الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدلول الأُمَّة في القرآن الكريم
ورد لفظ (أُمَّة) في القرآن الكريم في وجوهٍ كثيرة، وأعطاها القرآن الكريم مضمونًا متميَّزًا كما هو الشأن في ألفاظ كثيرة سواها.
قال ابن فارس في كتابه الصاحبي في فقه اللغة: (فكان ممَّا جاء في الإسلام ذكر المؤمن والمسلم والكافر والمنافق. وأن العرب إنَّما عرفت المؤمن من الأمان، والإيمان وهو التصديق، ثم زادت الشريعة شرائط وأوصافًا بها سمِّي المؤمن بالإطلاق مؤمنًا، وكذلك الإسلام والمسلم، إنَّما عرفت منه الإسلام الشيء، ثمَّ جاء في الشرع من أوصافه ما جاء)(1).
ويستمر ابن فارس في قوله فيذكر الكفر والنفاق والفسق. . . ويذكر الصلاة والركوع والسجود والصيام والحج والزكاة، وأنَّها كانت لمعان لغوية محدودة ثم زادت الشريعة ما زادت، وأنَّ هناك كثيرًا من الألفاظ، كالعمرة والجهاد، وسائر أبواب الفقه سارت على هذا المنوال؛ مما حدا بالعلماء إلى التقسيم اللغوي والشرعي (2).
ومن هذا فإنَّ لفظ (أُمَّة) قد ورد في القرآن الكريم في أوجه عديدة،
(1) ابن فارس: الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها: ص: (83، 84)، تحقيق: أحمد صقر، طبع مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، (بدون تاريخ).
(2)
انظر: المرجع نفسه، ص:(84، 86)، ولمزيد من الاطلاع على أقوال العلماء في مسألة اللغوي والشرعي واختلافهم في ذلك انظر:
- أبا بكر الباقلاني في كتابه (التقريب) وقد نفى الأسماء الشرعية، وذكر بأنَّها مستعملة في عين معانيها اللغوية، وقال بأنَّ الزيادات المعتبرة في الشرع إنَّما هي شروط الإجزاء شرعًا.
- ابن تيمية: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 19/ 235، 236 فصَّل في المسألة اللغوي والشرعي والاصطلاحي، (مرجع سابق).
بعضها بمعناه اللغوي وآخر بمدلوله الشرعي أو الاصطلاحي يحدد معناه السياق الذي جاءت فيه تلك الأوجه، وتناولته كتب التفسير (1)، وعلوم القرآن وبخاصة كتب الأشباه والنظائر (2).
ولعل الراغب الأصفهاني في كتابه: مفردات ألفاظ القرآن ألمَّ بجلِّ تلك الأوجه في قوله: (والأمَّة: كل جماعة يجمعهم أمر واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرًا أو اختيارًا، وجمعها أمم، وقوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38] أي: كل نوع منها على طريقة قد سخرها اللَّه عليها بالطبع، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت، وبانية كالسرافة، ومدخرة كالنمل، ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام، إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع.
وقوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: 213] أي: صنفًا واحدًا
(1) انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: 1/ 36 و 2/ 438، (مرجع سابق).
(2)
انظر من هذه الكتب:
- نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر في القرآن الكريم: جمال الدين بن الجوزي. ص: (142 - 144)، تحقيق: محمد عبد الكريم الراضي، الطبعة الأولى:(1404 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت.
- قاموس القرآن الكريم، أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم: للحسيني الدامغاني، ص:(42)، تحقيق: عبد العزيز سيد الأهل، الطبعة الخامسة:(1985 م)، دار العلم للملايين، بيروت.
- تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: لأثير الدين بن حيان الأندلسي: ص: (51)، تحقيق: سمير المجذوب، الطبعة الأولى:(1403 هـ/ 1983 م)، المكتب الإسلامي، بيروت.
- مفردات ألفاظ القرآن: للراغب الأصفهاني: ص: (86)، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، الطبعة الأولى:(1412 هـ - 1992 م)، دار القلم، دمشق.
وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر (1)، وقوله:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود: 118] أي: في الإيمان، وقوله:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104] أي: جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم، وقوله:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22] أي: على دين مجتمع. . .، وقوله تعالى:{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45] حين، وقرئ: بعد أمة، أي: بعد نسيان، حقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120] أي: قائمًا مقام جماعة في عبادة اللَّه، نحو قولهم: فلان قبيلة. وروي: "أنَّه يحشر زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده"(2).
وقوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمران: 113]، أي: جماعة) (3).
يتضح من قول الراغب أنَّ الأمَّة في القرآن الكريم جاءت على تسعة أوجه، هي (4):
(1) انظر: تفسير هذه الآية لدى ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (1/ 250)، (مرجع سابق)، وفي تفسيرها عدة أقوال منها ما ذكره الراغب أعلاه، ومنها ما روي عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث اللَّه النبيين مبشرين ومنذرين.
(2)
أخرجه الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: (9/ 417)، الطبعة الثالثة:(1402 هـ - 1982 م)، عن دار الكتاب العربي، بيروت، وأصل حديث زيد بن عمرو بن نفيل أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (3/ 1391)، الحديث رقم:[3614/ 3615]، تحقيق: مصطفى ديب البغا.
(3)
الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن: ص: (86، 87)، مادة (أمَّ)، (مرجع سابق).
(4)
انظر: جمال الدين بن الجوزي: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر: ص: =
1 -
كل صنف من الخلق تجمعه طبيعة خاصة أو يجمعه أمر واحد تسخيرًا أو اختيارًا، فهو أمة من الأمم.
2 -
كل الناس كانوا أمة واحدة في الكفر والضلال.
3 -
كل الناس كانوا أمة واحدة في الإيمان، أو بالإمكان أن يكونوا أمة واحدة في الإيمان لو شاء اللَّه.
4 -
الجماعة من الناس تختار الإيمان والعمل الصالح، وتكون أسوة لغيرهم تسمَّى أمة (1).
5 -
المجتمع الذي يجمعه دين واحد يسمَّى أمة.
6 -
تطلق الأمة على الحين (2).
7 -
تطلق الأمة على النسيان.
8 -
الرجل القائم مقام الجماعة يسمَّى أمة.
= (142، 143، 144)، (مرجع سابق).
وانظر: أثير الدين بن حيان الأندلسي: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: ص: (51، 52)، (مرجع سابق).
وانظر: مجد الدين بن يعقوب الفيروزآبادي: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: ص: 79، 80)، تحقيق: محمد علي النجار، المكتبة العلمية، بيروت (بدون تاريخ).
وانظر: الحسين بن علي الدامغاني: قاموس القرآن الكريم أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم: ص: (42، 43، 44)، (مرجع سابق).
(1)
انظر: ابن الأثير: جامع الأصول في أحاديث الرسول: (9/ 205)، (مرجع سابق).
(2)
يرى بعض العلماء بأنَّ إطلاق مسمَّى (أمَّة) على الزمن باعتباره ظرف الأمة فالأمة من الناس تكون في الحين وتنقرض فيه، فأقيم الحين مقامها. قال بهذا الطبري وابن قتيبة. انظر: أحمد حسن فرحات: الأمة. . ص: (19، 20)، (مرجع سابق)، وعلى نحو من هذا قال الراغب:(وحقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين)، مفردات ألفاظ القرآن، ص:(86)، (مرجع سابق).