، ص:(6، 7)، الصادرة عن بيت التمويل الكويتي - الكويت. وانظر: عبد الرحمن حبنكة: أجنحة المكر ص: (131)، مرجع سابق.
ب- عدم توافر الأموال اللازمة التي تحتاجها مثل تلك الدراسات والبحوث؛ لأن جهات الدعم سواء كانت الكنيسة ومؤسساتها أو الهيئات السياسية أو المؤسسات الإعلامية، أو غيرها من دوائر العداء للإسلام والمسلمين، إن كل أولئك لا يبذلون الأموال في العادة إلا لخدمة أهداف محددة تسعى لتشويه الإسلام وتسيء لأمته.
ج- هناك سبب آخر وهو تأثر المستشرق -مهما كان متجردًا ونزيهًا- ببيئته وثقافة مجتمعه ولغته الأصلية ومعطيات الحضارة الغربية، وعندما يدرس الإسلام لا بد أن تعترض دراسته عقبات متنوعة تؤثر على منهجه وما يصل إليه من نتائج (1).
ولعل الهدف الغائي لهذا الدافع هو (إشباع نهم علمي متجرد، وتحصيل معرفة صحيحة تتصل بأمَّة)(2) ذات شخصية متميزة لها مبادئ وقيم وعادات وأعراف وتاريخ وعلم وحضارة.
ومما ينبغي التفطن إليه هو ظهور بعض الدراسات الاستشراقية بمظهر علمي، ولكن يتذرع بها لأهداف مشبوهة وعندئذٍ يخرج هذا عن الدافع العلمي؛ لأنه أصبح غاية أو وسيلة لغاية غير نزيهة، وقد ألمح إليه بعض الباحثين المسلمين في قوله:(ومهما كان حسن الظن متوافرًا في كثير من تكلم الدراسات إلا أن ما كان منها نتيجة غاية علمية، كدراسة بلاشير لتاريخ الأدب العربي، خدمت بطريق مباشر أو غير مباشر غايات عاطفية وعصبية)(3).
(1) انظر: عبد الرحمن حبنكة: أجنحة المكر ص: (130)، مرجع سابق، وانظر: السباعي: الاستشراق ص: (24)، مرجع سابق.
(2)
عبد الرحمن حبنكة: أجنحة المكر ص: (130)، المرجع السابق نفسه.
(3)
محمد عبد اللَّه مليباري: المستشرقون ص: (48)، مرجع سابق، وانظر: السباعي: الاستشراق ص: (20 - 23)، مرجع سابق، وانظر: علي النملة: الاستشراق ص: (36)، مرجع سابق.